قراءة نقدية:”القصيدة والنبوّة في الحبّ”
جمع بصيغة المفرد:(مبدع/مشاكس/ناقدة)
الشاعر المبدع :حمد حاجي(تونس)
القصيدة:”وربك أوحى لي”
المشاكس :عمر دغرير(تونس)
المشاكسة :”أتدّعي الوحي وانت لست نبي”
الناقدة : جليلة المازني (تونس)
القراءة النقدية:القصيدة والنبوّة في الحبّ”
ان االابداع والمشاكسة على طرفيْ نقيض :
لئن ادعى المبدع حمد حاجي النبوة في الحب فان المشاكس عمر دغرير نفى عنه ذلك:
1- النبوة في الحب (المبدع حمد حاجي)
ان عنوان القصيدة “وربك أوحى لي”يجعل القصيدة ذات مرجعية دينية يُقنع بها
المتلقّي وما يدعم ذلك ان المبدع استخدم ضمير المخاطب المتصل(وربك)
كأني به وضع المتلقي أمام الدين حين اعتبر حبّه لسعدى وحْيًا من عند الله
وبما ان المبدع في منزلة الوحي والنبوّة في الحبّ فالقصيدة محكومة بثلاث مراحل النبوة:
– أسباب نزول هذا الوحي(حب الحبيبة).
– الرسالة(رسالة الحب).
– التبشير بالرسالة ونشرها.
أ- أسباب نزول الوحي بحب الحبيبة:
من أسباب نزول الوحي عليه بحبّ الحبيبة:
– انها مصدر السعادة فقد اختار المبدع اسم الحبيبة المعبّرعن السعادة(سعدى/سعاد)
– انها درّة والنساء صدف(يا درّة والنساء صدف)
– هي نور ألقاه الله في صدره(وربك أوحى لي الآن..)
ثم يعود لتلك اللازمة “وربك أوحى لي..” وهي ترديدة موسيقة لتشدّ القارئ وتقنعه بان حب المبدع رباني وان سعاد ليست درة نادرة فحسب بل ارتقى بها الى الميثالية (ليس كمثلك شيء…ولا خلف).
ان هذه الفجوة النصية قد تجعل القارئ يتدخل ليمارس حقه في التأويل متسائلا:
– هل المبدع يعتبر فعلا حبيبته بانها الحب الاخير؟
– هل سيكون لها وفيّا ولن يكون لها “خلف” ؟
ان هذه الاسباب جعلت المبدع”النبي” يتحيّن فرصة العيد ليبوح لها بغرامه وهذا يتناصّ تماما بنزول القرآن(الحبّ) في ليلة القدر(العيد).
يقول المبدع:”غرامي لها فوق ما الشعراء كتبوا النسيب وما وصفوا”
ب- الرسالة في الحبّ:
ان هذه الاسباب لنزول الوحي بالحب الرباني لسعدى كانت حمالة لرسالة
(رسالة الوحي بالحب).هذه الرسالة حمالة لجدلية محكومة ب ثلاث ثنائيات:
1- ثنائية البوح والكتمان:
يقول المبدع:وسعدى وحت لي
غراما
يحرّكه الدمع والعارض الهطل
وأدرك من شفتيها
تزول الجبال
وينبجس الأمل..
ويوشك ينبت عشب
“أحبك جدّا”
ويمنعه الجدب والخجل..
وثنائية البوح والكتمان قديمة حديثة:
والمبدع هنا يتناص مع الحصري في قصيدة ” يا ليل ,الصبّ متى غده؟” في بوح الحبيبة بالحب بتورّد خدّيها فيقول :
يا من جحدت عيناه دمي // وعلى خدّيْه تورّده
ويتناص مع نزار قباني في الكتمان والذي اعتبر أن البوح بالحب من الطرفين يُفقد الحب بريقه بل هو مقبرة الحب حين يقول:
كلماتنا في الحبّ تقتل حبّنا
ان الحروف تموت حين تقال.
2- ثنائية التمنع والرغبة: يقول المبدع:تزول الجبال وينبجس الأمل..
ويوشك ينبت عشب”أحبك جدّا”
ويمنعه الجدب والخجل..
وقد يتدخل القارئ ليستحضر ذاك المثل السائد:”يتمنّعن وهنّ راغبات”
3- ثنائية الحب الروحي والحب الجسدي:
باعتبار المبدع نبيّا في حبّه الذي أوحى به الله له فهو ينتصر للحب الروحي معتقدا ان الحب الروحي حلال والجسدي حرام.
يقول: ولكنني أشهد الله
كوني كما شئت
أهديك روحي ولا أحفلُ.
وهل أكثر من أن يجعل الله شاهدا على حبه الروحي؟.
ج- التبشير بالرسالة:
لقد حمّل المبدع حبيبته مسؤولية التبشير بالرسالة و هي تتحمّل ما يقتضيه نشر الرسالة
من نضال ودفاع عن حبها فقال :
اذا ما النساء تسارعن حول قصيدي
وحوله حام الصحاب…
سعاد تجيء اليهم
والمجاز حجاب..
فتحظر هذي وتغمد سيفا باخرى
ومن غضبي لا تهاب.
هذا النضال جعلها حاسمة لأمرها فتبوح بحبها له بعد كتمانه وترغب في حبّه دون تمنّع وتقرّبحبه الروحي لأن الله سيستجيب لدعائها وهي محمّلة بنشررسالة الحب.
فيقول: وربك أوحى..
دعاء سعاد مُجاب..
وليس بغيرتها ما يعاب.
2- المشاكس يفنّد ادعاء المبدع النبوّة.
في هذا الاطارالذي نزّل فيه المبدع نفسه منزلة النبي بما تقتضيه هذه المنزلة من وحي ورسالة وتبشير بها ونشرها ماذا سيكون ردّ المشاكس كمتلقّ؟؟؟
– هل سيصدّق ما ادعاه المبدع من وحْي و نبوّة؟
– هل سيؤمن برسالته؟
هل سيدعم نشر رسالته؟
استهل المشاكس قصيدته بنفي الوحي والنبوّةعن المبدع حين اختار عنوان مشاكسته”أتدّعي الوحي وأنت لست نبيّ”؟
انه سؤال استنكاري يستنكر فيه المشاكس الوحي والنبوة للمبدع.
لقد جمع المشاكس من خلال العنوان تُهْمَتيْن:ادعاء الوحي وادعاء النبوّة.
ويبقى المشاكس على نفس رأيه الى آخر القصيدة حين يختمها بقوله:
ملّت سعاد حديثك عن الوحي
لأنك رجل كذاب…
لعل القارئ هنا يتدخل لتأويل اصرار المشاكس على نفي النبوة على المبدع وتكذيبه في الوحي.
قد يعتبر القارئ ان هذا الاصرار قد يشي بذاك المثل القائل”لا نبيّ في قومه”فلا يمكن للمبدع أن يكون نبيّا بين قومه الشعراء او المحبّين والمشاكس واحد منهم.
ثمّ قد يعتبر القارئ انه ليس من السهل التصديق بالوحي وبالنبوة والتاريخ يشهد على المواجهة في المطلق والرفض للأنبياء.
ان المشاكس و للطعن في نبوة المبدع في الحب سيقدّم أدلّة لاقناع المتلقي الذي قد يكون متعاطفا مع المبدع النبي في الحب.
يبدو أن المشاكس عليم بالقانون وعليم بان الاقرار سيد الأدلة.
وهل أكثر مصداقية واقناعا من اقرار المعنية بالأمرسعدى واعتراف المبدع بان وحْيه مختلف عمّا وصف ؟
بماذا ستقرّ سعدى؟
ان سعدى أقرت بان المبدع اعترف بان ماادعاه من وحي ليس كما وصف وبالتالي فهي تكذّبُ وحْيه.
يقول المشاكس:سعاد أقرت أمام الجميع
بانها لو لم تهدّدك
ماكنت تعترف
بان ما كنت تدّعيه من وحي
ليس كما وصفتَ
بل هو مُختلفُ..
والمشاكس بحوزته اقرار سعدى واعتراف المبدع وشهادة الجميع على ذلك
انها ثلاثة أدلة قويّة(اقرارواعتراف وشهادة) على بطلان الوحي وادعاء النبوة في الحبّ.
واذا بطل الوحي بطلت النبوة والرسالة وامكانية نشرها بعد جمع ثلاثة أدلة ضدّه.
ترى ما عسى المشاكس يفنّدُ في رسالة المبدع في الحبّ حتى ينفي عنه النبوة؟
لقد لخّص المبدع في رسالته للحب ثلاث ثنائيات وها ان المشاكس يسعى لتفنيدها:
1- ثنائية البوح والكتمان:ينفي المشاكس عن سعدى البوح للمبدع بحبها له فيقول:
وسعدى ما أحبتك يوما
ولن تسمع منها أحبك جدا
حتى وان فاجأك الأجل…
لقد استخدم المشاكس لن الزمخشرية التي تنفي حتى المستقبل وبالتالي كيف ستبوح له بحبها وهي بريئة من هذا الحب؟
2- ثنائية التمنع والرغبة:
ان سعدى لم تكن تتمنّع وهي راغبة لانها أصلا ترفض لقاءه وهومن يلاحقها:
يقول: وانت كمجنون وراءها كنت دوما
يدفعك الأمل
تحاول اللقاء بها
فقد يرقّ الفؤاد لحالك
وانت تحاول..
ولكنك أبدا لن تراها
مرة أخرى يستعمل حرف النصب والنفي(لن) الذي ينفي المستقبل
وبالتالي فسعدى التي ترفض اللقاء به لا يمكن ان تتمنع وهي راغبة
3- ثنائية الحب الروحي والحب الجسدي:
ان المشاكس ينفي عن المبدع الحب الروحي الذي به يتعفف ويتقرّب من الله.
يقول المشاكس: وانت بالفعل تهتَ خلف النساء
وعمرك ضاع
ان المبدع بتهافته على النساء لا يمكن ان يكون حبه روحيا عموده الفقري الصدق والوفاء ومتى انتفت الصفتان (الصدق والوفاء) فان النبوة والوحي ينتفيان بل وصفه بالكذب الذي يتعارض والاخلاق.
يقول المشاكس:ملّت سعاد حديثك عن الوحي
لانك رجل كذاب..
وهل أكثر من ان سعدى يُسعدها ان يُدْعَى بالأهبل.ولا يمكن ان تستقيم النبوّة مع الهبل او الجنون و هذا يتناص مع القرآن حيث نفى الله الجنون عن الرسول محمدالآية 22 من سورة التكوير(وما صاحبكم بمجنون) لان الجنون يتنافى و رسالة النبوة.
.يقول المشاكس :
وأنت كمجنون وراءها.
وفي الحقيقة سعدى يسعدها
كل من يدعوك أيها الأهبل.
وخلاصة القول فان المبدع ولئن استند الى مرجعية دينية في حبّه حين اعتبرحبّه لسعدى وحْيًا من الله جعله نبيا في الحبّ وصاحب رسالة.
فان المشاكس قد استند الى مرجعية قانونية ليفنّد هذا الادعاء بتقديم أدلة قانونية واكثر من ذلك فقد اتهمه بالجنون والهبل الذي يتنافى وقدسية الوحي والنبوة في الحبّ وما تبعها من رسالة في الحبّ.
وبالتالي فكلاهما يريد اقناع القارئ فالمبدع وضع القارئ امام الدين والمشاكس وضع القارئ امام القانون وللقارئ الكلمة الفصل وبذلك فكل من الابداع والمشاكسة يستجيب لنظرية التلقي.
سلم القلمان ابداعا ومشاكسة.
بتاريخ:26/05/2024
=== القصيدة ===(حمد حاجي)
وربك أوحى لي ”
وسعدى
إذا العيدُ جاء ووافى…
يُهنيك قلبي ويعترفُ
غرامي،
لها فوق ما الشُّعَرَا كتبوا بالنسيب
وما وصفوا..
سعادُ أحبك جدا…
فنادرةٌ أنتِ
يا دُرّةً والنساءُ كما صدفُ!
وربك أوحى لي الآن:
ليس
كمثلكِ شيء… ولا خلفُ..
وسعدى وحت لي
غراما
يُحرّكه الدمعُ والعارضُ الهطلُ..
وأدرك من شفتيها
تزول الجبال
وينبجس الأملُ..
ويوشك ينبت عشب
“أحبك جدا”
ويمنعه الجدبُ والخجلُ..
ولكنني أشهد الله،
كوني كما شئتِ..
أهديك روحي ولا أحفلُ!
إذا ما النساء تسارعنَ
حول قصيدي
وحوله حام الصحابُ..
سعاد، تجيءُ إليهم
على صهوة الريح غائمة
والمجازُ حجابُ..
فتحظر هذي
وتغمد سيفا بأخرى ..
ومن غضبي لا تهابُ..
وربك أوحى..
دعاء سعاد مجابٌ …
وليس بغيرتها ما يُعابُ….!
(أ. حمد حاجي )
“””””””””””””””””””””””””””””””””””
” عمر دغرير”=== ===المشاكسة
“أتدّعي الوحْي وأنتَ لسْتَ
سعاد أقرت أمام الجميع
بأنها لوْ لمْ تهدّدكَ
ما كنتَ تعْترفُ ,
بأنّ ما تدّعيه منْ وحي
ليس كما وصفت
بلْ هو مُختلفُ …
وأنكَ مهما كتبت على سعدى
فشعرك لم يرتق إلى ما كتب الشعراء
وما وصفوا…
وأنك بالفعل تهت خلف النساء
وعمرك ضاع
ونبضك ما عاد يرتجفُ …
وسعدى ما أحبتكَ يوما
وأنت كمجنون وراءها كنت دوما
يدفعك الأملُ ,
تحاول اللقاء بها
فقد يرق الفؤاد لحالك
وأنتَ تحاولُ …
ولكنك أبدا لن تراها
ولن تسمع منها أحبك جدا
حتى وإنْ فاجأك الأجلُ …
وفي الحقيقة سعدى يسعدها
كلّ منْ يدعوكَ أيّها الأهبلُ …
وكم تساءلت :
لماذا تحبّ النساء الشبابَ
ويغرقن بالصباغ شعرهن
وقد غزاهنّ المشيبُ …
ومنْ سعدى التي تعشق الألوان
جميعها قد يصلك الجوابُ …
لأنها ترى المشيب وقارا
وليس لها في عشق بياض الشعر ما يُعابُ …
فقطْ منْ زمنٍ بعيدٍ
ملّتْ سعاد حديثكَ عن الوحي
لأنكَ رجلٌ كذابُ …