فى مثل هذا اليوم5يوليو, 1830م..
حاكم الجزائر الداي حسين يسلم مدينة الجزائر للفرنسيين، وبداية الغزو الفرنسي للمدن الساحلية الأخرى.
قبل أن تنزل أولى طلائع الجيش الفرنسي بميناء سيدي فرج بالجزائر العاصمة كانت الظروف الدولية والاقليمية مواتية لفرنسا للقيام بهذه الحركة الخطيرة، فقد كانت الجزائر قوة لا يستهان بها خاصة في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وكانت كثير من الدول تعطي أتوات ومبالغ سنوية لحماية سفنها من قبل البحارة الجزائريين ضد القراصنة الذين يهاجمون السفن ويستحوذون على ما فيها ويقتلون طاقمها وركابها.
وكان لهزيمة الأسطول العثماني في معركة نافارين الأثر البالغ في تجرّأ فرنسا على ارسال أسطولها وجنودها لاحتلال الجزائر، وما قصة المروحة الا اختلاق وذريعة لتغطي بها الدوافع الحقيقية لهذا العمل الماكر، فقد توافرت كل الشروط لاستعادة هذا الحلم الذي طالما طمح إليه الفرنسيون باحتلال الجزائر واستغلال ثرواتها وموقعها الاستراتيجي، وكذا اضعاف الخلافة العثمانية وتقليص نفوذها في شمال افريقيا بالأساس حتى تخلو لفرنسا الساحة لفعل ما تشاء وتجعل من الجزائر بواية نحو دول الساحل وافريقيا الغربية، كما كانت الصراعات التي تدور بين أعوان الداي حسين سببا هاما في تمهيد الطريق للفرنسيين وتسهيل عملية الاحتلال عليهم.
وفي 7 من فبراير أعلن الملك شارل العاشر التعبئة العامة في أوساط الجيش الفرنسي، ورسّخ في أذهان جنوده أن هذه الحملة ستكون للانتقام للشرف الفرنسي الذي انتهكته الجزائر، كما داعبهم بتأجيج مشاعر الولاء للصليب وضرورة اخضاع بلاد المسلمين المتوحشة، فجهّز حملة قوامها 37 ألفا من الجنود و600 سفينة بين شراعية وبخارية، وانطلق الأسطول نحو الجزائر، وفي تمام الساعة الثانية صباحا ليوم 14 يونيو 1830 نزل الجنرال بيرتوزان مع الفرقة الاولى للمشاة بميناء سيدي فرج، وقبل رسو الأسطول قامت السفن بإطلاق النار على مئذنة مسجد سيدي فرج فدمّرتها، فكانت نيّة الفرنسيين واضحة ورسالتهم تبشّر بالشّر العظيم والدمار على طريقة التتار المروعة.
في ذلك الحين اجتمع الداي حسين برؤساء الهيئات المهنية في المدينة وشيوخ القبائل والعلماء بغية الوصول إلى حل للفاجعة التي ستحل بدارهم عما قريب، وأثناء تحاوره معهم كان يميل بشدة لفكرة الاستسلام وتسليم المدينة للفرنسيين، لأنه كان قناعة تامة بأنه غير قادر على المقاومة، وأنّ انهيار حكومته مسألة وقت فقط، ولكن جواب أعيان الجزائر كان حاسما يظهر أنفة الشعب الجزائري وحبه للجهاد والدفاع عن وطنه، فقالوا بكلمة واحدة سنحارب إلى أن نستشهد عن آخرنا ولا يتخلف منا شخص واحد.
قرر الداي حسين بعد المشاورات مع الأعيان التي لم تجدي نفعا لتغيير فكرته في الاستسلام، الاتصال بالفرنسيين بعدما تأكد بالنسبة له أن المدينة في حكم الساقطة لا محالة، فحاول توسيط القنصل البريطاني الذي رفضه الفرنسيون لاحقا، وأبلغوا الداي حسين من خلاله بضرورة تسليم المدينة بلا قيد ولا شرط.
وأرسل الجنرال بورمون إلى الداي نص معاهدة فيها شروطه المتمثلة أساسا في تسليم المدينة بدون أدنى مقاومة أو شروط مسبقة، وكان من بين تلك الشروط التي أرسلها الجنرال للداي: تسليم جميع القلاع في المدينة مع الميناء، تعهد القائد العام بأن يترك كامل الحرية والممتلكات الشخصية لباشا الجزائر مع السماح له بمغادرة الجزائر إلى المكان الذي يختاره، ويتعهد القائد العام بتقديم نفس الامتيازات لكل الجنود الانكشارية التي أعطاها للباشا، والعهد الآخر بأن يظل العمل بالدين الاسلامي حرا، كما لن يلحق ضرر بحرية السكان ودياناتهم وممتلكاتهم.
وقّع الداي وثيقة الاستسلام ليلة الخامس من يوليو 1830 بعد أن أغرّته الوعود الفرنسية التي كانت ذرا للرماد للعيون ومحض كذب حتى تقضي على أي مقاومة مع الحفاظ على أرواح جنودها وميزانية جيشها، وكان بالفعل تسليم المدينة في صباح اليوم التالي. وفي 6 يوليو دخل الجنود الفرنسيون المدينة وعلت راية الجيش الفرنسي فوق جميع الابراج والقلاع، ورفع كبير قساوسة الحملة صوته مكلما القائد العام الفرنسي قائلا: لقد فتحت باب للمسيحية على شاطئ افريقيا. وبدأت سلسلة من النهب طالت الخزينة الجزائرية وكثيرا من ممتلكات الداي وكبار التجار، وأخطأ الداي اذ لم يقم بتهريب أموال الخزينة نحو مدينة قسنطينة حيث ستكون في أمان وتحت تصرفه وقت ما يشاء، ولكن كما قلنا سابقا فقد انساق لوعود المحتل وأذعن لها بدون أدنى مقاومة.
وفي يوم 10 جويلية أي بعد أيام قليلة من احتلال الجزائر رحل الداي عن الجزائر متوجها نحو نابولي بإيطاليا ثم إلى الاسكندرية بمصر، لتوافيه المنية بها بعد 4 سنوات من انتقاله إليها، تاركا خلفه أمة ستتعرض بعد سنوات إلى أبشع المجازر في التاريخ الحديث على يد من يدّعون الحضارة والمدنية الزائفة، ومع وفاة الداي انتهى الوجود العثماني في الجزائر الذي دام 326 سنة، من الاستقرار والعيش بسلام، وفي خضم هذه الاوضاع انتقل الكثير من سكان العاصمة إلى قسنطينة التي كانت ثاني أكبر مدينة في البلاد وكانت بها حصون وقوة بشرية لا بأس بها ستواجه المستعمر بعد ذلك الا أنه سيتمكن من اخضاعها هي أيضا.
نعود الآن إلى الأخطاء التي قام بها الداي والعوامل التي ساهمت في سقوط مدينة الجزائر بهذه السهولة في أيدي الفرنسيين، فمن أبرز أخطاء الداي اعدامه لقائد الجيش الجزائري المدعو الآغا يحيى بعد أن وصلت للداي معلومات مغلوطة بأن الآغا يريد الانقلاب عليه ويحرض ضده، وعوّضه بصهره الآغا ابراهيم الذي لا يفقه شيئا في فن ادارة الحروب وتسيير الجيش والجنود، وكان وراء هذه المؤامرة لإعدام الآغا يحيى وزير المالية الذي كان الداي يثق به ثقة عمياء، بينما كان ذلك الوزير هو من يخطط للقضاء على حكم الداي ووصل به الأمر للتواصل مع الفرنسيين لمساعدتهم للقضاء عليه.
ومن الأسباب التي أدّت إلى حدوث الانهيار بسرعة أمام الفرنسيين مساعدة اليهود لهم وخيانة أغلبهم للشعب الجزائري الذي آواهم طيلة قرون من الزمن، وأيضا من الأمور الحاسمة التي عجّلت بالهزيمة عدم وجود انضباط في الجيش الجزائري، وانعدام خطة مدروسة لمواجهة فرنسا، وزاد الأمر سوءا الحرب النفسية والاعلامية التي مارستها فرنسا، حيث بدأت بتوزيع منشورات قبيل شن الحرب، وكان مضمون تلك المنشورات مزاعم فرنسية لإثارة الفتنة بين الجزائريين والأتراك، واظهار الفرنسيين على أنهم مخلّصين من الاستعمار العثماني، ومما جاء في تلك المنشورات :”اننا نحن أصدقائكم الفرنسيين نتوجه الآن نحو مدينة الجزائر، اننا ذاهبون لكي نطرد الأتراك من هناك، انّ الأتراك هم أعداؤكم وطغاتكم، الذين يتجبرون عليكم ويضطهدونكم، والذين يسرقون أملاككم وانتاج أراضيكم، والذين يهددون حياتكم باستمرار”.
وكان لهذه الكلمات تأثير بالغ على بعض ضعاف النفوس، واقتنعوا بأنّ فرنسا دولة شريفة وعريقة لا يمكن أن تنكث بعهودها ومواثيقها، ولكن لم يمضي وقت طويل حتى علموا أنّ فرنسا جاءت لتبقى وأنّ أملاكهم صارت بيدها تفعل بها ما تشاء، بل وصل الأمر بالجنرال فرنسوا دي مونطياك أن كتب في رسالة إلى صديقه: “هكذا يا صديقي ينبغي أن تقام الحرب ضد العرب، يجب قتل كل الأطفال ونقلهم على متن سفن إلى جزر “ماركيز” أو إلى أماكن أخرى، وبكلمة واحدة يجب قتل كل من لا يركع أمام أرجلنا مثل الكلاب”.
هذه فرنسا التي ادّعت الشرف قامت بإشعال النار في كل المخارج لأحد المغارات في منطقة مستغانم التي اختبئ بها بعض السكان هربا من الفرنسيين، فكانت حصيلة تلك الفعلة مقتل ألف من الاطفال والنساء والرجال خنقا، وكان هذا تمهيدا لسياسة الأرض المحروقة التي طبّقتها فرنسا لاحقا بعد مرور سنوات قليلة وجعلتها دستورا تسير عليه إلى حين خروج آخر جندي من الجزائر سنة 1962 وإرجاع الجزائر لاستقلالها بعد أن دفعت سبعة ملايين من الشهداء عكس ما يعتقده العامة من أنّ العدد مليون ونصف مليون من الشهداء، فذلك الرقم كان خلال 7 سنوات فقط إبّان الثورة التحريرية، أما خلال 132 سنة من القتل والتدمير والحرق فكانت الأعداد بالملايين من الأبرياء الذين قضوا ظلما وعدوانا.
معاهدة دي بورمن أو معاهدة استسلام الداي حسين (5 يوليو 1830م) في تاريخ الجزائر هي معاهدة جرت بين داي الجزائر (الداي حسين) والماريشال دي بورمن قائد قوات الاحتلال في الجيش الفرنسي تقضي بتسليم مفاتيح مدينة الجزائر إلى فرنسا.
وكانت هذه المعاهدة تتضمن الاستحواذ على مدينة الجزائر، وبسط النفوذ على القصبة مع استسلام داي الجزائر مقابل احترام ضمانات حول الأملاك والدين والتقاليد المحلية الجزائرية من طرف قوات الاحتلال الفرنسي.
وإذا كانت بنود هذه المعاهدة تتعلق بمصير مدينة الجزائر، فإنها لم تتطرق إلى كامل جغرافيا الجزائر بما فتح الباب لاحقا أمام حملات عسكرية طويلة بهدف إخضاع الجزائر لسلطة الفرنسيين وما ترتب عن ذلك من حركات المقاومة الشعبية الجزائرية ضد فرنسا.
وإضافة إلى انعكاسات هذه المعاهدة على المستوى الداخلي الجزائري والفرنسي، فإنها قد انجرت عنها نتائج ديبلوماسية مع كل من إنجلترا وإسبانيا والدولة العثمانية.
قام الداي حسين غداة التوقيع على «معاهدة الاستسلام» بتحضير نفسه لمغادرة مدينة الجزائر.
وتوجه داي الجزائر المستسلِم في يوم 10 يوليو 1830م مع حريمه وعائلته وحاشيته المتكونة من 118 شخصًا، من بينهم 58 امرأة، نحو «ميناء الجزائر» ليغادر إيالة الجزائر على متن «فرقاطة جان دارك».
وبُعَيْدَ مغادرته الجزائر، تم طرد حوالي 1 300 جندي من الحامية الإنكشارية التي كانت متواجدة لحماية القصبة.
وبعد توقف سفينته في ميناء مدينة نابولي بتاريخ 3 أغسطس 1830م، واصل رحلته ليمكث في مدينة ليفورنو ثم في مدينة جنوة.
ثم ما لبث الداي حسين أن انتقل إلى مدينة الإسكندرية أينما توفي في سنة 1838م!!!!!!!!!!!!!