سورية الطبيعية وواقع تجزئتها المستدامة
د.علي أحمد جديد
من البديهي معرفة أن أي مجتمع وبغض النظر عن البيئة المحيطة وعن الطبيعة الجغرافية ، وكذلك عن نظامه السياسي سواء كان يعمل على تسهيل وتشجيع التنمية او إعاقتها ، فإن نشاط المجتمع يستمر في الحركة من أجل الديمومة والبقاء مهما كانت انتائج هذا النشاط سواء في الكم او الكيف تبعاً لحركة التنمية والتقدم او الإعاقة والتخلف .وتبعاً للتكيف العقلاني الذي يهيمن على الواقع المرحلي بمختلف مقدماته ونتائجة طبيعياً وبشرياً .
ولاشك أن المجتمع السوري هو بالقوة التي تمتلكها كل المجتمعات البشرية ، إلا أنه يختلف عنها بإرثه الحضاري والإنساني سواء كان كمجموعة كيانات تم شرذمتها إلى اقطار وكيانات أو على أساس نشأته في سورية الطبيعية ككتلة مجتمعية كبرى ضمن المجتمعات العظمى بين الأمم الحاضرة ، وتنطبق عليه قوانين الحركة والنشاط والفاعلية البناءة ، وقوانين العبور التاريخي في بناء الحضارات الإنسانية المؤثرة ، وما تؤول إليه من القوة إلى الإضعاف والضعف ومن الانتشار والتوسع إلى التقوقع والتقزيم .
ولاشك بأن النشاط المعاشي والحضاري القائم في الواقع السوري – في كل سورية الطبيعية – يمر اليوم بالدور النمطي الذي يؤكد على إضعاف التدخل العقلاني والتنويري في مجمل أنشطة الدوائر والمؤسسات الاجتماعية كما خططت وتخطط له القوى الاستعمارية البارزة التي لم تنجح في التخفي والاختباء خلف عناوين براقة وكاذبة ، كما أن وضوح ما وصلت سورية إليه اليوم كان نتيجة عوامل مفروضة ومتعددة منها :
1) – التخلي عن الدليل الحضاري والمبدئي الضابط لحركة التنمية المستدامة والفاعلة ، والإهمال المتعمد في وقف إفساد المؤسستين الفاعلتين في تنمية اي مجتمع إنساني وهما ( القضاء و التعليم ) .
2) – عدم التخطيط الجاد في معالجة المعوقات المادية داخلياً و خارجياً القديم منها والحديث ، والتذرع بالعجز عن المواجهة الفاعلة .
3) – الاستسلام للواقع التجزيئي إلى كيانات وأقطار تسعى حكام كل كيان منها لجعلها أمة منفصلة بذاتها مهما كانت تفتقد لأي من المقومات الأممية .
4) – المحافظة على تجذير وترسيخ التغييب الممنهج لأساسات الحياة في التنوير الاجتماعي والسياسي التي تقوم على الحرية والديموقراطية لإنجاز التنمية والتقدم الدائمين .
وتجتمع هذه العوامل فيما بينها بانتاج حياة فوضوية فيها الكثير من الحركة التي يؤطرها الفساد المستشري لتبقى طائشة وغير منتجة ، والأهم ، أن تبقى تستنزف الموارد لبلوغ موت الأمة الحضاري والتخلي عن التصدي والمواجهة .
وإذا كان النقد (البَنّاء) معتبَراً من مقومات البناء العلمي والحضاري ، فإن ساحة سورية الطبيعية (الهلال الخصيب) باتت مشحونة بالملاحظات التي تستوجب نقداً قاسياً وجارحاً ، مهما كانت تلك الملاحظات عاطفية وانفعالية تتسم بالتشاؤم نتيجة تعمد تضييع الآمال المرجوة والمظالم القائمة بأكثر مايرمي إليه النقد(البَنّاء) . كما لايخلو الأمر من النقد (الضال و المُضلِّل) الذي يكشف بوضوح عن العداء للتطلعات الحضارية والإنسانية عبر تسويقها كمفاهيم عالمية تابعة أو أممية أو سياسية أو دينية متأسلمة تهدف إلى صرف الإنسان السوري عن الإهتمام الجدّي بقضايا واقعه ، وتحديد مسار اهتماماته بالجري وراء رغيفه اليومي وإدخاله في متاهات متصلة تنتهي باستحلة وصوله الى الرغيف عملاً في تحقيق هدف التجويع المؤدي الى التركيع من اجل البقاء .
وعلى هامش هذا القصور المؤطر بفساد متمكن أدّى إلى قصور فعالية الفرد وانحطاط سلوكه نتيجة معاناة مفروضة بقوة تسير بثبات نحو تحقيق أُميّة أبجدية نتيجة فساد التعليم وأُميّة حضارية نتيجة فساد القضاء وإفساده الذي بات يحرم الفرد من أبسط حقوقه الآدمية وليست السياسية وحسب ، وذلك مايؤدي حتماً إلى قصور وانحراف الشرائح الاجتماعية والطبقية بحثاً عن الخلاص . ولايفوت هذه الملاحظات أن مؤداها لابد أن يصل إلى هزيمة حتمية اجتماعية وحضارية لكونها باتت واقعاً طبيعياً مؤكَّدَاً بجملة موضوعية من المعوقات المرسومة للوسط البشري العالمي المتواصل في العداء للإنسان السوري منذ البدء في التفكير بخطة (سايكس – بيكو) المعروفة التي أكد واضعوها بأنها لن تنجح إلا بتقسيم سورية الطبيعية وتجزئتها دون توقف ومرحلة بعد مرحلة حتى مَحوِها واضمحلالها لتحقيق الهيمنة المستدامة على المنطقة كلها .