زلزال الازل ..
من أبواب مدينة عاهرة ..!
حسين الذكر
هم قبلة المكان وقطب الرحى ، اليهم الانظار شاخصة ، يصبحون فيشرق الويل من حدقاتهم ويندى الجبين الوان من عصارات الالم ، واذا ماهجعوا ، تمطر الدنيا سكونا ، ويتضوع الصمت شذى .
لاجلهم شيد هذا المعتقل النائي الفريد من نوعه ، استحضروا فيه كل قساوات الفكر واحاطوه بنفايات الحضارة ، ليسحقوا به آدمية الانسان . على الرغم من اهميتهم هنا ، لكن اثمانهم بخسة جدا ، فجروحهم لا يسبر غورها ، والامهم لا يسمعها اهل البرزخ ولا اهل القيامة ، تراقبهم عقول الشيطان وتحرسهم سواعد المكننة . الاسلاك تخترق الجسد وتنساب مع الريح ، تشهق على مضض وتزفر كرها ، حتى تكورت اجسادهم عظاما فاغرة وهياكل صارخة .
بعد نهار اغرورقة به الارض من نضح العرق ونزيف الدم ، تمايلت اجسادهم منهكة ورؤوسهم محطمة ، كانها مخمورة من شدة التعب ووقع الالم . تان في طريقها الى المضاجع ، ، كل ياوى الى فراشه حاسر ا مستسلما غاط بسبات عميق .يتوسدون التراب ، يوشمون به الجبين ويعبقون منه الانوف ، فيحملهم بامان حتى يوقضهم دوي الصفارات ولهيب سياط الحراس .
هكذا تدور رحى الزمان بهم منذ امد بعيد ، لا تتوقف حتى توري احدهم الثرى ، فيبكون فرحا عليه ويحسدوه الى ما آل اليه .
في ذات يوم ليس كباقي الايام ، ، حيث لا توجد كشوفاته على المذكرات ولا تسجل فيه الذكريات ،طل عليهم فجرا يفيض به الافق دويا ورعبا ، تعلقت العيون بالنجوم تستنبا وجوم السماء . سرب من الوحوش ، الا معقولة تحوم على امتداد البصر ، سلاسل جبلية تسبح هائمة على رؤوس الاشهاد ، اصواتهم لم تسمع من قبل ، واثارها تكاد تكسف الارض ، لا تشبه الطيور بشيء ، لكنها طائرة .
انها الخرافة التي تتجسد حقيقتها الماثلة للاعيان ،لو لا انها كائنة ما عدت من الكائنات ، ريحها يخرق مسامات الصخور ويسحر العقول ، امضى من جيف الموتى وكانها تحمل خطايا الاولين والاخرين ، كل الاصوات جنب جلجلتها سكون ، وكان الاشياء كانت قبلها في عدم ، تفجرت الرؤوس وهاجت النفوس في واد الموت من وقع الاثر ، حشود من النوازل غير مسبوقة ، حطت لتسحق الهامات وتحط من قدر العروش ، انه الجحيم الذي لا مناص منه ولا محيص .
الاسلاك تقلع نفسها وتتطاير نحو السماء محاولة الهرب حتى استحالت الرؤيا. الحرس لم يعد يبالوا بتنفيذ الاوامر ولا يخشوا العواقب ، لم يكن حدثا طارئا فيلجاون الى الطورايء ، لاول مرة يتصرفون دون انتظار الاوامر ، ولوا بوجوههم من الويل الى الويل يلجاون .
قال احدهم : لقد نفخ بالصور ، وسيعم الامان الذي لا امان لنا فيه .
قال اخر : لا خلاص لنا الا بقذف انفسنا بهذه الحمم البركانية المتطايرة من تلك الافواه الغريبة ..
قال اخر : دعكم من هذيانكم هذا الذي انتم فيه تختلفون ، واستنجدوا بالرب لعلكم ترحمون !
قال اخر : ليس هنالك ما ينبغي عمله ، انها السماء تات اكلها كل حين ، تفعل ونفعل ما تريد ، حتما سيتمخض عن هذا الجنون عقل محض .
اصابع الياس تدفن العبرات بالصدور ، ورائحة الموت تخنق الموتى ، جيثوم يطبق فكيه ليفترس الاحساس والشعور ،كل من كان هنا تاه بفلك جديد ، الا السجناء ، فكانوا في مخاض عسير ، ربما ينجب لهم املا وبشرى ، تجمعوا يطالعون الافاق لعلها تباشير الصباح وقطرات الندى التي تقطع انين الليل وتزق البراعم ، فكلما عصفت الاحداث ما زادتهم ، الا املا وسرورا ، آن لهم ان يتحدثوا مع بعضهم البعض ، والغبطة تاخذ تلابيبهم وتملا جوانحهم .
قال احدهم : انه الوعد الحق ، هذه رسل الرب الينا .
قال اخر : لا نجاة لنا من طوق شراك الارض ، الا بغضب رحم الطبيعة ، ذلك المعين الذي لا ينضب !
قال اخر : لا يخطر حتي في بال الشيطان ، ماذا سيحدث لهذا العالم ، لو ظلت مفاتيحه معلقة بشهوات الانسان يفعل بها ما يشاء .
قال اخر : عندما تشرق الشمس من الجهة المعاكسة ، يحدث الانعكاس كلمح البصر ، ويصبح الشرق غربا والغرب شرقا .آه كم جميلة وعظيمة هذه السنة والناموس الطبيعي ، حقا ان دموع الارض لا تنشف مخضرة حتى تشرق عليها ابتسامات السماء .