قراءة نقدية وفق مقاربة سريالية
القصيدة :” قصيدة جدارية نموذجا”
الشاعرة:الهام عيسى (سوريا)
الناقدة: جليلة المازني(تونس)
قراءة نقدية وفق مقاربة سريالية
*عتبة العنوان:
لقد اختارت الشاعرة الهام عيسى عنوانا لقصيدتها”جدارية”
و”الجدارية هي شكل من أشكال الاعمال الفنية الرسومية التي يتمّ رسمها أو لصقها مباشرة على الحائط أو السقف أوأي سطح ثابت آخر”(ويكيبيديا).
“الشعراء أيضا ذهبوا أيضا الى الجداريات ليس بمعنى الرسم وانما بالكتابة ومن يتأمل جدارية محمود درويش بصريا أو تشكيليا من حيث توزيع أسطر القصيدة
وطولها وملحميتها يشعر بانه أمام ما يشبه “الجدار” العمودي المرتفع”(1)
تبدو الجداريات الشعرية وكأنها عودة الى زمن المعلقات.
ترى ماذا ضمّنت الشاعرة جداريتها لتكون معلقة ثابتة عبر الزمن؟
ان جدارية الشاعرة تجسد لنا ثنائية الموجود والمنشود في الحب:
1- الحب الموجود (معاناة الحب في الزمان والمكان):
تستهل الشاعرة جداريتها بذكر الزمان (في ليلة هادئة) واستعدادها للسفرفتقول:
في ليلة هادئة
ارتديت سماءك الصافية
حزمت نجومك المضاءة
ان الشاعرة استخدمت ضمير المتكلم المفرد وضمير المخاطب المفرد فالى من تتوجّه الشاعرة بالخطاب؟
انها تدْهشنا بايقاف مراكبها على مرساة أمنياتها وانزال أشرعتها فتقول:
وأوقفت مراكبي
على مرساة أمنياتي
أنزلت أشرعتي
هل الشاعرة فعلا أعرضت عن السفر؟
يبدو ان الشاعرة كانت على سفر مع أمنياتها فاستبدلت سفرا بسفر..انها استبدلت
الهُنا بالهُناك…انه الصراع بين مكانين مكان الامنيات ومكان الرحيل.
انها غربة المكان التي عانى منها الكثير من الشعراء ..تقول:
“أعلنت الرحيل”
هذا الصراع بين المكانين جعل الشاعرة الحبيبة ممزّقة بين الشوق والحنين
بين حنين الى الهُنا مكان الأمنيات وشوق الى الهُناك مكان الرحيل.
تقول الشاعرة: المرساة تبكي
كان أنين الشوق يحرقها
وهول الحنين في شهقتها
وبالتالي فلا الحنين يريحها ولا الشوق يطفئ ضمأها
انها غربة المكان والمعاناة.
وهل أكثر من أن الزمان هو الآخرفيه اعادة نظر.
الزمان ليس ثابتا وليس مستقرّا فتقول الشاعرة:
يا ايها الزمن المسافر
في حقائب المحبين
أيعقل ان الوقت أذن الرحيل
انها تستغرب من هروب المكان وضياع الزمان بالسفر.انها فعلا معاناة الحب من
الزمان ومن المكان.
وهنا توهمنا الشاعرة برومنسية الشاعر الذي يهرب من المكان والزمان الى حيث
ترتاح نفسه لكن الشاعرة تواصل ادْهاشنا وتبُوح لنا بمن تتوجه اليه بالخطاب حين تقول:”ايها الحبّ التائه “..
انها لا تخاطب حبيبا بل هي تخاطب الحبّ التائه هذا الحب التائه في كل مكان”في الحارات العتيقة/ والازقة والشوارع).واكثر من ذلك فهي تعتبره مسلوب الكرامة حين وصفته بالمتسوّل فتقول:”المتسوّل على أبواب العاشقين”
انها ترى الحبّ يستجدي العاشقين. انه حبّ غير حقيقي ومزيّف.
ان الشاعرة لاتخفي عنا قلقها على واقع الحب التائه الغريب غربة الزمان والمكان
انها لاتخفي عنا ان قضية واقع الحب هي قضية وجود.
انها لا تخفي عنّا تشاؤمها بواقع الحب ولعلها في ذلك ترفض الموجود في الواقع وتتوق الى المنشود في اللاواقع.
لعل القارئ هنا وانطلاقا من الذخيرة النصية يتعاطف مع الشاعرة ليذكرنا بأسباب تيه الحبّ ومعاناته في واقعنا الموجود فيستحضر رأي البعض في ذلك:
“في زمن انتشرت فيه الحروب وكثرت فيه الصراعات..أصبحنا جميعا بحاجة الى الحب حب الارض حبّ الذات حب الطبيعة وحب الحياة..لنجد أن الحب هو فضيلة وأعظم ما في الوجود..لكن أنانية الانسان أضاعت أسمى المعاني للرحمة وحولت أهدافها الى منافع خاصة, تجارة رائجة, سلع تباع وتشترى حسب المصالح لتفقد سمة الانسانية التي تبعث الدفء بداخلنا تردعنا عن الخطا وسط الظلمات وتبعدنا عن الكراهية التي سيطرت على الافكار وأغرقتها بالحقد مما أعمى البصر والبصيرة”(2)
– هل ان هذا التشاؤم بواقع الحب المرير جعل الشاعرة الهام عيسى تتوق الى مدينة فاضلة في الحبّ؟
– هل هي تريد ان تؤسس لمدينة فاضلة وفق تجلّيات الحبّ المنشود؟
2- الحب المنشود:
انها تعود لمخاطبة الحب وهي في ذلك تشخّصه فتعتبره شخصا ايمانا منها بقيمته الانسانية.
انها تنتظر ان تعود للحب السكينة والاستقرار وان يلد الحب من جديد لتشرق شمسه وتملأ قلوب المحبين ضياء فتعيد العلاقة المفقودة بينهم ومن هنا فهي تعتبر الحب الموجود ميتا وتنتظر ولادة جديدة للحب.
تقول:
أما آن لك ان تجد السكينة
مع ولادة نهار جديد؟
أما آن لشمسك
ان تغزل خيوطها
جدائل للمحبين؟
ان الشاعرة تستأنف مخاطبتها للحب واصفة اياه بالمسافر(يا أيها المسافر)
وهي تُسرُّ الحسرة والوجع من حبّ مُنبتّ عن جذوره لتعيده الى جوهره المتجذّر فتذكره بجمالية المكان (الشواطئ) التي كانت شاهدا على متعته أغانيا وقصائد والحب يستوطنها كالقلب فالحب حياة كما القلب نبض وحياة.
انها تذكّرالحبّ بجوهره الذي يعادل الحياة لذلك هي ترفض الوداع والتخلي عن الحبّ.تقول:
يا ايها المسافر
الباحث عن الخيال
ألا تذكرك الشواطئ
بدفاترأغنيتي وعطر قصائدي؟
على أثير الشوق
كيف لك ان تحملني
تلملمني ذكريات
تستوطنني كالقلب؟
كيف الوداع يوزع فيها ألحانها
والصباح يرتب أنفاسها؟
ان الشاعرة تختم بقفلة تدهش القارئ وتنتهك حرمة تدخله لاقتراح المنشود واذا بها المبدعة والقارئة في نفس الوقت .
انها المبدعة في طرح واقع الحب الموجود وهي القارئة في اقتراح المنشود.
في هذا الاطار لا تكتفي الشاعرة بمخاطبة الحب لوحده بل أقحمته مع ضمير المتكلم الجمع لتجعله طرفا يتحمّل معها مسؤولية تحقيق المنشود في الحب وهي في ذلك وبتشخيصه تنزّله منزلة الحبيب وقد استخدمت في ذلك صيغة المضارع المقترن بحرف السين الدال على المستقبل القريب للدلالة على تفاؤلها الممكن وان المنشود سيكون حقيقة ثابتة لتكون المنقذة للحب من الضلال .
انها مصالحة مع الذات ومصالحة مع الحب .تقول الشاعرة:
تذكّر…معا سنسقي الزهر
سننشر عطر محبتنا
سلاما لمداد الضوء
في مقلتيك
تذكّر نشيد اللقاء
ووهج الشعاع
لا تنس حروفنا العابقات..
يا أيها المسافر..انت
للعينين ضياء وبوصلة من بهاء..
وكاني بالشاعرة تلوم الحب على الهروب من المكان والزمان وهو نور الحياة وبوصلتها التي تنير الطريق وتوجّهنا.
انها ترفض الموجود في الحب وتتوق الى المنشود.
انها ترفض واقع حب مزيّف ومتسوّل و مسافر وهارب من الزمان والمكان وتتوق الى حبّ منشود هو نور الحياة وبوصلتها.
والشاعرة في ذلك تتناص مع الشاعراللبناني المتفائل بالحب ايليا ابو ماضي
حين يقول :أحْببْ فيبدُو الكوخ كوْنا نيّرا // وأبغض فيبدو الكون سجنا مُظلما
والشاعرة كما ايليا أبو ماضي ترى الحب نورا ونبراس الحياة وبوصلتها.
سلم جليل حرف الشاعرة الهام عيسى بهذه الجدارية التي تستحق ان تكون معلقة من معلقات العصر.
بتاريخ:11/07/2024
المراجع:
https://www.alkhaleej.ae> (1)ملحق
جدارية النحات وجدارية الشاعر.
https://newsabah.com>nespaper(2)
الحب الافلاطوني..دستورا للمدينة الفاضلة.
===القصيدة ====== جدارية ======
بقلم إلهام عيسى
في ليلة هادئة
ارتديت سماءك الصافية
حزمت نجومك المضاءه
واوقفت مراكبي
على مرساة أمنياتي
انزلت اشرعتي
اعلنت الرحيل
المرساة تبكي
كان أنين الشوق يحرقها
وهول الحنين في شهقتها
يا أيها الزمن المسافر
في حقائب المحبين
أيعقل أن الوقت أذن لرحيل
أيها الحب التائه
في الحارات العتيقة
والأزقة والشوارع
المتسول على ابواب العاشقين
اما آن لك ان تجد السكينة
مع ولادة نهار جديد
أما آن لشمسك أن تغزل خيوطها
جدائل للمحبين
يا أيها المسافر
الباحث عن الخيال
ألا تذكرك الشواطىء
بدفاتر أغنيتي
وعطر قصائدي
على أثير الشوق
كيف لك ان تحملني،
تلملمني ذكريات
تستوطنني كالقلب
كيف الوداع يوزع فيها ألحانها
والصباح يرتب انفاسها
تذكّرْ .. معا سنسقي الزهر
سننشر عطر محبتنا
سلاما لمداد الضوء في مقلتيك
تذكرْ نشيد اللقاء ووهج الشعاع
لاتنس حروفنا العابقات…
ايها المسافر…انت
للعينين ضياء وبوصلة من بهاء…