في مثل هذا اليوم 3 يونيو 1989م..
الحكومة الصينية ترسل قواتها إلى ميدان تيان آن من لفرض السيطرة عليه بعد أسابيع من اعتصام المحتجين فيه.
مظاهرات ساحة تيانانمن أو تُعرف باسم حادثة الرابع من يونيو هي مجموعة من المظاهرات الوطنية التي وقعت في جمهورية الصين الشعبية، بين 15 أبريل، 1989 و4 يونيو، 1989، وتمركزت في ساحة تيانانمن في بكين التي كانت محتلة من قبل طلاب جامعيين صينيين طالبوا بالديمقراطية والإصلاح.
منذ عام 1978، قاد دينغ شياوبينغ مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية، أدّت هذه الإصلاحات إلى تنفيذ تدريجي إلى اقتصاد سوق وبعض التحرر السياسي الذي قلل من تشدد النظام السابق الموضوع من قبل ماو تسي تونغ. أدت هذه الإصلاحات في بدايات 1989 إلى مجموعتين من الناس غير راضيتين عن الحكومة.
تضمنت المجموعة الأولى الطلاب والمفكرين، الذين اعتقدوا ان الإصلاحات لم تكن كافية. وكانوا منزعجين من السيطرة الاجتماعية والسياسية للحزب الشيوعي الصيني. بالإضافة لذلك، رأت تلك المجموعة التحرير السياسي الذي قام به ميخائيل غورباتشوف. تضمنت المجموعة الثانية العمال الذين اعتقدوا أن الإصلاحات قد زادت عن حدها. فقد سبب إطلاق الاقتصاد البطالة والتضخم المالي وهدد حياتهم.
أطلق المظاهرات موت النائب العام للحزب الشيوعي الصيني السابق، هو ياوبانغ، الذي تم عزله في فبراير عام 1987، بسبب المرض. اعتبر هو متحرراً مع لمسة شيوعية، وقد اعتبر عزله بسبب مظاهرات الطلاب غير عادل على نطاق واسع. بالإضافة لذلك، سمح موت هو للصينيين بأن يعبّروا عن استيائهم ممن خلفه دون الخوف من القمع السياسي، إذ أنه سيكون محرجاً بالنسبة للحزب الشيوعي منع الناس من تكريم نائب عام. وكان للموقف المعادي للأجانب دور آخر بالمظاهرات، خاصة بين الطلاب الذين اعتقدوا أن الأجانب قد منحوا حقوقاً أكبر من السكان الاصليين.
شارك في المظاهرات معظم طلاب كليات وجامعات بكين العديدة، بإشراف من مدرسيهم وغيرهم من المفكرين. رفض الطلاب الروابط الموضوعة من قبل الحزب الشيوعي وأسسوا روابطهم الخاصة. رأى الطلاب أنفسهم كوطنيين صينيين، وكورثاء حركة أربعة مايو “للعلم والديمقراطية” في 4 مايو، 1919، والمظاهرات التي حدثت في ساحة مظاهرات ساحة تيانانمن عام 1975 التي طالبت بالديمقراطية. تطورت مظاهرات الطلاب التي بدأت كتكريم لهو ياوبانغ الذي اعتبره الطلاب مطالباً بالديمقراطية، من مظاهرات ضد الفساد، إلى مطالبة بحرية الصحافة وإنهاء حكم الحزب الشيوعي للصين ودينغ زياوبينغ، وهو عضو قديم في الحزب، حكم من وراء الستار. ونجحت بشكل جزئي محاولات بتوسيع شبكة الطلاب مع طلاب من مدن أخرى وعمال.
على الرغم من أن المظاهرات بدأت من قبل طلاب ومفكرين اعتقدوا أن إصلاحات دينغ زياوبينغ لم تكن كافية، فقد جذبت المظاهرات بسرعة العمال الذين اعتقدوا ان الإصلاحات قد زادت عن حدها. حدث هذا لإن قادة المظاهرات ركزوا على الفساد مما وحد المجموعتين.
تأزم المظاهرات:
بعكس مظاهرات ساحة تيانانمن عام 1987، التي تكونت من طلاب ومفكرين، تضمنت المظاهرات عام 1989 دعم واسعاً من العمال الذين هبوا بسبب الفساد والتضخم المالي. في بكين، دعم المظاهرات جزء كبير من الشعب، وربما الأغلبية، تضمنت المظاهرات في أوجها المليون من الناس. وقد شوهدت أعداد مماثلة في المدن الصينية الكبرى.
بدأت المظاهرات والإضرابات في كليات عديدة في مدن أخرى، وسافر العديد من الطلاب لبكين للمشاركة بالمظاهرة. كانت المظاهرات منظمة بشكل عام، مع مسيرات طلابية يومية من مختلف كليات بكين مظهرة تضامنهم ومقاطعتهم للحصص مع تطور في المطالب. غنّى الطلاب أغنية وحدة العمال من خلال العمل الاجتماعي. ثم بدأ أخيراً الأسلوب الرئيسي في الاعتراض وهو الإضراب عن الطعام، من قبل عدد من الطلاب يتراوح بين عدة مئات إلى ما يزيد عن الألف. انتشر الأسلوب بسرعة بين الشعب. وبينما لم تلحظ أعراض جوع شديد بين المضربين عن الطعام، هناك إشاعة صينية تقول إن بعض المضربين ماتوا جوعاً.
نجحت بعض المفاوضات مع الحكام الصينيين نجاحاً جزئياً، حيث تمركزوا قريباً في زونغنانهاي، مجمع قيادة الحزب الشيوعي. كان تواجد الإعلام الأجنبي كثيفاً في الصين، نتيجة لزيارة ميخائيل غورباتشوف في مايو، وقد كانت تغطية الإعلام للمظاهرات مركزة وفي صالح المتظاهرين عادة، على الرغم من توقع عدم تحقيق أهدافهم. مع اقتراب انتهاء المظاهرات، في 30 مايو، انتصب تمثال “آلهة الديمقراطية” في الساحة، لتصبح رمزاً للمظاهرات بالنسبة لمشاهدي التلفزيون.
توقع أعضاء الحزب المتقاعدون في البداية أن تكون المظاهرات قصيرة الأمد، أو إن إجراء إصلاحات شكلية سيرضي المتظاهرين. أرادوا تجنب العنف قدر الإمكان، واعتمدوا في البداية على جهازهم الواسع الانتشار لإقناع الطلاب بإنهاء المظاهرات والعودة للدراسة. إلا أن تنوع مطالب المتظاهرين أعاق ذلك، ولم تستطع الحكومة تحديد من يجب التفاوض معه، أو مطالب المتظاهرين.
من بين أعضاء القيادة العليا، فضّل الأمين العام زاو زيانغ التعامل بلطف مع المتظاهرين، بينما فضل لي بينغ القمع. في النهاية، تم اتخاذ قرار القمع من قبل مجموعة من الأعضاء المتقاعدين، فعلى الرغم من عدم امتلاكهم لمناصب رسمية، كانوا قادرين على التحكم بالجيش، إذ أن دينغ زياوبينغ كان رئيس اللجنة العسكرية المركزية واستطاع إعلان القوانين العسكرية، كما أن يانغ شانغكن كان رئيس جمهورية الصين الشعبية. اعتقد أعضاء الحزب القدامى أن استمرار المظاهرات لمدة طويلة شكل تهديداً لاستقرار البلاد. واعتُبر المتظاهرون أدوات تحركها أيادي “التحرر البرجوازي”.
القمع والضحايا:
في 20 مايو، أُعلنت الأحكام العرفية، إلا أن هذا لم يكن كافياً لإنهاء المظاهرات التي استمرت بدعم شعبي. بعد عدة أسابيع، اتُخذ قرار تنظيف الساحة بالقوة من المتظاهرين. قاوم سكان بكين دخول القوات العسكرية، مما أدى إلى إصابات بين الجنود. أعاقت عوائق الطرق الكثيرة التي وضعها سكان المدينة تقدم القوات العسكرية، إلا أن تنظيف الساحة تم في ليلة 4 يونيو. استمرت المعارك على الطرق حول الساحة، حيث كرر الناس تقدمهم باتجاه قوات جيش التحرير الشعبي المسلحة بالأسلحة الثقيلة، التي ردت بنيران الأسلحة الآلية. تم إنقاذ العديد من الناس من قبل سائقي العربات الصينية الذين دخلوا إلى الأرض الواقعة بين الجنود وحشود الناس وحملت المصابين للمشافي. لم يكن قمع المظاهرات معتاداً بالنسبة لجيش التحرير الشعبي، ولذلك فقد حدثت الكثير من المحاكمات ضد ضباط رفضوا التحرك ضد الطلاب.
ولقد كشفت وثائق لوزارة الخارجية البريطانية، إن تدخل الجيش الصيني أدى إلى مقتل 10 آلاف شخص على الأقل، وكان مصدر هذا الرقم صديقًا لعضو في مجلس الدولة الصيني، أشار له السفير البريطاني على أنه مصدر يعتد به “وهو حريص على الفصل بين الحقيقة والتكهن والإشاعة”.!!