أختي هناء ..
قصة
د.علي أحمد جديد
قالت لي بعد أن جلست تحدثني بعيون دامعة تملؤها براءة طفولة لا حدود لها ولا آفاق ..
رفعت يدها الصغيرة تمسح دمعة سبقت كلماتها وهي تحكي :
لقد دمر اليهود بيتنا ، فتركنا قريتنا وهربنا من الدمار والتفجير ومن الموت .. لكن والدي لم يستطع اللحاق بنا . ومنذ ذلك اليوم صرنا وحدنا هناء أختي الصغيرة ، وأمي .. وأنا.
كنتُ وأختي وأمي ننام جائعات أغلبَ أيامنا ، واستطيع أن أعدَّ لك الليالي التي تمكنّا فيها من الحصول على شيء من الخبز .. لأن أمي كانتْ تكذب علينا كل ليلةٍ بقولها :
– قوموا بِعَدِّ النجوم كلها وسيكون لديكن الكثير من الخبز ..
لكننا في كل مرةِِ كنا نتعب وننام قبل أن ننتهي من العَدّ ، ولذلك كنا نصدق ، هناء وانا ، أننا قد فشلنا في الحصول على الخبز لأننا لم نستطع إحصاء النجوم كلها ..
وهكذا بقيت رؤوسنا مرفوعة نَعدُّ النجوم ونحن نتضّور جوعاً أملاً بالحصول على رغيف ..
أذكر تماماً أن هناء أختي الصغيرة لم تعد تتحرك ذات ليل وهي تَعدُّ النجوم معي .. كانت نظراتها ثابتهٌ في السماء كي لاتتوه بالعَدِّ مثل كل ليلة .. كنت أكلمها فلا تردّ .. أناديها :
– هناء .. هناء ..
فلا تسمع .. ولما أمسكت بذراعها أهزّها لتردَّ عليّ كانت باردة كالثلج رغم كل الحرّ المحيط بنا .
أخذوها في الصباح إلى مكان أخفوه عني ولم أعرف إلى أين ذهبوا بها ، ولما سألت أمي عنها بعد غياب امتد لأكثر من أسبوع ولم تعد إلينا ، أخبرتني أمي بأن هناء وحدها التي أكملت العدّ وصار هناك مايكفي يومنا من الخبز .. لأنهم في ذلك اليوم الذي انتزعوها من جنبي ومن قلبي ، أعطونا الكثير من الخبز وأكلنا أمي – الباكية بصمت – وأنا حتى شبعنا ونمنا ..
لكن أختي الصغيرة هناء التي احببتها و أحبها وهي الأقرب إلى قلبي لم تعد إلينا أبداً . كنت أفتقدها كل يوم لنلعب سويةََ كما كنا في بيتنا قبل أن يدمّره اليهود وأقول :
– أمي ، أخبريهم أن يُعيدوا هناء لنا وليأخذوا خبزهم .. سأقوم أنا بالعدّ مكانها أو ليأخذوني أنا إليها لنبقى معاً .
لكنهم رفضوا أن يعيدوها إلينا ولم يأخذوني إليها ، وهكذا لم تعد أختي …
لم تعد هناء وأنا مازلت أخطئ بالعَدَّ حتى اليوم …
واحد …
إثنان …
أختي …
أربعة …
هناء …
ستة …
أختي …
ثم أبكي وأنام بعد أن أرجو أمي وهي تبكي كلما قلت لها :
– أعيدي لهم الخبز ، وليتركوا أختي حتى تعود وتعدَّ معي النجوم التي تملأ السماء ..
لكنهم أبداً لم يعيدوا هناء .