رؤيتي في قصيدة (أحبك يا حمد بن علي)
للشاعر الدكتور Hamed Hadji
.
كأنه ما غلّب الوجد يوما عليها وشقّ حشاها سوى حَمَد بنُ عَلِي
رفيفََا..رفيفا تَرُجُّ أساورها، وتسير محل الصدارة في المَحْفَلِ
وتسمع رنّة خلخالها عند كاحلها مثلما رقرقة الماء في الجدول
وتلمحني فتحدّث رفقاتها عن فتى صوّب السهم فصابَها في مَقتَلِ
.————
تساءلتُ عن حالها في غيابي فكَشْكَشَ ريقٌ أمرّ من قطرة الحنظَلِ…
ولو كنتُ أملك حكمَ السماء مزجته في عسل وتركت الكآبة والحزن لي
فقالت: ألم ترَ أن المشاتل الجبلية دوما تحن لحال منابتها الأُوَلِ
فقلتُ لها… احضنيني طويلا وغني معي: إنّما الحب للعاشق الأوَّلِ
————-
ويأسرني في صوتها بحّةٌ ورنين، شبيه بحصد السنابل بالمنجل…
وقلتُ لها: لم أشأ أن أسافر…أنت بقلبي وفي غمضة الأعين النُّجُلِ
فقالت: ألم تَرَ زهر القرنفل يُذبِلُهُ ظلمةُ الجُدُران وتركه في مَعْــزَلِ…
و عادت الى باحة الرقص بين الرفيقاتِ والقلب يعزف أهواك يا حمد بن علي…
———————-
كتبت الاديبة سلوى الراشدي
Saloua Rachdi
تحية منها لهذه القصيدة(أحبك يا حمد بن علي)
تخاطب الشاعر أي حمد بن علي وهو اسم الشاعر الحقيقي
و لا زلتَ تنهل من معين لا ينضب و عين تنبجس من كلّ صوب…من ذاكرة المكان و ذاكرة الزمان و ذاكرة الوجدان..من موطن ينطق فيه الحجر قبل البشر و من تواتر مواعيد الجني و الحصاد و من اهازيج الأفراح و الزيجات و رباطات العشق الجارح المداوي و الوعود التي لا تفلّ!..على دقة الطبل في قاع القلب ترقصنا أشعارك المتأصّلة في جذورها الخالصة من كلّ زيف…
والحقيقة انها نفذت لروح القصيدة
وقدمت لنا عصاراتها مكثفة ودسمة
قد تغني عن أي قراءة أخرى
ولـكن بقدر ما أوجزت الاديبة سلوى الراشدي بقدر ما سأطيل علما أننا
كل منا وقفت على شفرات القصيدة
وهي ثلاثية صارخة
المكان البادية بكل خلفياتها الاجتماعية
والنفسية وموروثها الثقافي
الزمان : زمن الشباب الذي ولي ولكنه يراود الذاكرة ويخاتل العمر
الوجدان :مفعول الذكرى ونار الحنين
———-
القصيدة عبارة عن لوحات تشد بتلابيب بعضها وقابلة لتغيير الترتيب دون إخلال بالرسالة الجمالية التي تحملها (أحبك يا حمد بن علي)
لوحات ثلاثة نسجت خيوط قصة حب
ولد وعاش وترعرع في البادية
وعشق البادية له طقوس
وله قداسة وقدسية
ومضرب أمثال في التغلغل في القلب العاشق ويظل وشما على الشغاف
ورضابا على الشفاه
هذا العشق الصامت ،هذا العشق اللبيب الذي بلغة العيون يخاطب ويتواصل ويبلِّـغ رسائله بكل أريحية
والمعنيُّ بهذا الحب الجارف يدرك ضجيج الصمت ويفكّ شفرة كل حركة
ويرد عليها بالف لغة
والسؤال :أكل أعراس البادية مواعيد؟
كل مكان في البادية هو رسمُ لمواعيد وميادين لثورات جنون العشق والغرام
فعين الماء موضع تعارف وتبادل
تباريح الهوى
والنخلة والتينة والسدرة مكان يستظل به العشّاق ويستترون بها من فضول العيون المتربصة
وعملية التحطيب اي جمع الحطب منّ الجبل المتاخم فرصة لقاء قد يكون منتظرا من زمن بعيد
وعلى ضفة الوادي يُـغسل الصوف ويتنكر الفتيان في زي الفتيات ويلتقون بهن بلا شبهة ولا حرج
ألم يقل جميل
وَأَوَّلُ ما قادَ المَوَدَّةَ بَينَنا
بِوادي بَغيضٍ يا بُثَينَ سِبابُ
وَقُلنا لَها قَولاً فَجاءَت بِمِثلِهِ
لِكُلِّ كَلامٍ يا بُثَينَ جَوابُ
وفي الحقول ترعى الماشية ويختلط الراعي بالراعية ويكون للهوى جولات وصولات
وكل مناسبة هي موعد سواء كانت فرحا أو ترحا
والأعراس كانت وما زالت فرصة تتاح للشباب ليقتربوا من الشابات ويسري الود ويكون الحب العذري وتكون حلاوة تجربة هذا الشعور الجميل
والحب جبّار ومتجبّر حيث يجلب الهوى من حيث يدري المحب أو لا يدري…
___اللوحة الاولى
المناسبة عرس في البادية
العاشقة في أتم زينتها وترتدي
حليها وعدسة الشاعر ركزت وسلطت الضوء على ما يحدث صوتا ورنة أي الأساور والخلخال
ومكان تواجد هذه المرأة هو المحفل
والمحفل هو طقس من طقوس الأعراس البدوية في مختلف البلاد التونسية وهو تراث لامادي وجب تثمينه برؤية معاصرة
والشاعر إن ذكره كإطار للوحة الاولى
فليس من باب الصدفة وإنما لنعلم أن الحب هو الحب وهو مشاعر وأحاسيس لا تتأثر لا بالمكان ولا بالزمان والحب نيزك يقع وينشطر إلى نصفين كل نصف يصيب قلبا فيلتحم القلبين ويصبحان واحدا بنبض واحد وبهذا الانصهار العجيب يقوى ويصمد الحب
والمحفل هو المجلس ولكن في العرس هو نساء في أبهى زينتهن في شكل موكب يسير صوب بيت الاحتفال
حيث تسير هذه الكوكبة تحت لحاف كبير عادة احمر او أخضر اللون يُـمسَك هذا اللحاف من الاطراف الأربعة من قبل أربع نساء وتكون بقية المحتفلات تحته ،كالخيمة المتنقلة وهن يرددن الأغاني البدوية ويرقصن على إيقاع الدربوكة عادة ،مع عرض أنماط فنية
قد تتعدد إيقاعاتها
___اللوحة الثانية
تعرض بمشهدية عالية لقطة التداني
بعد التنائي
الشاعر ما سار على خطى أبي فراس الحمداني الذي كتب:
أضحى التنائي بديلا من تدانينا
وناب عن طيب لقيانا تجافينا
وكأنه يردّد
أضحى التداني بديلا من تنائينا
وناب عن مر فراقنا تلاقينا
حيث يطلب العاشق من المعشوقة احتضانه وضمه لإطفاء نار البعاد التي
طال اشتعالها وما خبت جذوتها
بل ويطلب منها أن ترتّل إحدى قواعد العشق
إنما الحب للعاشق الأول في تناص لبق وشاعري مع قصيدة أبي تمام
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى
ما الحب إلا للحبيب الأول…
رغم ايماني الراسخ أنه لا يوجد حب أول وحب أخير
الحب :حب هو عبارة عن إنسان بنصف روح يلتقي إنسانا آخر يمتلك نصف روح يلتحم النصفين لتصبح روحا واحدة في جسدين
ويصبح من الـمستحيل الابتعاد والحياة بروح غير مكتمله تعاني بشدة…
___اللوحة الثالثة
على عجل وبعد الضم وتبادل عتاب العشاق
لحظة خاطفة من لحظات عشق الباديةوعلى إيقاع
(القليل منك يكفيني)
وحتى لا ينكشف أمرها تتركه
وتعود للمرح والرقص
وهذه المرة هي رقصة بهجة اللقاء
اقف قليلا عند دلالات الرقص
فالرقص بتصوراته المتعددة مفتاح انثروبولوجيا (علم الإنسان)، لفهم تفاصيل بارزة في التاريخ البشري ض، مثل مفهوم الجسد في الذهنية البدوية ، وصورة المرأة، (والشاعر خص المرأة بالرقص في هذه اللوحة )
لأن في مجتمع موسوم بالذكورة
قد تعجز عن التعبير بالكلمات أو بالوصف عما يختلج في نفسها وتشعر به، لكن بلا شك تستطيع التعبير بالحركة والرقص وعلاقة الإنسان بالرقص فطرية
فالطفل على هدهدة الام وهي تمسكه في وضع الواقف يتحرك في انسيابية كانه يرقص متجاوبا مع الإيقاع
والرقص غالبا ما ينظر له على انه شكل من أشكال الفرح ووسيلة للتعبير عن الحب حتى عند الحيوان
فطائر الجنة يرقص استعدادا لمواجهة الأنثى والسعي إلى جذبها مع حلول موسم التزاوج(في جزيرة بابوا بغينيا)
الرقص موجود اينما وجد الإنسان قديما وحديثا
___ولعل أهم ما يميز الشاعر هو لغته الخاصة وتعابيره المدهشة التي تترك بصمة في اللغة العامة، وتحمل تجربة خاصة غير مكررة، وليست مأسورة بصوت الآخرين ولغتهم،وكذلك
صداها عند المتلقي هذا الطرف الذي
يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار ويحسب له ألف حساب لأنه مهما فعلنا يبقى هو الضامن الوحيد لاستمرارية حياة ما نكتبه…
شكرا دكتور حمد الشاعر على هذه اللوحة البدوية المدرة للذكريات في كل مداراتها
فائزه بنمسعود