في مثل هذا اليوم26 مايو1882م..
رئيس وزراء مصر محمود سامي البارودي يستقيل إحتجاجًا على قبول الخديوي توفيق مطالب إنجلترا وفرنسا بإبعاد أحمد عرابي عن مصر.
في مثل هذا اليوم من عام 1882، قدم محمود سامي الباروري رئيس وزراء مصر استقالته احتجاجًا على قبول الخديوي توفيق مطالب إنجلترا وفرنسا بإبعاد أحمد عرابي قائد الثورة العرابية عن مصر، وكان آنذاك أول رئيس وزراء في تاريخ مصر لم يعينه الخديوي بل ينتخبه مجلس النواب، ومن أجل ذلك أطلقت على وزارته اسم «وزارة الثورة» أو الوزارة الوطنية.
وُلد في 6 أكتوبر 1839 م في القاهرة، لأبوين من أصل شركسي وكان أجداده ملتزمي إقطاعية إيتاي البارود بمحافظة البحيرة ويجمعون الضرائب من أهلها وكانت أسرته على شيء من الثراء والسلطان، فأبوه كان ضابطًا في الجيش المصري برتبة لواء، وعُين مديرًا لمدينتي بربر ودنقلة في السودان، ومات هناك وكان محمود سامي حينئذ في السابعة من عمره.
تلقى البارودي دروسه الأولى فتعلم القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم، تعلم مبادئ النحو والصرف ودرس شيئًا من الفقه والتاريخ والحساب، حتى أتم دراسته الابتدائية عام 1851 حيث لم يكن هناك في هذه المرحلة سوى مدرسة واحدة لتدريس المرحلة الابتدائية، وهي مدرسة المبتديان وكانت خاصة بالأسر المرموقة وأولاد الأكابر.
التحق وهو في الثانية عشرة من عمره بالمدرسة الحربية سنة 1852، ثم بالمرحلة التجهيزية من المدرسة الحربية المفروزة وانتظم فيها يدرس فنون الحرب، وعلوم الدين واللغة والحساب والجبر، وهنا بدأ يظهر شغفًا بالشعر العربي وشعرائه الفحول وتوسع حتى أصبح رائد الشعر العربي الحديث الذي جدّد في القصيدة العربية شكلًا ومضمونًا، وساهمت
تخرج من المدرسة المفروزة عام 1855 م برتبة «باشجاويش» ولم يستطع استكمال دراسته العليا، والتحق بالجيش السلطاني وانتقل بعد ذلك إلى وزارة الخارجية وسافر إلى الأستانة عام 1857م حيث تمكن في أثناء إقامته هناك من إتقان التركية والفارسية ومطالعة آدابهما، وحفظ كثيرًا من أشعارهما، وأعانته إجادته للغة التركية والفارسية على الالتحاق بقلم كتابة السر بنظارة الخارجية التركية وظل هناك نحو سبع سنوات 1857-1863.
العودة للعسكرية
ضاق البارودي برتابة العمل الديواني وحنَّ إلى حياة الجندية، فنجح في يوليو عام 1863م بالانتقال إلى الجيش برتبة بكباشي، وأُلتحقَ بآلاي الحرس الخديوي وعين قائد الكتيبتين من فرسانه، وأثبت كفاءة عالية في عملهِ.
في أثناء ذلك اشترك في الحملة العسكرية التي خرجت سنة 1865 لمساندة الجيش العثماني في إخماد الفتنة التي نشبت في جزيرة كريت، واستمر في تلك المهمة لمدة عامين حيث أبلى البارودي بلاء حسنًا، وقد جرى الشعر على لسانه يتغنى ببلده الذي فارقه، ويصف جانبًا من الحرب التي خاض غمارها، في رائعة من روائعه الخالدة التي مطلعها.
عمله السياسي
تم تعيينه مديرًا لمحافظة الشرقية في أبريل 1878، وسرعان ما نقل محافظًا للقاهرة، وكانت مصر في هذه الفترة تمر بمرحلة حرجة من تاريخها، بعد أن غرقت البلاد في الديون، وتدخلت إنجلترا وفرنسا في توجيه السياسة المصرية، بعد أن صار لهما وزيران في الحكومة المصرية.
ونتيجة لذلك نشطت الحركة الوطنية وتحركت الصحافة، وظهر تيار الوعي الذي يقوده جمال الدين الأفغاني لإنقاذ العالم الإسلامي من الاستعمار، وفي هذه الأجواء المشتعلة انطلق البارودي بقصيائده للصراخ في أمته ودعوتها للنهوض.
مع تولّى الخديوي توفيق الحكم سنة 1879 أسند الوزارة إلى محمد شريف باشا، فأدخل معه في الوزارة البارودي ناظرًا للمعارف والأوقاف ومع التحاق البارودي بالحكومة طالب توفيق إصدار الدستور وتأييد مجلس الشورى ومع تزايد الروح الوطنية ومساحة النقد ضاق الخديوي بالبارودي مع الجميع.
قبض على جمال الدين الأفغاني ونفاه من البلاد، وشرد أنصاره ومريديه، وأجبر شريف باشا على تقديم استقالته، وقبض هو على زمام الوزارة، وشكلها تحت رئاسته، وأبقى البارودي في منصبه وزيرًا للمعارف والأوقاف ثم وزيرًا للأوقاف في وزارة رياض باشا حتى سبتمبر 1881).
بعد عودة شريف باشا عقب الثورة العرابية تولى البارودي نظارة الحربية إلى جانب وزارته للأوقاف، بعد مطالبة حركة الجيش الوطنية بقيادة عرابي بذلك، وبدأ البارودي في إصلاح القوانين العسكرية مع زيادة رواتب الضباط والجند، لكنه لم يستمر في المنصب طويلًا وخرج من الوزاره وقدم استقالته في 22 أغسطس 1881؛ نظرًا لسوء العلاقة بينه وبين رياض باشا رئيس الوزراء، الذي شحن الخديوي ضده.
بعد تمكن الثورة العرابية طالبت بتعيينه رئيسا للوزارء، وبالفعل تولى الرئاسة إلى جانب نظارة الداخلية في 4 فبراير 1882 – واستمر حتى 17 يونيو من نفسه العام ليحفظ له التاريخ أنه كان أول رئيس وزراء في تاريخ مصر لم يعينه الخديوي بل ينتخبه مجلس النواب وخرج انتصارا للوطنية المصرية والكرامة ورفضا لإبعاد أحمد عرابي عن مصر بقرار من انجلترا وفرنسا. !!