قراءة نقدية مزدوجة: “الرباعية بين المقلة والقبلة”
فقرة جمع في صيغة المفرد (مبدع / مشاكس/ ناقدة )
المبدع حمد حاجي(تونس)
الرباعية: “لها مقلة لو..”
المشاكس عمر دغرير(تونس)
الرباعية: “لها مقلة كاللظى”
الناقدة :جليلة المازني (تونس)
القراءة النقدية المزدوجة : “الرباعية بين المقلة والقبلة”
أ- المشترك بين الابداع والمشاكسة:
1- الاستهلال:
لقد استهل كل من المبدع والمشاكس الرباعية بمطلع لبيت لامرؤ القيس”لها مقلة”حين يقول:
لها مقلة لو أنها نظرت بها // الى راهب قد صام لله وابتهل
لأصبح مفتونا معنّى بحبها// كأن لم يَصُمْ لله يوما ولم يُصَلّ
يقول المبدع حمد حاجي: لها مقلة لو الى البدر قد حدّقت لتشقق واحترقا
يقول المشاكس عمر دغرير: لها مقلة كاللظى وكل من مرّ بقربها احترق
2- وحدة موطن الغزل بالمقلة والقبلة:
لقد حصر كل من المبدع والمشاكس موطن الغزل في المقلة والقبلة فهما مصدر جمال المرأة .انها لغة الجسد التي تحرّك في كل من المبدع والمشاكس النشوة والانتشاء والشهوة والاشتهاء باستخدام حاستي البصر والذوق (المقلة والشفاه)
– التغنّي بالمقلة :
يقول المبدع حمد حاجي:
لها مقلة لو الى البدر قد حدقت لتشقق واحترقا.
يقول المشاكس عمر دغرير في التغني بالمقلة:
لها مقلة كاللظى وكل من مرّ بقربها احترق…
ويختم كل منهما البيت بنفس المعنى وهو الاحتراق بالمقلة(احترق)
ان هذه المقلة التي تحرق وتؤجج بلهيبها نار الشهوة لها نظرة عميقة حادّة فهل النظرة الحادة تدل على الحبّ؟
تعدّ النظرة الحادّة “من علامات الحب واشارة قوية من لغة الجسد عن اهتمام
الشخص بالطرف الآخر.كما أوضحت خبيرة الجسد بأن في الكثير من الوقت
تكون النظرات أبلغ من الكلام كما أكدت أن العين المُحبّة تكون مبتسمة مثل الشفاه لمن تحبّ”(1)
– التغني بالقبلة:
يقول المبدع حمد حاجي:
لها قبلة لو ولوْ,لوْ هي لثمتْ حجرا أسود لهوى صعقا
يقول المشاكس عمر دغرير:
ومن شفتيْها يقطر العسل ويطبع في القبل عبقا..
ان التغني بالقبلة يتناصّ مع ما قاله امرؤ القيس في القبلة التي جعلته يُدمن طويلا على تقبيل الحبيبة والتي وصلت الى المئة قبلة في نفس الوقت حين يقول:
وقبلتها تسعا وتسعين قبلة // وواحدة أخرى وكنت على عجل.
ويقول يزيد بن معاوية لتصوّر مواطن أخرى للقبل حين يقول:
وقبلتها تسعا وتسعين قبلة /// مفرّقة بالكف والخدّ والفم
– تأثيرات القبلة:
تعمل القبلة على افراز هُرمون السعادة وتعزيز الروابط والعلاقات الغرامية.
ولها تأثيرات عديدة:
– يمكن للقبلة “العاطفية الحميمية جدا “ان تحرق حتى 20 سعرة حرارية في الدقيقة.
– وجد الباحثون في علم التقبيل او ما يُدْعى “فيليماتولوجي” ان ثلثي المقبّلين
يميلون برؤوسهم الى اليمين (راحة في التقبيل تصحبها متعة).
– تستمرّ القبلة في المعدل أكثر من 12 ثانية في أيامنا هذه بينما كان معدل
طول القبلة في ثمانينات القرن الماضي تصل الى 5,5 ثانية فقط .
– يشجع الاطباء على التقبيل لانه يساعد على تقوية جهاز المناعة ويبطئ
عملية التقدم بالعمر.
– يتمّ تحفيز 100 خلية عصبية عند التقبيل ويتم عندئذ ايضا افراز هرمونات السعادة والادرينالينالتي تملئ الجسم بالطاقة.
– التقبيل هو لفتة من الحنان يقوم به البشر غريزيا.
– في اليابان يتمّ التقبيل عند الرغبة في ممارسة الجنس.
ب- المختلف بين المبدع والمشاكس:
1- المبدع حمد حاجي :الرباعية والقبلة:
لقد عجز المبدع على توصيف تأثيرالقبلة حين قال:
“لها قبلة لو ولو لو هي لثمت حجرا أسود لهوى صعقا”
ان تكرارحرف الشرط “لو”هو دليل على عجز الشاعر على توصيف تاثير القبلة
في متقبلها حتى انه جعل لها تاثيرا كبيرا لولثمت حجرا أسود.
والحجر الاسود يحيلنا على الكعبة الشريفة وهو اشرف حجر على وجه الارض
وهو من الجنة. ولذلك يقبله الحاجّ.
انها صورة شعرية تضفي على القبلة قداسة تقبيل الحجر الاسود.
ان قدسية القبلة تتناص مع قبلة الشاعر يزيد بن معاوية حين قال:
ووسّدتها زندي وقبلت ثغرها// وكانت حلالا لي لوْكنت مُحرمُ
وان حرّم الله الزنا في كتابه/// فما حرّم التقبيل بالخد والفم
لعل الشاعر حمد حاجي بهذا التقديس للقبلة له مرجعية دينية وهو في ذلك يشرّع لتأثير القبلة.
ان الحبيبة استجابت لهذه القبلة وأشارت اليه بغرفتها وهنا قد يتدخل القارئ من خلال هذا المقطع النصي وقد يعتبر ان المبدع قد لا يخفي عنا نرجسيته بجعل الحبيبة جريئة ومبادرة في الاشارة اليه بغرفتها فاستغل نقطة قوته ليلاعبها الورق ويشترط مقابلا لانتصاره قبلتين وواحدة سبقا.
ولعبة الورق لها رمزيتها تماما كما لو انها لعبة الشطرنج في فكرة الدولة والملك والجنود وغيرها من الرمزيات في قيمتها. (3)
===يتبع ===
=== يتبع ===
ولعل المبدع يتناص مع امرؤ القيس الذي يلاعب حبيبته الشطرنج حين يقول:
ولاعبتها الشطرنج خيلي ترادفت// ورخّ عليها دار بالشاه بالعجل
ولئن كان مقابل انتصارامرؤ القيس عليها تسعا وتسعين قبلة وواحدة اخرى كان على عجل:
وقد كان لعبي كلّ دسّت بقبلة// أقبّل وجها كالهلال اذا أطلّ
وقبّلتها تسعا وتسعين قبلة// وواحدة أخرى وكنت على عجل
فان المبدع حمد حاجي كان قنوعا بقبلتين وثالثة سابقة:
وقد كان شرطي على ثغرها قبلتان وواحدة سبقا.
ان قناعته بثلاث قبلات فقط يبرّره طول القبلة الواحدة في أيامنا الذي يستمرّالى 12 ثانية وان القبلة العاطفية الحميمية تحرق حتى 20 سعرة حرارية في الدقيقة.
هذه القداسة للقبلة وهذه المتعة هل ستجعل المشاكس يتناغم مع المبدع؟
2- المشاكس عمر دغرير: الرباعية والقبلة:
يصف المشاكس القبلة بالعسل حلاوة ونعومة ورائحة فيقول:
ومن شفتيها يقطر العسل ويطبع في القبل عبقا..
لئن أضفى المبدع على القبلة القداسة وسما بها فان المشاكس قد جعلها مطبوعة برائحة العسل والقبلة المطبوعة هي خلاف القبلة المصنوعة المزيفة.
ان وصف المبدع للقبلة معنوي ووصف المشاكس للقبلة مادّي
انهما توصيفان متكاملان.
ان المتعة المعنوية التي عاشها المبدع هي ناتجة عن متعة مادية تجلت في قوله “لو ولو لو”.
ان المتعة المادية التي تذوّقها المشاكس بحاسة الذوق حتما سينتشي بها وتولّد لديه متعة روحية معنوية .
في هذا الاطار قد يتساءل القارئ:
هل ان القبلة تعبير عن الحب ام هي تعبير عن الجنس؟
يقول الدكتورابو بكر حركات:” القبلة الايروتيكية ليست مرتبطة بالضرورة بالحب , من الممكن ان تكون هناك قبلة جنسية بين حبيبين كما يمكن ان تكون بين شخصين تربطهما فقط رغبة جنسية .ومن الممكن ايضا ان تكون القبلة بين الحبيبين قبلة حب وخالية من الحمولة الايروتيكية”.(3)
وهنا قد يتساءل القارئ :
– هل ان القبلة لدى كل من المبدع والمشاكس هي تعبير عن الحب أم عن الجنس؟
– هل هي قبلة الحبّ ام قبلة الشهوة والاشتهاء؟
قد تكون القبلة لديهما تجمع بين الحب والجنس باعتبار ان المتعة الروحية المعنوية لدى المبدع هي نابعة من متعة مادية للقبلة.
كما ان القبلة المادية لدى المشاكس ستسمو به الى المتعة الروحية المعنوية.
انها جدلية الروحي والجسدي وجدلية المعنوي والمادي.
ولئن كان المبدع قد جعل استمتاعه بمقلتها وبقبلتها يستمرّ الى ملاعبتها وامكانية مواصلة الاستمتاع بالقبل فان المشاكس يضع حدّا لمتعة المبدع بالقبل وكأني به يريد ان يجعل “الحبيبة” تعاقبه عمّا بدر منه من احتمال شهوة تقبيلها فتصْفعه .
وهنا قد يتدخل القارئ ليتعاطف مع المشاكس انتصارا لكرامتها ولحفظ ماء وجهها .
انها مرجعية أخلاقية تجعل المشاكس يعتبران”الحبيبة ” قد ندمت عن قبلة المبدع لها باعتبار احتمالها نابعة من شهوة فحاول أن ينتشلها من السقوط في الشهوة التي تختلف عن الحب فيقول:
“وحين اقتربتَ من بيتها كفّها على خدك لصق… ”
وأكثر من ذلك فان المشاكس ختم بقفلة مدهشة للمبدع وللقارئ لم نكن لنتوقعها وكسرت أفق انتظارالقارئ وانتهكت حرمة كرامة المبدع حين تحوّل من فاعل
الى مفعول به ومن مُنتش الى معتوه أمامها باعتباره زير نساء وبذلك أفقده المشاكس صفة الحب الانسانية السامية وأصبغ عليه صفة الشهوة والاشتهاء والحيوانية.
يقول: “وصرْت أمامها كمَعْتوه في بحر النسَا غرق”
وخلاصة القول فلئن اتفق المبدع والمشاكس في الاستهلال وفي محور الغزل(المقلة والقبلة) فانهما اختلفا في التعبير عن القبلة بين الحبّ والشهوة باعتبار ان الحب يتضمّن الشهوة بيد ان الشهوة قد لا تتضمّن الحب(حين اعتبرته زير نسا) ولعلها تتحوّل الى حب حين يتقاطع الحب مع الجنس.
سلم القلمان ابداعا ومشاكسة واتفاقا واختلافا ,ُمشتركا ومُختلفا.
بتاريخ 04/07/2024
المراجع:
https://www.youm7.com>2021/11 (1)
اشارات من لغة الجسد تدل على الحب..نظرة العين بتفرق3
https://www.dw.com>…(2)
عشر حقائق عن القبلة وتأثيراتها الصحية والاجتماعية
https://www.dw.com>..(3)
القبلة في الثقافة العربية:تعبير عن الحب أم عن الجنس؟
=== رباعية المبدع ===
لها مقلةٌ لو إلى البدر قد حدّقت لتشقّق واحترقا
لها قبلة لو ولو لو هِي لثمت حجرأ أسودا لهَوَى صعقا
أشارت بطرفٍ؛ أضاء بغرفتها كل ركن، ولاعبتُها الورقا
وقد كان شرطي على ثغرها قبلتان وواحدة سَبَقا!
=== رباعية المشاكس===
لها مقلة كاللظى وكلّ منْ مرّ بقربها احترقَ…
ومنْ شفتيها يقطرُ العسلُ ويطبع في القبل عبقَا..
وحينَ اقتربْتَ منْ بيتها كفّها على خدّكَ لصقَ..
وصرْتَ أمامها كمعْتوهٍ في بحْر النسا عقلهُ غرقَ..