في مثل هذا اليوم5 سبتمبر1950م..
الجمعية التأسسية السورية تُقر الدستور الجديد للبلاد وتعيد انتخاب هاشم الأتاسي كرئيس لسوريا.
هاشم الأتاسي (1873 – 6 ديسمبر 1960 ميلادي) (1290 – 1380 هجري) والملقب أبو الجمهورية، هو ثاني رئيس للجمهورية السورية لولايتين الأولى بين 21 ديسمبر 1936 و7 يوليو 1939 والثانية من ديسمبر 1949 وقطعها انقلاب أديب الشيشكلي في 24 ديسمبر 1951، غير أنه تابعها من 1 مارس 1954 وحتى 6 سبتمبر 1955، ليكون تاسع حاكم في تاريخ سوريا الحديث. كما أنه شغل مناصب بارزة في الجمهورية السورية فشكّل الوزارة مرتين، ورأس المؤتمر السوري العام، والجمعية التأسيسية، وكذلك لجنتي وضع الدستور، وانتخب للنيابة عن حمص عدة مرات. ينتسب الأتاسي لعائلة غنية ومعروفة في حمص وقد شغل والده خالد الأتاسي منصب مفتي حمص، درس فيها وفي إسطنبول وعمل في ظل الدولة العثمانية في بيروت وحمص، وكان من المقربين من الملك فيصل الأول خلال المملكة السورية العربية ونشط بعد ذلك خلال الانتداب الفرنسي على البلاد كناشط سياسي بارز مطالب بالاستقلال خصوصًا إثر تأسيسه وزعامته لحزب الكتلة الوطنية التي لعبت دورًا بارزًا في الحياة السياسية السورية قبل 1963.
وصفه المؤرخ السوري يوسف الحكيم، بأنه شخص جليل ومحترم من قبل جميع الناس على اختلاف نزعاتهم وأحزابهم.
تعتبر عائلة الأتاسي التي ينتسب إليها من أشهر عائلات حمص الإقطاعية وأكثرها ثراءً، إضافة إلى نشاط سياسي محلي لها منذ عهد الدولة العثمانية. ولد هاشم الأتاسي في 6 ديسمبر/كانون الأول 1875، وتلقى دراسته الابتدائية والثانوية في حمص، ثم انتقل إلى إسطنبول حيث درس الإدارة العامة في الأكاديمية الملكية، وتخرج منها عام 1895. بداية حياته السياسية كانت في الدولة العثمانية عام 1898 حين تم تعيينه موظفًا مرموقًا في ولاية بيروت العثمانية، وبعد نشوب الحرب العالمية الأولى عام 1914 تم تعيينه محافظًا على حمص وحماة وبعلبك ويافا والأناضول، وإن كانت ولايته أشبه بولاية شرفية. بعد الحرب العالمية الأولى عام 1918 وقف الأتاسي في صف الوطنيين المطالبين بالاستقلال عن الدولة العثمانية، وانتخب عضوًا في المؤتمر السوري العام أول برلمان سوري في التاريخ، ضم أقطار بلاد الشام الأربعة في يونيو/حزيران 1919، وانتخب رئيسًا للمؤتمر. في 8 مارس/آذار 1920 أعلن قيام المملكة السورية العربية وبويع فيصل الأول ملكًا عليها بإجماع أعضاء المؤتمر السوري العام، وكلف الأتاسي رئاسة لجنة صياغة دستور المملكة، فأقر في يونيو/حزيران 1920، غير أنه لم يعمل به سوى لفترة قصيرة، بسبب سقوط المملكة. بعد استقالة حكومة الركابي الثانية، كلّفه الملك فيصل الأول تشكيل الحكومة، فشكلها في 2 مايو/أيار 1920، وبذلك كان ثاني من شغل منصب رئيس الوزراء في سوريا، غير أن عمر حكومته كان قصيرًا، وأحداثها متسارعة، فقد تلقفت الحكومة الإنذار الشهير باسم إنذار غورو ثم قبلته في 13 يونيو، وأعلنت حالة الطوارئ في 15 يونيو/حزيران وأعلنت تطبيقًا لموافقتها على مبادئ الإنذار حل الجيش السوري في 20 يونيو/حزيران وهو ما أدى إلى أحداث احتجاج وشغب في دمشق ومدن أخرى فضلاً عن احتلال المحتجين لقلعة دمشق، وقد استعملت الحكومة الرصاص الحي ما أدى إلى مقتل عشرين متظاهرًا. لم يقتصر الأمر على ذلك، تذرع هنري غورو قائد الجيوش الفرنسية في الشرق بإنه لم يصله قبول الحكومة بالإنذار، ولذلك زحف إلى دمشق من بيروت في 21 يوليو/تموز والتقى مع بقايا الجيش السوري ومتطوعين في معركة ميسلون يوم 24 يوليو/تموز، وعمومًا فإنه حتى لو لم يحل الجيش، لم يكن قادرًا بعتاده المتواضع مواجهة جيوش فرنسا في الشرق، مطلقًا. دخل الفرنسيون إلى دمشق في 25 يوليو/تموز وانتقلت الحكومة ومعها الملك إلى الكسوة، وقدّمت استقالتها في اليوم نفسه كنتيجة لمعركة ميسلون واحتلال دمشق وتشكلت حكومة برئاسة علاء الدين الدروبي موالية للانتداب، وبعدها بثلاث أيام نفي الملك فيصل وبذلك انتهت المملكة السورية، بعد أن مكث الأتاسي في رئاستها حوالي ثلاث أشهر، رغم ذلك فقد أثبت الأتاسي عن حنكة في الشؤون السياسية، خصوصًا حين عيّن عبد الرحمن الشهبندر المقرب من فرنسا وذو العلاقات البارزة مع ساسة أوروبا بهدف إقامة تحالفات بين المملكة والغرب وكمحاولة لتفادي الانتداب الفرنسي على سوريا، غير أنه قد فشل في مسعاه.
الانتداب الفرنسي
خلال الثورة السورية الكبرى رفض الأتاسي المشاركة لكونها ثورة مسلحة، وقال بأن الاستقلال يأتي ثمرة لانتصار الحق لا العنف. في أكتوبر/تشرين الأول 1927 اجتمع الأتاسي مع عدد من الناشطين البارزين ممن عرف عنهم مقارعة الانتداب الفرنسي على سوريا ومنهم شكري القوتلي وسعد الله الجابري وفارس الخوري وغيرهم، وأعلنوا ميلاد «الكتلة الوطنية» التي اضطلعت بدور بارز في الحياة السياسية السورية حتى 1963، وشكّل حكومات منفردة عدة مرّات خلال مرحلتي الانتداب والاستقلال. تشكيل الكتلة الوطنية كان ردًا على حزب الشعب، الذي عرف عنه موالاته للفرنسيين وقد ترأسه عبد الرحمن الشهبندر، وكرد أيضًا على قمع الثورة السورية الكبرى التي انطلقت عام 1925 واستطاع الفرنسيون قمعها في أغسطس/آب 1927 بعد أن زجت مائة وعشرة آلاف جندي فرنسي في سوريا، حيث قال المجتمعون أنه من الممكن نيل استقلال سوريا وووحدتها بالوسائل السلمية بدلاً من المقاومة العنيفة. وقد شملت الكتلة الوطنية التي أسسها الأتاسي إقطاعيين ومحامين وموظفين وطلاب، أي أنها شملت جميع شرائح المجتمع السوري، ليس في حدود «الدولة السورية» التي أعلنها الفرنسيون على دمشق وحلب فقط عام 1925 بل أيضًا في اللاذقية والسويداء ومناطق أخرى.
انتخب هاشم الأتاسي رئيسًا للكتلة وعضوًا دائمًا في مكتبها، وبعد مفاوضات تاج الدين الحسني مع المفوض الفرنسي هنري بونسو والتي أفضت لانتخابات جمعية تأسيسية لوضع دستور للبلاد عام 1928 رأس الأتاسي هذه الجمعية، وبالتالي وجهت له مهمة وضع الدستور السوري الثاني، وقد نصّ على كون النظام جمهوريًا برلمانيًا. خلال الاحتجاجات التي شهدتها سوريا خلال عام 1930 ردًا على عدم نشر الدستور والدعوة لانتخابات نيابية، اعتقل الفرنسيون الأتاسي عدة أشهر ونقلوه إلى جزيرة أرواد؛ وعندما دعا الفرنسيون لانتخابات نيابية في سوريا عام 1932، أسفرت الانتخابات عن فوز الكتلة الوطنية بسبعة عشر مقعدًا من بينهم الأتاسي، غير أن أغلب المؤرخين يرون تلاعبًا قامت به فرنسا في إعلان نتيجة الانتخابات، خصوصًا في حلب حيث سقط إبراهيم هنانو بما وصف «فضيحة الانتخابات» ليفوز نكرات. نتيجة المفاوضات بين الكتل النيابية تم التوصل لاتفاق يقضي بوصول محمد علي العابد رئيسًا للجمهورية كمرشح محايد وتشكيل حكومة مناصفة بين المعتدلين والكتلة الوطنية على أن يرأسها حقي العظم المحسوب على المعتدلين، كذلك فقد انتخب بالتوافق صبحي بركات رئيسًا للمجلس النيابي بواحد وخمسين صوتًا مقابل سبعة عشر للأتاسي.
انتخب الأتاسي رئيسًا للمرة الثانية بإجماع الأعضاء في ديسمبر 1949، غير أن القلاقل عادت من جديد مع المطالبة بالوحدة مع العراق، وقد تحالف الأتاسي مع حزب الشعب وعين رئيسه ناظم القدسي رئيسًا للوزراء، وافتتحت مفاوضات للوحدة مع العراق. كذلك فقد شهدت ولايته الثانية إغلاق الحدود مع لبنان بحجة منع تدفق البضائع اللبنانية التي كانت تغرق السوق السورية. طوال 1950 كانت مفاوضات الانضمام إلى العراق تسير قدمًا خصوصًا بعد سفر الأتاسي إلى بغداد ولقاءه فيصل الثاني ملكها، ما أغضب أديب الشيشكلي أحد أبرز قادة الجيش، والذي حذّر الأتاسي من مغبة «استيلاء بغداد على دمشق»، رفض الأتاسي الضغوط العسكرية، فقام الشيكشلي بانقلاب ديسمبر 1949 واعتقل سامي الحناوي وأبرز المتعاطفين مع حزب الشعب، وعدد من الضباط الموالين للعراق في الجيش السوري. في المرحلة الممتدة بين انقلاب 1949 وانقلاب 1951، كان الشيشكلي صاحب الكلمة العليا في البلاد، والجيش طرفًا في الحياة السياسية، طالب الشيشكلي تعيين فوزي السلو وزيرًا الدفاع، لكونه من المقربين منه، بحيث يضمن عدم تأثير موالي العراق على الحكومة، قبل الأتاسي بشروط الشيشكلي الأولى، ومع ذلك طلب من معروف الدواليبي أحد وجوه حزب الشعب تشكيل الحكومة، وقد رفض الدواليبي منح حقيبة الدفاع لفوزي السلو، وبنتيجة ذلك قام الشيشكلي بانقلاب 1951، واعتقل رئيس الوزراء وجميع أعضاء حزب الشعب وجميع الوزراء ورجال الدولة المؤيدين للأسرة الهاشمية، ثم حلّ البرلمان.
احتجاجًا على ذلك قدم الأتاسي استقالته إلى البرلمان المنحل في 24 ديسمبر 1951، ورفض أن يقدمها للشيشكلي، لكون حكمه غير دستوريًا. وطوال حكم أديب الشيشكلي بين 1951-1954 قاد الأتاسي معارضة مستترة ضده مؤكدًا أن حكمه غير دستوري. وبتضافر أنصار الكتلة الوطنية وأنصار حزب الشعب – الذين باتا من الأحزاب المحظورة – إضافة إلى مؤيدي الهاشمية، قامت انتفاضة وطنية من حلب، تلاها انقلاب 1954 بين 24-26 فبراير، واعتقل عدنان نجل الشيشكلي، وكرد على ذلك وضع الشيشكلي الأتاسي تحت الإقامة الجبرية، ولم يقم بوضعه في السجن احترامًا لدوره البارز في الحياة السياسية السورية. في 1 مارس عاد الأتاسي من حمص إلى دمشق وتابع مهامه كرئيس للجمهورية، كما أعاد مجلس الوزراء ورئيسه معروف الدواليبي، واستعاد أيضًا جميع السفراء والوزراء والبرلمانيين الذين عزلهم الشيشكلي مناصبهم السابقة، وحاول الأتاسي خلال متابعته لولايته الثانية بكل قوته القضاء على كل أثر قام به الشيشكلي لمدة أربع سنوات.
السنوات الأخيرة
قضى الأتاسي سنوات حكمه الأخيرة وله من العمر ثمانون عامًا، يحارب نفوذ ضباط الجيش ويسعى للحد من نفوذ الأحزاب اليسارية التي كانت تتنامى في البلاد إلى جانب الاشتراكية والتعاطف مع الاتحاد السوفياتي، وكذلك جمال عبد الناصر، الذي كان يدعمه عدد من وجوه آل الآتاسي من أمثال جمال الأتاسي ونور الدين الأتاسي. واستطاع الأتاسي خلال توليه السلطة تحييد سوريا والحفاظ عليها خارج المعسكر الاشتراكي.
خلافًا لمعظم المفكرين والقادة العرب، كان الأتاسي يعتقد أن جمال عبد الناصر كان صغير السن لقيادة مصر والوطن العربي، وعديم الخبرة فضلاً عن آيديولوجيته الحادة، وعمد الرئيس السوري إلى إجراءات صارمة ضد التيار الناصري في سوريا، ووقع خلاف مع رئيس وزرائه صبري العسلي واتهمه بالسعي لتحويل سوريا إلى «قمر صناعي مصري». في عام 1955 كان الأتاسي يميل للقبول بحلف بغداد وهو الاتفاقية المرعيّة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وتهدف إلى احتواء نفوذ الاتحاد السوفياتي في المنطقة، ولكن الضباط الناصريين في الجيش السوري منعوه من القيام بذلك. وخلال الصراع بين العراق الهاشمي ومصر عبد الناصر وقف الأتاسي إلى جانب العراق وتحالف مع نوري السعيد. وبعد أن أقال العسلي عيّن فارس الخوري رئيسًا للوزراء، وهو السوري المسيحي الوحيد الذي يتولى منصب رئيس الوزراء، وسبقَ أن تولاه بين 1945-1949. وقد أوفد الأتاسي، رئيس وزرائه الخوري إلى مصر، لتقديم احتجاج لدى الحكومة المصرية على «هيمنة عبد الناصر على الشؤون العربية».
انتهت ولاية الأتاسي في سبتمبر/أيلول 1955 واعتزل الحياة السياسية وعاد إلى حمص حيث أقام في دارته حتى يوم وفاته. في عام 1956 أدين ابنه عدنان الأتاسي بالتحالف مع العراق لتدبير انقلاب عسكري للإطاحة بشكري القوتلي الموالي لعبد الناصر، وقد حكم على عدنان بالإعدام بتهمة الخيانة العظمى، لكن احترامًا لوالده تم تخفيف الحكم إلى السجن المؤبد. ويعتقد أن الضباط الذي أداروا المحكمة العسكرية قد أصدورا أحكامًا قاسية انتقامًا من الأتاسي خصوصًا لكونه قد كبح جماح السلطة العسكرية خلال ولايتيه الثانية والثالثة، ومع ذلك فقد رفض زيارة ابنه في السجن.
توفي في حمص يوم 6 ديسمبر/كانون الأول 1960 خلال سنوات الجمهورية العربية المتحدة، وكانت جنازته الأكبر في تاريخ المدينة وحضرها جمال عبد الناصر إلى جانب كبار المسؤولين في الدولة، وقد تحققت رؤيته للجمهورية العربية المتحدة إذ انفصلت عام 1961 بعد ثلاثة أشهر من وفاته، وقد انتخب اثنان من أفراد أسرته هما لؤي الأتاسي ونور الدين الأتاسي رئيسين للجمهورية من بعده.
قيل عن الأتاسي بأنه رجل «المبادئ السلمية» والمؤيد «للطرق الدستورية» إلى جانب احترامه لجميع اللاعبين في السياسة السورية، وهو واحد من قلة في الطبقة السياسية السورية من حقبة ما قبل البعث لم ينتقده البعثيون ويشهروا بسيرته بعد وصولهم إلى السلطة عام 1963. وقد نشرت سيرة حياته في سوريا عام 2005 على يد حفيده، غير أنه لم يترك وراءه أي مذكرات يومية، تؤرخ للمرحلة التي تولى خلالها رئاسة البلاد.!!