- قراءة نقدية:
“القصة القصيرة بين التربوية والابداعية”
فقرة واحة القصة القصيرة(منال خطاب)
الكاتب :علي بنساعود (المغرب)
القصة القصيرة: “بوصلة في مهبّ الريح”
الناقدة:جليلة المازني (تونس)
القراءة النقدية: “القصة القصيرة بين التربوية والابداعية”
1- عتبة العنوان:
اختار الكاتب عنوانا لقصته”بوصلة في مهب الريح”
و”البوصلة هي جهاز يُظهر الاتجاهات الأساسية المستخدمة في الملاحة والتوجيه الجغرافي وتتكوّن عادة من إبرة ممغنطة أو عنصر آخرمثل بطاقة البوصلة أو وردة البوصلة والتي يمكن أن تدور لتتوافق مع الشمال المغناطيسي”(ويكيبيديا)
بيد أن الكاتب قد استعمل البوصلة مجازا.
فأية بوصلة هي في مواجهة مع مهب الريح ؟
وأيّ ريح تواجه صاحب البوصلة؟
إننا سنكتشف ذلك في غضون التحليل.
2- القراءة النقدية وفق مقاربتين:
استهل الكاتب قصته بتحديد الزمان (بداية السنة الدراسية)والمكان(المدرسة)
ثم قدّم الشخصيات المتمثلة في التلميذة والأم والمعلمة والتلاميذ.
وقد استخدم الكاتب ضمير المتكلم ليجعل التلميذة هي الراوية التي تروي أحداث القصة فتضفي عليها شيئا من الواقعية.
ابتدأت الراوية التلميذة بحدث قدوم أمّها الى المدرسة بدعوة من المعلمة.
ولمعرفة سبب الدعوة استخدم الكاتب الحوار الذي يكشف المواقف ويفضح النوايا والحوار دار بين المعلمة و أمّها فيقول الكاتب:
– هل صحيح أنكم تربّون تمساحا في حوض الاستحمام بالبيت؟
استغربت ونظرت لي شزرا وقالت:
– أهذه العاقة هي التي زعمت ذلك؟
– نعم أجابت المعلمة, مضيفة أنني بزعمي ذاك بلبلتُ زملائي بالقسم وشغلتهم عن الدراسة ….
– فسألتني :كيف تسمح لك نفسك بالكذب..هذا آخر انذار أوجهه لك أمام معلمتك وزملائك: إن بلغني أنك كذبت مرة أخرى سأبتر لسانك من جذوره.
إن هكذا حوار قد فضح النوايا وكشف المواقف :
*موقف المعلمة :
– انطلاء كذبة التلميذة الطفلة على المعلمة التي لم تستطع انتشال الأطفال مما شغل بالهم وألهَاهُمْ عن الدرس بتنبيهم بأن التمساح حيوان مائي خطيرولا يمكن تربيته بالبيت.
– ضعف سلطة المعلمة في السيطرة على الاطفال الذين غلبوها بالبلبلة التي استبدت بهم.
– افتقار المعلمة لتقنيات التواصل لجعل قصة التلميذة الغريبة محل نقاش.
– انعدام تعامل المعلمة مع الاطفال بصفة فردية قبل دعوة الوليّ.
– عدم احترام مرحلة الطفولة في براءتها وتلقائيتها فالطفل كما يقول المفكر والفيلسوف جان جاك روسو”الطفل ليس كهلا مصغّرا”.وبالتالي لا نتوخى معه
صرامة الكهل.
-عدم تثمين خيال الطفل الواسع
– عدم رصد مواطن الابداع في تفكير الطفل.
*موقف الأمّ:
– عدم الانصات للأبناء وفتح الحوار معهم.
– الميل الى تربية الزجر دون الحوار.(سأبتر لسانك)
– انعدام المشاعر في تربية الأبناء القائمة على حق وواجب دون الأخذ بعين الاعتبار التوازن بين الحق والواجب.
– الحاق الإهانة بالإبنة أمام الآخر(المعلمة والزملاء)
*موقف الزملاء:
– السخرية من زميلهم”بصراحة تمنيت لو متّ ولا أفضح أمام معلمتي وزملائي
هؤلاء الذين بدأوا يتغامزون علي..ويسخرون منيّ…”
– التباهي بالماديات”..بالغ زملائي وزميلاتي في التفاخر بما يملكون..”
وفي هذا الاطار من المواقف يمكن أن نقارب القصة وفق مقاربتين:
1- مقاربة تربوية :
يمكن أن نحوصل أنّ تربية الطفل محكومة بوسطين :
– الوسط المدرسي بما يشمله من معلمة وتلاميذ.
– الوسط العائلي بما فيه من الوالدين والاخوة.
وبالتالي للطفل مربيتان :
– المربية المدرسية وهي المعلمة.
– المربية العائلية وهي الام.
صحيح أن الأم كما يقول الشاعر حافظ ابراهيم:
الأم مدرسة اذا أعددتها // أعددت شعبا طيّب الأعراق
هذا اذا كانت الأمّ مثقفة وتتعامل مع أبنائها على وجه المساواة دون الدخول في مقارنات فيما بينهم.
والام في القصة كما كشفته التلميذة الراوية في حوار داخلي(مونولوغ) ان أمها تقارنها باخوتها وحتى بأبناء الجيران وتحملها أعباء دون بقية اخوتها .
يقول الكاتب على لسان التلميذة الراوية :” أنا لم أكذب وحتى إن كذبت فقد قلت بعض الحقيقة..ولوكانت أمي حقا لما ميّزت بيني وبين إخوتي..”
بيْد أنّ المعلمة تبقى لها المرتبة الأولى في التربية قبل التعليم لأنها تقود جمهورا من التلاميذ ولا بدّ لها من حسن التواصل معهم ومن إرساء مبادئ الديمقراطية بتوخي الحوار لتنْحَت فيهم ملامح مواطنين صالحين في المجتمع وهي الملامح
التي يُدْرجُها كل نظام تربوي في برامجه الرسمية والمعلمة مسؤولة على نَحْت
تلك الملامح في خرّيج المدرسة الابتدائية لتصاحبه هذه الملامح مع كامل مراحل الدراسة و في المجتمع ليكون مواطنا صالحا لان بالأخلاق تبنى الشعوب كما
يقول الشاعر احمد شوقي:
انما الامم الأخلاق ما بقيت فان // همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
وفي هذا الاطار:
– كيف نرجو من هذه الطفلة “المُدمنة” على الكذب أن تكون مواطنة صالحة بأخلاق حميدة؟
– كيف ننتظر من هكذا طفلة مُدمنة على الكذب أن تكون مواطنة صالحة ولا المربية العائلية (الأمّ) رحمتها ولا المربية المدرسية (المعلمة) رحمتها وانتشلتها
من رذيلة الكذب؟؟؟.
كان من الممكن على المعلمة من وجهة نظر التنمية البشرية الحديثة أن تحوّل الضغوطات الى موارد فتصبح قصة التلميذة التي أحدثت بلبلة لدى التلاميذ وضغطا بالفصل أن تستغل القصة وأن تعتبرها موردا لاستغلالها في حصة التواصل الشفوي أوفي حصة الانتاج الكتابي فتكون وضعية مفتوحة للانتاج باللعب على الشخصية بتغيير شخصية التمساح بشخصية أخرى فيتنوّع انتاج الأطفال وتنْحَت فيهم ملمح حرية التعبير فتنتشل المعلمة بذلك التلميذة الراوية من سخرية زملائها وتكفي نفسها مؤونة ازعاج الأمّ.
ان الوسط العائلي والوسط المدرسي رياح عاتية تجعل الطفلة تفقد التوازن وتفقد بوصلتها وهو ما يشرّع اختيار الكاتب عنوان قصته فتتوخّى سلوكات وهي واعية بعدم قناعتها بها فيقول الكاتب بلسان الطفلة:
“والحقيقة هي أنني وجدت نفسي مضطرة لاطلاق كذبتي تلك عندما بالغ زملائي
وزميلاتي في التفاخر بما يملكونه من كلاب وقطط..”
ان هذ القصة للكاتب علي بنساعود ولئن قاربتها مقاربة تربوية جدّ هامة فيمكن ان نقاربها أيضا مقاربة ابداعية.
– مقاربة ابداعية:2
ن قصة “بوصلة في مهب الريح” ومن خلال الذخيرة النصية الغزيرة ومن خلال الفجوات النصية (الثلاث نقاط التي يتركها الكاتب للقارئ ) هي قصة في خدمة نظرية التلقي الحديثة ليَاوْس وآيزر بقطع النظر ان كان الكاتب يقصد أم لايقصد.
إن القارئ من خلال الذخيرة النصية والفجوات النصية التي تضمّنتها القصة قد يعتبر ان هذه القصة في خدمة “أدب الطفل” بامتياز:
أ – الطفل يكتب للطفل :
ان الطفلة في تخيّلها لعدة قصص قد جعلت الأطفال يجتمعون من حولها ويعجبون بقصصها يقول الكاتب على لسان التلميذة الراوية :”ويبدو لي الاهتمام والمفاجاة على وجوههم..أقودهم على مراكب الخيال متلذذة بالسيطرة عليهم”
ويقول أيضا:”كانوا يتحلقون حولي فاغرين أفواههم وأنا أحكي..”
ان اثارة اهتمام التلاميذ هي من القضايا المطروحة في الانظمة التربوية وانعدام اثارة الأطفال وانعدام الدافعية لديهم هي من أسباب فشل أي منظومة تربوية.
فما أحوجنا لتلميذ يكتب لتلميذ والعالم ابن سينا يدعم ذلك بقوله:”ان الصبيّ عن الصبي ألقن وعنه آخذ وبه آنس, وأدعى للتعلم”
ب- الخيال الواسع عند التلميذة
ان التلميذة بتوخيها سرد القصص على زملائها فسردها يتناص مع قصة كليلة ودمنة لعبد الله بن المقفع بتضمين القصة الأم قصصا فرعية .
ان هذه التلميذة بخيالها الواسع قد ضمّنت القصة الأم التي هي قصة تربية التمساح
ثلاث قصص فرعية وهي :
– قصة الأم بالتبني.
– قصة المعلمة الامّ
– قصة مرض الأم بالتبني
وهذه القصص تخضع لمقومات السرد من اطار زمكاني ومن شخوص وأحداث
كما تراعي أركان السرد من حوار ووصف.
وبالتالي فان ما نسج خيال التلميذة من خيال يجعل قصة “بوصلة في مهب الريح”
قصة قد كتبت محتواها طفلة وهذا هو العمود الفقري لأدب الطفل الذي يهتمّ بمشاغل الطفل التي تمثلت في قصة”بوصلة في مهب الريح” في:
– شغف الطفلة بتربية الحيوان.
-علاقة الأم بأطفالها.
– اهتمام الطفل بالأم المريضة.
– علاقة المعلمة بالأطفال حدّ اعتبارها أمّا لهم.
كل هذه المشاغل وردت على لسان التلميذة في أسلوب سردي مشوّق يتناص وأسلوب السرد للكاتب الكبير عبد الله بن المقفعفي قصة “كليلة ودمنة”.
وخلاصة القول فان القصة “بوصلة في مهب الريح” للكاتب علي بنساعود
قد أعْتبرُها قصة ذات المقاربتين :
– مقاربة تربوية تُحمّل مسؤولية تربية الطفل الى المربية الأسرية والمربية المدرسية على السواء.
– مقاربة ابداعية في خدمة أدب الطفل وشرعية ارسائه بالمدرسة الابتدائية.
سلم قلم الكاتب علي بنساعود المتميز تربويا وابداعيا.
بتاريخ 25/09/2024
بوصلة في مهب الريح(الكاتب المغربي علي بنساعود)
أسابيع قليلة بعد التحاقي بالمدرسة، للمرة الأولى، تم استدعاء أمي من قبل المعلمة. وحين ذهبَتْ وسألَتْ عن موضوع الاستدعاء، قالت لها المعلمة، وهي تنظر إلي، وعلى مسمع من التلاميذ:
– هل صحيح أنكم تربون تمساحا في حوض الاستحمام بالبيت!؟
استغربَتْ ونظرت إلي شزراً، وقالت:
– أهذه العاقَّة هي التي زعمت ذلك؟
نعم، أجابت المعلمة، مضيفة، أنني بزعمي ذاك، بَلْبَلْتُ زملائي بالقسم، وشغلتهم عن الدراسة، بحيث لم يعد أي موضوع يشغلهم سوى موضوع التمساح هذا!
فسألتني: كيف تسمح لكِ نفسكِ بالكذب، ونحن بالكاد نكتري غرفة مع جيران نتقاسم معهم المرحاض…!؟ هذا آخر إنذار أوجهه لك، أمام معلمتك وزملائك: إن بلغني أنك كذبت مرة أخرى، سأبتر لسانك من جذوره!
أرعبني تهديدها، فغدوت أتخيلني أعجوبة بدون لسان!
والحقيقة هي أنني وجدت نفسي مضطرةً لإطلاق كذبتي تلك، عندما بالغ زملائي وزميلاتي في التفاخر بما يملكونه من كلاب وقطط… وما يولونها من عناية، ويغدقونه عليها من أكل وشرب وهدايا! لأبين لهم أنني مثلهم بل أفضل منهم… هذا، مع العلم أنني أهوى الكذب، وشغوفة به، وباختراع المغامرات، واختلاق القصص…!
طبعا، أنا لم أقرر يوما أن أكذب، لأن الكذب من خصائصي الفطرية، وهو كذب طفولي أبيض لا يضر أحداً، وأكون في غاية السرور والانشراح حين أَبِيضُ كذبة، وأحضنها بين جوانحي حتى تفقس، وتدب بين أصدقائي ومعارفي فينمو لها جناحان، وتحلق بعيونهم نحو الأعالي… ويبدو لي الاهتمام والمفاجأة على وجوههم! فيصدقون ما أريد! حينها، أقودهم على متن قوارب الخيال، متلذذة بالسيطرة عليهم.
بصراحة، تمنيت لو مِتُّ ولا أُفْضَح أمام معلمتي وزملائي، هؤلاء الذين بدأوا يتغامزون علي… ويسخرون مني…
صباح اليوم الموالي، فاجأتهم، وهم بباب المدرسة، بالزعم أن السيدة التي جاءت معي إلى المدرسة، أمس، ليست أمي الحقيقية، وإنما هي أمي بالتَّبني، وأنها كانت تحبني كابنتها، لكنها، بمجرد ما أنجبت، أهملتني، وسعت جاهدة لإبعادي والتخلص مني، لذلك، ما فتئت توبخني، وتهينني، وتلحق بي أبشع الأذى…!
لا يمكن لأحد تصور كم أكره هذه المرأة، قلت، وكم أشعر بأنني وحيدة في هذا الكون، وأنه لا أحد يُعاني فيه مثلي! وكل ما أتمناه هو أن أجد أُمّا أخرى تعوضني عما أفتقده!
كان عمري، خمس سنوات، وكنتُ هادئة، أعيش وإياها في سكينة وطمأنينة، لكنها بمجرد ما وضعت أختي الأولى، بدأت تعاملني معاملةً سيئة، ما دفعني إلى التفكير في طريقة لأهرب من المنزل…
كانت هذه المرأة التي ليست أمي، قلت لزملائي، إذا زارها أحد في البيت، فحديثهما سيدور عنِّي أساسا، وآخر مرة، وأنا أضع صينية الشاي احتفاء بضيفتها، قالت:
– توقفي أيتها “العنطيزة*…
وخاطبت ضيفتها:
– أتعلمين أن هذا ليس لونها الأصلي؟
حركت المرأة رأسها بالنفي، فأردفت:
– ازدادت بيضاء مثل الحليب، لكن، وبسبب عقوقها، مسخها الله وأحرق جلدها! ومن يدري قد يمسخها، قريبا، قردة نطَّاطة!
طأطأتُ رأسي وانسحبتُ، وفي غرفتي بكيت بحرقة… وبدأت أدعو عليها بالسوء، رغم أنني لا أُريد أن أكون عاقة فأدخل النار…
تخيلوا أنها تحب الأطفال عموما، وأطفال الجيران على الخصوص، وتغدق عليهم من القُبل والحُب والحَنان، أما أنا، فلا أذكر أنها قَبَّلَتْنِي يوما، كل ما أذكره هو أنها كانت تتقزز إذا سَهَتْ وتناولت الطعام بملعقتي أو شربت من كوبي!
كانوا يتحلقون حولي فاغرين أفواههم وأنا أحكي، وكلما حكيت، أتذكر أنني أكذب، فأخاف أن يكتشفوا أمري، وينفضُّوا من حولي! لذلك، أحرص على تجديد أكاذيبي وتلميعها، وأحاول أن تكون مقنعة…
مرة قلت: كما تعلمون، أنا أهوى أن أسمع أو أشاهد أو أقرأَ قصصا عن الأمهات، وكلما فعلت ذلك، تحضرني صورتان، صورة المعلمة التي كنتُ أحبها وأعتبرها أمًّا لي، فأفرح وأنشرح… غير أن ذلك سرعان ما يعزُبُ، إذ ما تلبث صورة أمي بالتبني أن تزاحم صورة المعلمة، فتتدافع الصورتان، كل واحدة منهما تحاول إزاحة الأخرى، ودون شعور مني، أجد نفسي أحاول دعم صورة المعلمة وإزاحة منافستها…
اليوم، عدت إلى المدرسة، بعد رخصة، دامت أسبوعا، وبمجرد ما سلمت على التلاميذ، بادرتني سلمى:
– حمدا لله على سلامتك، قيل لنا إنك كنت مريضة؟
كنت أسعد بسؤال أصدقائي عني وعن أحوالي، وأعتبر ذلك دليل اهتمامهم بي وانتظارهم لي ولحكاياتي!
– لستُ أنا من مرضت، قلت، بل هي المرأة التي تتبناني، حيث أُجرِيَتْ لها عمليَّة جراحيَّة، وتكلفْتُ أنا بخدمتها ورعاية شؤونها…
– حمدا لله أنها تماثلت للشفاء، قالت سلمى
– ليتها ما تماثلت، قلت، أتعلمين أنها بمجرد ما غادرت المستشفى، اتهمتني بأنني أمُنُّ عليها بما فعلتُ، وظلَّت تدعو عليَّ بالمرض؟ أتعلمين أنها قاطعتني! وقطعتْ عني المصروف، وكلما ألقيت عليها التحيَّة، لا ترد!
فغرت زميلتي فاها، وكان باقي الزملاء مندهشين، فأضَفْتُ:
– مع الأسف، قررتُ ألَّا أقدِّم معروفًا لأحد بقيَّة عمري، وأنا، الآن، أعيش في غرفتي، وهي مع أبنائها… لا آكل إلا ما يفضل عنهم!
تأثر زملائي فشرعوا يقذفونها باللعنات وأقذع السب والشتم، وهنا ثُرت في وجوههم:
– أرجوكم، لا تشتموها، إنها مثل أمي، أشتمها أنا ولا أسمح لأحد بشتمها…
انهمرت دموعي، وهمسَتْ لي نفسي:
– ألا ترين أنك كذبت وصدقت كذبتك؟!
ابتعدتُ عمن كانوا حولي، وصرختُ في وجهي:
– أنا لم أكذب، وحتى إن كذبت، فقد قلتُ بعض الحقيقة… ولو كانت أمي حقا لما ميزت بيني وبين إخوتي، ولما سبتني، ولما دعت عليَّ بالسوء!
– هي أمك وتحبك، قلتُ لي، فقط قدِّري ظروفها، واعلمي أن كذبك هو ما يجعلها تخاصمك وتقلق منك…
– هذا غير صحيح، قلت، فأنا متميزةً في دراستي، ورغم ذلك، ودون إخوتي، تُحمِّلني كل مسؤوليات البيت، ولم تكن تعمل شيئًا حتى حين كانت بصحة جيدة! ودائما تبخس أعمالي، وتقارنني بغيري من بنات الجيران والمعارف!
صمتَتْ نفسي فصمتُّ…
حين هدأْتُ، تبين لي أنني فقدت البوصلة، واختلطت علي الأمور، فلم أعد أعرف هل، فعلا، لدينا تمساح نربيه في حوض السباحة أم لا؟
وهل تلك المرأة أمي الحقيقية أم أمي بالتبني؟
كل ما أعرفه هو أنني كلما استيقظت، أتفقد لساني…