قراءة نقدية مزدوجة:”القصيدة وجميل بثينة”
فقرة جمع بصيغة المفرد:(مبدع /مشاكس/ناقدة )
الابداع:”بباقة ودّ تجيء” المبدع:حمد حاجي(تونس)
المشاكسة:”أمازلت تهذي بها” المشاكس:عمر دغرير(تونس)
الناقدة :جليلة المازني (تونس)
القراءة النقدية المزدوجة:”القصيدة وجميل بثينة”
لقد تناصّت المشاكسة مع نص الابداع جزئيا في الشكل واختلفت مضمونا:
1- التناص الشكلي الجزئي:
استخدم كل من المبدع والمشاكس بعض الالفاظ المشتركة شكلا ولكنها تختلف مضموناكما استخدما بعض الاساليب المشتركة:
التناص الشكلي اللفظي: جميل/ بثينة/الذهول/ عليل.
التناصّ الاسلوبي: استخدام التشبيه/الصورة الشعرية.
2- الاختلاف على مستوى المضمون:
أ- المبدع:حمد حاجي:
استهل المبدع القصيدة بقدوم الحبيبة اليه حاملة باقة ودّ والود هو الحب لكن “الفرق بين الحب والودّ ان الحب ما استقرّ في القلب والودّ ما ظهر في السلوك فكل ودود محب وليس كل محب ودود “(1)
ومن معاني الودّ أيضا العشق والوصال.
ان المبدع جعل الحبيبة جريئة بقدومها وحديثها اليه حول باقة الودّ باعتبارالودّ له دلالة العشق والوصال والوصال سلوك وفعل مادي.
هذه الجرأة جعلت المبدع يستجيب لها ويتغزل بجمالها الجسدي الذي أذهله و جعل طيفها لا يغيب عن ناظره.
والطيف يستحضره الشاعر عادة في غياب الحبيبة للتعبير عن حالته النفسية والوجدانية تجاه غيابها وقد كشفت الدراسات ان الطيف أحد الموضوعات المتكررة في الشعر الأندلسي كطيف الإنسان وطيف المكان وطيف الزمان(2) يقول ابن خفاجة الاندلسي واصفا طيف الحبيبة:
ورداء ليل بات,فيه معانقي// طيْفٌ ألمّ لظبية الوعساء//
فجمعْتُ بين رضابه وشرابه// وشربْتُ من ريق ومن صهباء//
وحتى الشاعر الجاهلي تحدث عن الطيف وهنا يقول عنترة:
أتاني طيف عبلة في المنام////
//وقبلني ثلاثا في اللثام//
ويختم المبدع بقفلة لم نكن لنتوقعها حين شبّه نفسه وهو يضمّ الحبيبة الى ضلوعه بجميل بثينة.
انها مفارقة عجيبة حيث جمع الشاعر في هذه الرباعية بين الحب الجسدي (باقة ودّ تحدثني/الندى ريقها/ففي عينها يتفتح زهر ويينع غصن ويمتدّ نخل وظل ظليل/بثنة بين ضلوعي/ ) والحب العذري حين شبه نفسه بجميل والحبيبة ببثينة
ومن مميزات شعر جميل بثينة وهو من رواد الغزل العذري: رقة التعبير/ صدق العاطفة وقوتها /تجنب وصف مفاتن الحبيبة وذلك بعدم وصف جسدها او شكلها بل يتغزل بحبها الروحي.
لعل الشاعر في تشبهه بجميل والحبيبة ببثينة يريد أن يجمع بين الحب الجسدي والحب الروحي باعتبارالانسان جسدا وروحا.
ولعله بهذا الحب المزدوج(جسدا وروحا)يتوق الى الخلود(كأني لها طول عمري جميل)
ب- المشاكس:عمر دغرير:
استهلّ المشاكس مشاكسته بسؤال استنكاري ينكر فيه على المبدع تشبهه بجميل ببثينة فيقول: أما زلت تهذي بها وليست بثينة
ولا انت يشبهك جميل.
لئن استخدم المبدع التشبيه ليشبه نفسه بجميل بثينة كقفلة مدهشة كسرت أفق انتظار القارئ فان المشاكس استهل به لينفي على المبدع تشبهه بجميل بثينة.
لعل المشاكس نفى عنه ذلك لانه يدرك ان المبدع لا يمكن ان ينتمي الى الغزل العذري الذي يتجنب وصف المفاتن الجسدية للحبيبة في حين أنّ المبدع مسكون بالحب الجسدي .
وبالتالي اعتبر المشاكس تشبيه المبدع لنفسه بجميل هذيانا
و”الهذيان هو تغير مفاجئ سريع يطرأ على طريقة تفكير الشخص وتصرفاته..لا يستطيع المصابون بالهذيان الانتباه الى ما يدور حولهم كما ان تفكيرهم يكون مضطربا”(3)
وأكثر من ذلك فان المشاكس لم يقتصر على وصفه بالهذيان بل جعله يصاب بالأرق الذي أنهك جسمه من شدّة التفكير في الحبيبة التي سحرته
والارق هو السهر وامتناع النوم ليلا بسبب التوتراو الاحداث الحياتية التي تسبب اضطراب النوم.
والعديد من الشعراء قد اشتكوا الأرق:
– يقول الشاعر متمّم بن نويرة: أرقْتُ ونام الاخلياء وعادني//
مع الليل همّ في الفؤاد وجيعُ//
– يقول بن المعتزّ: طار نومي وعاود القلب عيدُ//
وأبى لي الرُقادَ حزنٌ شديدُ//
يقول الأعشى:أرقْتُ وما هذا السهاد المؤرّق//
وما بي من سُقْم وما بيَ معْشقُ//
يقول العباس بن الأحنف:وباتتْ تمطرُ العبرات عيني//
وعين الدمع تنبع من فؤادي//
ويقول المشاكس:
كأنك لم تعرف غمضة عين//
وجسمك كما وجهك أنهكه الذبول//
ان المشاكس يفنّد علاقة المبدع ببثينة الساحرة له مستعينا برقابة سعدى له وعين الرقيب تذهل المحبين خاصة اذا كان الرقيب من طرف الحبيبة الاولى.
هنا يثير المشاكس قضية الخيانة للحبيبة الاولى(سعدى) بحثا عن حبيبة ثانية(بثينة).
واكثر من ذلك فسعدى ينتابها الذهول وهي تراه يلاحق الواحدة تلو الاخرى حين اعتبرته مريضا ولا يقدر على شفائه الا الله. لذلك هي تطلب الله ان يشفيه .
يقول المشاكس:
// فتدعو الله وهو الوحيد الشافي//فوهمك لم يشف منه أبدا عليل//
والمشاكس يثير هنا ثنائية الكرامة والحب فسعدى تدرك تماما أن حبيبها يخونها حين استبدلها بأخرى فانتهك بذلك كرامتها ورغم ذلك فسعدى تضحي بكرامتها
لصالح حبّها.
ولعل مرجعيتها الدينية (فتدعو الله..) جعلتها تتصالح مع نفسها وتتسامح معه ولو على حساب كرامتها.
فسعدى هي رمز المراة العربية المغلوبة على أمرها والتي تضحي بكرامتها في سبيل حبّها .
اما الحبيب فهو رمز الطائر الذي يرفرف من غصن الى غصن.
وخلاصة القول فلئن جمع المبدع بين الحب الجسدي والحب الروحي عندما شبّه نفسه بجميل والحبيبة ببثينة وجعل الحبيبة جريئة ايمانا منه بان للمرأة حق البوح بالحب موظفا في ذلك الصورة الشعرية.
فان المشاكس نفى عن المبدع الحب الروحي ايمانا منه ان المبدع مسكون بالحب الجسدي وانتصارا لسعدى و قد أثار بعض القضايا كالأرق عند الشاعر والخيانة وانتهاك الكرامة…
سلم القلمان ابداعا ومشاكسة.
بتاريخ 01/06/2024
.
== قصيدة الابداع==(حمد حاجي)
بباقة ودّ تجيءُ تحدّثُني، الندى ريقُها والكلامُ نسيمٌ عليلُ
وما غاب عن ناظري طيفها لحظة ولا زال عني الذهول
ففي عينها يتفتّح زهرٌ ويينع غصنٌ ويمتدّ نخل وظلٌّ ظليلُ
كأنْ هي بَثْنَةُ بين ضلوعي، كأني لها طول عمري جميلُ
==قصيدة المشاكسة== (عمر دغرير)
أما زلت تهذي بها وهي ليست بثينة , ولا أنت يشبهك جميلَ …
كأنكَ لم تعرفْ غمضة عين, وجسمكَ كما وجهك أنهكه الذبولُ …
تقول بثينة سحرتك.وسعدى وهي تتابع هوسكَ يلازمها الذهولُ …
فتدعو الله وهو الوحيد الشافي فوهمكَ لمْ يشف منه أبدا عليلُ
المراجع:
https://twitter.com>status(1)
أريج الصالح:” الفرق بين الحب والودّ”
https://aafu.journals.ekb.eg>article..(2)
أنماط من الطيف في الشعر الأندلسي
https://www.mskcc.org>delirium(3
الاعتناء بشخص مصاب بالهذيان






