قراءة نقدية مزدوجة:
“الرباعية والتناصّ في كيد النساء”
فقرة جمع بصيغة المفرد(مبدع /مشاكس/ناقدة )
المبدع حمد حاجي (تونس)
الرباعية :”اذا قلّ مالك..”
المشاكس عمر دغرير (تونس)
الرباعية:”وشاب رأسك وأنت تلهث..”
أ- المشترك بين الابداع والمشاكسة:
*على مستوى الشكل:
– التناصّ المعجمي:نصيب/ كيد النساء/ شاب رأسك/لبيب/ ودّ.
*على مستوى المضمون:
– كيد النساء.
ب- المختلف بين المبدع والمشاكس:
1- المبدع حمد حاجي والتناص في كيد النساء (مع الشاعر علقمة الفحل):
يقول علقمة بن عبَدة الفحل في كيد النساء وهو شاعر جاهلي من أصحاب المعلقات وكان له سجال مع امرؤ القيس وانتصر عليه(1):
فان تسألوني بالنساء فانني// بصير بأدواء النساء طبيب
اذا شاب رأس المرء أو قل ماله// فليس له من وُدّهن نصيب
يُردْن ثراء المال حيث علمْنه// وشرخ الشباب عندهن عجيب
في هذا الاطار ماذا يقول الشاعر حمد حاجي في كيد النساء؟
اذا قل مالك أو خار عزمك أو حل في ركبتيك دبيب
ففي لحظة أنت نعْم الحبيب وباقي السويعات أنت غريب
وأنت نصيب لهن متاح وأن ليس للمرء في ودهن نصيب
فحاذر اذا شاب رأسك…اني خبير بكيد النساء لبيب
ان القارئ يطالعه ان رباعية الشاعر حمد حاجي تندرج ضمن نظرية التناص
الحديثة:
أ- مفهوم التناص (1):
“تعدّ نظرية التناص من النظريات النقدية الحديثة التي تتجه الى القارئ والى النص وكان لجهود جوليا كريستيفا أثر كبيرفي تجلية مصطلح التناص.
ومصادر التناص متسعة تشمل ما يلمّ به المبدع أو الشاعر من تجارب واطلاعات
يختزنها في ذاكرته بمعنى ان ثقافة المبدع هي مصدر رئيسي في تناصه مع من سبقوه”
ب- أشكال التناص (ويكيبيديا – تناص):
– تناص تطابقي في تطابق بين النصين.
– تناص انفصالي فيه اعلان لموت النص الاول في النص الثاني
– تناص النفي موت النص الاول في النص الثاني.
وفي هذا الاطار أيُّ شكل من أشكال التناصّ استخدمه الشاعر حمد حاجي؟
يبدو أن شاعرنا حمد حاجي قد وردت رباعيته في شكل التناص شبه التطابقي حيث ان النصين(علقمة الفحل/حمد حاجي) شبه متطابقين شكلا ومضمونا:
* شكلا:
– المعجمية اللغوية( النساء/ قلّ ماله/ شاب رأسك/ في ودّهن نصيب).
– الروي:استخدم كل من الشاعرين نفس الروي وهوحرف الباء الذي هو صوت جهوري يجسّد الحالة النفسية التي عليها الشاعران بسبب كيد النساء.
* مضمونا:
لقد ضمّن كل من الشاعرين نفس المواضيع المتعلقة بكيد النساء في علاقتها بالرجل: قلة المال / المشيب / كيد النساء
يقول علقمة بن عبَدة الفحل في كيد النساء:
اذا شاب رأس المرء أو قل ماله// فليس له من وُدّهن نصيبُ
يُردْن ثراء المال حيث علمنه// وشرخ الشباب عندهن عجيبُ
يقول الشاعر حمد حاجي في كيد النساء:
اذا قل مالك أو خار عزمك أو حلّ في ركبتيك دبيبُ
ففي لحظة أنت نعم الحبيب وباقي السويعات أنت غريبُ
وأنت نصيب لهن مُتاح وان ليس للمرء في ودّهن نصيبُ
فحاذر اذا شاب رأسك…اني خبير بكيد النساء لبيبُ
كل من الشاعرين قد سلّط الضوء على عقلية النساء في علاقتهن بالرجل اذ أن النساء لا يُقبلن الا على من كان ذا مال وينعم بالشباب وبالتالي قد سلّطا الضوء على كيد النساء وقد أقرّ كل منهما بخبرته في كيدهن(بصير /خبير).
والكيد هو المكر والحيلة في قدرة النساء على التخلص من أيّة ورطة.
هؤلاء النساء هن رمز المرأة الانتهازية والمرأة المادية والمرأة التي لاتراهن على الحب بل هي تراهن على الشباب والمال والمادة.
بيْد أن هذا التناص شبه التطابقي لا ينفي الابداع عند الشاعر حمد حاجي:
ج – التناص والابداع:
– ان المبدع استخدم ظاهرة لغوية طريفة تتمثل في استعمال ضمير الغائب الذي يعود على اسم متأخر فاستعمل ضمير الغائبات (لهنّ/ ودهنّ ) الذي يعود على اسم متأخر(النساء) مرتين فتأخر اسم النساء الذي يعود عليه الضمير الى آخر بيت في الرباعية.وهذا لتشويق القارئ.وهي ظاهرة لغوية متميّزة اقتبسها من النص القرآني حيث انتشرت كثيرا.
– ان المبدع حمد حاجي قد ذكر في رباعيته عبارة “كيد النساء” دون علقمة الفحل. هذه العبارة قد اقتبسها من سورة يوسف النبي والعبارة ذكرت ثلاث مرات في سورة يوسف مرتين على لسان يوسف ومرة على لسان عزيز مصر حيث أوعز ما فعلته به زوجته حين أرادت أن تستبدل مشيبه بشباب يوسف الذي راودته عن نفسه الى كيد النساء يقول تعالى”ان كيدهن عظيم”(سورة يوسف آية 28).
– ان مبدعنا أضاف سببا آخر يجعل النساء لا يرغبن في الرجل وهومرضه يقول حمد حاجي: “اذا قل مالك أو خار عزمك أو حل في ركبتيك دبيب”.
– ان حمد حاجي تقمّص دور الناصح للرجل الذي قد يقترب من امرأة لا تناسب سنّه تعاطفا مع هذه الشريحة العمرية التي تذهب ضحية اغراءات النساء اللائي يظهرن خلاف ما يخفين فيقول:
فحاذر اذا شاب رأسك…اني خبير بكيد النساء لبيبُ.
– ان فضل الشاعر حمد حاجي أنه سلط الضوء على عقلية بعض النساء رغم أنهن متعلمات في القرن الواحد والعشرين اللائي مازلن يعشن بعقلية نساء الجاهلية غير المتعلمات.
وبهكذا تميّز فان الشاعرحمد حاجي قد وازن بين التناص والابداع في رباعيته.
فهل يمكن الحديث عن التناص بين رباعية المبدع حمد حاجي ورباعية المشاكس
عمر دغرير؟ وما هو شكل التناصّ؟
2- المشاكس عمر دغرير والتناصّ في كيد النساء مع المبدع:
ان المشاكس في رباعيته استخدم التناص المعجمي…
لقد سخرالمشاكس التناص المعجمي في شكل آخر من التناص وهو التناص الانفصالي الذي فيه اعلان لموت النص الأول في النص الثاني فجاء المعنى فى المشاكسة مختلفا تماما عن معنى نصّ الابداع.
لئن تحدّث المبدع عن كيد النساء في المطلق باعتبارها قضية أثارها فان المشاكس قد حصر كيد النساء في تجربة خاضها المبدع وقد أثارها المشاكس بطريقة مختلفة.
وبذلك استخدم كل من المبدع والمشاكس ضمير المخاطب المفرد لكن المبدع يخاطب في المطلق والمشاكس يخاطب في المبدع.
يتوجه المشاكس الى المبدع مركزا على المدة الزمنية التي قضاها(وشاب رأسك) ومعاناته (أنت تلهث) من أجل امرأة ليس له فيها نصيب فيقول:
وشاب رأسك وأنت تلهث خلف امرأة ليس لك فيها نصيبُ.
وكأني بالمشاكس هنا يذمّ ويمدحُ دون أن يشعر:
– ذمّ للمبدع الذي قضّى شبابه الى أن شاب رأسه وهو يلهث خلف امرأة ليس له فيها نصيب.
– مدْح دون قصد في أن المبدع يعيش معاناة من أجل الظفر بامرأة واحدة وهذا دون شعور من المشاكس مدح للمبدع في الوفاء والاصرار على امرأة واحدة.
وأكثر من ذلك فان المشاكس شكّك في خبرة المبدع بكيد النساء حين قال:
وتزعم أنك خبير بكيْد النساء ولكنك عن كيدهن غريب””
والزعْم يحتمل الصدق والكذب وبالتالي هل خبرة المبدع بكيد النساء صدق أم كذب؟
بيد أن المشاكس يستدرك ليدعم احتمال الكذب في خبرة المبدع بكيد النساء فجعله غريبا عن كيدهن ليثبت أن المبدع مهما عرف من كيد النساء فهو لن يستوفي ويلمّ بكيدهنّ .
وفي هذا الاطار تتناصّ فكرة المشاكس مع النص القرآني الذي اقتبسها منه (3):
( في الآية 76 النساء”ان كيد الشيطان كان ضعيفا” و بالتالي فكيد النساء أشد من كيد الشيطان.(“ان كيدكن عظيم” سورة يوسف 28) .
وبالتالي فالمشاكس اعتبر المبدع غريبا عن كيد النساء الذي هو أشدّ من كيد الشيطان وقد يكون أشدّ من كيْد الكافرين (سورة الانفال الآية 18″ذلكم وان الله موهن كيد الكافرين”)
ولعل كيد النساء أشدّ وأعظم أيضا من كيْد الساحر(سورة طه 69″وألق ما في يمينك تلْقفْ ما صنعوا انما صنعوا كيدُ ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى”)
وبالتالي فكيد النساء أعظم من كيد الشيطان ومن كيد الكافرين وكيد الساحر .
وهذا الكيد لا يدركه المبدع. لذلك يفند المشاكس خبرة المبدع في كيد النساء.
ولعل القارئ هنا قد يستحضر ما قاله الشاعر السوري أديب اسحاق (بالقرن التاسع عشر) يدْعم كيد النساء الذي ورد بصفة “العظيم” بالنص القرآني فيقول:
ان كيد النساء كان عظيما// كمْ سليم غدا بهن سقيما
ان أريْن المحبّ لين كلام // فبهذا الكلام يغدو كليما.
وهل أكثر من أن المشاكس قد نفى عن المبدع صفة الناصح متهكما منه فيقول:
تحاول أن تنصح غيرك في الودّ والهوى كأنك ناصح لبيبُ..
ويدعم تهكّمه بنفي صفة النصح عنه باعتباره قد فَقَدَ عقله من زمان اذ كيف من لاعقل له أن يكون واعيًا بما يقول بل وقد كبر سنه .
ان المشاكس يتهم المبدع بالجنون والجنون هو عدم القدرة على السيطرة على العقل وبالتالي فكيف يتقمّص دور الناصح الذي يتصف بالحكمة التي تنتفي بفقدان العقل.
يقول المشاكس: “وتنسى أنك من زمان فقدت عقلك وعلا شعرك المشيبُ..”
وهنا ومن خلال تلك الفجوة النصية قد يتدخل القارئ ليدعم رأي المشاكس في اعتبار ان صفة الجنون تنفي عنه صفة النصح فقد يعتبر القارئ ان صفة الجنون خطيرة جدّا ولو لم تكن خطيرة لما نفاها الله على الرسول محمد (عليه الصلاة والسلام) في قوله تعالى( في سورة التكوير الآية 22) ” وما صاحبكم بمجنون ولقد رآه بالأفق المبين”.
وخلاصة القول لئن كان تناصّ رباعية المبدع حمد حاجي مع مقطع من قصيدة
علقمة الفحل في كيد النساء تناصّا شبه تطابقي وهذا التناص لم يَنْف الابداع لدى الشاعر حمد حاجي
فان تناص رباعية المشاكس مع رباعية المبدع كان تناصّا انفصاليا حيث مات النص الاول(الابداع) في النص الثاني (المشاكسة)
ومن ثمّ كان ابداع المشاكس عمر دغرير في تسخير التناص المعجمي في معنى مختلف عن معنى نص الابداع لحمد حاجي.
سلم القلمان ابداعا ومشاكسة تناصّا شبه تطابقي او تناصّا انفصاليا.
بتاريخ 11/09/2024
المراجع:
https://www.aldiwan.net>poem27…(1)
طحا بك قلب في الحسان طروب- علقمة الفحل
https : //journals.ekb.eg>article_21..(2)
التناص بين النظرية والتطبيق-
https://www.echoroukonline.com>..(3)
حقيقة كيد النساء في القرآن الكريم..أستاذ في فلسفة الدين يوضّح.
رباعية المبدع حمد حاجي :
إذا قَلَّ مالُك أو خار عزمك أو حلّ في ركبتيك دَبيبُ
ففي لحظة أنت نعم الحبيب وباقي السويعات أنت غريبُ
وأنت نصيب لهن متاح وأن ليس للمرء في وُدِّهِنَّ نَصيبُ
فحاذر إذا شابَ رأسك… إني خبيرٌ بِكيد النِساءِ لبيبُ
“”””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””
رباعية المشاكس عمر دغرير:
وشاب رأسكَ وأنتَ تلهثُ خلف امرأة ليس لكَ فيها نصيب
وتزعمُ أنكَ خبيرٌ بكيد النساء ولكنكَ عنْ كيدهنّ غريبُ
تحاول أن تنصح غيرك في الودّ والهوى كأنكَ ناصحٌ لبيبُ
وتنسى أنكَ منْ زمانٍ فقدتَ عقلكَ ,وعلا شعرَكَ المشيبُ