فى مثل هذا اليوم 14 سبتمبر1967م..
إنتحار المشير عبد الحكيم عامر بتناوله السم.
“وقع أمس حادث يدعو إلى الأسف والألم، إذ أقدم المشير عبد الحكيم عامر على الانتحار بابتلاع كمية كبيرة من مواد مخدرة وسامة، ورغم كل الإسعافات الطبية العاجلة، فإنه أصيب أمس بانهيار مفاجئ نتج عنه وفاته”.
كان هذا جزءا من البيان المقتضب الذي أذاعه راديو صوت العرب في التاسعة من مساء يوم 15 سبتمبر/أيلول 1967، وكتبه الصحفي الأقرب إلى السلطة آنذاك، محمد حسنين هيكل، معلنا وفاة الصديق الأقرب للرئيس جمال عبد الناصر والمتهم بالمسؤولية عن نكسة يونيو/حزيران 1967، بعد 3 أشهر من وقوعها.
لكن حياة الرجل المهنية كانت انتهت فعليا قبل 3 أشهر، حيث اتهمه الرأي العام بالتسبب في الهزيمة النكراء، وتم إعفاؤه من جميع مناصبه وأحيل إلى التقاعد. وفي أغسطس/آب 1967، تم وضعه قيد الإقامة الجبرية في منزله.
وبحسب جريدة الأهرام وقتها، جاءت الإقالة بسبب “التصرفات الارتجالية غير المدروسة لقيادته ثم انهياره، مما أدى إلى التخبط في إصدار قرار الانسحاب الكيفي من سيناء، الذي أدى إلى الهزيمة، كما ألقى القبض على 50 ضابطا ووزيرين سابقين بتهمة التخطيط لانقلاب”.
وفي العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 1967، صدر بيان النائب العام مؤكدا أن المشير “قد تناول بنفسه، عن بينة وإرادة، مادة سامة بقصد الانتحار، وهو في منزله وبين أهله يوم 13 سبتمبر/أيلول 1967، قضى بسببها نحبه في اليوم التالي، وهو ما لا جريمة فيه قانونا”.
ورغم استخدام أنصار عبد الناصر هذا التقرير للتأكيد على انتحار المشير، فإنه خلال العقود الماضية تعددت الشهادات التي ترفض هذه الرواية وتؤكد أن المشير تعرض للاغتيال.
ضوء أخضر لتصفيته
يقول وزير الحربية الأسبق ورئيس المخابرات العامة الأسبق، أمين هويدي، إن المشير عامر ظن أنه مخلد وأن عبد الناصر لن يستطيع إقالته، وكان لا بد من اتخاذ قرار لإقالته، وأعطى عبد الناصر لهويدي الضوء الأخضر لاعتقال عامر.
ويضيف هويدي -في لقاء تليفزيوني- عن تفاصيل نهاية المشير أن عامر خرج من الحمام حاملا كأسا فيها بعض الماء، ورماها على طول ذراعه، وقال “بلغ الرئيس بتاعك أن عبد الحكيم انتحر”.
ونشرت جريدة الشروق المصرية مقاطع من الخواطر الخاصة للرئيس الراحل أنور السادات، التي أشار فيها إلى انتحار عامر، حيث قال السادات “في رأيي أن هذا هو أشجع وأنجح قرار اتخذه عبد الحكيم مدى حياته كلها، فقد حل بهذا القرار عدة مشاكل: مشكلته مع البلد والأمة العربية، وتحديد مسؤولية النكسة، وأخيرا الوضع الشاذ مع جمال ومعنا جميعا”.
قتله من اعتقله
لكن يبدو أن لقرينة الرئيس أنور السادات رأي آخر، حينما سألها الإعلامي عمرو الليثي عن انتحار عامر، ردت جيهان السادات أن هذا الأمر مفهوم، لكن عبد الناصر لم يقتله بل “الناس الذين حول عبد الناصر”، وأقرت أنه من الصعب أن يتخذ رجال عبد الناصر قرارا كهذا من دون علمه، لكنها لا تتصور أن يكون عبد الناصر قد أمر بقتله لأنه “حزن عليه جدا”.
في حوار مع جريدة اليوم السابع، قال عمرو عبد الحكيم عامر نجل المشير إن هناك 3 تقارير صادرة عن الطب الشرعي الرسمي، وهي جهة قضائية، أي صادرة عن الدولة المصرية في عصور مختلفة، تؤكد أن والده تم قتله، وأن من قتله هم من اعتقلوه.
وحدد عمرو عامر الأشخاص المتهمين بقتل والده وهم “سامي شرف وشعراوي جمعة وأمين هويدي”، علما بأن الأول عمل وزيرا ومديرا لمكتب عبد الناصر، بينما كان الثاني وزيرا للداخلية، والثالث رئيسا للمخابرات.
وعن علم عبد الناصر بقتل والده، أوضح عمرو أنه لا يستطيع أن “يفتي فيها” أو يتحقق منها، وأن عبد الناصر مسؤول عن ذلك بحكم أنه رئيس الجمهورية، وبحكم أن المشير كانت إقامته محددة وكونه في قبضة الدولة، وهذا هو القانون والعرف، على حد وصفه.
من قتله؟
ويقول جمال -نجل المشير عبد الحكيم عامر- في لقاء تلفزيوني، ردا على سؤال “من قتل المشير؟” إن “إبراهيم البطاطا طبيب الرئاسة هو من قتله، هذا مؤكد”، فسأله المذيع “بإيعاز من مين؟” ليرد جمال “لا أعرف، التحقيق هو ما يثبت ذلك”.
إعلان
كما تتهم زوجة المشير، الممثلة برلنتي عبد الحميد، 4 أشخاص بالمسؤولية عن اغتيال عامر، وحددت أسماءهم كما يلي: محمد فوزي، وأمين هويدي، وسامي شرف، وهناك شخص رابع لم تذكر اسمه.
مقتل الرجل الثاني
وحقق برنامج قناة الجزيرة “سري للغاية” في ملابسات رحيل المشير في حلقته بعنوان “مقتل الرجل الثاني” أذيعت في مايو/أيار عام 2002، حيث لفت إلى نشر جريدة الأهرام عنوانها “انتحر عبد الحكيم عامر” في الوقت الذي كان فيه النائب العام يكاد يشرع في بدء التحقيقات.
وعرض التحقيق شهادات مهمة لرجال نظام عبد الناصر، حيث قال أمين هويدي إن تقرير النائب العام خلص إلى انتحار المشير، وإن الرئيس السادات فتح الملف مرة أخرى وخلص إلى أن المشير انتحر. وقال سامي شرف -سكرتير عبد الناصر للمعلومات- إن عبد الناصر صمت عندما سمع الخبر، وإنه كان في الإسكندرية، وقرر تكليف النائب العام بالتحقيق في هذا الموضوع.
وفي المقابل، شكك جمال حماد -أحد الضباط الأحرار- في تقرير النيابة العامة عن انتحار المشير، كما رفضته أسرة المشير، وذكر التحقيق أنه قيل لأسرة المشير صباح اليوم التالي أن “والدهم سافر إلى الصعيد”، ولم يعرفوا شيئا عما حدث.
وذكر جمال عبد الحكيم عامر أنهم لم يسمح لهم برؤية جثمان فقيدهم، وتم إغلاق قبره وتولت حراسة عسكرية حراسته لمدة 3 أشهر. وأضاف نجل المشير أن رجال نظام عبد الناصر كانوا يثورون، كلما أرادت أسرة المشير أن تقول إنه قد قتل.
نهاية المشير.. هكذا تجرع عبد الحكيم عامر سم صراع العسكر على السلطة
بدأت علاقة عبد الحكيم عامر بجمال عبد الناصر بصداقة متينة، تحولت إلى صراعات عنيفة على السلطة دفع الشعب ثمنها غاليا من حريته وكرامة أبنائه، وكان السطر الأخير فيها هو وفاة عامر، منتحرا أو مقتولا.!!!!!!!!!!!!!!!