نلتقي و جمال الشذرة و إبداع الحرف فيها ، مع الدكتور حمد حاجي في قراءة متواضعة حول شامتها التي طُبعت فوق مبسمها .
#النص
وأجمل من ثغرها ما رأى عاشق..! عسلتان بكوزين في طَبقِ
لها شامةٌ، طُبِعَتْ فوقَ مبسمها، مثل عتمة ليل على شفَقِ
يظل شذا شفتيها يحاصرني مثلما أبيضُ العين بالحَدَقِ
وأبقى أداعب شامتها مغمض العين أسكب سحر القصيد على ورق
#القراءة
يقول السطر الأول :
وأجمل من ثغرها ما رأى عاشق..! عسلتان بكوزين في طَبقِ
و يستهله بحرف عطف ” الواو ”
(الواو)حرف عطف يستخدم ليفيد مجرد الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه في حكم واحد، فهو حرف عطف لمطلق الجمع، ويفيد المشاركة بين المعطوف والمعطوف عليه في الحكم والإِعراب.
” و أجمل ” و كأنه ” قسم ” قطعي بأنه لا يوجد مثل ثغرها يُعشق في هذا الكون ، و لن أبالغ إن قربته من القسم الذي اتى بالنص القرآني ” و الضحى ” او ” التين ” ، ربما بنى الشاعر سطره الاول على هذا التناص .
ثغرها : عسلتان بكوزين في طبق :
أتساءل كقارئة لماذا لم يذكر الكاتب كأسين عوض كوزين ، فهل هناك فرق بينهما ؟ فكلاهما يستعملان للشرب و هذا قطعي حسب مفهومنا البشيط و ليس ظنا .
في التفسير و البحث تبين أن : الفروق بينهما: أن الكوب هو الكوز بلا عروة، والكأس قد يكون بعروة، كما أن الكأس على الأرجح لا تسمى كأسًا إلا إذا كان فيها شراب، وقد أجيز استعمال كلمة الكأس إذا كانت فارغة، كما أن الكوب مذكر والكأس مؤنثة.
لنتفق أن الكوز هو الكوب ، و على هذا السياق نستمر في القراءة .
و نعود إلى عسلتان بكوزين في طبق :
الكأس حجمه أصغر من الكوب الذي يُسكب منه في الكأس، أي أن سعة استيعاب الكوب أكبر. (الكأس كلمة مذكر يجوز تأنيثها)، فتعريف الكأس: هو القدح المليئة بالشراب أو الخمر، وجاء في القرآن الكريم والتفاسير صفات خمر الآخرة التي ليس فيها خبائث خمر الدنيا ومضارها لذا يجب الانتباه لذلك .
قال تعالى: (وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلا) [الإنسان: 17]
قال تعالى: (وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا) [الإنسان: 15]
نستنتج أن ثغر المعشوقة عسل وافر و غزير فهو في كوزين و ليس في كأسين
فالكوب يُسكب منه، والكأس يُسكب به.
الكأس يطاف بها عادة على أهل الدنيا لصغر حجمها . و الكوب سخي مدرار لأهل الجنة لا يفرغ محتواه أبدا ، فخلاصة القول شاعرنا في جنة نعيم مع كوزين من عسل ثغرها في طبق .
و يواصل جلسته هذه فمن يتذوق كوزين من عسل لابد ان يكون في جلسة مريحة حتى يستلذ طعمها فيقول و يبدع في الوصف :
لها شامةٌ، طُبِعَتْ فوقَ مبسمها، مثل عتمة ليل على شفَقِ
شامة / فوق المبسم / مثل عتمة ليل / على شفق
شامة حدد مكانها الشاعر ” فوق المبسم ” ، فوق الشفة العليا .
لونها : مثل عتمة ليل على شفق ، فهي ليست شديدة السواد . مزج لون الليل مع لون الشفق ، لعبة الألوان بين يدي الكاتب و قلمه ، فأصبح هذا القلم ريشة فنان .
الشامة الموجودة فوق الشفة العليا تدلّ على الذكاء والحنكة، وتعتبر المرأة التي تتسم بهذه الشامة الأكثر حظًا بما أنها إجتماعية ومرحة. وحبة الخال هذه تدل على انها أنيقة .
من المعروف أن الشامة كانت مصدر إيحاء للشعراء عبر التاريخ كما إنه ورد ذكرها في الكثير و العديد من أبيات الشعر:
بروحي فتاة بالعـفـاف تجمـلت/ وفي خدها حب من المسك قد نبت.
الأخطل الصغير
ويقول حافظ إبراهيم عن الشامة
سألته ما لهذا الخال مُنفرادً واختار غُرتك الغرا له سكناً .. أجابني: خاف من سهم الجفون ومن نار الخدود، لهذا هاجر الوطنا
و أشهرها :
تغنى بها العراقي ناظم الغزالي :
له خال على صفحات خد / كنقطة عنبر في صحن مرمر
و هذه لقائلها :
جميلة فوق ثغرة المزموم كالليل في غياب البدر.
فشامة معشوقة الشاعر ” طُبعت ” فوق مبسمها
لنعرف فعل طبع من معجم المعاني الجامع :
طَبَعَ الشَّيْءَ:
نَقَشَهُ، رَسَمَهُ ،ختمه، وضع عليه علامة مميزة ، فحبيبة شاعرنا دون النساء هي مميزة بشامتها الربانية التي خُلقت معها ، فهو لم يقل ” وُضعت ، رُسمت … ” هي ختم تعريفها ، و ابدع الخالق في موضعها ” فوق المبسم” .
يواصل شاعرنا و الذي لم يفصح عن اسمها هذه المرة بل جعلنا نحن متابعيه في حيرة ” حبيبته من تكون ” ؟
يظل شذا شفتيها يحاصرني مثلما أبيضُ العين بالحَدَقِ
بين ثغر عسلتان بكوزين و شامة فوق المبسم يحاصره ” الشاعر ” شذا شفتيها ، و الشذا حدة الشيء و قوته ، يطلق على المسك و قوة رائحته ، فشاعرنا محاصر بشذا شفتيها و الرضاب مثلما ” أبيض العين بالحدق ” ، و يجرنا التأويل إلى العديد من المعاني و التساؤل !!! هل يقصد اللون الأبيض بالعين و الحدقة ؟ أم ما يظهر من ” شحمية تصاب العين ، ام شدة جمالها ” المحبوبة ” أبهرت عيناه فعجز عن فتحهما …!!؟
الشاعر ذكر عبارة ” مثلما ” و هي أداة شرط تفيد الظرفية .
فالشاعر في موضعه هذا و حالته هو فعلا ” منبهرا بجمال الحبيبة و سحر شذا رائحتها فأغمض عينيه ليزداد شغفه بها و كانه في حالة ” نزول وحي ” ، يقول في سطره الأخير :
وأبقى أداعب شامتها مغمض العين أسكب سحر القصيد على ورق
أكد هذ النص ما سبق ذكره ، الشاعر مغمض العينين ، و شامتها إلهامه ليسكب حبر قلمه حتى يولد سحر القصيدة بمداعبته لشامتها فوق المبسم .
فيتضح جليا ان الشاعر متيم بمحبوبته و التي تميزت عن بقية النساء بشامتها .
و قد ذكرت اعلاه انها كانت مصدر إلهام للعديد من الشعراء ، قد قال أحدهم : تلك الشّامة ما هي إلّا قطرة حبر حاولت وصف جمالك فتجمّدت.
شذرة أخذنا فيها الشاعر و الأديب دكتور حمد حاجي إلى زمن المعجبين بأدق تفاصيل المرأة ، شامة فوق مبسم يضيف إلى الإبتسامة جمالا فيعجز الوصف عن الوصف.
و لقائلها أضيف :
تلك الشامة التي فوق ثغرك
كانت هي الختم الأخير بانك الأجمل عالميا
فهي المهبط الوحي بقلبي
و كانت شامة حبيبة شاعرنا مهبط وحي لولادة هذه الشذرة عندما داعبها مغمض العينين .
مهما كان موضع الشامة عند المرأة ، فهو يضيف لها جمالا يجعلها متميزة بين النساء
قال أخناتون: عندما تنير الفضيلة والتواضع سحرها يكون بريق المرأة الجميلة في شامتها أكثر إشراقاً من نجوم السماء وتأثير قوتها لا جدوى من المقاومة.
قال جوانا كروبا: بغض النظر عن الشكل أو الحجم الذي أنتِ عليه يجب أن تشعري بالثقة في بشرتك وخاصةً في الشامة يجب أن تشعري كأنك امرأة جميلة مهما حدث.
قال جون إرسكين: هناك فرق بين الجمال والسحر إن المرأة الجميلة هي التي ألاحظها والمرأة الساحرة التي على جبينها شامة.
السطر الأخير على لسان ياقوت الحموي :
أمُفلّجُ ثَغركَ أم جوهرْ و رحيقُ رضابِك أم سُكّرْ
قَد قال لثغرِكَ صانِعهُ إنّا أعطيناكَ الكَوّثَر َ
هي محاولة ابحار في شذا شذرة رائعة استفزت شامتها قلمي، فهنيئا لكِ يا من على مبسمكِ شامة
فكانت هذه القراءة المتواضعة بقلمي البسيط:
سعيدة بركاتي ✍️ / تونسجمال






