في مثل هذا اليوم30 يونيو1946م..
تصدير أول شحنة نفط كويتية.
في عام 1921، أصبح الشيخ أحمد الجابر الصباح حاكما للكويت، ولأنه كان قائداً حكيماً، يحمل رؤية ثاقبة،
فقد قاد شعبه خلال الأوقات العصيبة مع انتهاء عشرينيات القرن الماضي.
شكل ظهور مزارع اللؤلؤ خطرا كبيرا على صناعة اللؤلؤ في الكويت، بل وصار منافسا شديدا لها.
على الرغم من هذا، وفضلا عن التراجع الذي شهده العالم في مجال التجارة في مطلع الثلاثينيات، لم يفقد الشيخ ثقته بالمستقبل. ويرجع ذلك في المقام الأول إلى وجود العديد من البقع السوداء الغريبة من مادة البيتومين الخام التي لوحظت لفترة طويلة في أجزاء متفرقة من الصحراء. وكان الشيخ أحمد الجابر ورجاله على علم بالاستكشافات النفطية في الدول المجاورة كالبحرين، والمملكة العربية السعودية، والعراق، ناهيك عن نجاحات الشركة الإنكليزية الفارسية في جنوب إيران. وزادت توقعات الكويت بسبب الاكتشافات النفطية في البحرين عام 1932، حيث خيمت أجواء من التفاؤل في اكتشاف النفط بأماكن ظهور هذه البقع، وهو الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى إنعاش الحياة التجارية في الكويت.
ولم يمض وقت طويل حتى ظهر تقرير فني يبشر باكتشاف يحوّل أرض الكويت الصغيرة الصحراوية التي تعصف بها الرياح إلى دولة عصرية مزدهرة زاخرة بالحياة في غضون ربع قرن من الزمان. ويعود الفضل في وجود كل هذه الأبنية والصروح الحديثة من مدارس ومستشفيات ومراكز تجارية، والتطور العمراني الذي تتمتع به الكويت الآن إلى تقرير بسيط حمل عنوان “جيولوجية أرض الكويت ووجود النفط فيها” صدر في 1 يونيو 1935.
في 23 ديسمبر من عام 1934، وقع الشيخ أحمد الجابر الصباح وثيقة أدت إلى زيادة ثروة بلاده بشكل كبير وعززت مكانتها الدولية. في ذلك اليوم تم منح أول اتفاقية امتياز للنفط الكويتي لشركة نفط الكويت المحدودة، التي تم تشكيلها من قبل شركة نفط الخليج (حاليا شيفرون للنفط) وشركة النفط البريطانية الفارسية (حاليا شركة البترول البريطانية).
إكتشاف النفط
في حين تواصلت عمليات الحفر في البحرين، تحولت الأنظار إلى برقان والتوصيات حول هذه المنطقة في تقرير فني ل “كوكس ورودس” وأجريت المسوحات الجيولوجية، وقامت الشركة بأعمال حفر في هذه المنطقة حتى عام 1937 وفى بدايات عام 1938.
وفي 22 فبراير من عام 1938 تم اكتشاف النفط، وعلاوة على ذلك، كان النفط تحت ضغط كبير وبكميات وفيرة مما جعله ينطلق من خلال صمام رأس البئر بقوة وبشكل استعصت معه السيطرة عليه. وكان من الصعب للغاية إحتواء ذلك التدفق. ونظرا لعدم وجود ما يكفي من طين الحفر لسد الفتحة، كان لزاما إيجاد وسيلة أخرى لإغلاق البئر، وهذا ما حدث تماما على الفور. دونالد كامبل، كبير المحاسبين آنذاك، وضع محورا خشبيا يبلغ طوله 60 قدما والذي كان بمثابة سدادة مؤقتة، وهي الطريقة التي بدأ بها برقان رقم (1) في الساعة 11 صباحا في صباح يوم خميس ماطر. ومن العجيب أن هذا البئر الأول لا يزال ينتج حتى يومنا هذا.
في 30 يونيو عام 1946 أدار سمو الأمير الراحل الشيخ أحمد الجابر الصباح الدولاب الفضى لأول عملية تصدير للنفط الخام بالكويت على متن الناقلة البريطانية (بريتش فوسيلير).
وقد وافق 30 يونيو عام 1996 الذكرى الخمسين لتصدير أول شحنة نفط كويتية، وهو ذلك الحدث التاريخي الذي مكن دولة الكويت من احتلال مكانة مرموقة بين كبار منتجي النفط في العالم. ففي الساعة السابعة من صباح الثلاثين من شهر يونيو عام 1946 شهدت الكويت احتفالا مهيبا بتصدير أول شحنة من النفط الكويتي برعاية وحضور المغفور له الشيخ أحمد الجابر الصباح (أمير دولة الكويت آنذاك)، إلى جانب كبار المسؤولين في البلاد والمقيم السياسي في منطقة الخليج، والوكيل السياسي في الكويت، وحشد كبير من المدعوين.
وقام السيد ساوثويل مدير شركة نفط الكويت المحدودة، باستقبال سمو الشيخ أحمد الجابر الصباح رحمه الله ومرافقيه، ورافقهم إلى موقع الاحتفال حيث نصبت العجلة الفضية إيذانا بالحدث. ثم أدار سمو الشيخ أحمد الجابر الصباح رحمه الله العجلة ليبدأ بذلك تصدير أول شحنة من النفط الكويتي الخام والتي تدفقت الى البحر عبر الأنابيب وصولاً إلى ناقلة النفط البريطانية “فوزيلير” التي حملت بـ 10567 طنا من النفط الخام في غضون 11 ساعة و13 دقيقة، بمعدل 950 طناً في الساعة.
وجاء في رد سمو الشيخ أحمد الجابر الصباح رحمه الله: “ما من فرد من شعب بلادي وأصدقائي إلا وسيبتهج معي بهذا الحدث السعيد الذي هو بفضل الله حدث يصب في صالح مستقبلنا ورفاهنا… أشكر الله الذي منحنا هذه الفرصة للاستمرار في تنفيذ مختلف الإصلاحات التي ننشدها من أجل سعادة ورفاه الشعب الكويتي. وأود أن أشير أيضا إلى الرعاية التي قدمتها الشركة من خلال القيام بأعمالها في بلدنا. كما أريد أن أوجه شكري إلى حكومة صاحبة الجلالة التي ساعدتنا على إنجاح مثل هذه العمليات، وإلى أصدقائي الأمريكيين والبريطانيين أعضاء مجلس الإدارة بالإضافة إلى كل موظفي الشركة على مساعدتهم القيمة. وأنا واثق من أن أواصر الصداقة الموجودة بيننا وبين الشركة ستستمر لتعيش بروح المودة والإخلاص”.
ثم بدأ الاحتفال برقصة (العرضة) في مدينة الكويت، وفي الليل أطلقت الألعاب النارية معلنة ختام فعاليات هذه المناسبة.
التأميم
وبدأ عصر جديد من الأهمية التاريخية في 6 شهر ديسمبر سنة 1975 بمناسبة تأميم صناعة النفط في الكويت. وعلى غرار جميع الدول العربية المنتجة للنفط، بدأت الكويت مفاوضات في بداية السبعينيات لاستعادة السيطرة على مواردها النفطية الطبيعية. ومن خلال اتفاقات متبادلة مع الشريكين في الشركة تمت زيادة حصة الدولة في شركة نفط الكويت تدريجيا حتى تم تحقيق الاستحواذ بشكل تام. وفي الخامس من شهر مارس سنة 1975 تم توقيع اتفاق بين دولة الكويت وشركتى النفط (بريتيش بتروليوم والخليج) تم بموجبها منح الكويت الملكية الكاملة لمواردها النفطية.
إن تطور صناعة النفط الكويتي في وقت مبكر ووصولها إلى العالمية إنما هو بفضل الله تعالى ثم حكمة حكام دولة الكويت وخبرة شعبها في مجال الأعمال.!!