ألتقيكم أصدقاء الحرف و رفقاء الدرب مع هذه القراءة ل ق ق ج للأديب و الشاعر محمد حماد .
#القصة
رَحِمٌ
شرذمَتنا الحرب، التحقتُ بصفوفِ المُهاجرين، واختارَ توأمي البقاءَ، مضىٰ كُلٌّ إلى غايتِه، في أحد اتصالاتنا كان يتكفَّأ في مَرمى وابلٍ من رصاص، يصرخُ بقهرٍ وهلعٍ: يا إلهي!
ساد صمتٌ، جُنَّ جُنوني، أُغشىَ عليَّ، هنا علىٰ ضفَّة النهر؛ أخرجوا من صَدري نصفَ رَصَاصةٍ.
#القراءة
صعب هو الفراق و الفقد بكل معانيه ، كان بالبعد أو الموت يقسم الظهر ، ينشطر كل ما فينا و ربما يتطاير كالشظايا .
قد نلعنه و الموت ، و نحاول النسيان … نتناسى … لكن في لحظة شرود يمر بنا شريط الذكريات ، نتذكر … تنزل تلك الدمعة ممزوجة بابتسامة كان قد اهدانها القدر ، ابتسامة سخرية على أحلامنا التي لم تتحقق رغم بساطتها .
رَحِم : عنوان لق ق ج للكاتب و الشاعر محمد حماد ، سأحاول قراءتها بقلمي البسيط و نبحر معا في غمارها حتى نكتشف هذا ” الرحم و ما احتوى ” .
#رَحِمٌ
مفردة من ثلاث حروف فقط تحمل في باطنها الكثير ، اولها اشتقاقها من الرحمة المتعلقة باسم الرحمان الرحيم .
رَحِمٌ ، هذا البيت الأول قبل الصرخة الأولى ، و ربما لم أجد غير هذا الوصف له ” بالبيت ” ، فالبيوت هي رمز للسكن و الطمأنينة .
فمَ المقصود بالرحم ؟
هو جمع أرحام :
لغوياً معناها يرجع إلى المصدر اللغوي ( وصل ) و الجمع منها ( صلات ) و المقصود بها البر و الإحسان و هي العلاقة التي تربط بين مجموعة من الناس، فإذا قيل لفظ ذو رحم فهذا يعني ذو قرابة و صلة. أما الأرحام إصطلاحاً فهي صلة الرحم في الإصطلاح الشرعي و لفظ ذو رحم يطلق على كل من تجمعه بك صلة قرابة و يُحرم النكاح منهم.
و نسأل مجددا عن رحم القصة ، هل له علاقة بهذه التعاريف ام لا ؟
من يقرأ القصة قراءة مجردة سيجد هذا المعنى اصطلاحا فالقصة لتوأم ولد و أكيد من رحم واحد بينهما بضع من الزمن لكنه تقريبا في وقت واحد .
من الأشياء المعروفة عن التوأم قبل التعمق ، انهما متشابهان في كل شيء ناهيك إن كانا من نفس الجنس فالأم و الأب يلبسانهما نفس اللباس ، حتى تكاد لا تفرق بينهما إلا إذا اجتهدت و بحثت في أحدهما عن علامة تميزه عن أخيه .
لا شك أننا جميعا قابلنا في حياتنا توأم ، و عن حب استطلاع سألنا …
فكانت مثل هذه الأجوبة : يمرض التوائم معا، يفرحان معا، يشعران ببعضهما البعض على الرغم من بعد المسافات بينهما و غيرها من الأجوبة و كانك تستمع لشخص واحد …
رحم القصة به توأم فرقتهما الحرب و المسافات ، يقول الأديب محمد حماد :
شرذمَتنا الحرب، التحقتُ بصفوفِ المُهاجرين، واختارَ توأمي البقاءَ، مضىٰ كُلٌّ إلى غايتِه
فالصورة واضحة جدا زمانا و مكانا : حرب في بقعة من هذه الأرض ، بقي أحدهم يحارب و الثاني هاجر ، و الفراق تبا له ” جمعهما ” كل في ضفة ، حرب و الموت لعبتها ، غربة و الحياة فيها تشبه الموت .
” شرذمتنا الحرب ” و تبا للحرب و صانعيها حين تفرق الشعوب …فم بالك بالأسرة الواحدة و أفرادها
” مضى كل إلى غايته ” و كأنه استسلام لقانون الحرب ، من بقي ليحارب و من هاجر إلى حرب من نوع آخر ، هنا أثار الكاتب قضية المهاجرين و عناء التأقلم في بلد و محيط و بيئة جديدة ، دون اهل ، فمَا بالك بأنه توأم .
مضى كل إلى غايته ، مع الإستسلام تشعر بهذا الأسف الداخلي و أن الغاية ليست ما كانا يطمحان إلى تحقيقه، رُغما عنهما و ليس اختيارا ، “فعل مضى ” تراه دون هدف في المجهول …
في تقدمنا في القراءة ، التوأم لم تنقطع بينهما الإتصالات ، من بقي يحارب و في ساحة الوغى كان على اتصال بأخيه ، دليل على تعلقه بنصفه الثاني الذي ” هجره ” .
يقول الكاتب : في أحد اتصالاتنا كان يتكفَّأ في مَرمى وابلٍ من رصاص، يصرخُ بقهرٍ وهلعٍ: يا إلهي!
بين فعل تكفأ و صرخ كانت الحالة قهر و هلع و مناجاة الإله .
هذا الطرف الأول من الضفة ” أين تدور رحى الحرب ” .
بلاغة في اختيار فعل ” تكفأ” ، حتى يتخيل القاريء المشهد كيف كان هذا ” الجندي ” يجري بسرعة يمنة و يسرة حتى يتفادى طلقات الرصاص و شضايا القنابل .
نعود إلى الرحم و التوأم ، في هذه اللحظة و هذا الموقف : من يتجرأ ان يقوم باتصال هاتفي و هو بين حياة و موت !!!؟ ربما تحركت الحاسة السادسة عنده ، ربما أحس بقرب أجله … أراد ان يودع نصفه في الضفة الأخرى …
و كيف حاله الذي كان بالضفة الأخرى ؟
هذا الصمت المفاجيء !!!
يقول المبدع حماد :
ساد صمتٌ، جُنَّ جُنوني، أُغشىَ عليَّ، هنا علىٰ ضفَّة النهر؛ أخرجوا من صَدري نصفَ رَصَاصةٍ.
تسارعت الأحداث من خلال الأفعال الواردة : ساد / جن /اغشى / أخرجوا .
سطر به هذا الكم من الأفعال ، يشد ذهن القاريء ليتراخى بعد شوقه إلى معرفة النهاية : أخرجوا من صدري نصف رصاصة .
لنعود مرة أخرى إلى الرحم و التوأم :
لا شك أنك قابلت فى حياتك يوما زوجا من التوائم، البنات أو الذكور، سواء توأم متطابق أو توائم غير متطابقة، قد تكون أنت عزيز القارئ أحد هذه الفئة ويكون لك توأم بالفعل، ولكن هل سألت نفسك يوما لماذا يشعر بعض التوائم ببعضهما البعض.
يمرض التوائم معا، يفرحان معا، يشعران ببعضهما البعض على الرغم من بعد المسافات بينهما، من أقوال بعض التوائم اللذين يشعران ببعضهما وفقا لتقرير نشره موقع abc.net “أشعر أن أختى فى مشكلة وأنها على وشك الموت وهذا الشعور يقتلنى”.
انجيلا وإيلينا أختان توأمتان، إحداهما أزالت اللوزتين فى عملية جراحية، فى حين كانت الأخرى فى منزل جدتها على بعد 300 كيلو متر، وشعرت حينها بألم حاد فى الحلق لتشعر بما تعانيه أختها التوأم دون أن تعرف السبب، وذلك عندما كانا فى سن السابعة، وبعد الزواج عندما حملت إيلينا بطفلها الأول، شعرت أختها أنجيلا بالغثيان الشديد طوال فترة حمل أختها.
توأم الكاتب تقاسما رصاصة و هذا قمة الشعور بالآخر ، قفلة القصة تجعلك منبهرا حد الدهشة ، و كأنك أحد أبطال هذه القصة المؤلمة .
جمعهما ” رحم ” فرقتهما الحرب و هذا هو السبب الرئيسي للفراق و فعل شرذم الذي ورد أول القصة خير دليل ، فصانعي الحب هم فعلا ” شرذمة ” ، للأسف تحكم و تسير ” عالم بأكمله ”
أحداث القصة كما ذكرت أعلاه جاءت مكثفة ، من خلال أفعالها الواردة و حركتها السريعة .
ق ق ج من المجموعة القصصية ” رقص مصاصي الدماء ” للأديب و الشاعر محمد ربيع حماد ، كانت لي معها قراءة تحليلية بقلمي المتواضع سعيدة بركاتي ✍️/تونس






