قراءة نقدية مزدوجة:
“القصيدة بين نشوة الحب ونشوة الخمر”
فقرة جمع بصيغة المفرد(مبدع /مشاكس / ناقدة)
المبدع:حمد حاجي (تونس)
القصيدة: الراقصان بالصالة.
المشاكس: عمر دغرير(تونس)
القصيدة:” أفرطت في الشرب حتى نمت ولم ترقص”
أ – المشترك بين الابداع والمشاكسة:
– الاطار المكاني: الخمارة /العرس
– التناص المعجمي..
– تسريد الشعر
ب- المختلف بين الابداع والمشاكسة:
1- المبدع حمد حاجي ونشوة الحبّ
أسند المبدع عنوانا لقصيدته “الراقصان بالصالة”
لقد حدّد المبدع شخصيتين وهما الراقصان وحدد المكان وهو الصالة .
هذا المكان يشي بحفلة عرس بالصالة .
أما الراقصان فمن يكونان ؟ هل هما العروسان كما تجري العادة في حفل العرس؟
استهل المبدع بتحول في المكان من مكان شراب الى عرس فيقول المبدع:
وشنشنت كل القوارير حولي
وقمت الى حيث دق الطبول
وعزف المزامير في آخر المنعطف
لقد تحوّل المبدع من مكان انتشاء أول (الشراب) الى مكان انتشاء ثان (العرس)
ان هذا المكان الذي تحوّل اليه المبدع يوحي بمكان عرس ريفي(دق الطبول/عزف المزامير) ويبدو ان المكان الاول مجاور للمكان الثاني .
هل هذا مقصود من المبدع؟
عند دخوله الى العرس يقدّم المبدع شخصية أم العروس التي تدعوه الى اختيار أيّ مكان يعجبه والحذر من كابلة البوق .
– هل أم العروس تعرفه؟
– ان كانت تعرفه لماذا توجّست منه خيفة أن يوقف عرس ابنتها ؟(حذار من كابلة البوق) .
يبدو أنها تعرف علاقته العاطفية بابنتها وخافت أن يعربد ويفسد” فرحة ابنتها” لذلك هي عمدت الى مخاطبته بهدوء.
ان هذا الخطاب الصادر عن أم العروس لم يستخدمه المبدع اعتباطا بل ليجعله في خدمة كشف النوايا وفضح المواقف.
لقد وشى هذا الخطاب عن موقف أمّ العروس من علاقة هذا الزائر بابنتها وهي عدم الرغبة به وأكثر من ذلك فضح نيتها في التوقي منه خوفا من أن يفسد على ابنتها “فرحة عمرها”.
ثم ان هذا الزائر العاشق قد حاول تناسي موعد زفاف حبيبته مع غيره بالاقبال على الشرب لكن اختياره لمكان الشرب المجاور للصالة يفضح نيته أنه يريد مواكبة عرس حبيبته التي لم تكن من نصيبه.
والشاعر ساعده بان جعله يستفيق من شربه ليسرع الى مكان العرس.
ومن وجهة نظر تحليلية نفسية فان هذا العاشق قد عزف عن نشوة الشرب ليجعل نشوته تعزف على وتر الحبّ وبذلك انتصرت نشوة الحب على نشوة الخمر.
انها تبادله هذا الحب فقد فضح فمُها لهْفتها حين رأته وكأني بها تبارك هذه الجرأة منه في القدوم الى “صالة” العرس فيقول: ويلمع فاها من الزهو واللهف…
وهل أكثر جرأة من دنوّها الى ساحة الرقص غير “عابئة بالتقاليد والناس والشرف” فيقول:
أراها الى ساحة الرقص تدنو..
تصرّ ملابسها..عند صرّتها..
غير عابئة بالتقاليد والناس والشرف..
من خلال هذه الفجوات النصية قد يتدخل القارئ وقد يستغرب من جرأتها التي داست على التقاليد والناس والشرف اذ:
– كيف لا تحترم التقاليد التي تقتضي أن يراقصها زوجها الشرعي ؟
– كيف لا تكترث بالقيل والقال للناس الذين سينهشون طيشها وتسرّعها؟
– كيف لا تكترث بشرفها الذي داست عليه بمجرد رؤيتها لعاشقها ومعشوقها؟
– هل أن قيمة الحب تفوق كل القيم بما في ذلك الشرف؟
ان العاشق والمعشوقة يتبادلان الجرأة فبقدر ما كان هو جريئا بقدومه الى الصالة وهو غير المرغوب فيه(من قبل ام العروس) بقدر ما كانت هي جريئة في نزولها الى ساحة الرقص.
– لعل المبدع هنا يثير ثنائية الحب والكرامة وقد يستحضر القارئ ما قالته خبيرة نفسية:” الكرامة في الحب اشكالية اختلفت حولها النساء فهناك من تؤكد أنه لا معنى لكلمة كرامة بين الحبيبين لأنه من المفترض أن الحب يصنع من القلبيْن
قلبا واحدا, وهناك من تؤكد أن الكرامة هي الشيء الوحيد الذي لا يجب أن يمسّه
أو يمحوه الحب فلا بدّ للمرأة ان تحتفظ بكرامتها لأن الرجل مهما أحب يمكنه أن يدوس على قلبه من أجل كرامته”(1)
– لعلّ المبدع هنا يثير ايضا قضية الزواج المفروض على الفتاة وسلبها حقّ اختيار الحبيب الزوج.
لعل المبدع يُندّدُ بهكذا ممارسات بالوسط الريفي أين يُخمد صوت الفتاة ويكون القرار بيد الأهل.
لعل المبدع من وجهة نظر حقوقية جعل هذه الفتاة جريئة كمفرد في صيغة الجمع لجنس الفتيات لافتكاك حق اختيار الزوج.
ان هذه الجرأة قد جعلت العاشق يقضي منها وطرا نفسيا فحرّكت نخوته ليَنْتشيَ بالتغزل بجمالها مستخدما الوصف كركن من أركان السرد للبوح بمشاعره المحترقة فيقول: لخلخالها رنّة..
كلما ضربت أحرقت أضلعي..
وفؤادي تناثر كالريش والنتف..
وقد كان يرعش في نوبة الطبل
عظمي وريشي…
وفي حضرة الدفّ أصبحت كالريح في السعف..
ان المعجمية اللغوية التي استخدمها المبدع تعُود الى الوسط البيئي(رنة خلخالها/
الطبل/ الدفّ).
=== يتبع ===
=== يتبع ===
هنا قد يستغرب القارئ هذه المفارقة العجيبة بين الوسط الريفي والوسط الحضري.
فالصالة مصطلح حضري وما استخدمه المبدع من وصف يشي بوسط ريفي.
ويختم المبدع بقفلة مدهشة تكسر أفق انتظار القارئ وتنتهك حرمة التقاليد والشرف فتكشف لنا عن ماهية الراقصين وهما العروس وعاشقها وليست العروس مع العريس زوجها الذي غيّب حضوره المبدع . يقول المبدع:
وأنزل أفرك كالطير جناحيّ…أسمع أم العريس:
يا قوم هيا افسحوا..ابعدوا عن كل الكؤوس..
ونبدأ نرقص نرقص.. نحتكّ بالكتف..
هل هي مفارقة الحضور بالغياب فتجسّد حضور العريس من خلال حضور أمه التي كانت شخصية مساعدة للزائر العاشق.
هل أن المبدع غيّب العريس انتصارا للحبّ على حساب الزواج التقليدي؟
لعل القارئ يجد ضالته عند المشاكس.
2- المشاكس عمر دغرير ونشوة الخمر:
اختار المشاكس عنوان قصيدته” أفرطتَ في الشرب حتى نمْتَ ولم ترقص”
انه عنوان ينفي على المبدع ممارسة الرقص بسبب افراطه في الشرب ولدعم ذلك استخدم المشاكس وصفا في خدمة هذا الافراط في الشرب فيقول:
ويومها غادرت خمارة البلد
على غير عادتك مزهوا
عاري الصدر,وقميصك على الكتف..
ان المشاكس منذ البداية يحدد الزمان والمكان الذي سيحتضن الشخصيات والاحداث…انها سردية القصيدة .
في هذا الاطاريستبدل المشاكس نشوة الحب عند المبدع بنشوة الخمر التي بدت واضحة من خلال عبارة “خمارة البلد”وهي عبارة تتناص مع عبارة أبي نواس المدمن على الخمر حين قال:
عاج الشقي على رسم يُسائله// وعجت أسأل عن خمارة البلد
وهل أكثر من استخدام المشاكس صورة شعرية ساخرة باعتبار بطن المبدع وعَاءً لم يمتلئ بعد بالخمررغم ما شربه فيقول:
وحده النادل يعلم كم أفرغت في بطنك
من قوارير الخمر
ولم يمتلئ بعد الى المنتصف..
لئن ترك المبدع كل القوارير وأسرع الى العرس كي يَنْتشيَ هناك باللقاء بالحبيبة
فان المشاكس حصر نشوة المبدع في الاستزادة من شرب الخمر فيقول:
وأنت تدفع ما عليك قلت له :
انتهى الشوط الاول والشوط الثاني ينتظرني
في حفلة عرس في آخرالمنعطف
ان المشاكس جعل المبدع بهذا الخطاب يكشف عن نيته في الادمان على الخمر.
ان ادمان المبدع على الخمر هو ادمان النواسي على خمرته فيقول أبو نواس:
ألا فاسقني خمرا وقل لي هي الخمر//ولا تسقني سرّا اذا أمكن الجهر
فما العيش الا سكرة بعد سكرة // فان طال هذا عنده قصر الدهر
وما الغَبْن الا أن ترانيَ صاحيًا // وما الغُنمُ الا أن يُتعْتعَني السّكر
ويقابل المشاكس بين وصول المبدع ووصول العريس فلئن اسْتُقبل المبدع بقرقعة كؤوس الخمر لمزيد ترغيبه في الشرب لأنه قادم الى العرس بنية المزيد من الشرب باضمار منه فان العريس قد استقبل بالزغاريد.
وهنا يعيد المشاكس كل شخصية الى دورها والمشاكس يقابل في ذلك بين المبدع السكير وبين ابن الاصول والشرف وكأني بالمشاكس يجعل الخمر تسلب المبدع شرفه وهي مرجعية دينية تحرّم الخمرسورة المائدةالآية90 “يا أيها الذين آمنوا انما الخمر والميسر والانصا ب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه”
يقول المشاكس:
ومع الاسف دخلت الغرفة ولم تخرج
أكلت وشربت حتى أنك لم تقْوَ على النهوض
ونمت بين قوارير فارغة وصحون من الخزف…
انها صورة شعرية ساخرة تهكّمًا مما آلتْ اليه حالة المبدع الذي بات كقوارير فارغة غير صالحة للاستعمال.
وقد يعتبره القارئ لا فائدة منه ولا معنى لوجوده التافه بين القوارير الفارغة وهو مسلوب الكرامة.
و لئن أثارالقارئ في قصيدة المبدع ثنائية الحب والكرامة فان القارئ قد يثير في قصيدة المشاكس ثنائية الخمر والكرامة.
ان كلمة التقاطع بين الثنائيتين لدى المبدع والمشاكس هي كلمة الكرامة.
هل ان كلا من المبدع والمشاكس يسلّط الضوء على كرامة الانسان التي خصّ بها الله الانسان وحده عن سائر المخلوقات في قوله تعالى:”ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحرورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا”( الاسراء: 70).
هنا قد يتدخل القارئ وقد يعتبر ان الكرامة قد لا تفوق الحبّ لان الحبّ حياة.
وقد تتنافى الكرامة مع الخمر لأن الخمر لا وعْي بالحياة وانعدام الوعي بالحياة اهدار للكرامة الانسانية.
و”الخمر أمّ الخبائث يعني أن الخمر تتناسل منها وتعشش حولها فواحش وموبقات اخرى وقد اشتهر على السنة الخاصة والعامة تشبيههم لبعض المواقف الشديدة ضد شيء او شخص بما” قاله مالك بن أنس في الخمر”(2).
ولعل المشاكس في هذا الاطار قد عبّر عن وجعه لاهدار المبدع لكرامته من خلال نبرته الساخرة والمتهكمة بسبب افراط ه في شرب الخمروادمانه ادمان النواسيّ عليه.
سلم القلمان ابداعا ومشاكسة حبّا وخمرا.
بتاريخ :05/09/2024
المراجع:
https://www.vetogate.com>…(1)
خبيرة نفسية: لا كرامة في الحب.. لكن بشروط..- فيتو
https://www.hespress.com>..(2)
لم أقل ما قاله مالك في الخمر.
الرَّاقِصَان بالصّالة”( المبدع حد حاجي)..”
وشَنْشَنتُ كل القوارير حولي
وقمتُ إلى حيث دَقُّ الطبول
وعزف المزامير في آخر المنعطفِ
*********************************
وأسمع تهتفُ بي أم العروس:
خُذِ الركنَ أنى تشاء..
وحاذرْ كابلة البوق في الخلف والطرَفِ
********************************
وأظل أراقب ذاك المُصَوّرُ
يخطف صورتها من جناب
ويلمع فاها من الزهو واللهفِ..
**********************************
أراها إلى ساحة الرّقص تدنو…
تُصرّ ملابسها… عند صرّتها..
غير عابئة بالتقاليد والناس والشَّرَفِ…
*********************************
لخِلخالِها رنّةٌ..
كلّما ضَرَبَتْ أحرَقَت أضلعي..
وفؤادي تناثر كالريش والنتف..
********************************
وقد كان يرعش في نوبة الطبل
عظمي وريشي..
وفي حضرة الدفِّ أصبحت كالريح في السعف
************************************
وأنزلُ أفرك كالطير جناحيّ… أسمعُ أم العريس:
يا قومُ هيا افسحوا… أبعدوا عنه كل الكؤوس…
ونبدأ نرقص نرقص… نحتكُّ بالكتِفِ…
( أ. حمد حاجي )
“”””””””””””””””””””””””””””””
(المشاكس عمر دغرير)”أفرطت في الشرب حتى نمت ولم ترقص”
ويومها غادرتَ خمارة البلد,
على غير عادتكَ مزهوا ,
عاري الصدر, وقميصك على الكتفِ…
“””””””””””””””””””””””””””
وحده النادلُ يعلم كمْ أفرغتَ
في بطنكَ من قوارير الخمر
ولمْ يمتلئ بعدُ إلى المنتصفِ …
“”””””””””””””””””””””””””””
وانتَ تدفع ماعليك قلت له :
انتهى الشوط الأول والشوط الثاني ينتظرني
في حفلة عرس في آخر المنعطفِ …
“”””””””””””””””””””””””””””””””
وكنتَ تترنح في الشارع , دليلكَ
دقّ الطبول ,وعزف المزامير,
وأنوار تضيء البيوت منَ الطرف إلى الطرفِ …
“”””””””””””””””””””””””””””””””
وحين وصلتَ بقرقعة الكؤوس
استقبلك الأصدقاء ,
وبالزغاريد رحبتْ أم العريس بابن الأصول والشرفِ …
“””””””””””””””””””””””””””””
جميعهمْ دعونكَ للعشاء على طاولة
فوقها وضعوا الطعام أشكالا وألوانا
في غرفة هي أكبر الغرفِ …
“””””””””””””””””””””””””””””
ومع الأسف دخلتَ الغرفة ولم تخرجْ ,
أكلتَ وشربتَ حتى أنكَ لمْ تقو على النهوض ,
ونمتَ بين قوارير فارغة و صحون من الخزفِ ….