فى مثل هذا اليوم21يوليو1798م..
هزيمة جيش المماليك بقيادة مراد بك في معركة إمبابة وذلك أثناء الحملة الفرنسية على مصر، وقاد الجانب الفرنسي في هذه المعركة نابليون بونابرت.
تمر، اليوم، الذكرى الـ226 على اندلاع معركة إمبابة إذ قامت فى 21 يوليو عام 1798 بين المماليك بقيادة مراد بك وإبراهيم بك وجيوش الحملة الفرنسية بقيادة الجنرال بونابرت، وانتهت بهزيمة ساحقة للمماليك، بقتل وأسر وغرق فى مياه النيل، حيث اشترك فيها من الجانب المصرى 10 آلاف من فرسان المماليك وبضعة آلاف من المشاة.
ووصلت خسائر المصريين بالآلاف بينما قتلى الفرنسيين كانوا نحو ثلاثمائة قتيل، وسميت هذه المعركة بالأهرامات نظرًا لأن الجيوش كانت تمتد من إمبابة إلى الأهرامات.
كانت بداية المعركة حسب ما جاء فى كتاب “النضال الشعبى ضد الحملة الفرنسية” لمحمد فرج، فى 19 مايو 1798 عندما أبحرت الحملة من طولون واتجهت لجزيرة مالطة فى 9 يونيو، ثم غادرتها فى 19 يونيو إلى الإسكندرية فوصلتها فى الأول من يوليو، وبدأت القوات تنزل فى ليلة 2 يوليو وتم لها فى هذه الليلة احتلال الإسكندرية.
وكان لابد لنابليون لإتمام احتلال مصر أن يضع يده على القاهرة بصفتها عاصمة البلاد، فقسم جيشه قسمين، سار الأول فى الإسكندرية إلى رشيد، ومنها إلى القاهرة على شاطئ النيل، وسار الآخر من الإسكندرية إلى الرحمانية بطريق دمنهور، ومنها إلى القاهرة، والتقى الجيشان فى الرحمانية، ووصل إليها نابليون وأركان حربه.
وبعد أن أجرى نابليون استطلاعه الأولى وجد أن جيش مراد بك يمتد من النيل إلى صحراء الأهرام حيث تظهر أهرامات الجيزة فى الأفق، كما أنه وضع مدافعه القليلة العدد على جانبى قواته ليمنع الفرنسيين من الهجوم عبر الأطراف، ونجح نابليون فى تشتين فكر مراد بك لتقوم قواته بالاستيلاء على المدفعية المملوكية.
وبحسب كتاب “تأملات عصرية فى الحملة الفرنسية” للكاتب محمد عرموش، المعركة التى تحمل اسم الأهرام أو إمبابة نظرا لامتداد الجيوش من إمبابة إلى الأهرامات، وما أن رأى نابليون طلائع قوات المماليك حتى أمر بتحرك فرق عسكرية على الاتجاهين، فأمر مراد بك أيوب بك بالهجوم، فدارت المعركة، والتى انتهت بتقهقر المماليك وقتل أيوب بك وفر مراد بك إلى الصعيد واستولى نابليون على إمبابة، واحترقت مراكب مراد بك بما فيها الجبخانة والآلات الحربية، فلما عاين ذلك مراد بك داخله الرعب وولى منهزما وترك الأثقال والمدافع وتبعته عساكره.!!!!!!!!
معركة إمبابة أو معركة الأهرام كما يسميها الفرنسيون، التي نشبت في 21 يوليو/تموز 1798، وبعكس المعارك السابقة، كان الجيشان في هذه المعركة متكافئيْن إلى حدٍّ ما من ناحية عدد القوات. ويُقدِّر عدد من المصادر أن جنود جيش المماليك بلغ عددهم 40 ألف رجل، بينما تشير أغلب المصادر إلى أرقام أقل. وقد قُسِّم هؤلاء بين مماليك وجنود عرب وإنكشاريين أغلبهم من ألبانيا، بالإضافة إلى الآلاف من الفلاحين المصريين المُسلحين بهراوات بدائية (وكانوا عديمي الفائدة إلى حدٍّ بعيد).
حصَّن المماليك الضفة اليسرى من النيل في قرية إمبابة الواقعة بين نهر النيل وأهرامات الجيزة، وغطى الفرسان الصحراء من إمبابة إلى قرب الأهرامات، بينما بقيت قوات أخرى أقل تحت قيادة إبراهيم بك على الضفة اليمنى من النهر في بولاق ومعهم 18 ألف فلاح مصري، ويُعَدُّ قرار تقسيم القوات هذا أحد القرارات التي يتوقف عندها بعض المؤرخين العسكريين بالنقد. وقد استعمل نابليون في هذه المعركة من جديد تكتيك “المستطيلات” الذي استخدمه في شبراخيت، فنظَّم 6 صفوف من الجنود في العمق من الأمام والخلف، وثلاثة صفوف على كل جانب، بينما تركزت المدافع في الزوايا. وركز نابليون على تدريب التشكيلات على نحو يجعلها تُغيِّر أشكالها بمرونة كي تتمكَّن من رد الهجمات عليها إذا جاءتها من أي اتجاه بالكثافة والكفاءة نفسها.
دخل المماليك الحرب على خيولهم الأصيلة شديدة السرعة والجمال، التي أعجبت نابليون بشدة. وكانت عدة الفارس المملوكي هي بندقيته وزوجا من المسدسات ورماحا، فضلا عن الخناجر والسيوف المملوكية المصنوعة من الصلب الدمشقي. ومن المفارقات أن شجاعة المماليك لعبت دورا أساسيا في هزيمتهم، فلم تكن مدافعهم قادرة على الحركة، وفي الوقت نفسه اتجهوا بعدد كبير من قواتهم كي يهاجموا المَيْمَنة الفرنسية قبل أن تستقر مستطيلاتها. وفي أثناء هجوم المماليك، استقرت فيالق اليسار الفرنسية وبدأت تلتهمهم، حيث سمح نابليون للمماليك بالاقتراب ثم استقبلهم بنيرانه، ولم تُهدَر خرطوشة واحدة من الجنود الفرنسيين.
ومع ذلك، توجَّه المماليك بفدائية كبيرة وسط النيران، مُلقين بأنفسهم بين براثن الموت رغم عدم قدرتهم حتى على كسر الصف الأمامي من المستطيلات، وساعين “للشهادة” دون أن يدركوا أن هجومهم الذي لم يتوقف هذا هو عين ما أراده نابليون، الذي وصفهم فيما بعد بأنهم قاتلوا كالأسود. وبعد الفشل الذريع للهجوم المملوكي، بدأ نابليون في تغيير تشكيلات فيالقه على نحو مَرِن لم يكن معتادا في ذلك العصر. ولذا، لم يتمكن المدافعون عن الجيزة من إيجاد طريقة للتعامل مع هذا الجيش المرن الذي تحرَّك على نحو غير مفهوم بالنسبة لهم آنذاك، وحقَّق أهدافه بأقل الخسائر المُمكنة. وقد جلس جيش إبراهيم على الضفة الشرقية عاجزا عن فعل أي شيء فارق.
انتهت المعركة بعد سأم القِلة المتبقية من المماليك من سلسلة هجماتهم الفدائية عديمة الفائدة، وفرُّوا مع مراد بك وفلوله إلى الصعيد بفضل سرعة خيولهم رغم ملاحقة بعض الجنود الفرنسيين لهم. وقد أخذ إبراهيم بك وفلوله الطريق من الجيزة إلى سوريا، وتدفقت القوات الفرنسية في إمبابة وبشتيل تتبع المقاتلين المصريين والمماليك الذين حاولوا الهرب عن طريق السباحة في النيل، فقتلوهم بينما قضت التماسيح على بعضهم الآخر في مذبحة حكى عنها الجنود الفرنسيون في مذكراتهم ووصفوها بأنها كانت مرعبة. وقد قُتل من الجيش المدافع عن القاهرة في تلك الحرب ما تقدره بعض المصادر بـ10 آلاف قتيل بينهم 7 آلاف مملوك، بينما لم يفقد جيش نابليون إلا العشرات بالإضافة إلى مئات الجرحى. وفي الأيام التالية بدأت قوات نابليون تُخرِج جثث المماليك التي وقعت في النهر أثناء المعركة كي يبحثوا عن القطع الذهبية والمجوهرات الثمينة في ملابسهم الحريرية وأسلحتهم المُزيَّنة، ووجدوا بالفعل ما أرادوا.
حلَّل “فيليب زيليكو”، أستاذ التاريخ بجامعة فيرجينيا، لوحات الغزو الفرنسي لمصر، ولاحظ أن الجانبَيْن المتحاربَيْن امتلكا أسلحة نارية، فلم تكن المشكلة على الإطلاق في افتقاد طرف لهذا النوع من الأسلحة المتقدمة أو ذاك. غير أن المشكلة الحقيقية، التي تظهر في اللوحات بوضوح على حد قوله، هي التنظيم الدقيق للجنود الفرنسيين من خلال ساحات جنود المشاة ومستطيلات نابليون، في حين تظهر حركة المماليك وهجومهم شديدة العشوائية.
لقد قنعنا لسنوات عديدة بإجابات جاهزة ونمطية لمسألة الهزائم المتلاحقة التي مُنيَت بها الأمة الإسلامية في القرون الثلاثة المُنصرمة، من قبيل التقدُّم والتخلُّف والاضمحلال والنهضة، لكن هذه الإجابات العامة أشبه بحجاب يحول بيننا وبين حقائق كثيرة ورؤى جديدة لفهم التاريخ، وهو حجاب يتفكَّك باستمرار أمام الرؤية العلمية ومناهج البحث التاريخي التي تُقرِّب الصورة الحقيقية والمُركَّبة لما حدث حين تكبَّدت عدة جيوش إسلامية هزائم متتالية في نهايات القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر، وشهد العالم سيطرة كاسحة للجيوش الأوروبية امتدت إلى القرن العشرين، ومهدت للطريق للعالم بشكله الذي نعرفه اليوم.!!!!!!!!!!!!!!!!!