{صفقة}
عقدَ الفلسطينيُّ صفقةً معَ شجرةِ الزيتونِ،
وضعَ الغصنُ بُذورَهُ في جيوبِ الأطفالِ
المحلّقينَ إلى الجنّةِ،
وذهبَ الجنودُ بمصابيحِ جذورِها إلى رقبة العدوّ.
××××
{الأرض}
أبناءُ الأرضِ ينزفونَ،
يُقتَلونَ كلّما تحرّرَت أقدامُهم على ثرى خرائِطِهم المفقودةِ
المزروعةِ بالأنبياء.
يقولُ الطفلُ هذهِ الدارُ وطني،
ويقولُ الغَرِيبُ الأرضُ مَنبَعُ سُلالتي،
وتقولُ الكتبُ إنّا خلقنَاكُم من طينٍ،
ويقولُ الأنبياءُ فلا تعبثوا بالأرض.
القنابلُ لا تقولُ،
الرصاصُ ينتقلُ بصمتٍ،
الأطفالُ يصرخونَ،
الآباءُ يتصلّبونَ مثلَ عشبةٍ لتنّورِ الحرب.
تتوهُ السّماءُ بينَ أسمائِها،
بينَ القبّةِ والجدارِ
أرواحٌ تصعدُ معَ كلِّ صلاةٍ،
جثثٌ تهبطُ معَ الدموعِ،
خارطةُ المدنِ المجروحةِ تزحفُ نحوَ لسانِ البحرِ المالحِ،
رؤوسٌ خبيثةٌ تشتعلُ بجسدٍ، شيطانٌ عامرٌ بالظلامِ،
وطنٌ عطِشٌ من غيرِ وطنٍ،
يكسرُ قدمَيهِ ويغرقُ وحيداً في نارِ الضياع.
××××
{جرحٌ في هامةِ الكون}
منذُ كُنّا صغاراً، كانت فلسطين تنزفُ من خاصرةِ العروبةِ،
وكان الوطنُ يلفُّ حولَ ذراعَينا شريطَ الجهادِ بفمٍ فارغٍ من مضغةِ رغيفٍ،
وشفاهٍ جافةٍ من رشفةِ حليبٍ،
ويتمدّدُ بنا الهمُّ فيتمزّقُ الشريطُ وتنزفُ فلسطينُ أكثرَ.
الآنَ الجرحُ في هامةِ الكونِ، ويتساقطُ أمامَ أعينِنا الإنسانُ أشلاء،
أطفالٌ ينزفونَ من حبلِ قدرِهم، ونحنُ عُراةٌ من كُلّ شيءٍ،
نصرخُ في دفاترِنا المغلّفةِ بصوفِ نعجةٍ،
نتقافزُ مثلَ أخطبوطٍ في بركةِ النسيانِ.
ننتظرُ الذي ينحازُ إلى منطقِ فكرتِنا من خورازميةِ.
امرأةٌ وضعَت أحشاءَها في قلبِ الدّنيا، فتفجّرَ العالمُ بالصدمةِ،
وانهارَ كلُّ شيءٍ، الإنسانُ، ما فوقَهُ وما تحتَهُ، إلا ما وراءَهُ،
فاضَ الحليبُ من ثديِها كبكاءِ الملائكةِ الأبيض.
والسماءُ ما تزالُ ترضعُ من قبّةِ المصلّينَ دعاءَ الثكالى،
وتمسحُ شفتَيها بالجدارِ كصلاةٍ سوداءَ أو حنّاءِ قرابينَ جفّت صيحاتُهُا.
××××
{الفكرةُ العاجزة}
ماذا نكتبُ نحنُ؟
إذ تكتبونَ أساميَكم على سراجِ سواعدِكم
كعلامةِ توقُّفٍ لازمةٍ لمسيرِ النبضِ،
تكتبونَها لتسهّلوا على وحشِ الموتِ شطبَكُم من قائمتِهِ الممتدّةِ إلى ما لا فلسطينَ،
ماذا بقي لنا لنكتبَ؟،
ونحنُ المشاهدونَ البارعونَ بالقفزِ والنباحِ في إسطبلِ أيدينا.
طبيبٌ تحاصرُهُ جيوشُ الهلاكِ،
ويلتفُّ حولَ رقبتِهِ أفعى ثقيلٌ رأسُها من صمتِ الجثثِ العميقِ،
قالو له: هذا الولدُ نائمٌ دونَ أن يكتبَ واجبَهُ الحتميَّ.
قال: لا توقظُوهُ، أعرفُهُ من خطوطِ قلبي المقطَّعةِ في راحتَيهِ؛ هذا الشهيدُ ابني.
وامرأةٌ تصرخُ وتبحثُ في أقدارِ البشرِ المهزومينَ أمامَها، والمرعوبينَ من فكرةِ صمتِ الرّبّ: صغيري أبيضُ مثلَ ورقةٍ فارغةٍ من كرِّ الحربِ وفرِّها، شعرُهُ ملفوفٌ ومُجعَّدٌ لم يمسَسْهُ هواءٌ ساخنٌ، يشبهُ خصلاتِ ملاكٍ مُدلَّلٍ على يمينِ السلام.
نحنُ أبناءُ الفكرةِ العاجزةِ، ننتظرُ مثلَ السماءِ أن تحدثَ في أرض الأنبياءِ معجزةٌ،
معجزةٌ واحدةٌ أدوّنُها، رسالةٌ في جوفِ حوتٍ جائعٍ، قافلةٌ في بئرٍ جافٍّ، حمامةٌ في بيتِ عنكبوتٍ، نملةٌ بلسانٍ عربيٍّ أو عِبريٍّ، حلمٌ خارجَ أسوارِ العدوِّ، حصانٌ بجناحَينِ يخترقُ القُبّةَ الحديديةَ، إخوةٌ يشمّونَ الدماءَ فيعودونَ لأخيهم بأكثر من كلمة.
××××
{سداسيُّ الأضلاع}
يسقطُ صاروخُ المحتلِّ، فيربطُ الفلسطينيُّ نياطَ قلبِهِ، وحينَ يَذوي دويُّ الانفجارِ، يعودُ الصوتُ من رُكامِ بيتِهِ، فيتشظّى القلبُ.
تصرخُ الطفلةُ ورُكامُ السقفِ كأنّهُ نجمٌ سداسيُّ الأضلاعِ، وقعَ على عشبِ براءتِها، نجمٌ يشعُّ بالظلامِ والموتِ، نجمٌ من مجرّةِ الشّيطانِ،
تقولُ: أبي، بأيِّ كوكبٍ صِرنا؟، أنا لا أستطيعُ أن أقفزَ إلى حضنِكَ،
بأيِّ رمزٍ أضربُ الجاذبيةَ؟، حتّى أنزعَ الحربَ عن قدمَيَّ فأصيرُ خفيفةً، خفيفةً مثلَ حقيبتي المدرسيةِ الخاليةِ من كتاب العروبةِ،
هل الهواءُ هنا معدومٌ لترفرفَ أجنحةُ أصدقائي الملائكةِ؟
كم تبعدُ السّماءُ عن أقربِ شريانٍ في مدار نحري؟.
… بعدَ سقوطِ صاروخٍ آخرَ على كوكبِ غزةَ المنكوبِ؛ يعودُ الأبُ الفلسطينيُّ لشهقةٍ أخرى بالموتِ، ليسمعَ نداءَ فتاتِهِ:
ألا يوجدُ يا أبي في هذه الأرضِ المخذولةِ هلالٌ؟، وأنا أقصدُ شيئاً مُتّفَقاً عليهِ، نصومُ بطلوعِهِ عنِ العذابِ ونفطرُ بدورتِهِ بثوبٍ جديدٍ، أنا أقصدُ الكفنَ يا أبي في عيدِ الشهادة.
××××
{عصفورٌ عربيّ}
يا اللهُ، هل هؤلاءِ الأطفالُ بشرٌ
أَم دمىً منفوخةٌ بغازِ الهليوم؟
كُلّما أرخى العدوُّ يدَهُ تَعَلّقوا برقبتِكَ.
كيفَ هي الجنّةُ في الأعلى؟،
هل لديكَ نقصٌ في الطيور هناك؟
لدينا طفلٌ نجا من مرمى صيّادٍ جائرٍ،
طفلٌ رأسُهُ مخضَّبٌ بالدّماءِ،
جافٌّ من الدموعِ خوفاً من أن تنزلقَ قطرةٌ واحدةٌ
يفوحُ في جريانِها مصرعُ أمّهِ،
مفزوعٌ من دماءِ أبيهِ المَلطوخِ على وجهِهِ.
أظنُّهُ لوناً نادراً لعصفورٍ عربيٍّ خارجَ قفصِ الأوطان.
عصفورٌ قُطِمَ لسانُهُ من الصدمةِ،
لذا لن يغرّدَ كباقي الطيورِ
الصاعدةِ من غيرِ بابِ غزّة.