في مثل هذا اليوم19 اغسطس1973م..
فرنسا تفجر قنبلتها الذرية الثالثة على بعد سبعمائة وخمسين كيلو مترًا من جزيرة تاهيتي بالمحيط الهادي.
تجارب نووية أجرتها فرنسا في الصحراء الجزائرية بين 1960 و1966 لتعزيز قدراتها النووية، وتمكنت بفضلها من دخول نادي الدول النووية بعد الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي وبريطانيا.
السياق التاريخي
بحسب تقرير لـ(الجزيرة) فقد خرجت فرنسا من الحرب العالمية الثانية منتصرة لكن كرامتها أُهينت، وبات شبح الاحتلال النازي وإمكانية تكراره على يد قوة أجنبية أخرى أكبر هاجس بالنسبة للقادة السياسيين.
وانطلاقا من ذلك؛ عكفت فرنسا منذ 1954 على وضع برنامجٍ نووي اعتبِر بعثا لبرنامج نووي فرنسي طموح كان في مراحله الأولى عام 1939، لكن الاحتلال النازي وأده في المهد.
وأمر رئيس الوزراء الفرنسي آنذاك بيير منديس فرانس ببدءِ إقامة مركزٍ للتجارب النووية في مطلع 1957، وكانت على رأس المواقع المرشحة لاستضافة المشروع الجزر الفرنسية في المحيطين الهادي والأطلسي (مثل لاريونيون وبولينيزيا ومروروا) التي ستحتضنُ لاحقا مراحل هامة من البرنامج النووي الفرنسي.
لكنَّ عوائق لوجستية حالت دون إجراءِ التجارب في تلك الجزر البعيدة فبدأ التفكير في الصحراء الجزائرية الشاسعة والقليلة السكان.
أسباب الاختيار
مع بدء العمل في استكشاف فرص إجراء التجارب في المحيط الهادي أو الأطلسي، برز إشكال نقل المواد النووية والتجهيزات الحساسة إلى مواقع التجارب. ففي تلك المرحلة لم يكن الطيران قد بلغ من التطور ما يُمكّن من نقل الشحنات إلى لاريونيون أو مروروا أو بولينيزيا دونَ الحاجة إلى إجراءِ توقفٍ تقني في أرضٍ أجنبية، وهو أمرٌ مرفوض البتة لأسباب أمنية.
في ضوءِ ذلك، وقع الاختيار على الصحراء الجزائرية القريبة نسبيا والتي ما زالت يومها تُشكل جزءا من فرنسا ما وراء البحار. وهكذا وقع الاختيار على منطقة “رقان” التي تقع في ولاية بشار وتبعد نحو 1500 كلم جنوب غرب العاصمة الجزائر، وأُطلقت اشغال إقامةِ مضمار للتجارب في نوفمبر/تشرين الثاني 1957.
اليربوع الأزرق
سُميت التجربة النووية الفرنسية الأولى في الجزائر “اليربوع الأزرق”، وجرت يوم 13 فبراير/شباط 1960 تحت إشراف مباشر من الرئيس الفرنسي آنذاك شارل ديغول، وبلغت شدةُ التفجير الذي أُجري على سطح الأرض خمسة أضعاف التفجير الناتج عن قنبلة هيروشيما.
وتقول رواياتٌ تاريخية إنَّ خبراء إسرائيليين حضروا التجارب وربما شاركوا في الإعداد لها وإن كانت الرواية الرسمية الفرنسية تُكذب ذلك، كما لا توجد وثائق تُؤكد هذا الأمر. وبعد هذه التجربة الأولى، أجريت في الأشهر التالية ثلاث تجارب أخرى سُميت كذلك “اليرابيع”.
ورغم النجاح المطلق للتجربة، فإن فرنسا كانت في تلك المرحلة لا تزال متأخرة عن القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي وبريطانيا. وكانت فرنسا تسابق الزمن قبل التوقيع على معاهدة الحد من التجارب النووية، كما كانت بوادرُ استقلال الجزائر تهدد استمرار البرنامج النووي الفرنسي.
وفي ضوء هذه المعطيات، عمل ديغول على تسريع وتيرة البرنامج خاصة منذ 1961، إذ تم في نوفمبر/تشرين الثاني إجراء أول تجربة نووية تحت الأرض في منطقة “عين إكَّرْ” إلى الجنوب من رقان. وبين ذلك التاريخ وفبراير/شباط 1966 أُجريت 13 تجربة نووية.
وقد اعترفت فرنسا بأربع تجارب في منطقة رقان بولاية بشار و13 في عين إكّرْ بولاية تمنراست جنوب الجزائر، لكن الباحث وأستاذ الفيزياء والكيمياء النووية في جامعة وهران كاظم العبودي (مؤلف كتاب “يرابيع رقان”) أفاد بأن فرنسا أجرت 57 تجربة نووية بالجزائر، وأن المنطقة الصفرية بين تفجير وآخر كانت مسافتها أقل من 150 كلم، مما جعل الجو مشبعا بالإشعاع النووي.!!!!!!!!!!