🟩قراءة الاستاذ أحمد بيضون Ahmed F Baidoon Literator في رواية “وجه في كرة ” للمبدع علي الحديثي
🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼
🟦بين سنتمنتالية الرومانسية والغرائبية والصدمة كانت رواية القدير على الحديثي:
الرواية ذات طابع رومانسي بمسحة من الصراعات بين عاشقة طامحة (سما) وحبيبٍ خائف مُتردِّد (باسل)، عُتبة العنوان تستجدي القارئ لتلك الرواية بأن يبحث عن ماهية ذاك الوجه الموسوم على كرةٍ ما؛ ربّما يكون صاحب الكرة لاعباً أو هناك لمحة من الماورائيات Metaphysical Conceit كعهد أدباء المدرسة الرومانسية الذين يميلون لتلك الغرائبية والصورة الغائبة حيث تتلاقى أرواح الحبيبين في بوتقة ما كنوع من توارد الخواطر Telepathy .. ألا وهي – الكرة، فاستهلّت بطلتنا الساردة والراوية المحورية (سما) Archetype Protagonistحكايتها بمناجاة عبر رسالة ذات طابع أدبي رومانطيقي بديع يفيض بالسنتمنتالية… كأنها تعود بنا للحبّ المستحيل بين (فرانز كافكا) وحبيبته الصحفية التشيكية (ميلينا).. هي تمهّد نسيجها بمناوءات ومناورات لجذب انتباه عشيقها، كان التاريخ بداية رسالتها التي كتبتها أقلامها لتلقي الظلال على أنها بمنأى عن صراع الكراسي الذي صبغ التاريخ تماماً مثل الطريق بين قلب المرأة وفمها.. في سيميائية دلالية على الشهوة أو شبق الحب المحكوم عليه بأنه في الأرض الحرام؛ يخشى كلا الطرفين المتناحرين الآخر، كانت (سما) تبحث عن ماهية الجنين الذي يولد في حشاشها.. تقودنا لكشف الغطاء عن ذلك القابع في الكيان ..إما أنها القيوم أو التمرّد الكاذب أو الاقتراب المقرون بالخوف، هي تكره تلك الأسلاك الشائكة التي تحيط بمشاعر المرأة.. وهي تقصد ذاك الرّجل الذي يترصّد لامرأة لتلوكها أشواكه فلا يوجد بريء يختلس الأنظار لامرأة، حتى بأنها كانت تسمع تلك المعاكسات لشخص ما في الكُلية ونعته للنساء بالعاهرات في حين يقوم حبيبها بنهره مغمغماً بأنها قد تكون أمه أو أخته، (سما) تودّ بأن تكون الرجل وتحلّ محله لتدرك الأمان وتستبدل الخوف الممزوج بالاغراء Intimidation VS Seduction، “الرجال كالطيور المحلقة أما النساء كالجرذان في الجحور”؛ أحلامها كانت باهته حتى اتقّدت جذوتها بطعم الجنين المتنامي في أحشائها، لتنظر في (المرآة) وهي بوتقة أخرى لتوارد الأرواح فهي لا ترى إلا ما تريده عينها، تبئير الصراع مع الناس والماضي التليد بذكرياته والخوف الذي يعربش في كيانها فلا تشعر سوى بأمان من أثرعصا والدها وتدليلها، أختها “سمر” كانت مع صديقها في الكلية وخرجت معهما وكانت تخشى عليها من ألاعيبه أو تكون فريسة .. بالنسبة لها الحبّ أضغاث مؤسطرة، (سما) تدرك بأن (باسل) منحها الأحلام بملامحه وبقي هو بلا ملامح؛ في دلالة رمزية على السوداوية أو الحزن الذي يسبق اللقاء معه Melancholic Apprehension هي ترى فيه الحرية من أصفاد تقاليد وعادات جلباب عائلتها، وصفت مكان اجتماعهما المتكرر حيث “السنتر” بنادي كلية التربية لمّا وجدت وجهها في (كرة بيضاء) ملقاة على منضدة بالمكتبة بجوار النادي بإحدى زوايا الكلية ليأخذها ذاك الذي تبحث عنه كأنها تبحث عن ضالتها، ليظهر لنا الكاتب الفذّ منهجية الشكّ الذي ينتاب بطلته Skepticism من خلال بيتين شعريين ( أكاد أشك في نفسي لأني / أكاد أشك فيك وأنت مني) حتى ذاك الزمن الجميل لأغاني العندليب الراحل (عبدالحليم حافظ)، كلها صبغت أخيلية عن كينونة الحبيب المرجوّ فهو على مايبدو ضليعٌ في النّحو وعلى ما يبدو بأنها “تصلحُ أن تكون لصّة) هي تسعى لتخطف الكرة محطّ انصهار ملامسة أنامله مع وجهها المعكوس على صفحتها، ” أنت تاريخي الذي عليّ أن أتقن كتابته والكلمة اليتيمة في معجمي” وسط معمات التاريخ الذي يشكل منهجها التعليمي بالكلية..يتوسد حبيبها قاموسها بين الأبطال فيصيبها بقوس نسغ سهام كِيوبيد، كانت تعرف بأنه يحب الشاي وتعزمه لاحتساءه لترى منه كل الإجابات وإلا رسبَت في الامتحانات إن لم يتجدد اللقاء، “القلم” كان ونيسها ورفيقها الوحيد تعاشرهُ على سرير وحدتها فيولد الحبّ بين شغاف وجيبها، كانت مدللة والدها لأنها تشبه أمه وكان أخاها (سرمد) يخشى أن تشي به لأبيها والجميع في الشارع يهابها وينعتها (صقراً) فهي واثقة الخطى وتبصر بيادر أحلامها السامية الشاهقة، هي مازالت تبحث عن ماهية الصوت في داخلها بشرنقة حلمها التي تتمزق عند جدران الواقع.. فهل يسطع عالم حبيبها أن يعاند الرياح العاتية؟
“ليس للأنوثة صوت واحد”.. سما كانت تراها كالبلبل المغرد أو الوردة الفواحة أو الجندي الرابض ليزود أو رمز الانتقام بالغيرة أو الدجاجة الجامحة أو صوت (القلم) الذي تلجأ إليه لتكتب خواطرها، تناهى لأسماعها ثرثرة ثلاث فتيات لما سخرن من المرأة التي بلا علاقة بانها تعيش بأحلام الكهوف، كانت تبحث عن الحنان وحنو أبيها” البيت أبٌ يسقي زهرة الأمان بأنفاسه وأم ترويك بحنانها”، بالنسبة لها” الرقص صورة من صور الحزن الذي يلجم صرخة الروح”.. ويكأن الكاتب المُبدع يرسل رسائل في ديدن الحياة للبحث عن الخلاص Salvation & Solace ومواساة عذابات الحب وسكراته Inebriation of Love sentiments.
“المرأة أرض إن لم تسقها كلمة (أحبُّك) أصبابها الجفاف” كان ذاك التصريح الذاتي للبطلة خاصة بعدما قرأ حبيبها الرسالة ولكنها تشكُ بأن هناك فتاة أخرى في قلبه، لكنه يباغتها بثلاث حروف (أنتِ)في دلالة منه على التردد والصمت الطويل المُثخن بتبعات الخوف من شيءم، أما ذاك الحبّ أسماه باسل (الحب الكروي)،كانت سما ترى (هند) صديقتها الباكية بسبب تلك القوانين في بلدتها بالعراق وزواج الأقارب الذي يمنعها من الزواج بـ(رعد) الذي أحبته لأنه مجبول ومجبور على الزواج من ابنة عمه، وكذلك كانت أختها (سمر) على وشك المعاناة، أمّا بطلتنا الساردة ( سما) حكت ما جرى لها في عمر السادسة لما أخبرها (سمَا لِفهد) .. حتى أن خطيبها كان يتدخل في تعليمها، ويكأن الحبّ والطفولة صنوان من حيث البراءة والنقاء، لقد كانت تعرف بأن مصير المرأة الزواج، وكانت تسمع الزغاريد والهلاهل والفساتين لنسوة المنزل يحتفلن بقدوم العمّ الخاطب و(فهدٌ ) العريس.. الذي أقحم نفسه في استمرارية تعليم زوجته المستقبلية (سما) ورفض التعيين بالكلية لأنها كانت نبيهة ومتفوقة دراسياً في حين كان الوالد يؤازرها، هي تعرف بأن تلك الذكورية لن تستمر في مواجهة المرأة التي أقسم الخالق سبحانه بكيدهن العظيم، الأمر المناف لوجهة نظر باسل”البقاء معلَّقا خير من السقوط” ولكنها أرادته أن يسقط في نهر حبها الأبديّ، فمن هو الرابح والخاسر في مشهدية (الكرة) الجاثمة على حدود المنضدة.. هي لا تريد أن تصبح مُعلّقة بجدائل اليأس واليباب، هي الآن ترى مصيرها كالكرة يتلاعب بها أفواه الحضور من الأعمام حتى أضحت حبالهم الصوتية مشانقاً تتدلى من الأفواه لإعدامها، “حتى أنتَ يا أرسطو” كانت كلمتها التي أسرّتها لما أكّد دكتور علي بالمحاضرة بالكلية بأن أرسطو يمثل ذكورية الرجُل منذ الأزل وهو تقنين لأفكار أفلاطون أستاذه وهو قد حدد في وصيته من ستتزوج ابنته، هو تقضييق الخناق للمرأة كي يضمن بقاءها خلف قضبان الرجال قبل أن تتجرأ عليه وبلورة طلاء ديني مقدس، كانت تلك الهيمنة الذكورية Macho society حضّ (فهد) على تصميمه بتعجيل الزواج ورفضه فكرة عمه بأن تستمر (سما) في التعليم لتصبح مدرسة ويتم تعيينها؛ على الرغم من رغبة أبيها بأن تعمل في مكان قريب من منزل الزوجية ولكن أبا فهد قال: ( بناتنا لم يكملن التعليم فهل سيكون بيننا مدرّسة؟!!) هو استنكار واتسهجان لدور المرأة في التوظيف، بين مطبات الواقع والحُلم سوران من الألم ينتظران الحبيب (باسل) لرؤيته والزمن مقسوم لنصفين ..إحداهما ينتظر الساعة الواحدة والأخر حزين عليها)، كانت تريد أن ينفض الجمع وجاءت النجدة من أبيها الذي قد يرفض الفكرة أساساً، انبرّت حيلتها مع أخيها (رعد) المقرب لفهد لما أخبرته بأن (يقلب اللعبة) في محاولة لإغوائه بأن يبعد فهداً عن طريقها في مقابل بأن يحذو هو حذوه ويتقرب من حبيبته هند التي ليست من الأقارب، (رعد) يعلم كيد النساء ويدرك شيطانهم الماثل في أخته التي تتحسس طريق النجاة قبل أن تتساقط أورراقها، كانت سما تدرك بأن فهداً سيعاملها كقطعة أثاث مهملة يتباهى بها ولا حجم لها .. ويكأنها قطعة قماش يفصلها الرجل على مقاسه، كان يمقتُ السلام عليها في التفاتة من الروائي القدير إلى الشرعية بين الحلال والحرام Legislation Between Permissible Halal VS Bully Taboo، كأن السلام على المرأة خطيئة في تلك المجتمعات في ضوء الحديث مع زميلتها (شيماء)، كان فهد يرى ابنة عمه غير محتشمة وشعرها مكشوف، لكن ذلك التصنع بالفضيلة كسائر كل شيء (ألبسناه ثوب الدين لنمنحه القدسية)، ويكأن معشر الرجال مساكين من الملائكة، حينذا- كانت سما تخرج الكرة من الدولاب وتقبلها وتعانقها حتى تراه (باسل) الذي عربش في أهدابها، الجسد بالنسبة لها مكبل بأصفاد الواقع والروح في عالم البهجة برفقة باسل .. التشظي النفسي Split Psyche ، كان التنزه معه في باب المعظم بشارع الرشيد ببغداد في منطقة سوق الأنتكة ثم قصد مقهى أم كلثوم وصولاً إلى شارع المتنبي الذي حمل آكام الذكريات ليشربها شربة زبالة ويقصد المكتبة لشراء أحد روايات الروسي ديستويفسكي .. معتبراً من لم يبتاعه بأنه يرتكب جريمة، ثم يستطرد باسل في تلميحاته بأن القدر خارج نطاق الإرادة .. نوع من الاستباق الغيبي الذي أبرزه الروائي المُحنك Premonition كأنه يقرأ ما سيحدث في النهاية لحب قد يصبح من المحال، قضيا وقتاً رائعا على فوارز ضفاف دجلة مع مباغتته بسؤلها إياه ( هل يمكن أن يصبح الحب صداقة؟!) كانت إجابته إذا كان أحد الحبيبين غير صادق، كان يدرك بأنهما مازالا في بداية الطريق قبل البت في أي خطوة جادة، مازالت (سما) أسيرة (دفترها) الذي تعدّه مقبرة الأمنيات.. حتى أشارت إلى تاريخ 15/1/1977 بأن الوجود قد نطق بجسدها، لكن كلمات باسل تنمّ عن خوفٍ ما، لكن الحبيبة تسرح في أخيلتها العُذرية بأنه يقبل تلك الكرة في صدرها بين أغصان الأشجار فتورق أنوثتها وهي في حالة انتشاءة، كانت تدرك بأنه من هؤلاء الرجال الذي يُلغمطون إجاباتهم ويحرصون على اقتناء الكتب كذلك الكتاب لِجوركي (أين الله)، سما ترى لعبة القدر والمصير الذي كتبه الخالق لها في (موت) أخيها عماد في عمر الشباب بغموض وإحجام الأصدقاء عن الإدلاء بالشهادة و(السواد) الذي ترتديه أمها مذاك الحين، بينما (باسل) يروي لها في رسالته التي وصلت بين أيديها عن قصته في الاجتماعات والملتقيات الثقافية مع الصاحب (وهّاب) والتي تدور عن العولمة ومفاسدها وهو يخشى من ذلك الأمر وأرادها أن تمزق الرسالة واختتمها (أحبك….)؛ إبّان ذلك.. كانت الهمَرات الأمريكية على العراق وانتشرت الطوافات في شوارع بغداد، دسّت تلك الرسالة الأخيرة وهربت مع أمها وكانت ترى وجه العاصمة الكالح والأشلاء مسجية في الطرقات، العجيب بأنها رأت من يتراقصون بأجسادهم في تمايل ويعلل أباها بأنها أجساد نجت من أنياب الموتو ترقص طرباً للحياة… دلالة على تلك الحالة من القهر والاستعمار التي عاناها أفراد الشعب .. “جُرّدنا من بغداد” على حد تعبيرها، لكن سما في تلك الآونة كانت تتلمس الكرة خوفاً عليه، وكانت تخبر (سمر) اختها بأنها لو ماتت فعليها أن تخبرباسل بأنها ماتت ولم يمت حبه، مع أن الحب ليس اقوى شيء في الوجود كما هو جليٌ الآن بعدما اختفى الحبيب بلا أثر ويكأن بغداد ترتدي وجهه، عادت أسرتها أدراجها من النزوح بعيداً عن بغداد ولما كانت الأوبة لبيت الأعمام.. تبدلت الأوضاع لما علمت بأن فهداً أصبح بطلاً ويكأنها في حالة (تخبُّط) Inner Conflict بأن هناك صورة لباسل الغائب تكرهها ولفهد صورة مغايرة تحبها، لكنّ الغلبة دوماً لباسل.. الأمور بدت تختلف لما تم اعتقال فهد لدى الغزاة الأمريكان.. كان هو البطل الغيور وكأنه يسجل الهدف الثاني في مرماها بعدما أحسن استضافتها وتغير تماماً ولم يجبرها على زواجه منها كما كان آنفاً، ” مارأيت عاشقة تحب قتل عشاقها مثل بغداد” كما أخبرتها الصديقة شيماء، فقد أخبرها باسل ذات مرة بأنه يريد أن يسكن بغداد في الجنة، ومازالت تغفو في الكرة التي لديها وباسل مازال (المتصدر) في قائمة الحبّ ولم يُغني دفيناً جودة الكفن.
بعد انقضاء عام ونصف في المعتقل – تبدل الحال بالنسبة لفهد الذي يحاول جاهداً الآن أن يستحوذ على قلبها ولكن (المرأة ملكٌ لأول رجل لمس جسدها مهما تغير الزمن فلن تنساه)، كان يفكّر بـ(الصنو) أثناء التنزه معها ويقصد بأنه ورفيقه المغوار الذكي الذي تعرف عليه بالمعتقل كانا (صنوان)، رعد كان على حق لما أخبرها بأن فهد أصبح شخص آخر وكان لابد من صفعة توقظه، وقد أصبحت (سما) كحارس مرمى منهار غاب عنه دفاعه تاركاً الشباك عرضة لكُرات فهد.. تشبيه استعاري بليغ من الروائي القدير.
حكى لها فهد ما جرى له في المعتقل وتلك الكوة الصغيرة التي يتخللها بصيص من أشعة الشمس وذاك (الصنو) المقرب (عريف المسابقة) بفنون الكرة هناك، ليباغتها بأنها ستكون صنوه المأمول، لكن (سما) كتبت رسالتها الأخيرة للمجهول: ( انتظرتك ولم تأت.. أحبّك)؛ وافقت على الزواج من ابن عمها حتى كان حفل الزفاف وكانت تنتظر ذاك الصنو الذي خبرها عنه (فهد) لتحدث المفاجأة في نهاية مأساوية عندما تحدث الاضاءة Point of Illumination … الصنو قد أتى – لقد كان (باسل)… بالطبع قد يكون تلك الأساسات والثيمات Thematic Underpinnings قد طورها أيقونتنا الروائية في شكل Dramatic Irony السخرية الدرامية التي فاجأتنا جميعاً كقراء في الخاتمة.
أهنئ الروائي القدير في منمنمات الإبداع التكتيكي بالرواية وتصعيد الحبكة والقدرة البلاغية التي أغبطه عليها مع الإيجاز في التعبير وسيميائية البيئة المكانية للعراق بحضارتها العريقة مستشهداً ببغداد قبل وبعد الغزو الغاشم الذي غير ملامح الوجود؛ السؤال الذي يفرض نفسه، بعدما ظهر الحبيب المنتظر.. هل ستترك ابن عمها وتخبره الحقيقة أمْ.. سبق السيف العذل!!
✍️إعداد الدراسة:أحمد فاروق بيضون – مصر 🔖