فى مثل هذا اليوم4اغسطس1914م..
المملكة المتحدة تعلن الحرب على ألمانيا، والولايات المتحدة تتخذ الحياد في الحرب العالمية الأولى.
دخلت بريطانيا العظمى الحرب العالمية الأولى في 4 أغسطس 1914 عندما أعلن الملك الحرب بعد انتهاء مهلة الإنذار لألمانيا. كان التفسير الرسمي هو حماية الحياد البلجيكي؛ أما السبب الرئيسي فهو منع الهزيمة الفرنسية التي كانت ستجعل ألمانيا مسيطرة على أوروبا الغربية.
نجحت بريطانيا على مدار قرون متتالية فى أن تخلق لنفسها مكانة قوية تمتد حدود إمبراطوريتها من مشرق الأرض إلى مغربها، متطلعة نحو أيرلندا فى القرن الـ 12 وويلز فى القرن الـ 16، وتابعت إرسال الحملات الاستكشافية والبعثات إلى الشرق الأوسط خلال القرن الـ 17، وصاحب هذا توسع رأس المال التجارى للدولة التى امتلكت سيادة البحار، وتطور احتكارها الاستعمارى القديم إلى احتكار صناعى عالمى، أكسب النظام الاستعمارى لبريطانيا حالة جديدة بداية من القرن الـ 19، ونشأت نظم اقتصادية محلية تطورت إلى ما يعرف باسم «بلاد الدومنيون المستقلة» أو (رابطة الشعوب البريطانية)، واعتمدت على استغلال موارد مستعمراتها وأسواقها فى تقوية اقتصادها ونظمها المالية.
متحكمة فى مصير معظم القضايا الدولية، حتى بعد وصول الثورة الصناعية إلى أغلب الأقطار الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية التى تم إعلان استقلالها رسمياً عن بريطانيا فى عام 1783، وتوضح دراسة أعدها الدكتور عبدالرحمن إدريس صالح، بعنوان «تراجع مكانة بريطانيا بعد الحرب العالمية الأولى»، ونشرتها مجلة «ديالي» العراقية، العدد 46، أنه رغم أن الهيمنة الاقتصادية لبريطانيا بدأت تضعف مع ظهور ألمانيا الحديثة عام 1871 واليابان خلال الفترة نفسها، إضافة إلى التهديد الذى فرضته روسيا القيصرية على المصالح البريطانية فى منطقة الخليج العربى، ظلت بريطانيا محتفظة بتواجد مميز على صعيد النشاط الاستعمارى والتجارة والملاحة الدوليتين، لتعلن الحرب العالمية الأولى التى اندلعت عام 1914 بداية العد التنازلى للقوة الأولى عالمياً، حيث كبدتها خسائر فادحة لم تكن فى حسبان صانعى السياسات لدى التاج الملكى.
انتابت بريطانيا فى نهاية القرن الـ 19 مخاوف من هيمنة دولة قوية أخرى على القارة الأوروبية، تؤثر على تجارتها وسلامتها إذا ما أنشأت لنفسها أسطولاً حربياً قوياً، خاصة مع دخول الولايات المتحدة وألمانيا على خط المنافسة مع بريطانيا على الصعيدين الصناعى والعلمى، بل تجاوزهما التفوق الصناعى لبريطانيا التى سعت إلى تبنى سياسات تخلق نوعاً من توازن القوى، ولكنها لم تتوقف عن سياستها الاستعمارية التوسعية الرامية إلى الاحتفاظ بمستعمرات تخدم مصالحها التجارية، واستعانت فى ذلك باستراتيجية هدفها نشر أسطولها الحربى فى جميع أنحاء العالم، مع الاشتغال على العامل النفسى وترسيخ فكرة أن لبريطانيا رسالة فى العالم، وأن لها دوراً ينبغى أن تقوم به تجاه شعوب العالم الأخرى.
وفى يوليو 1914، اندلعت الحرب العالمية الأولى لأسباب عديدة، من بينها التنافس على المستعمرات، حيث شعرت ألمانيا التى صارت قوة عظمى أن بريطانيا وفرنسا سبقتاها إلى السيطرة على أغنى المستعمرات وأهم المواقع فى العالم، تاركتين لها مواقع نائية وغير حيوية فى غرب أفريقيا وعدة جزر فى محيط الباسيفيك، بالإضافة إلى الرغبة فى السيادة البحرية، والهزيمة التى تلقتها فرنسا خلال الحرب السبعينية أمام ألمانيا، ما دفع فرنسا إلى التخطيط للانتقام والحرب على ألمانيا.
دخلت بريطانيا على خط الحرب العالمية الأولى فى يوم 4 أغسطس 1914، فقط عندما قررت ألمانيا دخول الحرب واختراق الحدود البلجيكية لمساندة فرنسا، واعتبرت بريطانيا أن هذا الاختراق الألمانى لبلجيكا يهدد سلامة الجزر البريطانية من جهة، ويزعزع أسس التوازن الأوروبى التى أرستها بريطانيا من جهة أخرى. أرسلت بريطانيا الدفعة الأولى من قواتها والتى لم تتجاوز 100 ألف رجل عبر القنال الإنجليزى لتقوية صفوف الجيش الفرنسى، وبمرور الوقت تزايدت حاجة الجيش البريطانى إلى مجندين، قابلها تزايد فى الحاجة إلى أيدٍ عاملة فى مجالى الصناعة والزراعة، واضطرت بريطانيا إلى تطبيق الخدمة العسكرية الإلزامية فى عام 1916، وكانت بريطانيا أول من أدخل الدبابة فى القتال عام 1916، وحولت أغلب مصانعها المدنية إلى مصانع عسكرية لإنتاج الأسلحة والمعدات العسكرية والملابس، ولكن جيشها البرى ظل أقل عدداً من الجيش الألمانى وأقل نظامية- بحسب دراسة مجلة «ديالي»- لكن بريطانيا، فى المقابل، كانت أقوى بحرياً.
داخليا، اتخذت بريطانيا من الحرب ذريعة لمواجهة المظاهرات الليبرالية، وأصدرت قوانين فى هذا الصدد، من بينها «قانون حماية المملكة» ضمن إجراءات الهدف منها ضبط الوضع الداخلى والحيلولة دون حدوث حركات معارضة أو تمرد فى الوقت الذى زادت فيه صلاحيات السلطة التنفيذية على حساب السلطة التشريعية، ونجح الرأسماليون فى منع العمال من الإضراب بحجة الحفاظ على الأمن الجماعى، لكن الظروف الصعبة للعمال والضغوط التى مورست ضدهم من خلال استغلال الحرب أشعلت إضرابات عمالية بعد عام واحد من اندلاع الحرب.
مع استمرار الحرب، استمرت بريطانيا فى خسارة مئات الآلاف من الجنود، وبلغ حجم خسائرها فى الشهور الـ 5 الأولى من عام 1916 نحو 475 ألف رجل، وبدأ القطاع الصناعى يتراجع نتيجة التعبئة للحرب التى أدت إلى تناقص الأيدى العاملة، فضلاً عن الخسائر التدميرية للمعدات الرأسمالية، وخسارة السفن بسبب هجمات الغواصات والتدمير العسكرى خلال الحرب، وعدم القدرة على إيصال المواد الخام للمصانع نتيجة الحصار البحرى، كما تناقصت المساحات المخصصة للزراعة مقارنة بما قبل عام 1914، ومن ثم سعت بريطانيا إلى استغلال مستعمراتها فى الحرب، ليست الإمكانات الاقتصادية فقط للمستعمرات وإنما كذلك الطاقات البشرية، وجندت مئات الألوف من الهنود والأفارقة ونقلتهم إلى جبهات القتال، الكثير منهم لقى حتفه، والبعض الآخر عاد إلى وطنه بعاهات مستديمة وإصابات بالغة، الأمر الذى نشط حركات المعارضة وبثَّ روحاً جديدة لدى الحركات المطالبة بالاستقلال لدى تلك المستعمرات، وأولاها أيرلندا التى طالبت بالاستقلال فى عام 1916.!!