في مثل هذا اليوم10 يونيو 1916م..
العرب في شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام يعلنون تمردهم على الدولة العثمانية بما عرف بالثورة العربية الكبرى وذلك بعد أن وعدتهم المملكة المتحدة بالاستقلال وإقامة دولة عربية موحدة تضم شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى.
بدأت الثورة العربية الكبرى في يونيو من عام 1916، والتي قامت بها الجيوش العربية بقيادة الشريف حسين ضد حكم الدولة العثمانية في بلاد الشام والحجاز، والتي استمرت حتى تمكنت من تحقيق هدفها في قمع شوكة الدولة العثمانية، والقضاء على كل مظاهرها في الحجاز، ومن ثم امتدت إلى بلاد الشام لطرد ما تبقى من الجيوش العثمانية هناك، حتى تمكنت من تحرير سوريا والعراق وكافة مناطقهما من الحكم العثماني، حيث حدثت الثورة العربية بهدف قيام اتحاد من البلاد العربية، والتي تتضمن كل من الجزيرة العربية ومنطقة سوريا الكبرى (بلاد الشام)، باستثناء منطقة أضنة والمناطق العراقية الواقعة ما بين بغداد وساحل الخليج، احتراماً للمصالح البريطانية هناك.
قامت الثورة العربية على الحكم التركي بقيادة مصطفى كمال أتاتورك نتيجةً لمبادئ السياسة التتريكية، والتي كانت جائرة في حق العرب وظالمه لهم، والتي قامت على الأمور الآتية:
منع العرب عن التكلم باللغة العربية وإجبارهم بالتحدث باللغة التركية. تراجع الأوضاع الاقتصادية وانتشار الفقر بين العرب، بينما كان حكام وأعيان الدولة العثمانية يستغلون خيرات البلاد العربية ويتمتعون بها. شل النهضة العربية في النصف الثاني من القرن 19، والتي تسبب في خلق ثغرة كبيرة في التطور العلمي والفكري والاقتصادي ما بين الدول العربية والدول الأوروبية. فرض الدولة القوانين التي تلزم التجنيد الإجباري على العرب خلال الحرب العالمية الأولى. مجاعة 1915، والتي حدثت نتيجةً لاستغلال الدولة العثمانية للأراضي الزراعية ومحاصيلها، وكافة موارد الدولة لتمويل الجيش التركي والحرب، مما تسبب في موت عشرات الآلاف من سكان مناطق سوريا الكبرى بسبب الجوع.
نتائج الثورة العربية الكبرى من نتائج الثورة العربية الكبرى ما يأتي:
طرد العثمانيين من بلاد الجزيرة العربية وبلاد الشام، والبدء بتأسيس دولة عربية كبرى في تلك المناطق، والتي لاقت معارضة كبيرة من الحكومة البريطانية. عملت الحكومة البريطانية على تقسيم المناطق العربية إلى ثلاث مناطق خاضعة للحكم العسكري، وهي المنطقة الجنوبية تحت الحكم البريطاني، والمنطقة الشمالية تحت حكم الفيصل، والمنطقة الغربية تحت الحكم الفرنسي. الغزو الفرنسي للمناطق السورية وإنهاؤها للحكم العربي فيها، مع بدء الانتداب الفرنسي على هذه المناطق. بدء انتداب بريطانيا على كل من فلسطين والعراق والمناطق الشرقية من الأردن. إعلان عبد الله ابن الشريف حسين بقيام إمارة شرق الأردن تحت حكمه وقيادته، بعد طرد القوات الفرنسية له من سوريا. سقوط الشريف حسين بعد حدوث منازعات عديدة بينه وبين ابن سعود حاكم شبه الجزيرة العربي آنذاك
في 10 يونيو سنة 1916م أعلن الشريف حسين أمير مكة قيام الثورة العربية، وخلع طاعة الدولة العثمانية، ونادى بنفسه ملكًا على كلِّ العرب.
لم تترك النزعات القوميَّة التي انتشرت في الدنيا في هذه الحقبة التاريخيَّة بلاد العرب! ظهرت هذه النزعة في معظم الأقطار العربيَّة؛ فمنها من أراد الاستقلال عن الدولة العثمانيَّة بمفرده كمصر، ومنها من أراد تكوين دولةٍ تجمع الدول العربيَّة الآسيويَّة، كتلك التي ظهرت في سوريا ولبنان، وامتدَّت إلى الحجاز.
كان من المتوقَّع أن تظهر هذه النزعات في ظلِّ الضعف العثماني الشديد في القرن الأخير من عمر الدولة، ولقد فكَّر محمد علي باشا قبل هذا الوقت بقرنٍ كاملٍ في جمع العرب جميعًا -في آسيا وإفريقيا- في دولةٍ واحدة، ولكن فشل مشروعه، وليت السلطان عبد المجيد الأول أعطاه حكم هذه الدول بإرادته؛ فقد كان قادرًا على الدفاع عنها، بدلًا من تقسيمها… على بريطانيا وفرنسا!
استغلَّ شريف مكة حسين بن علي الظروف الصعبة التي تمر بها الدولة العثمانيَّة في الحرب، وقرَّر التحرُّك الجدِّيَّ في سبيل تكوين مملكة عربية يكون هو على رأسها.
تولَّى الشريف حسين إمارة مكة منذ عام 1908، وكان ابنه عبد الله في البرلمان العثماني.
ولم يكن الانسلاخ بولايةٍ عن الدولة العثمانية المنهارة أمرًا مستغربًا في هذا الوقت، ولكن الغريب حقيقةً هو تفكير أحد الزعماء المسلمين الهاشميين، كالشريف حسين، في الاتفاق -بعد قيام الحرب العالمية الأولى المدمِّرة- مع الإنجليز النصارى ضدَّ العثمانيِّين المسلمين! لقد كان المفاوضون «الأشراف» يجلسون مع الإنجليز للتفاوض في التعاون المشترك بينما القوَّات البريطانيَّة تحصد أرواح عشرات الآلاف من المسلمين في جاليبولي!
بدأ الأمر بمراسلاتٍ عَشْرٍ بين الشريف حسين والسفير البريطاني في القاهرة السير هنري مكماهون Sir Henry McMahon، بدأت في 14 يوليو 1915 واستمرَّت إلى 10 مارس 1916.
في هذه المراسلات عرض الشريف حسين على بريطانيا الاعتراف بدولةٍ للعرب في مقابل قيام العرب بثورةٍ ضدَّ العثمانيِّين، واشتراك الطرفين -العربي والإنجليزي- في الحرب ضدَّ الدولة العثمانيَّة، وقد وافقت الحكومة البريطانيَّة، مع التحفُّظ على بعض المناطق التي تريدها من أرض العرب؛ وهي الكويت، وعدن باليمن، وساحل سوريا! أدَّت هذه التحفُّظات الإنجليزيَّة إلى بعض الاختلافات بين الطرفين على حدود هذه الدولة المزمع تكوينها، ومع ذلك، وبعد فشل بريطانيا وفرنسا في اقتحام جاليبولي، وانسحابهم منها في يناير 1916، جاءت الموافقة الإنجليزيَّة السريعة للشريف حسين على طلباته، في مارس 1916، وذلك لخوف الإنجليز من تطوُّر الموقف لصالح الدولة العثمانية، ومِنْ ثَمَّ بدأ الشريف في التجهيز للثورة العربية.
في الحقيقة أنا لست متعجِّبًا فقط من فكرة التعاون مع الإنجليز ضدَّ العثمانيِّين، ولكنِّي متعجبٌ كذلك من اطمئنان الشريف حسين لوعود الإنجليز، الذين اشتهروا بخلفهم لوعودهم السياسيَّة، ولا أدري كيف يثقون فيهم وهم واقعيًّا يحتلون مصر «العربيَّة» منذ 1882م، وقد وعدوا بالخروج منها فورًا بعد إخماد ثورة عرابي، وها هم فيها لمدَّة ثلاثٍ وثلاثين سنةً في وقت هذه المراسلات!
عمومًا، في الوقت الذي كان الإنجليز يوافقون فيه للشريف حسين على دولته المرتقبة كانوا يتفاوضون … مع الفرنسيين واليهود على الأراضي نفسها التي وعدوا بها الشريف! قال تعالى: ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾ [النساء: 120.
بدأ الشريف حسين في الإعداد للثورة مع ولديه عبد الله وفيصل، ويبدو أنه كان من المفترض أن تكون الثورة في أواخر 1916م، ولكن قُدِّم الموعد بسبب أحداثٍ جدَّت في سوريا. كان والي الشام العثماني جمال باشا، وهو أحد الباشوات الثلاثة الذين قاموا بانقلاب 1913م، قد وضع يده -كما يدَّعي- على وثائق تُثبت التعاون السرِّيَّ بين بعض القيادات العربيَّة في سوريا ولبنان مع بريطانيا وفرنسا.
أقام الباشا محاكماتٍ سريعةً لهؤلاء الزعماء، وصدر حكم الإعدام ضدَّ عشرين منهم.
مع أن مسألة الوثائق غير مؤكدةٍ فإنها محتملةٌ بشكلٍ كبير؛ لأن المثقفين العرب -والراغبين في الثورة على الحكم العثماني- كانوا لا يرون غضاضةً في ذلك الوقت في التعاون مع الإنجليز والفرنسيين من أجل الاستقلال عن العثمانيِّين، وقد رأينا التعاون الدبلوماسي بين الشريف حسين والإنجليز، وسنرى التعاون العسكري بعد قليل! ومع ذلك فأنا أرى أن قرار جمال باشا بإعدام الزعماء السوريين كان تهوُّرًا منه، لأن رفع حالة الاحتقان في الدولة ليس من المصلحة في هذا الوقت الحساس، ولكنه على الأغلب كان يرى أنه لو تهاون في العقاب فسيتكرَّر التعاون بين الزعماء العرب والأعداء. على كلِّ حال تمَّ الإعدام في 6 مايو 1916 وكان على الشريف حسين أن يبدأ بسرعةٍ في ثورته مستغلًّا حالة الاحتقان التي شملت الشام.
في 5 يونيو 1916م بدأ عبد الله وفيصل ولدا الشريف حسين بعض المناوشات في المدينة المنورة، ثم بعدها بخمسة أيام -في 10 يونيو- أعلن الشريف حسين رسميًّا قيام الثورة العربية الكبرى، وخلع طاعة الدولة العثمانيَّة، ونادى بنفسه ملكًا على كلِّ العرب، وكوَّن جيشًا صغيرًا في البداية، لكنَّه ما لبث أن ازداد حتى وصل إلى خمسين ألف مقاتل
بدأ الشريف حسين نشاطه بقتال الحامية العثمانيَّة في جدة، وقد شارك في هذا الهجوم الأسطول الإنجليزي، الذي قصفها بضراوةٍ ممَّا أدَّى إلى سقوطها في يد الشريف في 17 يونيو وبعدها -في 28 يونيو- أرسلت بريطانيا القائد العسكري لمنطقة البحر الأحمر، الكولونيل ولسون Colonel Wilson، ومقره في بور سودان، إلى مدينة جدة، لدعم الشريف حسين، والتأكد من ولاء الثورة للإنجليز حرص الإنجليز على دوام إمداد الثوار العرب بالأسلحة، والمؤن، والذخيرة، وذلك من قواعدهم بالسودان عن طريق البحر الأحمر
بعد سقوط جدة حوصرت مكة، ثم قُضي على حاميتها في 9 يوليو، وبعدها سيطر الثوَّار العرب على الطائف في 22 سبتمبر، لكنَّهم فشلوا في إسقاط حامية المدينة المنورة
في أكتوبر 1916م أرسلت بريطانيا من مصر توماس لورنس Thomas Lawrence، وهو المعروف بلورنس العرب، وهو أحد الضبَّاط الإنجليز المرموقين، إلى جيش الثورة العربية لمساعدته في التكتيكات الحربيَّة وشئون المخابرات، وكان له دورٌ كبيرٌ في نجاح العمليَّات العسكريَّة ضدَّ الدولة العثمانيَّة.
حافظ الشريف حسين على حصار الْمَدِينَة واتَّجه شمالًا صوب فلسطين، فخرَّب خطَّ السكة الحديد الواصل بين دمشق والمدينة المنورة[15]! وكانت الدولة العثمانيَّة تعتمد عليه في توصيل الإمدادات العسكريَّة والمؤن من الشام إلى فلسطين ثم سيناء؛ لقتال الإنجليز، فضعف الجيش العثماني لذلك، وتمكَّن الجيش الإنجليزي من الانتصار عليه في عدَّة مواقع في سيناء، وكذلك في فلسطين! يمكن مراجعة تفاصيل هذه المعارك -المؤسفة في الواقع- في كتاب لورنس العرب للمؤرِّخ الإنجليزي چيرمي ولسون Jeremy Wilson، ففيه الكفاية وزيادة..
في الواقع كانت الرؤية الصائبة غائبة عن جلِّ المسلمين في هذه الحقبة، وليس من فراغ أن يتمكن الأعداء من احتلال العالم الإسلامي من إندونيسيا شرقًا إلى المغرب غربًا!
سيستمر جيش الثورة العربية في مناصرة الإنجليز إلى آخر أيَّام الحرب، وسيُساعده في احتلال معظم البلاد العربية الآسيويَّة..!!