قراءة تحليلية لنص الأديبة و الشاعرة رفيقة دربي
و صديقة صبايا منية يحياوي
#التقديم
عادة لا أقدم للنص عند قراءته ، لكن بعض النصوص لا بد ان أحييها و أرفع لها القبعة قبل القراءة .
النصوص التي أتركها ” تختمر ” أعي جيدا ان زبدتها ستكون ذكية و زكية .
بعد غياب ما يقارب السنتين على صفحات التواصل الاجتماعي ” لأسباب تقنية ” ، تعود الأديبة و الشاعرة منية يحياوي بيننا بهذا النص الباذخ الذي استفز قلمي البسيط ، كما كانت تستفز بحرفها أستاذنا في مادة اللغة العربية … منية يحياوي لها العديد من النصوص المنشور بالصحف التونسية و العربية ، بصدد اصدار كتابها ، ننتظر ان يرى النور ، بالتوفيق مسبقا
#القراءة
النص دون عنوان ، و نصوص منية تعودت ان تجعلك انت تبحث عن العنوان ” كانها تريد من المتلقي الرسو في مكان ما على ضفة ما في بقعة من هذه الأرض .
تستهل منية النص ب ” هكذا ” :
هكذا :- كلمة مركَّبة من ( ها التَّنبيه) ، و ( ك التَّشبيه )، و ( ذا ) اسم الإشارة) -ومعناها : على هذا النحو ، و كذلك للسؤال : أهكذا ؟
الأديبة في حوار سابق مع ذاتها و ” هكذا ” كانت سؤالا و إجابة في نفس الوقت عن شيء جال بخاطرها و ربما استنكارا و تعجبا .
تقول المنية :
هكذا أمسى الحب
في زمن القحط
نبتاع الوهم ،،
……….
قديما كان الحب خصيبا ، مدرارا ، مثمرا ، كان غزيرا دون مكيال ، يُعطى من قلوب لا تنتظر المقابل ، الحب ليس بيد المكان او الزمان ، الحب نعجز فعلا عن وصفه لسمو هذا الشعور . وصفت منية زمنه الحاضر ” بالقحط ” أجدب ،عقيم ، قاحل لا نبات فيه . و ربما شيء من الحب الماضي .
المقطع أتى بين ” زمن القحط و الزمن الغابر ” بينهما أحداث مرت بها الكاتبة :
نبتاع الوهم / غياب الحقيقة ، زمن أصبح فيه الوهم سلعة تُباع ، و هم الحب و وهم الحقيقة .
و نتلقى السهم / سهم الخداع و طعنات الغدر
و نبتلع شوك الحناجر / نتفس بصعوبة و لا نستطيع عدم الرد ، لا عجزا ، بل لطيب المعدن .
و الصوت بعيدا هناك / ابتعد الصوت فعلا للشوك في الحناجر
يضاجع جاثوما / يضاجع هنا بمعنى لازم ،
الجاثوم / شلل النوم أو الجاثوم هو الحالة التي تحدث أثناء الاستيقاظ أو النوم، يكون الشخص واعيا ولكن غير قادر على التحرك أو الكلام. خلال النوبة، قد يصاب الفرد بالهلوسة
فالأديبة في حالة عجز عن الكلام و الحركة لأسباب عديدة ذكرناها أعلاه ، أو ذكرتها هي حين سألت ” هكذا … ”
يرتقب أغنية الزمن الغابر / الغابر ذُكرت الكلمة في النص القرآني / اسم فاعل من غبَرَ. 2 – بعيد في الزمن :-في الزمن الغابر، – أمجاد غابرة. 3 – هالِك، باق في العذاب – {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} .
فأسفي و الكاتبة عن زمن غابر ، ربما كان أفضل مما نحن فيه ، ام ما نحن فيه هو الأفضل!؟ فهو زمن غابر لا خير فيه .
سأتناول المقطع الثاني من سطره الأخير
:-نَزَّ الْمَاءُ :- : قَطَرَ.
-وَإِذْ تُرْمَى يَدَايَ وَتُنْزَعُ الأَظَافِرُ لاَ يَنِزُّ هُنَاكَ غَيْرُ الْمَاءِ :- (بدر شاكر السباب)
الحب هذا الشعور السامي الرفيع أصبح ” علكة / يلوكها / قراصنة / يتسكعون / على ضفاف القلوب
يتغير زمان الكاتبة التي كانت تحيا زمنا جميلا فيه الحب يُمنح دون مقابل ، لكن صودر و ” سُرق ” من متسكعي ضفاف القلوب : القراصنة ، فالحب أصبح في خطر فجرا و عصرا و ما بينهما نزا …
علقت القدم في وحل التيه
و الخطوة الى الوراء.
تقذفنا في هُوَّة اللاعودة
و ظلمة الغابات الشاحبة
و العالم ينشد ترنيمة الوجد
” و كل على ليلاه يغنّي ”
ترنيمة : أنشودة دينية
الوجد : من لا يعرف نفسه
المقطع يجعلك في التيه تسبح / خطوة إلى الوراء : إما حنينا ، او رفضا للواقع الآني ، و للأسف عدم القدرة على العودة / هوة اللاعودة ، بما يفسر فعلا هذه العزلة ، و التي كانت مُفتعلة مما كانوا حول الشاعرة ، الزمان و المكان : ظلمة و غابات شاحبة ، الضبابية …
حين ذكرت المبدعة ” علقت القدم في وحل التيه
و الخطوة الى الوراء.
يرى هذه الخطوة فعلا إما واقفة إما إلى الوراء ” جمال المشهد رغم قساوته ، العجز التام ، و قمة المعاناة ، فيتضح فعلا أنه لا يوجد من يؤنس هذه ” الخطوة حتى تستطيع التقدم او ينتشلها من وحل التيه . ” فكل على ليلاه يغني ” .
قبل أن اتمم قراءة النص ، لا بد ان أعرج ان هذا النص كُتب انطلاقا من ذات الشاعرة و من تجربتها ببلاد الغربة ، و سأعود إلى هذا بعد هذا المقطع الذي لا يمكن تجزئته .
كما تقول احدى الأغنيات ، خذني إليك ، فإني وجدت اتجاهي …
ان تصف أحدهم بالقديس و البياض ، فانت في محراب الصفاء و السمو إلى الأعلى ، تسافر الروح إلى مناجاة حبيبها
أشياؤك مقدسة يا حبيبي
أنت قديسي
أنت بياضي
القديس، هو كل شخص عاش الفضائل الإلهية في الإيمان والرجاء والمحبة، خلال حياته على الأرض «ببطولة»،
هذا هو بطل #منية الذي أخذ بخطوتها التي ذكرناها أعلاه ، أعاد لقلبها الطمأنينة و انتشلها من ” الأقبية الموحشة ” .
في صورة شعرية و جمالها تقول الشاعرة
يمشط البرق صوته
فوق نجمة الفجر..
يتغير الزمن من الظلمة إلى الفجر ، إلى الولادة الجديدة لكل شيء حين تُشرق الأرض بنورها ، الشاعرة إذا ولدت من جديد على يد حبيبها
الذي يسرح ” فرحها ” في أعاليه
وحده صوتك
يعيد إلي الطمأنينة
صخب الحياة أخذها و تعالت حولها الأصوات و الصمت كان في حياتها نصيب ” قالت أعلاه :
نبتلع شوك الحناجر..
و الصوت بعيد هناك
يضاجع جاثوما
لكن صوت حبيبها كان يهدهدها كطفلة في المهد ، يطمئنها و يأخذ بها بعيدا لتكتسح جبين السماء و تعانق الأفق و المدى .
#كان_النص رحلة سفر بين ماض و حاضر ، بين مكانين ، لم توضحهما الكاتبة و لم تذكرهما بالعين ، لكن من يعرفها سيجد ان النص فعلا له مكان تركته وراءها حين قررت ان تكون في ضفة أخرى . مع اناس و عالم آخر غير الذي كانت فيه.
نص واقعي ادرجه ضمن أدب المهجر ، فيه من النزعة التأملية ، من الحنين ، من الحزن ، من التمني …
و حدت فيه الكاتبة الموضوع تدريجيا من سؤالها الإنكاري ” هكذا أو أ هكذا أمسى الحب ، إلى الإجابة التي وجدت فيها الحب الحقيقي ” فالنص موضوعه ” الحب ” دون ان ننسى إشارتها للمكان ظلمة الغابات الشاحبة” ماضيا ، و قولها في آخر النص : ينفض عني ما علق
من غبار هبت به رياح الغرباء ! إشارة إلى الحبيب و قولها : ينتشلني من تلك
الأقبية الموحشة..
تغير المكان من … إلى
دون ان انسى الإشارة إلى حركة النص و زمانه كذلك من ماض ” كانت تعيشه غاب فيه معنى الحب ” إلى حاضر مع حبيبها أصبح مشرقا .
النص فعلا كان لوحة فنية أبدعت في رسمها منية يحياوي بالقلم ، كان لحبره المساهمة الكبرى في تغيير الألوان من العتمة و شحوبها إلى الأبيض و إشراقته .
………………
هي محاولة بسيطة مني لقراءة نص دون عنوان للصديقة و حبيبة قلبي و رفيقة خطوتي منية يحياوي ، أتمنى من كل قلبي أن تروق لها و يسعدني رأيها ” النقدي للقراءة ”
بقلمي المتواضع سعيدة بركاتي ✍️/ تونس
#النص
هكذا أمسى الحب
في زمن القحط
نبتاع الوهم ،،
و نتلقى السهم،
و نبتلع شوك الحناجر..
و الصوت بعيد هناك
يضاجع جاثوما
يرتقب أغنية الزمن الغابر..
الحب أصبح علكة
يلوكها قراصنة
يتسكعون على ضفاف القلوب
فجرا و عصرا
و ما بينهما
يفي و إن كان نزا…
علقت القدم في وحل التيه
و الخطوة الى الوراء
تقذفنا في هُوَّة اللاعودة
و ظلمة الغابات الشاحبة
و العالم ينشد ترنيمة الوجد
” و كل على ليلاه يغنّي ”
أشياؤك مقدسة يا حبيبي
أنت قديسي
أنت بياضي
الذي يسرح فرحي في أعاليه
و يمشط البرق صوته
فوق نجمة الفجر..
وحده صوتك
يعيد إلي الطمأنينة
ينتشلني من تلك
الأقبية الموحشة..
وحده وجهك يأخذني
في اكتساح جبين السماء
لعناق الافق و المدى
و ينفض عني ما علق
من غبار هبت به رياح الغرباء !
م ي