قراءة نقدية مزدوجة: “القصيدة بين الشهوة والحبّ
جمع بصيغة المفرد(مبدع/مشاكس/ناقدة)
– قصيدة “مولاة العيون الذبالة” المبدع:حمد حاجي(تونس)
– قصيدة “وحدها سعدى أغرقتك في العشق والشغف “المشاكس:عمر دغرير(تونس)
– الناقدة:جليلة المازني(تونس)
هل يمكن تصنيف قصيدة المبدع حمد حاجي “مولاة العيون الذبالة” في صنف قصائد الحب ام قصائد الاشتهاء والشهوة؟.
لئن اعتبرنا ان قصيدة المبدع تنضوي في صنف قصائد الشهوة فان قصيدة المشاكس”وحدها سعدى أغرقتك في العشق والشغف”تندرج ضمن قصائد الحبّ
1- المبدع وقصيدة الشهوة:
لقد تحرّكت حواس المبدع حين التقى بهذه المرأة التي أثارت حواسه فتحركت حاسة الشم برائحة عطر السخاب وتلتها حاسة البصربغنج الكحل بين جفونها ثم هيجت حاسة السمع بضربة الكعب .
هذه الاغراءات الحسية جعلته يلاحقها في المكان الذي ترتاده من بائع الصحف والسجائر الى مقهى الشباب واتخاذ مكان قبالتها.
وهو في ذلك يصف جمالها الجسدي من النحر والجيد والمعصم والشفتين .
هذا الجمال الذي جعله يستجيب اليها بكل كيانه لهفة وشوقا لها.
ويختم بقفلة كسرت أفق انتظار القارئ الذي أوْهمه المبدع في الاثناء ان هذه المرأة غير مكترثة به لكنها في الحقيقة تتظاهر بذلك لانها تورّق الصحف دون تركيز في محتواها لان تركيزها منصب على حركات المبدع وهي تلتفت اليه بين الحين والحين وهو يذبل جفنه على طرف .وهي في ذلك تبادله تذبيل العيون ومن ثمّ كان عنوان القصيدة “مولاة العيون الذبالة ” فيقول المبدع:
أسارقها نظري,
كلما التفتت لي
أذبل جفني على طرفي…
وقلبي
يكاد يذوب من الشوق
وهي تورق في الصحف…
لعل القارئ يتدخل هنا للحديث عن لغة العيون قائلا:
والعيون الذبالة تغنّى بها عدد من الشعراء واعتبروا ذبول العين دليلا على جمال المراة
انها لغة العيون بينهما التيذكرها العديد من الشعراء:
– يقول عنترة: مهفهفة والسحر من لحظاته//اذا كلمت ميتا يقوم من اللحد
– يقول البحتري:كلانا مُظهرٌ للناس بُغضا// وكل عند صاحبه مكين
– يقول بشار بن برد:حوراء ان نظرت اليك//سقتك بالعينين خمرا
– يقول جرير:ان العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحيينا قتلانا
– يقول عبد الصمد العبدي:
تبيّن عيني ان قلبي يحبّه// وفي العين تبيان من الحب والبغض
– يقول المتنبي: وفتّانة العينين قتالة الهوى//اذا نفحت شيخا روائحها شبّا
كل جريح ترجى سلامته// الا فؤادا رمته عيناها
– يقول نزار قباني:”عيناك آخر ما تبقى من مكاتيب الغرام
– يقول ابن حزم الاندلسي:”وأعلم ان العين تنوب عن الرّسل ويدرك بها المراد
والحواس الاربع أبواب للقلب ومنافذ نحو النفس والعين أبْلغُها وأصحّها دلالة..”
ان خطفة هذا اللقاء عند بائع الصحف والسجائر وهذه اللهفة عند وصف مفاتنها الجسدية التي حرّكت كل حواسه وهذه الملاحقة لها ليكون وجها لوجه معها جعله يشعر بالامتلاء وأجج فيه نار الشهوة والاشتهاء حين يقول :
وترشف من فنجانها رشفة..
تتمطق في اثرها أضلعي
ويكاد فؤادي يطلع من كتفي.
ان هذا التفاعل الوجداني السريع وهذا الافتتان الجسدي بها يشي بنوع من الشهوة والاشتهاء لدى المبدع.
والشهوة (1) كما هو متعارف عليه هي رغبة النوع وليست رغبة الفرد..هي علاقة بين طبيعتين وليست علاقة بين شخصين..هي علاقة بين الذكورة والانوثة.
– الشهوة هي انجذاب لشخص ما لاشباع رغبات جنسية.
– الحبّ هو انجذاب لشخص ما دون مقابل.
فالحب يحتوي على شهوة ولكن الشهوة لا تحتوي على حبّ.
– الحب يعني انك اخترت الشخص لذاته وليس لرغبة جنسية فيه.
بيد ان المبدع يفاجئنا بقفلة لم نكن لنتوقعها يكسر بها ما ذهبنا اليه ليوهم القارئ ان علاقته بها هي بداية علاقة حبّ حين بدأت لغة العيون بينهما وما للعيون من سلطة عليهما حين تبادلا تذبيل العيون .
فهل ما يُوهم به المبدع القارئ ان الشهوة ولّدت الحب سيقنع المشاكس عمر دغرير الذي هو بالمرصاد لخطوات المبدع؟؟؟
2- قصيدة المشاكس والحب:
ان المشاكس عمر دغريرلن يتناغم مع المبدع في الشهوة التي تسيطر على وجدانه.
ان المشاكس منذ العنوان يذكّر المبدع بعلاقة الحب التي تربطه بسعدى(وحدها سعدى أغرقتك في العشق والشغف).ويذكره بنزواته في الركض خلف النساء من باب الشهوة والاشتهاء.
وأكثر من ذلك فالمشاكس يعمد الى ادهاش القارئ واللعب على نفسية المبدع حين أوهمه ان التي حرّكت شهوته ذاك اليوم واشتهاها هي سعدى التي هي من “أهل العزّ والترف”.
وهنا يترك المشاكس للقارئ فجوة نصية ليمارس حقه في التأويل فقد يبرّر سلوك المبدع الذي تحوّل من شهوة واشتهاء الى حبّ باعتبار ان المرأة التي اعترضت طريقه هي سعدى.
وكأني بالمشاكس هو الآخر يريد ان ينفي على المبدع من حيث لا يشعرتهمة خيانة سعدى حفاظا على كرامتها وانتصارا للمرأة التي يقدرها حق قدرها.
ولاقناع المبدع بان المرأة التي اشتهاها هي سعدى نفسها أضفى عليها المشاكس نفس ملامح المرأة العابرة التي اشتهاها ذاك اليوم فيقول:
وتمرّ على كشك السجائر والصحف
فتبتاع لها علبة الملبورو
وجريدة الصباح وبعض الحلوى لكلبها الولف
بل ويجعل المشاكس المبدع في لهفة الولهان ينتظرقدومها لتراه بشكل مختلف ولتبارك صدفة اللقاء الرائعة التي أخجلته من نفسه .
=== يتبع ===
=== يتبع===
وكأني بالمشاكس تعمّد ان يجعل سعدى فاعلة وجريئة حين خاطبته بضمير المتكلم الجمع لشرب القهوة معا وتقاسم “الحديث حول ما جاء بالصحف” يقول:
تبسّمت وهي تشير اليك وقالت بصوت ناعم:
تفضل..ما أروع أن نلتقي بالصدف..
معا نشرب قهوتنا
ونتقاسم الحديث حول ما جاء من أخبار في الصحف.
هذه الجرأة التي ميّزتها عن “مولاة العيون الذبّالة” التي تورق الصحف متظاهرة بقراءتها وبعدم اكتراثها بالمبدع وهي تبادله تذبيل العينين.
وأكثر من ذلك فالمشاكس يُشْهد عليه النادلة التي فضحت خجله على فعلته النكراء
يقول: فهي التي تعرف من تكون الزبونة
ومن يكون هذا الفتى الخجول بجسمه الوجف…
لعل القارئ هنا يتعاطف هو الآخر مع سعدى انتصارا لجرأتها وقد يعتبر صمت المبدع انهزامية أمام شجاعة وجرأة سعدى واستسلاما لحبّها واعترافا بعشقها .
وكأني بالقارئ قد مهّد للمشاكس اقدام المبدع على التوبة على يديها لتكون وحدها التي أغرقته في العشق والشغف:
وهكذا كان اللقاء بسعدى وكانت التوبة على يديها
ووحدها أغرقتك في العشق والشغف…
ولعل القارئ يضمّ هنا صوته لصوت المشاكس ليعتبر ان الحب وحده هو الدائم وان الشهوة عابرة وزائلة.
ولعل القارئ ليقنعنا اكثر برأيه سينقل لنا ما دار بين عدة فلاسفة حول ثنائية الجنس والحبّ (1) :
– يقول شوبنهاورمعتذرا:” ان الحب قناع يختفي خلف الغريزة الجنسية وما ان ينكشف وجه الحقيقة البشع حتى تتجلى عبودة الفردلأهداف وغايات تتجاوزه في الواقع حتى ان اتشح الحب بثوب العذرية والنقاء او زيّن بنزعة شاعرية فان جذوره ضاربة اطنابا في الغريزة الجنسية”
– يردّ برؤية فلسفية مغايرة عراب الرهبنة “أوشو” على المتشائم بالحبّ مخاطبا:
“لا يا سيدي ..ان الشهوة هي انفعال وانما الحبّ هو العطر العطرالناتج عن الصمت,عن الطمأنينة,عن القلب التأملي .لا علاقة للحب باي من القضايا الكيميائية او الهرمونية”.
– تردّ رائدة الاعتراف الدمشقية “غادة السمان”قائلة:
“أريد أن اصادق حبّك وجنونك كي نتعلّم المحبّة قبل الشهوة والعطاء لا الترويض”
– يقول نيتشة بتعبير افلاطوني مفصحا:”رغبات الجنس تتجنّب الخوف..أخشى من قربك..أحبك بعيدا”
– يتدخل عريس النفس البشرية “دوستويفسكي لينهي المحاورة وهو يقول:
“ان الحبّ لسرّ ربانيّ ينبغي ان يكون في مأمن من كافة العيون القريبة مهما يحدث له ..ذلك أدعى للتقديس وهو أفضل وأجمّ”.
وأختم لأقول سلم القلمان ابداعا ومشاكسة.
بتاريخ:08/06/2024
=== يتبع ===
=== يتبع ===
=== قصيدة المبدع “مولاة العيون الذبالة”حمد حاجي===
حفظتُ تفاصيلها
كلّها،
من بقايا السّخَاب بقنينة العطر والخزفِ
إلى رحلة الكحل
بين الجفون…
إلى ضربة الكعب بالطَّرَفِ ..صباحا، أراقبها،
تشتري صحفا
وسجائر من بائع التُّحَفِ..
وأسبقها
عند مقهى الشباب
بركن يتيح ليَ الرَّمْيَ في الهدفِ..
شبكتُ أنامل روحي
بطاولةٍ وَسَطا،
وانتظرتُ تقابلني عند منتصفِ..
وجاءت
شناشنُ بالنحر والعقدُ يلعب بالجيد
كالريح في النخل والسَّعَفِ…
تنازع عنها حقيبتها
وتشمّرُ عن معصميها
فلؤلؤة صانها العزُّ في الصَدَفِ.
*************************************
تنادي لنادلة البهو…
يا ليتني في إشارة إصبعها
أو رنين بخلهالها الكلفِ
***********************************
نصبتُ لها
لمحةً عند زاويةٍ،
وشِبَاكًا من اللطف واللّهفِ…
***********************************
وترشف من جنب فنجانها رشفة..
تَتَمَطّڨُ في إثرها أضلعي
ويكاد فؤادِيَ يطلَعُ من كتفي
**************************************
أسارقها نظري،
كلما اِلْتَفَتَتْ لي.
أُذَبِّلُ جفني على طَرفِ..
***************************************
وقلبي
يكاد يذوب من الشوق
وهي تُوَرِّقُ في الصُّحُفِ
وحدها سعدى أغرقتك في العشق والشغف”====”==== قصيدة المشاكس: عمو دغرير
تعودتَ على الركض خلف النساء
وكلتْ قدماكَ في الطرقات و الرصفِ …
“”””””””””””””””””””””””
وما كنتَ تعلمُ أن التي اعترضتكَ
ذاك اليوم هي سعدى منْ أهل العز والترفِ …
“””””””””””””””””””””””
وكانت تغادر,على القدمين, قصر والدها
وتمرّعلى كشك السجائر والصحفِ …
“””””””””””””””””””””””””
فتبتاع لها علبة الملبورو
وجريدة الصباح وبعض الحلوى لكلبها (الولفِ )…
“”””””””””””””””””””””””””””””
جميع من في الطريق يعرفها
والكل يعرف عكسك ,أنها بنت أصل و شرفِ …
“””””””””””””””””””””””””
ومن عاداتها تحيي العابرين ببسمة هي السحر
وتغمز لبعض النساء بالطرفِ …
“””””””””””””””””””””””””
ونادلة المقهى بالأحضان تأخذها
إلى طاولة في الركن زوقتها بالسعفِ …
“””””””””””””””””””””””
وكنت في الركن المقابل تنتظر قدومها
بلهفة الولهان و بقلب مرتجفِ …
“””””””””””””””””””””””””””””””
وفي الحين تحضرالقهوة الفيحاء وكوب العصير
ومنفضة من الخزف …
“””””””””””””””””””””””””
وبعينيها الزرقاوين تمسح كل المقهى
وللمرة الأولى كانت رأتك بشكل مختلفِ…
“””””””””””””””””””””””””
تبسمت وهي تشيرإليك ,و قالت بصوت ناعم :
تفضل .. .ما أروع أن نلتقي بالصدفِ …
“””””””””””””””””””””””””””””””””
معا نشرب اليوم قهوتنا
ونتقاسم الحديث حول ما جاء من أخبار في الصحف…
“””””””””””””””””””””””””””””
ولما هممت بالجلوس قدامها
كانت النادلة واقفة خلفك و يا ليتها لم تقف …
“””””””””””””””””””””””””
فهي التي تعرف من تكون الزبونة
ومن يكون هذا الفتى الخجول بجسمه الوجفِ …
“”””””””””””””””””””””””””””
وهكذا كان اللقاء بسعدى وكانت التوبة على يديها
ووحدها أغرقتك في العشق والشغفِ …
المراجع:
https://masr306.com>…(1)
“د.مصطفى محمود” والفرق بين الح والشهوة
Facebook .(2)العالم بين يديك
زاوية الادب العالمي/فلسفة الحب والشهوة