قراءة نقدية : بين مبدع ومشاكس.
القصيدة: البُنيّة بين مبدع(حمد حاجي) ومشاكس عمر دغرير
الناقدة:جليلة المازني.
ان كلاّ من المبدع والمشاكس يتفقان ان التلاعب في الحب وارد سواء من المراة أوالرجل:
لئن كان المبدع يصف البُنية باللعوب فالمشاكس يصف الرجل العاشق باللعوب
يستهل الشاعر المبدع قصيدته بجملة استئنافية وكأنه يعدد نماذج من النساء يجب تجنبها وهذي البُنية واحدة منهنّ فكأن المبدع منذ البداية يحمل همّ تلاعب النساء به في الحبّ وبالتالي فقلبه منذ البداية مُفعم بالحقد ولعل هذه البُنية هي القطرة التي أفعمت الكأس لذلك بدا منذ البداية مغتاظا.
والبُنية تصغير للبنت والتصغير يفيد الاعجاب كما يفيد التحقير فأي الصفتين تحمل هذه البنية؟
يبدو ان الشاعر المبدع له ماض وتجربة عاشها مع هذه البُنية جعلته يحقّر من شأنها في حين ان الشاعر المشاكس ينتصر للبنية قائلا:”
وكم كنت تزحف خلف هذه البنية// وتعدها بالقصور وبالذهب.
يشبّه المبدع البنية بالزوابع والزوابع هي أعنف العواصف الطبيعية وهي تتميز
بعمود من الهواء سريع الدوران وتسمى الدوامة الهوائية.لعل وجه الشبه بينها وبين البُنية هو التفلب في المزاج وفي المواقف.
ان هذا التقلب جعل لها ظاهرا وباطنا فظاهرها يتسم بالاغراء والاغواء فيقول المبدع: تراها كأن صبيب الغمام على// كتفيها وفي كفها هاطل الصبب
انها صفات تغري الرجل وتغويه والعديد من الرجال يسقطون فريسة لديها ولعل مبدعنا واحد منهم .
واكثر من ذلك عندمايقترب منها من أغوته فهي تمضي وتبتعد وتتركه يحترق بنار الصبابة و يكتوي بها .
ان المبدع يتحدث عن تجربة مريرة عاشها مع هذه البنية المخادعة التي غلبته رغم صغرها .
ونموذج هذه البنية مُتفشّ في المجتمع وهي لا تخرج من احتمالين:
– اما انها تبتز الرجل فتأكله لحما وترميه عظما.
– اما انها نوع من السادية التي تجعلها تتلذّذ بتعذيب الرجل لتقهره انها أقوى منه
وفي الحالتين لا يمكن الحديث عن الحب.انها حالة مرضية عندها لم يتفطن لها مبدعنا الابعد الاستغناء عنه.
لعل القارئ هنا يمارس حقه في التأويل من خلال تلك الفجوة النصية ليحذر من ربط علاقة مع امرأة عمرها أصغر بكثير من عمر الرجل لانها تلعب بعقله وتعتبر نفسها صاحبة فضل عليه وتفصّل له وهو يلبس.
لعل الشاعر المبدع قد دعم تأويل القارئ حين اختارها بُنية فالبُنية لها رمزيتها في مدى تلاعبها بمن يقترب منها.لذلك تكون العلاقة غير متكافئة في العمر.
بيد ان المشاكس يرى غير ذلك فيعتبر ان المبدع لم ينلْ نصيبه من هذه البنية لانه لم يستطع ان يطولها لانها شابة وجميلة فيقول المشاكس في شكل حكمة ليقنع القارئ:
قديما قيل:من يخشى طول النخيل//لن ينال نصيبه من الرطب.
ان المشاكس يلقي اللوم على المبدع الذي لا يستطيع ان يقضي منها وطرا
وأكثر من ذلك يتهكم منه لأنها حقرته ولم تلتفت اليه مما ولّد الحقد لديه لوصفها بالتلاعب وللتحذير من الاقتراب منها.
ان المبدع حين تفطن الى اغواءاتها واغراءاتها الكاذبة وان العلاقة معها سراب كاذب واعتبر ان الغبي وحده من يتبعها في سراب الحب لان الغبي تنطلي عليه بأكاذيبها لتغريه بحبها ويقع في فخها بسبب غبائه.
انها قفلة لم يكن القارئ ليتوقعها لانها كسرت أفق انتظاره .
ان الشاعر المبدع بهذه القفلة المدهشة قد صنّف عن قصد او عن غير قصد العاشقين الى عاشق فطن وذكي وعاشق غبي ..
=== يتبع===
=== يتبع===
وحتى لايثير فضول القارئ بهذا النشاز
كتب المبدع تعليقا والتعليق عتبة من العتبات الميتاشعرية يبرّر فيه حضور الظريف والغبي في أشعار المحدثين والقدامى كنوع من التناص.
بيد ان الشاعر المشاكس الذي كان له بالمرصاد وعوّدنا بانتصاره للمرأة قد ردّ عليه هذه القفلة المدهشة واعتبره قد نعت غريمه في الحب بصفة الغبي حقدا عليها لانها رفضته وحسدا له لانها قبلت به بدلا عنه.يقول المشاكس:
وحين اصطفت من يهواه قلبها//اشتعلت حقدا ونعته بالغبي.
وبت تحذّر من بلاها ولابلوى//لها غيرماعرفته عنك من كذب
في هذا الاطار يختلف الشاعران مبدع ومشاكس في تصنيف المحبّين الى محبّ فطن وذكي ومحب غبي.
لئن أقرّ المبدع بهذا التصنيف فالمشاكس ينفي هذا التصنيف.
وهنا يعترف المشاكس بالحبّ او اللاحب ولا توجد منطقة وسطى ما بين الجنة (الحب) والنار(اللاحب).
انها وجهة نظرمختلفة والفرق بينهما ان المبدع قد جعل قفلة قصيدته مدهشة انطلاقا من تجربة عاشها معها والتجربة تولد الحكمة.
أما المشاكس فقد رفض تلك القفلة انتصارا للمرأة ظالمة او مظلومة.
ان التصنيف الذي ذهب اليه المبدع بين الحب الحقيقي وهو حبه والحب الغبي الذي يقع فيه كل غبي يتناص مع مسلسل الحب الغبي (مترجم) و يتناص مع فيلم “حب مجنون أحمق” وهو فيلم كوميدي رومانسي من كتابة “دان فوغلمان” ويتناص أيضا مع” الحب الغبي ” وهو ألبوم الموسيقى ليدي غاغا مغني الراب وأكثر من ذلك فقد كثر الحديث عن الحب الأعمى وفي الحقيقة الحب غبي وليس أعمى” فقد ثبت علميا ان الحب ليس أعمى بل ان المحب هو الذي يكون مصابا بعمى البصيرة الذي هو درجة كبيرة من الغباء .
لقد قام الباحث” روبن دنبار”أستاذ علم النفس بجامعة أكسفورد بدراسة أثبتت أن الحب القوي يجعلك عاجزا عن رؤية عيوب المحبوب مهما كانت بادية في أعين من حولك فقد تكون متيما بفتاة يقول عنها أقاربه بانها قبيحة أوبلهاء او وقحة
او فتاة تهيم بحب شاب يقول عنه كل من يعرفه ان عينه زائغة ويكون ردّ المحب في الحالتين أموت فيها/فيه. كما هذه البُنية التي تغري من يراها لأنه لا يرى عيب تلاعبها .
وبالتالي فالحب في حد ذاته ليس أعمى,بل يعطل بعض المدارك وهنا يقول الشاعر الامام الشافعي:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة//ولكن عين السخط تبدي المساويا.
بتاريخ:03/05/2024
https://www.alnilin.com>(1)
الحبّ غبيّ وليس أعمى.