____عاد من نبش قبره____
ماذا لو متّ وأنا على قيد الحياة؟
ماذا لو تنكرت لهذا الجسد الثقيل الذي بت أحمله عبر الفصول كمعطف ثقيل مصنوع من جلد دب قطبي ؟
ماذا لو خرجت من جلدي وبت روحا خفيفة غير مرئية تنساب بسلاسة ولين
وتدخل كل الاماكن بدون استئذان؟
أفكاري تتلاطم كموج بحر عاتٍ …وعلى هدهدة نسيم أول الليل
وإيقاع عجلات القطار على حديد السكة نمت ملء أرق ليالٍ مضت …تجاوزت محطة نزولي …صوت أجش يصرخ: افق سيدي انها المحطة الأخيرة…
فتحت عينيَّ مسحت عليهما بكفيَّ
لا قطار ولا محطة ولا عمران ولا نفَس حيّ
المكان قفر أعدت فرك عيني … أغلقت وفتّحت، فرأيت بنايات بيضاء بلا نوافذ ولا أبواب ترتفع بما يناهز نصف المتر على سطح الارض مصطفة مسطورة بإتقان…مدينة خالية من السكان …الجو غائم من حولي ،فهل بلغت هذه المدينة والناس نيام؟
المكان صامت خاشع شعرت برهبة
حاولت إعادة كل شيء إلى دائرة الصفر لأنعش ذاكرتي …عبثا حاولت
حتى قلمي علق بقاع المحبرة وتوقفت
الحروف عن الدوران حول سبابتي والإبهام؟أوووف ما هذا الهذيان؟
هوة فاغرة فاها ارتميت فيها ارتطم جسدي بتربة لينة ندية مرشوشة بماء معطر تلتها رائحة عفن خانقة …سددت أنفي دون جدوى…سرّحت بصري فرايت وجوها بشعة تطل عليَّ من علو تحدّق في مليّا وتحث التراب على جسدي…
ملأت فمي بصاقا وقذفته فتبللت تلك الوجوه ولعنتني ورحلت راكضة…
ما ان سكنت الحركة حتى أبعدت التراب بسهولة ترى من اكسب ساعدي تلك القوة الخارقة؟
جلست على حافة تلك الهاوية ألهث …ثم استنشقت هواء منعشا…
الصمت سيد المكان ،أجلت بصري
لاشيء…أغمضت عيني وكدت أنام فجأة سمعت قرقعة وتململا ثم رجة فزلزلة فتحت نصف عين
هالني ما رايت ولكن تظاهرت بعدم الاكتراث،تصدَّعت تلك المباني وجلس كل من فيها على حافتها مثلي تماما
هياكل عظمية متشابهة
بعضها ضئيل جدا قد تكون هياكل لأطفال وبعضها راح يرفرف حولي كفراش مبثوث تفوح منها رائحة زكية…
هناك غير بعيد مني رايت عملاقا بشريا
رفعت بصري فما طلت وجهه وشرعت بالصعود من رجليه إلى … إلى…إلى…
واستغرق ذلك طويلا ولما بلغت وجهه
أصابني هلع شديد وخوف وارتجفت مفاصلي …ماذا؟
وجه بأنفين يحتلان مكان العينين
وعين واحدة أخذت مكان الأنف
اما الفم فبقي في مكانه تدلّى منه لسان مشطور كلسان حية متأهبة للّدغ …لسان يطول ويبلغ أي مكان وفي كل الاتجاهات…
قهقه عاليا وارسل لسانه يلتف حولي ويسحبني لحد عنده ويلقي بي تحت قدميه جاثيا طالبا الصفح ولا أتذكر أنني فعلت ما يستوجب ذلك…
جلست راكعا تحت قدميه
ضحك في صخب وسألني من أتى بك
نحن ما أرسلنا في طلبك
كيف تخترق علينا خلوتنا دون استئذان؟
تتالت الاسئلة وتسارعت وكل كلام يلغي ما قبله …الأرض تمشي تحتي فقدت الوعي بما حولي وبمن حولي …سقطت مغشيا علي من هول الموقف…
ضجيج وجلبة وحركة ذهاب وإياب
صوت يردد زودوا جرعات الأكسيجين
صوت بعيد جدا يررد مرتعشا
النبض يخفت اسرعوا القلب يحتاج صدمة كهربائية …لا بد من تفادي السكتة القلبية لا بد من عودة القلب للنبض بشكل طبيعي… قد يكون مضى وقت طويل أو قصير لا أدري…فأنا عالق في منطقة اللازمن
تناهي إلى سمعي صوت خافت فيه نبرة فرحة الانتصار—القلب استعاد قدرته على النبض …
فتحت عيني حدّقت في السقف
دون تركيز رددت في هذيان …مشفى …ميدعات خضراء وبيضاء …أجهزة طبية…
صوت قريب …اجتاز مرحلة الخطر
عمر جديد كتب له عاد الرجل من نبش قبره بعد دفنه … وموجات ضحك تهدهدها الحياة تحوم حولي…
فائزه بنمسعود
1/10/2024