قراءة نقدية مزدوجة:
“القصيدة بين زهرة الأوركيد ونوارة الدفلى”
فقرة جمع بصيغة المفرد(مبدع/ مشاكس/ناقدة)
المبدع حمد حاجي(تونس)
القصيدة :”غريبة فيك…يا زهر الأوركيد”
المشاكس عمر دغرير(تونس)
المشاكسة: “وكيف تهواها نوارة الدفلى؟”
الناقدة :جليلة المازني (تونس)
القراءة النقدية المزدوجة: “القصيدة بين زهرة الأوركيد ونوارة الدفلى”
أ- المشترك بين الابداع والمشاكسة:
*على مستوى الشكل:
– كل قصيدة تضمنت خمسة مقاطع.
– العنوان:كل من المبدع والمشاكس اتخذ عنوانا يتضمّن اسم زهرة:
.المبدع:زهرة الاوركيد.
. المشاكس:زهرة الدفلى.
– التناصّ في المعجمية اللغوية:زهرة الاوركيد /تراقصني/ رقصة حب/ أحبك ما دام في جسدي مضغة من هواك ومن رمق.
*على مستوى المضمون:
– الرقص.
– الخصام والعتاب
– الحب الأبدي
ب- المختلف بين الابداع والمشاكسة:
1- المبدع حمد حاجي وزهرة الأوركيد:
أسند المبدع عنوانا لقصيدته” غريبة فيك.. يا زهر الأوركيد”.
ترى أية غرابة في الحبيبة؟ ولماذا كنّى عنها بزهرة الأوركيد؟
وزهر الاوركيد “يشتهر بأزهاره المبهجة والعطرة ويتميز بألوان جريئة ونابضة
بالحياة…ولطالما أَسرَتْ أزهار الأوركيد البشر وهي ترمز الى (1):
– الجمال والأناقة
– الحب والرومانسية
– القوة والتحمل
– الفخامة والرفاهية
– الصقل والتطور
– الروحانية والهدوء
استهل المبدع قصيدته بمفارقة بين خصام الحبيبة والعودة اليه باستخدام أفعال بصيغة المضارع المرفوع الدال على الدوام والاستمرارية فالحبيبة زهرة الأوركيد دائمة الخصام له.
فيقول: تخاصمني وتعود
تراقصني كالفراشة
كالزهر في نشوة الريح في الطرق
ان الحبيبة دائمة الخصام لحبيبها ودائمة المصالحة معه .
انها تصالحه بمراقصته .
لماذا اختار الشاعر مصالحة الحبيبة لحبيبها بمراقصته ؟
والرقص هو نوع من فنّ الأداء يتألف من سلسلات مختارة اراديّا من حركات الجسم(ويكيبيديا).
والرقص جزء لا يتجزأ من ثقافة الأمة.
و”الرقص شكل من أشكال الفن فيستطيع أن يعبر عن جميع العواطف الانسانية:
حب /كره / ألم /سعادة الخ..ويستطيع أن يعبر عن شعورنا بالحياة”(2)
والرقص يجعل كل من المرأة والرجل يشعر بالبهجة والسعادة ويُشعرُ المرأة بأنوثتها لترى الرجل يستمتع بالنظر اليها فتحرك الشهوة الجنسية فيه.
لهذه الأسباب اختار الشاعر مصالحة الحبيبة لحبيبها بواسطة الرقص حتى تثيره
وتغويه وتحرك مشاعره وتجعله يفكر بقلبه فينسى خصامها الدائم له.
ويختزل الشاعر متعة مشهد المراقصة في الاندغام والتماهي في الحبيب فتذوب فيه فشبهها بالشمعة التي تذوب بسرعة ووجه الشبه ان هذه الحبيبة تندغم فيه بسرعة وتحترق متعة ونشوة كما تحترق الشمعة.
والحبيب يستمتع بحاسة اللمس وهي تذوب فيه وتُثنّي الحبيبة لجعله يستمتع بحاسة السمع وهي تردّد على مسمعه راجية من الله الّا يذيقها هجره ثانية فهي لا تطيق
فراقه واذا الجسد هو الذي يبُوح بحبها وبوْح الجسد بالحب أكثر متعة للحبيب من البوح بالكلام ولعل ذلك سبب آخرجعل الشاعر يختار مصالحتها له بواسطة الرقص.
فيقول الشاعر:
تذوب كما الشمع..
أيا حبّ لا ذقت هجرك ثانية…
ويح قلبي ,فراقك لم أطق…
وهذا المقطع جمع بين البوْح الجسدي بالحبّ والبوْح بالكلام لتنسيه خصامها.
وهنا من خلال تلك الفجوات النصية قد يعتبر القارئ بأن هذا الحبيب لا يخفي عنه شيئا من نرجسيتة ليرى نفسه جميلا لدى الحبيبة ومصدر متعتها ولا تستطيع فراقه.
بيْد أن المبدع يُدْهشنا بهاجس الحبيب المسكون بلوعة خصامها له حتى وهوفي أوْج مُتعته معها فهو يخشى تقلبها واحتداد كلامها وعدم ثقتها به فيقول:
ليوميْن تبقى كنسمة فجر
كقطعة شهد,
كأمّ حنون عل طفلها النزق.
وأخشى تقلبها,
واحتداد الكلام بمبسمها,
او تقول:أنا بك لم أثق.
فهل الحبيب قد ضاق ذرعا بشكوكها وظنونها به الى حدّ نغّص عنه متعته وهو في أوجها؟
بيْد أن المبدع يُدهشنا مرة أخرى بقفلة تكسر أفق انتظار القارئ فيتدخل لينتشل هذا الحبيب من هواجسه التي قد تستبدّ به ليبادلها البوْح بحبه الأبدي لها. يقول الشاعر:
أعاندها وأقول:
أحبك ما دام
في جسدي مضغة من هواك ومن رمق…
ان حبه الأبدي لزهرة الأوركيد يشفع لها عنده فيغفر لها دوام خصامها وعتابها له.
وفي هذا الاطار هل العتاب مشروع بين الحبيبين وهل هو دليل على الحب؟
يرى البعض أن العتاب على قدر المحبة والعتاب كالحب فلا تعطه لمن لا يستحق
وبعض الرجال يحبون العتاب فيعتبرونه وسيلة من التقرب للحبيبة .ويبقى العتاب يتسم بالمرونة التي لا تنفّرُ ولا تفرّق بينهما.
ان هذه الحبيبة زهرة الأوركيد اختارت الخصام و العتاب على الصمت لان العتاب هو دليل المحبة أما الصمت فهو بداية نهايتها.
والسؤال المطروح: هل العتاب أفضل أم التجاهل؟
يتساءل البعض:”أيهما أفضل بالنسبة لك العتاب أم الصمت؟
ربما الخوف من ردة الفعل تعيق البوْح بالعتاب مع أن كشف ما يعتمل في النفس
من مشاعر ضد سلوك أو تصرّف ما بدر من أحد الحبيبين أفضل من كتم تلك المشاعر وتركها تنمو بالغضب ثم تتحول الى نوع آخر من المشاعرتنهي علاقة
الحبّ على المدى البعيد “(3)
وفي هذا الاطار ما رأي المشاكس عمر دغرير في علاقة المبدع بزهرة الأوركيد ؟
=== يتبع ===
=== يتبع ===
2- المشاكس عمر دغرير وزهرة الدفلى:
أسند المشاكس عنوانا لمشاكسته “وكيف تهواها نوارة الدفلى؟
لقد كنّى المشاكس عن حبيبة المبدع ” زهرة الأوركيد” بنوارة الدفلى مستنكرا عليه حبّه لها في نبرة تهكمية (وكيف تهواها نوارة الدفلى؟)
ونوارة الدفلى تتناصّ مع رواية حسونه المصباحي “نوارة الدفلى” .
وزهرة الدفلى رمز رسمي لمدينة هيروشيما اليابانية باعتبارها أولى الأزهار التي تفتحت بعد القاء القنبلة الذرية على المدينة عام 1945
و”تعد شجرة الدفلى من نباتات الزينة التي تنتشر بالشوارع العامة والحدائق
والمنتزهات وفي كثير من مدن العالم لجمال أزهارها وتنوع ألوانها ولكنها رغم ذلك تحمل في أوراقها مواد شديدة السمّية للانسان والحيوان”(4).
استهل المشاكس مشاكسته بجملة فعلية في صيغة المضارع المرفوع الدال على الاستمرارية لقلب الأدوار فلئن جعل المبدع الحبيبة فاعلة ومبادرة تراقصه بما في المراقصة من تفاعل فان المشاكس جعل الحبيبة مفعولا بها فالحبيب هو من يعاكسها ومن يدعوها الى رقصة حب فوق العشب والورق فيقول:
تعاكسها على ضفة الوادي
وتدعوها الى رقصة حب
فوق العشب والورق…
وقد ذكره بتميز زهرة الاوركيد بألوانها وعبقها عن زهرة الدفلى التي لا يشفع لها جمالها الظاهر في مرارة طعمها السامّ الذي يجعل حياته حزنا على حزن وأرقا على أرق وتهدده بالويل ان التفت الى أخرى.
والقارئ هنا لن يفوته أن المشاكس يمدح زهرة الاوركيد ليذمّ نوارة الدفلى.
يقول المشاكس: وتنسى انها تختلف جدا
عن زهرة الأوركيد
في الألوان والعبق..
وزهرة الاوركيد وهو تناص مع قصيدة المبدع استخدمها المشاكس كناية عن أيقونة الحب لديه سعدى وهو لم يذكر اسمها في مشاكسته ايمانا منه ان زهرة الأوركيد لن تكون الا سعدى الجميلة ذات الحب المعتق.
والمشاكس لا ينفك يذكّر المبدع بعيوب زهرة الدفلى من مرارة الطعم وممّا تسبّبه له من حزن وأرق وعتاب .يقول المشاكس:
ونوارة الدفلى وان
سحرتك بحسنها
فطعمها المرّ يبقى في الحلق…
وحياتك معها
ملفوفة بالأحزان
والعمر يمرّ من أرق الى أرق..
تقول لك :
ويك ان صادف
وشافتك عيناي
تتابع الحسناوات بالحدق…
بيد أن المشاكس يُدهشنا بتجاهل المبدع لعيوبها لينحني ويبوح لها بحبه الابدي مرددا نفس بوح المبدع بالحب الأبدي لزهرة الاوركيد.وهذا نوع من التناصّ
مع قصيدة المبدع.
يقول المشاكس: فتنحني وتقول:
(أحبك ما دام
في جسدي مضغة من هواك ومن رمق…)
وكأني بالمشاكس يتهكم من انحناء المبدع تذللا” لنوارة الدفلى” ليبوح بحبه الأبدي لها وهي التي أغراه مظهرها وتجاهل جوهرها وما فيه من عيوب ومن ذلك أوراقها السامة التي تسمّم حياته .
ولعل القارئ هنا يطرح أسئلة من صلب واقع الحبيبين:
– هل أن جمال المرأة جمال المظهر أم جمال الجوهر؟.
– هل أن زهرة الأوركيد (وهي التي تخاصم ثمّ تصالح) و التي يحبها المبدع حبا أبديا تجمع بين جمال الجوهر و جمال المظهر؟
– هل ان مراقصة الحبيبة لحبيبها وسيلة عابرة للاغواء أم وسيلة ناجعة للمصالحة؟
المراجع :
https://www.annajah.net>…(1)
ما هي زرة الأوركيد- انواعها وفوائدها
https://samaward.net>art>(2)
فن الرقص والباليه
https://www.al-madina.com (3)
الصمت مقبرة العلاقات – جريدة المدينة
https://sabq.org>(4)محليات
“الدفلة” شجرة جميلة الشكل والرائحة..ولكن الورقة منها تكفي لقتل طفل- صحيفة سبق.






