قراءة نقدية:
” الومضة الشعرية بين الوعد والتحدّي”
الشاعرة: سليمى السرايري (تونس)
الناقدة :جليلة المازني (تونس)
الومضة الشعرية(2))
سأتقن الغرق في بحرك.
وأحتفي بالموجة القادمة.
~~~~&~~~~
القراءة النقدية بعنوان:
“الومضة الشعرية بين الوعد والتحدّي”
تستخدم الشاعرة أسلوب المفارقة الذي حكم طرفي الومضة الشعرية:
فطرف الومضة الأولى وعدٌ بإتقان الغرق في بحر الحبيب والطرف الثاني
تحدّ واحتفاء بالموجة القادمة: غرق/ موجة قادمة.
استهلت الشاعرة ومضتها الشعرية بجملة فعلية تحيل على المستقبل القريب
(سأتقن) والمستقبل القريب يكون بصيغة المضارع مسبوقا بحرف السين. وصيغة المستقبل القريب لها دلالتها في الاستمرارية في المستقبل.
هذا يعني أن الحبيبة لم تكن من قبلُ تتقن الغرق في بحر الحبيب.
وبالتالي هل الفعل “سأتقن” مشحون بالوعد أم بالتحدّي؟
– ان كان مشحونا بالوعد فالحبيبة تَعدُ حبيبها بالغوص في بحره لتجني أجمل الدرر وسيستمتعان معا بجمال الدرر وبقيمتها.
– ان كانت تتحداه بأن تتقن الغرق في بحره هذا يعني أنها من قبل حاولت ولم تستطع وهي الآن تُصرُّ على الغرق في بحره.
ولعل الحبيبة هنا تلتقي مع ما قاله جلال الدين الرومي “الحب هو البحر حيث
يغرق العقل”
لعل القارئ بفضوله المعهود يتدخل ليدعم سبب اصرار الحبيبة على اتقان الغرق في بحر الحبيب فيقول مستحضرا أجمل ما قيل في البحر والحبّ(1):
“العشق هو الغرق في البحر والحب هو السباحة فيه”
“من يركب البحر لا يخشى من الغرق”
“فان تطلب اللؤلؤ, عليك بالغوص في عمق البحر فما على الشاطئ غير الزبد”
وبالتالي فإصرار الحبيبة على الغرق في بحر الحبيب يَشي بعشقها له وأنها لا تخشى الغرق لأنها تطلب اللؤلؤ واللؤلؤ لا يمكن أن نجْنيَه الا بالغوص في عمق البحر.
وهنا قد يتدخل القارئ أيضا ليدعم اصرارها على اتقان الغرق في بحر الحبيب وقد يستحضر ما قال الشاعر حافظ ابراهيم:
يقول حافظ ابراهيم:
أنا البحر في أحشائه الدر كامن // فهل سألوا الغوّاص عن صدفاتي
والحبيبة سواء كانت واعدة أو مُتحدّية بإتقان الغرق في بحر الحبيب فقد لا يبقى الحبيب مُحايدا فقد يساعدها في الغوص ببحره لان الحبيب يعشق الحبيبة الجريئة والمتحدّية انه يعشق الحبيبة القوية التي يدفعها عشقها الى هكذا جرأة وهكذا تحدّي. ولعل القارئ يدعم ذلك بما قاله نزار قباني:
ويقول نزار قباني:
هكذا خلقني الله …
رجلا على صورة بحر
بحرا على صورة رجل
فلا تناقشيني بمنطق زارعي العنب والحنطة.
بل ناقشيني بمنطق البحر
ففي النهار أغمرك بمياه حناني
وأغطيك بالغيم الأبيض وأجنحة الحمائم
وفي الليل أجتاحك كقبيلة من البرابرة.
لا أستطيع أيتها المرأة أن أكون بحرا مُحايدا.
ولا تستطيعين أن تكوني سفينة من ورق.
ففي الحب لا توجد مصالحات نهائية…
وفي هذا الإطار من عزم الحبيبة على اتقان الغرق في بحر الحبيب تدهشنا الشاعرة بقفلة تكسر بها أفق انتظار القارئ وتنتهك حرمة تعاطفه مع الحبيبة
لتجعل الحبيبة لا تقنع بإتقان الغرق في بحر الحبيب فحسب بل تحتفي بالموجة القادمة حين قالت: ” وأحتفي بالموجة القادمة.”
والشاعرة استخدمت جملة فعلية فعلها في صيغة المضارع المرفوع الدّال على الدوام والاستمرارية في الاحتفاء بالموجة القادمة.
والموجة القادمة ما يمكن أن تكون؟
والموج هو حركة الماء التي تظهر قرب سطح البحر مكونة حافة او امتلاء وتتميز بالتأرجح والارتفاع والهبوط.
والامواج أنواع (2)
فهل الحبيبة تحتفي بالموجة الصاخبة أم بالموجة المتلاطمة أم الموجة العالية أم الموجة المضطربة أم الموجة الهائجة أم الموجة الهادئة؟؟؟؟؟؟
ويمكن هنا حصر أمواج البحر بين الهائجة والهادئة:
والموجة الهائجة تشبه النفس البشرية بكل ما فيها من تقلبات وجنون وغضب
فالبحر في عزّ هيجانه لا يستطيع أي أحد أن يسكنه أو يجعل أمواجه تهدأ قليلا.
وقوله تعالى: «تموج كموج البحر” أي تضطرب اضطراب البحر عند هيجانه.
أما أمواج البحر الهادئة فهي نغمات وكأنها جبْر خاطر لما في قلوبنا.
والحبيبة هنا هل تحتفي بالموجة الهائجة ام بالموجة الهادئة؟
لعلها تحتفي بكل منهما:
– تحتفي الحبيبة بالموجة الهائجة التي تكسبها عزما وقوة وجرأة لمواصلة اتقان لعبة الغرق في بحر الحبيب لتقضي منه وطرا.
– تحتفي الحبيبة بالموجة الهادئة لتجعلها متنفَّسا وراحة تستعيد بعدها مواصلة لعبة الغرق في بحر الحبيب.
يقول دوستويفسكي:”أنا مثل البحر هادئا وأحيانا صاخبا وعنيدا وطائشا…أحيانا أجعلك تشعر بالسكينة على الرغم من الجثث القابعة في قاعي وأحيانا أجعلك تخاف من غدري على الرغم من أنني لن أمسك بسوء”.
ان ثنائية السكينة والغدر لأمواج البحر تشحذ عزيمة الحبيبة لتتقن لعبة الغرق في بحر الحبيب وهي بين الوعد والتحدي.
سلم جليل حرف الشاعرة سليمى السرايري هذا الحرف المتحدّي.
بتاريخ 06/08/2024
المراجع:
https://mawdoo3.com>…> (1) أقوال
أجمل ما قيل عن البحر والحبّ
https://www.tiktok.com>video(2)
أسماء أصوات الأمواج.






