قراءة نقدية مزدوجة:
“الرباعية ومتعة التناصّ”
فقرة جمع بصيغة المفرد(مبدع/ مشاكس/ ناقدة)
المبدع حمد حاجي (تونس)
الرباعية : “هي الشمس..”
المشاكس عمر دغرير (تونس)
الرباعية:” أراك لم تتعظ…”
الناقدة: جليلة المازني (تونس) القراءة النقدية المزدوجة: “الرباعية ومتعة التناص ”
لقد جاء الابداع في خدمة نظرية التناصّ بامتياز وتناصّت المشاكسة تناصّا لفظيا مع الابداع (تذوب /الندوب /الدروب /الثقوب /بنطالك) .
لعل هذا التناص اللفظي يلعب دوره في شيء من التقارب بين الابداع والمشاكسة.
“والتناصّ في الادب العربي هو مصطلح نقدي يُقصد به وجود تشابه بين نص وآخر أو بين عدّة نصوص”(ويكيبيديا- تناصّ).
1- المبدع حمد حاجي والتناص البصري:
استهل المبدع رباعيته بمشهد جمع بين الحبيبة وبقية النساء وباستخدام تشبيه بليغ
جعل الحبيبة شمْسًا والأخريات كواكب وهذا الجمال جعله يقتفي أثرهن.
هذا التشبيه يتناص مع بيت شعري قد نسبه البعض لجميل بثينة وقد ينسب أيضا لقيس بن الملوّح في قوله:
هي البدر حسنا والنساء كواكب // وشتان ما بين الكواكب والبدر
يقول مبدعنا: هي الشمس…يمشين..
والأخريات كواكب سارت بهن
اليّ الدروبُ.
ان مبدعنا شبّه الحبيبة بالشمس وهي مصدر الضوء وهذا الضوء الساطع أبهره فعثر وهنا يرسم لنا المبدع المشهد الثاني حيث تدوربه الحبيبة لتضمد ندوبه وتبوح بحبّها فيقول:
أتبعهنّ… على أثر واقتراب…
فأعثر في لحفتي من جوى
وفؤاد يذوبُ
ودارت أيا جابر العثرات…يد
للجراح وكف على شفتي والندوب
ان هذه الفجوة النصية الاخيرة قد تجعل القارئ يتدخل ليعتبر المشهد يتناص مع
قصة “جابر عثرات الكرام”(1*)
هذه القصة التي خامر بعض النقاد الشك في صحتها لكن العديد من المصادر ذكرتها من ذلك كتاب”الفرج بعد الشدة”ل: أبو القاسم التنوخي.
ان الشاعر استخدم الاستعارة ليجعل الحبيبة تصف الحبيب الذي عثر لان ضياءها
أبهره وذاب فؤاده بها ب”جابر العثرات”.يقول الشاعر:
فأعثر في لحفتي من جوى
وفؤاد يذوبُ
ودارت أيا جابر العثرات…يدٌ
للجراح وكفّ على شفتي
والندوب
“وجابر عثرات الكرام “مثل يعكس القيم الاجتماعية والاخلاقية الرفيعة التي تحث على الرأفة والعطف والاعتراف بالجميل في التعامل مع الآخرين”(1**)
ان هذا المشهد الثاني يجعل الشاعر يضيف لنا المشهد الثالث لتكتمل وحدة المشهدية في الرباعية .
هذا المشهد الثالث الذي تجسّده الحبيبة بقولها :
تقول:أيقطع سعدك ..يا حبّ..
بنطالك الآن من دبر مزقٌ
وثقوبُ.
في هذا الاطار ومن خلال هذا المقطع النصّي قد يستحضر القارئ قميص النبي يوسف الذي “قدّ من دبر “ونجّاه من كذب امرأة عزيز مصر.
ان الشاعر حمد حاجي قد استخدم ثلاثة تناصّات باعتماد ثلاثة مصادر مختلفة للتناصّ.
لئن كان مصدر التناص في المشهد الاول يعود الى مرجعية أدبية فالمصدر في التناص الثاني يعود الى القصص الشعبية ليختم بالمشهد الثالث الذي مصدره
دينيّ..
ان هذا التناص ثلاثي المصادر يجسّد ثقافة الشاعر المبدع والتي أخذت من
كل ثقافة بطرف فتعدّدت مرْجعياته وتنوّعت ليُخرج لنا مشهدا موحّدا من ثلاثة مشاهد وهنا يكمن تميّز المبدع.
وهل أكثر تميّزا من أن المبدع لم يستخدم التناصّ التطابقي حيث يتطابق فيه النصّان بل استخدم التناص الانفصالي وهو اعلان لموت النص الاول في النص الثاني (تناص- ويكيبيديا).
وأكثر من ذلك فان مبدعناحمد حاجي قد ارتقى برباعيته الى نوع من التناصّ المتميّز وهو التناص البصري(من وجهة نظر التعالق بين التشكيلي والشعري).
فالتناصّ البصري هو “صورة من التناصّ تكون بين نص بصري و بين أنساق
نصوص بصرية سابقة او معاصرة له ويكون كليا او جزئيا” (2).
ان المبدع حمد حاجي قد جعل الثقافات تتمازج والتجارب تتداخل وتتفاعل ليعدّ لنا
لوحته التشكيلية القائمة على ثلاثة مشاهد من ثقافات مختلفة لتتوحد في لوحة تشكيلية واحدة قائمة على المشهدية الشعرية.
وبذلك فان رباعية المبدع قد جاءت في خدمة نظرية التناص بامتياز هذه النظرية لصاحبها “جراهام ألان” وقد ترجمها الدكتور”باسل المسالمة” وأول من طرحتها هي “جوليا كريستيفا” في منتصف الستينات من القرن الماضي.
في هذا الاطار من استخدام المبدع حمد حاجي لنظرية التناص بامتياز ماعساه يكون ردّ المشاكس عمر دغرير في رباعيته المشاكسة؟؟؟
=== يتبع ===
=== يتبع ===
2- المشاكس عمر دغرير والتناصّ اللفظي:
لئن استخدم المبدع التناص الانفصالي الذي لا يتطابق فيه النصان فان المشاكس هو الآخر قد استخدم التناص الانفصالي حيث “يموت معنى النص الاول في معنى النص الثاني “وذلك باستخدام التناص اللفظي حيث ان المشاكس أخذ الفاظا مبثوثة في رباعية المبدع ( الندوب / تذوب/ الدروب / الثقوب /بنطالك )وأثث بها رباعيته فكان اخراجا جديدا بوضعيات جديدة وهو لعمري تناصّ مبدع مطبوع ببصمة مشاكس متميّز:
يستهل المشاكس رباعيته بتذكير المبدع بمغامراته الماضية وهويشهد في وجهه الندوب التي شهدها في مشهد “شمسه والكواكب” وهويعثرلتترك العثرة في وجهه هكذا ندوبا.
ولعل الفجوة النصية التي تركها المشاكس للقارئ قد تتيح تدخله قناعة منه بقول المشاكس ليذكّر المبدع بالاعتبار بالماضي حتى “لا يعيد التاريخ نفسه”.
وفي هذا الاطار أيضا وفي المقابل قد يعتبر القارئ ان المشاكس قد حرم المبدع من صفة “جابر العثرات” التي طبعته بها الحبيبة(الشمس).
ويواصل المشاكس لتذكيره بادمانه على ملاحقة النساء والذوبان في جسد الراقصات .ولعل المشاكس هنا ينفي على المبدع زعمه الحبّ (وفؤاد يذوب) ليلقي به في بؤرة الجنس والشهوة الجنسية “الدنيئة” ليعتبره زير نساء.
فيقول: تشرّدتَ خلف النساء زمانا ومازلت في جسد
الراقصات تذوب…
وهنا من خلال هذه الفجوة النصية قد يدعم القارئ من مرجعية دينية أخلاقية رأي المشاكس في ان المبدع يعبُد الجسد وهو نوع من الادمان الذي يعادل ادمان الخمر والمخدرات والتي عواقبها وخيمة.
وهل أكثر من تَهَكُّم المشاكس من المبدع الذي أدمن الجنس(الجسد) حتى ان الواقفات على الرصيف قد عافته .
ولعل كلام المشاكس هنا مشحون بمعنى أخلاقي لترذيل أخلاق المبدع ومن يتعامل معهن من الواقفات على “رصيف الجنس” ..بل حتى الشوارع والدروب قد ملّت من فرط تردّده عليها..يقول المشاكس:
تعافك الواقفات على الرصيف وتملّ من زحفك
الشوارع والدروب…
قد يتدخل القارئ هنا ليعتبران الدروب التي كانت فاعلة لدى المبدع وساقت له
“الشمس والكواكب” قد جعلها المشاكس مفعولا بها بانتهاك المبدع لها من فرط تردّده عليها .
ويختم المشاكس رباعيته بدحْض ما شَملتْ به الحبيبة المبْدع من تقديس لما لحق بُنطالهُ من تمزق شبيه بتمزق قميص النبي يوسف من دُبر وخلّصه من كذب امرأة عزيز مصر ليُتفّه تقطيع بنطاله الذي لم ينشغل بتغييره بسبب انصرافه المفرط للنساء واهماله لمظهره والتهافت عليهن وادمانه لهن فيقول:
وبنطالك هذا الذي لم تغيّره من زمن,غزته الخرائط
والثقوب…
من خلال هذه الفجوة النصية قد يتعاطف القارئ مع المبدع ليعتبر ان ادمانه الجنس قد يجعله في مظهر لائق ليحظى بالقبول لدى النساء.
بيد ان القارئ قد يستدرك باعتبار ان المشاكس قد مهّد لهذا المظهر المزري
حين اعتبر ان حتى الواقفات على الرصيف قد عافته والشوارع والدروب قد ملّتْه.
وخلاصة القول فلئن كانت رباعية المبدع في خدمة نظرية التناص الحديثة بامتياز فورد التناص ثلاثي المصادر وكان تناصا انفصاليا غير تطابقي لا تتطابق فيه النصوص السابقة مع نصوص مبدعنا وما اعتمده من تناص بصري قد طبع رباعيته ببصمة التجديد والتفرّد.
فان رباعية المشاكس قد وردت في خدمة التناص اللفظي بامتياز مما جعل المشاكس يؤثث بتلك الالفاظ لوضعيات جديدة ليبني رباعية جديدة جعلته يتفرّد بهكذا تناصّ لفظي.
سلم جليل حرف المبدع والمشاكس تناصّا متفرّدا.
المراجع:
:https://suaidan.com>(1*) (1**)المدونة
قصة جابر عثرات الكرام”عكرمة الفياض”- الدكتور طارق السويدان
https://www.rabitat-alwaha.net.>sho..(2)
التناص البصري 12/03/2007