قراءة نقدية مزدوجة:
“القصيدة بين التربّج والتهكّم”
فقرة جمع بصيغة المفرد(مبدع / مشاكس/ ناقدة)
المبدع حمد حاجي (تونس)
القصيدة:” ما ألذ التربج بالرجل..”
==أيا سخطة==
المشاكس عمر دغرير(تونس)
القصيدة: “حتى متى ستظل كالأهبل؟”
الناقدة: جليلة المازني (تونس).
أ- المشترك بين الابداع والمشاكسة:
– التناص المعجمي.
– الاطار الزماني.
القفلة.-
ب- المختلف بين الابداع والمشاكسة:
1- المبدع حمد حاجي والتربّج
اختار المبدع عنوانا لقصيدته “ما ألذّ التربج بالرجل.. (أيا سخطة)” وهو عنوان يشي بمدى عشق الرجل لحبيبة تعمد الى تدليله.
تتربج الحبيبة بحبيبها قائلة : “أيا سخطة” وهي تربيجة قد تبدو مشحونة بمعنى سلبي .
ولماذا الحبيب قبل منها هكذا تربيجة مشحونة بالسلبية؟ لعلنا نقف عن شرعية لقبُولها.
لقد حدّد المبدع الاطار الزمكاني للقاء فكان الاربعاء على درج المسرح البلدي فالمكان يرتاده كل الطلبة في تنقلهم والزمان وسط الأسبوع لعله يكون فيه فضوة من عين الرقيب حيث لا اكتظاظ في المكان كما لو كان آخر الاسبوع فيقول:
وواعدتها نلتقي عشوة الاربعاء
كأنا صغار خطاطيف
تأوي الى طلل ..
على درج المسرح البلدي التقينا..
يستهل المبدع اللقاء بعتاب الحبيبة لحبيبها عن طول هجره لها وقد كنّت عنه أو استعارت له اسم سخطة وهي كلمة من العامّية لعل المبدع يضفي بها الواقعية على غضب الحبيبة الساخطة عليه بسبب هجره. فيقول:
تلوم على طول هجري
تقول أيا سخطة أين حبك؟ أين الصبابة بالعسل؟
ولعل الحبيب قَبلَ تلك الكنْية لأنها جاءت مقرونة بجملتين استفهاميتين “أين حبك”؟ “أين الصبابة بالعسل”؟ فكانت عبارة “أيا سخطة” ذمّ بما يفيد المدح:
– ذمّ لأنها من السخط والغضب فهي ساخطة عليه .
– مدح لان الحبيبة بدهائها قرنتها بسؤالين عن حبّه وعن صبابته لذلك قبلها الحبيب واعتبرها تربيجة وتدليلا له حتى ولو رَمَتْه بوابل من السبّ بما أن هناك
في المقابل قُبَلٌ تجْبُر بخاطره .
كأني بالحبيب يسعى الى امتصاص سخطها وغضبها ليفوز بقُبَلها فيقول:
ولو ملكت لرمتني بوابل سبّ..
قنابل تنزل بالدم حينا
وتصعد بالقُبل..
في هذا الاطار قد يتدخل القارئ من خلال تلك الفجوات النصية وقد يتساءل:
– هل لهذه الحبيبة هكذا سلطة عاطفية على الحبيب حتى ولو رمته بوابل سبّ؟؟
– هل أن هذا الحبيب قد يضحّي بكرامته من أجل الحبّ؟
– هل أن الحبّ أقوى من الكرامة أم أن العكس هوالأصحّ؟
وقد يعتبر القارئ أن هناك شبه “مقايضة” بينهما:
– الحبيبة تطفئ غيظها بعتابه عن هجره لها وتُكنّي عنه باستعارة مشحونة بكل سلبية وتفاهة.
– الحبيب يمتص غضبها ويغفر لها سخطها مقابل قُبَل يطفئ ظمأه اليها بعد هجر طويل.
وبالتالي ومن وجهة نظر التنمية البشرية فإن الحبيب قد حوّل ضغوطات الحبيبة
من عتاب وغضب وسخط الى موارد حين حوّل سلبياتها الى إيجابيات واعتبر ذلك تربّجا به وتدليلا له بل هو يتلذذ به وهو ما يشرّع اختياره للعنوان”ما ألذّ
التربج بالرجل..” أيا سخطة”
وهل أكثر من أنه سعى للبحث عن تبرير لهجره وتأخيره عنها فتعلل بسبب قلق ألمّ برجله عطله عن المجيء باكرا وهو يتحايل على الحبيبة التي أوشك على اقناعها ايمانا منه على تحمّل العيب في جسده بدل إثارة سخطها حين يتأخر عنها في الموعد فيقول:
وكنتُ تحايلتُ أمشي على عرج اذ تأخرتُ…
كنت أسير على مهل..
كأن شظايا بعظمي وفي قدمي..
أركز الحلم متنقلا..
مثلما مشية الواهن العجل.
وأوشكت أقنعها:
إنما العيب في الرجل خير
من العيب عند التأخر بالأجل
والشاعر لا يخفي عنا تلاعب الحبيب بالحبيبة في تحايله عليها كما تلاعبت هي به.
لعل الشاعر أراد أن ينتشل الحبيب لاستعادة كرامته حين جعل العيب في الجسد بدل العيب في إخلاله بالوعد للموعد .
لعلها كرامة الرجل العربي في كلمته والحفاظ على الوعد للموعد.
انها كرامته التي هي فوق كل اعتبار.
ويواصل الحبيب بنرجسيته لاغتنام متعته من الحاضر فيجعل الحبيبة تشتغل بحبه فتهرق قهوتها فوق ناهدها والحبيب يترصّد هكذا فرصة لتتعلل أنامله لمسح القهوة المهرقة على ناهدها وهما يستمتعان معا بهكذا لمسات مثيرة .
انها متعة جسدية تصحبها متعة عاطفية متلذذا ومبتهجا بكنيتها له “يا سخطة”
انه يتحمل منها سخطها طالما هو يستمتع جسديا وعاطفيا معها.
و يختم الشاعر بقفلة تعود بنا الى العنوان “ما ألذّ التربج بالرجل” لاقناع القارئ الذي قد لا يقتنع بتلك التربيجة “أيا سخطة” ليجعله يتعاطف معه فيقول:
ويبهجني :يا سخطة في صدى قولها..
يا فتى..
ما ألذّ التربّج بالرجل…
وفي هذا الاطار هل ان هذه “التربيجة” سنجد لها صدى لدى المشاكس؟؟؟
=== يتبع ===
=== يتبع ===
2- المشاكس عمر دغرير والتهكم:
اختار المشاكس عنوانا “حتى متى ستظل كالأهبل؟”.
ان المشاكس يستغرب في نبرة مليئة بالسخرية من حالة الهبل التي داوم عليها المبدع.
ومنذ عتبة العنوان يُفْقدُ المشاكسُ المبدعَ مُتعته مع الحبيبة حين وصفه في تهكّم وسخرية بالأهبل الذي لا يشعر بطعم للحياة.
حدد المشاكس نفس الاطار الزماني “عشية الاربعاء”.بيد أنه لعب على الاطار المكاني وغيّره.
لئن اختار المبدع مكانا ثقافيا حضريا (مدرج المسرح البلدي) فان المشاكس قد جعله من الوسط الريفي (ضفة النهر) .
ان هذا الوسط الريفي سيضع بصماته على الشخصية وعلى الأحداث وعلى
المفاهيم . فيقول المشاكس:
وحين واعدتها باللقاء
عشية الاربعاء
كانت الشمس خلف السحاب والأرض على بلل..
وكنت انتظرت على ضفة النهر
وطال انتظارك
وطالت بوادر الليل وسعدى لم تطل..
انتظرتها أن تجيء
وكيف تجيء؟
ويعلم الأهل أنها على ذمّة رجل..
ان اختيار هذا الوسط الريفي لم يختره المشاكس اعتباطا بل ليجعل أيقونته سعدى
الشخصية الريفية المحافظة والملتزمة بقوانين الأهل فلا هي تتلاعب بأخلاقها ولا هي تتلاعب بأخلاق الحبيب الذي طال انتظاره وسعدى لم تأت.
ان المشاكس قد جعل سعاد متعففة تعفّف كل الريفيات فلا يغريها مال ولا حلل
ولعل المشاكس هنا يعرّض ببنات الحضر اللائي يتهافتن على المادة حدّ التجارة بالحب .
وهل أكثر من أن اختيار المشاكس للمكان الريفي قد جعله يُبْقي على طبيعة المفاهيم دون تغليفها وتحميلها معنى مغايرا لحقيقتها.
فلئن وجد المبدع في عبارة “أيا سخطة” تربيجة من الحبيبة الحضرية استمتع بها سمعيّا ولذّت له فان المشاكس قد أعاد هذه العبارة الى مفهومها السلبي ليتهكّم بها على المبدع فيقول:
أيا سخطة, سعاد لن تأتيَ
حتى وإن أهديتها مال قارون
وأجمل الحلل..
وهنا لا يفوتنا أن نسلط الضوء على المعنى السياقي للغة سواء فصحى أو عامية:
– في سياق المبدع وفي وسط حضري أدت عبارة “أيا سخطة” معنى التربيجة التي استحبها واستلذها المبدع.
– في سياق المشاكس وفي وسط ريفي عادت عبارة “أيا سخطة” الى معناها الحقيقي المشحون بالسلبية فتؤدي العبارة معنى الشتيمة متهكّما بها على المبدع.
ولعلنا هنا ومن خلال الابداع والمشاكسة نقف على نقاوة المعنى الحقيقي للغة
بالوسط الريفي حيث لا تصنّع في اللغة ولاخروج عن معناها الحقيقي .
وكأني بالمشاكس ينتقم لسعدى التي خان المبدع وعده لها في اللقاء حين كانا طالبين بالكلية وفضل عنها أخرى التقى بها بمدرج المسرح البلدي فيقول:
أتذكر يوم رأتك في مشرب الكلية
صافحتك بدفء
وكانت على عجل..
وقالت هامسة :غدا نلتقي
في نفس المكان
وفي ساعة تكون الافضل لك ولي..
ولكنك فضلت اللقاء مع غيرها
على درج المسرح البلدي
وكنت مزهوا بالقُبل…
ان هذه الفجوة النصية قد تثير فضول القارئ ليتدخل ويدعم رأي المشاكس
في أن المبدع قد خان عهد سعدى التي لن يستطيع أن يقضي معها وطرا.
ان سعدى المتعففة لن تمنحه القُبل التي منحته إياها التي التقى معها على درج المسرح البلدي.
وهل أكثر من أن المشاكس قد جعل سعدى حكيمة بذكرمثل المؤمن الذي لا يلدغ من جحر مرتين وأن صدقها يحْميها من حيَل المبدع التي منها يتهكّم المشاكس.
فلئن انطلت حيلة المبدع على حبيبته الحضرية حين أوْهَمَها بأنّ سبب تأخره هو
وجع بالرّجْل وتظاهر بالعرج وكاد يُقنعها فان سعدى لن ينطليَ عليها تحايُله
فيقول:
سعاد لن تلدغ من جحر مرّتين
ومع امرأة صادقة مثلها
لن يُفيدك الكذب وكثرة الحيَل…
والمشاكس الذي يُسرّ الغيظ من المبدع الذي أساء معاملة سعاد يعود من جديد الى التهكّم والشتيمة “أيا سخطة ” ليفرّج عن نفسه من غيظ انتصارا لسعاد بل وصفه بالأهبل وهو بذلك يشرّعُ لاختيار عنوانه تماما كما فعل المبدع في قفلته.يقول المشاكس:
أيا سخطة حتى متى ستظلّ تجري
خلف السراب.
وتهذي باسمها في كل وقت كالأهبل…
وخلاصة القول فان اختيار المكان كان فاعلا فلئن كان الوسط الثقافي الحضري قد جعل المبدع يستمتع بعبارة “أيا سخطة” ويعتبرها تربيجة وتدليلا من الحبيبة
فان المشاكس قد لعب على المكان فجعله وسطا ريفيا فأعاد لعبارة “أيا سخطة” معناها الحقيقي وما كان لذلك من أثر على الشخصية والأحداث في نبرة من التهكّم على المبدع.
سلم القلمان ابداعا ومشاكسة وسطا حضريا أو وسطا ريفيا تربّجا أوتهكّما.
بتاريخ 05/ 10/ 2024
ما ألذّ التربّج بالرّجلِ …!”(أيا سخطةً)(قصيدة المبدع حمد حاجي)”
وواعدتها نلتقي عشوة الأربعاء
كأنّا صغارُ خطاطيف
تأوي إلى طَلَلِ..
***************************
على درج المسرح البلدي التقينا…
وثمّة كِينَةَ* أدواءَ
تشفي من العللِ..
********************************
تلوم على طول هجري
تقول:
أيا سخطةً أين حبّك؟ أين الصبابةُ بالعسَلِ؟!
*********************************
ولو ملكت لرمتني بِوَابل سبّ ..
قنابل تنزل بالذمّ حينا
وتصعد بالقبَلِ ..
*******************************
وكنتُ..
تحايلتُ أمشي على عرج إذ تأخّرتُ…
كنت أسير على مهلِ..
*********************************
كأن شظايا بعظمي وفي قدمي..
أركزُ الحلمَ منتقلاً..
مثلما مشية الواهن العجِلِ..!
*********************************
وأوشك أقنعها:
إنما العيب في الرّجْلِ خير
من العيب عند التأخر بالأجل..!
********************************
ويحدثُ من رعشة الحب تهرقُ قهوتها فوق ناهدها..
فتميل الأنامل مسحا على قدر..
وتعجبُها لمسةٌ… كلما عاد محترقا أنملي..
************************************
ويبهجني: يا سخطة في صدى قولها..
يا فتى ..
ما ألذّ التربّج بالرّجلِ …!
* ثمّ كينةَ = أي هناك بالدارجة التونسية
* ثمّ كينةَ = أي الكينةُ هي الحالة بالفصحى
( أ. حمد حاجي )
“””””””””””””””””””””””””””””””””
(قصيدة المشاكس عمر دغرير)”حتى متى ستظلّ كالأهبل ؟”
وحينَ واعدتها باللقاءِ,
عشيّة الإربعاءِ ,
كانتْ الشمسُ خلف السحاب و الأرض على بللِ …
“””””””””””””””””””””””””
وكنتَ انتظرتَ على ضفة النهر,
وطال انتظاركَ ,
وطلتْ بوادرُ الليل و سُعدى لمْ تطلِ …
“””””””””””””””””””””””””””
انتظرتها أنْ تجيءَ ,
وكيفَ تجيءُ ؟
ويعلمُ الأهل أنها على ذمّة رجلِ …
“””””””””””””””””””””””””””””
أيا سخطة سعاد لنْ تأتي,
حتى وإنْ أهديتها مالَ قارونَ
وأجملَ الحللِ …
“”””””””””””””””””””””””””””
أتذكرُ يوم رأتكَ في مشربة الكلية,
صافحتكَ بدفء ,
وكانتْ على عجلِ …
“”””””””””””””””””””””””””””
وقالتْ هامسة : غدا نلتقي ,
في نفس المكان ,
وفي ساعة ,تكونُ الأفضلَ لكَ ولي …
“””””””””””””””””””””””””
ولكنكَ فضلتَ اللقاءَ مع غيرها ,
على درج المسرح البلدي ,
وكنتَ مزهوا بالقبلِ …
“”””””””””””””””””””””””””
سعاد لنْ تلدغ منْ جحر مرتين ,
ومع امرأة صادقة مثلها ,
لنْ يفيدك الكذب و كثرة الحيلِ …
“””””””””””””””””””””””””””
أيا سخطة حتى متى ستظل تجري
خلف السراب,
وتهذي باسمها في كلّ وقتٍ كالأهبلِ …