رؤيتي في قصيدة (أعندك فٓضْوَةُ وقت؟)
للشاعر حمد حاجي
—————————
تُمَسّي عليّ وتغمز لي من بعيد
إذا ما رأت بالطريق
الرقيب وبعض الكرب..
على خصرها جفنة عرّشت
مثل دالية بالبوادي
يكاد بعنقوده يشتكي لي العنبْ
كأنّ عَلى قَدَرِ الرِجلِ تمضي الخطى
كأن
على قدَرِ الخطو يأتي العَتَبْ..
تجيءُ
كما رشة العطر
والشعر فوق كواهلها اْرْتَخَى وَاْنْسَكَبْ..
أعاتبها…
مَن يَكُنْ لهُ قَلبٌ كقلبي
يجد له بالحب ألف سببْ…
أقول لها وبعينيّ بوح
وغصة شوق
وبعض غضب
أعندك فٓضْوَةُ وقتْ؟
بعَشْوٓةِ سبتٍ..
أواعِدْكِ في ضيعة الأهل… في عزبٓةٍ من عِزَب
أنا كالمزارع وحدي بحقل الهوى والغرام
ألون وجهي بكف السماء وقحط الرجاء
فأرضي يٓبٓابٌ كأنّ السّحاب بها لم يَصُبْ
أعندك فٓضْوَةُ وقت؟
لتحجبنا في الدروب
وفي زحمة العاشقين حواشي السحب
أعندك فٓضْوَةُ وقت؟
نمرّ ببائعة الخبز
نأخذ سُخْنٓ الجٓرٓادِقِ من تحت نار القصب
وننقعه في الزيوت
وألمظ من أصبعيك بقايا العسلْ
وأحدثْكِ عن قصة العاشقين بأحلى الكتبْ
أعندك فٓضْوَةُ وقت عشية سبت؟
سأشوي على الفحم سمانةً
وأُمَلِّحُها وأقدّمها لك في صحفة من خشبْ
أعندك فٓضْوَةُ وقت؟
سأحضر تبغي ونرجيلتي..
وأعدّ لك الشاي… أطهوه فوق اللهب
وعند المساء سأدعوك للرقص فوق الروابي..
على وقع دقات قلبي…
وإن شئت نامي بحضني… لكل امرئٍ ما أحَبْ
أعندك فٓضْوَةُ وقت؟
هبيني عشية سبت… فإني وهبتك قلبي
وهل يَرْجِعُ الحُرُّ فيما وَهَبْ..
_________
على سبيل المقاربة
ظاهرة التكرار مفتاح شعري يعتمد عليه الشعراء لمقصدية دلالية أو فنية أو جمالية ما، وتتجسد في مقاطع شعرية وجمل وكلمات وحروف، يبتغي من خلالها الشاعر إثارة القارئ لفك شفرات مدلولاتها، فتتحقق الشعرية المنشودة للطرفين
والمطلع على قصيدة:أعندك فٓضْوَةُ وقت؟
يلحظ أنّ الـعنـوان يتكرر في مطلع كل لوحة نحتها الشاعر شعرا لـيشحنها فنا وجمالا وشاعرية…
وتتالي الصور الشعرية
معرية احاسيس هذا الشاعر الذي يعي العالم وعيا جماليا ويعبّـر عن هذا الوعي شعرا ) علما أن المضمون العاطفي للشعر عموما ولهذه القصيدة مارس على المتلقي (تطهيرا للنفس مـن نزعات الشر عامة حسب أرسطو)
————
ظاهرة التكرار (أعندك فضوة وقت)
وذكر السبت من بين أيام الأسبوع والاستفهام بـ(أ)أي(الهمزة)
ثوّرت حقل اهتمامي، وحسب فهمي المتواضع أعدُّها كلمات مفتاحية وظاهرة أسلوبية لافتة للنظر
———-
توظيف الاستفهام
توظيف الاستفهام هنا ليس
لطرح سؤال وطلب معلومة، بل استخدِم هنا كأسلوب لجذب انتباه وإشراك الحبيبة في الحديث
وتجاوز ﻓﻴﻪ المعنى الحقيقي ﻟﻠﻮﺻﻮلإلى المعنى اﻟﻀﻤﲏ
(أعندك فٓضْوَةُ وقت عشية سبت؟ )
وبهذا الاستفهام ينطلق الشاعر
وبكل ما توفّـر له من مغريات
مادية ومعنوية في محاولات
لـتحديد موعد للقاء مشتهى
بكل صبابة العشاق ،فـيرسم بالكلمات اللوحة تلو الأخرى ،وينمّقها بدفقات الشوق فهو مشتاق وبه لوعة
للحصول على وعد بالتلاقي
بعيدا عن الرقيب والعذول
ولكن مدّ الحبيبة وجزرها محير فهي التي لا ترسو على برّ ولا تقطع وعدا وقد لا تنجز إن وعدت…حبيب يتأرجح بين الشك واليقين وهذا في دين العشاق تمنّع الراغب المرفع لدرجة اللوعة والحرمان…
———————-
خصّ السبت بالذكر من بين أيام الأسبوع
والسبت هو آخر يوم من أيام الأسبوع ويكون بين الجمعة والأحدوأطلق عليه العرب قبل الإسلام اسم (شِيَار) وهو اسم
علم مؤنث عربي ومعناه-الحسن والجمال
والجمال إدهاش يلتقطه وجدان الشاعر فلا غرابة إن ورد(السبت) في هذه القصيدة
وسبق للشاعر أن جعله يوم الميعاد
في رباعيته (تواعدني)
حيث يقول
تُواعِدُني السبتٓ حتى إذا جاء تنسى لنا موعدا
يمرّ بي العاشقون فهذا يمد ذراعا وتلك تقيم له مقعدا
وأسند كفي لخدي، يتيما، أراقب من راح أو من غدا
مساءً… أَفِزُّ عن المقعد الخشبي ووحدٓه مدّ الغياب يدا!
وسبقه ابن الرومي حيث يقول:
وحَبَّبَ يومَ السبتِ عِنْديَ أَنَّني
تُنادِمُني فيه الذي أنا أحَبَبْتُ
ومن عجَبِ الأشياء أَنِّيَ مُسْلِمٌ
حَنِيفٌ ولكنْ خيرُ أيَّامِيَ السَّبتُ
وكم عظم الشاعر يوم السبت بأن جعله يوم اللقاء ويوم تساقي كاسات الهوى
(أعندك فٓضْوَةُ وقت؟
هبيني عشية سبت… فإني وهبتك قلبي
وهل يَرْجِعُ الحُرُّ فيما وَهَبْ)
انها عشية السبت(Samedi soir)
سبت حج وطواف العشاق حول هيكل الحب المقدس
وقد تمّت تسمية هذا اليوم بالسبت نسبة لساتورن إله الزّراعة في الأساطير الرومانية، وهو اليوم الوحيد الذي سُمِّي على اسم إله روماني….
هذا اليوم (السبت) مذكور في في القرآن الكريم أعني قصة أصحاب السبت
“واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ” سورةالاعراف آية 163
——————-
توظيف التكرار
التكرار يحمل دلالات نفسية وانفعالية مختلفة تفرضها طبيعة السياق، ويُعدّ وسیلة من وسائل تشكیل الموسیقی الداخلیة
و التكرار ظاهرة مهمة ومثيرة في هذه القصيدة حيث أضفت عليها جمالا فنيا ودلاليا وإيقاعا
فنعيش الطرافة والبراعة الفنية
والجو المموسق ونتلذذ ونتمتّع بالنص كبناء كليّ
[وعبر قصائده وأنا ملّمة بها كلها بحكم مشروعي(قراءات في كتاباته ]
استخدم الشاعر ظاهرة التكرار بأنواعه
الثلاثة (الحرف/الكلمة/ العبارة او الجملة المقطع/…)
حيث نلمس امتداد الطاقات التعبيرية وسيولة الألفاظ اللغوية وسلاسةالتوظيف والتخلص
مما مكّن الشاعر من تشكيل صوره الشعرية ولوحاته السينمائية المشهدية
فالتكرار عنده ليس سطحية ولا حشوا بل هو فسحة جمالية إبداعية وإذا كرر
وألحّ فعلى المتلقي أن يهتم ويستعد بكل حواسّه لامتصاص سحر الشعرية والتلبس بروح القصيدة
ومن هنا انبثقت شعرية التكرار في هذه القصيدة(أعندك فضوة وقت؟)
مع تجليات ظاهرة التكرار وهنا كانت ضرورة ملحة لاستحالة الاستغناء عنه (أي التكرار)في البناءين الدلالي والشعري
—————•
مع اعتذاري لسدنة الشعر والثقافة والفكر والفلسفة ووو
أقول :الشعر يساهم في تفعيل النشاط الذهني والفكري والوجداني