في مثل هذا اليوم20 اكتوبر2011م..
المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا يعلن عن مقتل معمر القذافي.
قُتل الرئيس الليبي المخلوع معمر القذافي – الذي حكمَ ليبيا لأكثر من 40 سنة – في 20 تشرين الأوّل/أكتوبر 2011 خلال معركة سرت؛ حيثُ عُثرَ على العقيد مختبئًا في بربخ غربي سرت على يدِ قوات المجلس الوطني الانتقالي. بعدَ وقتٍ قصيرٍ من إلقاء القبضِ عليه؛ فارق القذافي الحياة وقالَ حينَها المجلس الوطني الانتقالي إنه تُوفيّ متأثراً بجراحه التي أصيب بها في معركة بالأسلحة النارية لكنّ شريط فيديو مصور ظهرَ فيهِ القذافي وهو حيّ رفقة عناصر من الثوار الذين انهالوا عليهِ بالضرب وهو يطلبُ الصفح منهم.
الأحداث
بعد سقوط طرابلس في يدِ المجلس الوطني الانتقالي في آب/أغسطس 2011؛ هرب القذافي وعائلته من العاصمة الليبية. حينها سرت شائعات على نطاق واسع تُفيد بأنّ معمّر قد لجأَ إلى جنوب البلاد؛ قبل أن يتبيّن أنه فرّ في قافلة صغيرة إلى سرت يوم سقوط العاصِمة ولحقَ بهِ في وقتٍ لاحقٍ ابنه المعتصم القذافي في قافلة صغيرة ثانية.
بحلول 19 تشرين الأوّل/أكتوبر 2011؛ قالَ رئيس الوزراء الليبي محمود جبريل إنه يعتقد أن الزعيم السابق موجود في الصحراء الجنوبية؛ حيث أعادَ تشكيل قواته من خِلال ضمّ القبائل الموالية له في المنطقة. في تلكَ الفترة؛ كان المجلس الوطني الانتقالي قد سيطرَ على بلدة بني وليد الموالية للقذافي وكان على وشك السيطرة على سرت شرقي طرابلس. وفقا لمعظم الروايات؛ فإنّ القذافي استوطنَ مع مسلّحين موالين له عددًا من المباني في سرت لعدة أشهر قبل أن ينجحَ الثوار في القبضِ عليها. وقالَ منصور ضو وهو عضو في الدائرة الداخلية للقذافي وزعيم الحرس الشعبي إنّ القذافي كان «مُتعبًا» حيثُ اشتكى من نقص الكهرباء والماء كما تجاهلَ محاولات إقناعه بالفرار من البلاد والتخلي عنِ السلطة. مع سقوط آخر المعاقل الموالية للنظام؛ حاول القذافي وأعضاء آخرون الفرار.
ثوار مسلّحون خلال عودتهم من الأراضي الواقعة خارج مدينة بريقة بعد أن طردوا آخر القوات الموالية للقذافي هناك
في حوالي الساعة 1:30 بالتوقيت المحلي (03:30 بالتوقيت العالمي) من يومِ 20 تشرين الأول/أكتوبر 2011؛ حاول القذافي وقائد جيشه أبو بكر يونس جبر ورئيسُ أمنه منصور ضو ومجموعة من الموالين الهروب من مقرّهم في سرب في في قافلة ضمّت 75 شخصًا وعددًا من المركبات. في تلك اللحظة؛ رصدت طائرة استطلاع تابعة لسلاح الجو الملكي القافلة وهي تتحرك بسرعة عالية؛ بعد أن اعترضت قوات الناتو مكالمة هاتفية عبر الأقمار الصناعية أجراها القذافي. أطلقت الطائرة التابعة لحلف شمال الأطلسي النار على 21 مركبة لكنّها نجحت في تدميرِ واحدةٍ فقط كمَا أطلقت طائرة بدون طيار أمريكية من طراز إم كيو-1 بريداتور كانت تعملُ من قاعدة بالقرب من لاس فيغاس بعض الصواريخ على القافِلة في غرب سرت. بعد لحظات؛ قصفت مقاتلات داسو رافال التابعة لسلاح الجو الفرنسي هي الأخرى تلكَ القافلة. لقد أدّى قصف الناتو إلى تدمير بعض السيارات التي قُدّر عددها بـ 11 كما تسبّبَ في مقتلِ العشرات من المقاتلين الموالين للنظام.
حسبَ البيان الذي نشرهُ الناتو؛ فلم يكن هذا الأخير على علمٍ وقت الضربة بأن القذافي كان في القافلة حيثُ صرّح الناتو أنه وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 1973؛ فإن الحلف ممنوعٌ منعًا كليًا من استهداف الأفراد بل يحقّ له استهداف المنشآت العسكرية التي تشكل تهديدًا لا غير. علمت منظمة حلف شمال الأطلسي في وقت لاحق من المصادر المفتوحة والمخابرات الحربيّة أن القذافي كان في القافلة وأن الضربة ساهمت على الأرجح بطريقةٍ أو بأخرى في أسره.
بعد الغارة الجوية التي دمرت السيارة التي كانت أمام سيارة معمر القذافي؛ لجأ هذا الأخير وابنه المعتصم ووزير الدفاع السابق أبو بكر يونس إلى منزلٍ قريبٍ لكنّه تعرض هو الآخر للقصف لكن هذهِ المرة من قِبل الثوار. حينها أخذَ معتصم 20 مقاتلًا وذهب للبحث عن سيارات غير تالفة لمواصلة الفِرار فيما قالَ تقريرٌ للأمم المتحدة صدرَ في مارس/آذار 2012 أنّ «المجموعة زحفت على بطنها داخلَ أنبوبين للصرف وأقامت موقعًا دفاعيًا.» حاولَ أحد حراس القذافي إعاقة تقدم الثوار بعدما ألقى قُنبلة يدويّة في اتجاههم لكنّه أصاب جدارًا إسمنتيًا فوق الأنابيب لتعودَ لهم منفجرةً في وجهِ عددٍ منهم مما تسبّب في مقتل أحدِ الحراس ويونس جبر.
القبض والموت
لجأَ القذافي إلى أنبوب صرفٍ كبيرٍ مع عدد من الحراس الشخصيين لكنّ قوات المجلس الوطني الانتقالي عثرت عليهم ففتحتَ النار صوبهم مُصيبةً القذافي بالرصاص الحيّ في ساقه وظهره، ومن غير الواضحِ ما إذا كانت طائرات الناتو قد شاركت في المساعدة في تأمين القبض على القذافي أم لم تفعل. اقتربت مجموعةٌ من الثوار من أنبوب الصرفِ الذي كان يختبئ القذافي فيه وأمروه بالخروج ففعلَ ببطء؛ قبلَ أن يتمّ جرهُ من قدميه بينما هتف الثوار «معمّر، معمّر!» ومع ذلك؛ كشف تقرير للأمم المتحدة صدرَ في آذار/مارس 2012 رواية مختلفة عن لحظة القبض على القذافي؛ حيثُ قيلَ إنّ معمر قد أُصيب بشظايا قنبلة يدوية كانَ قد ألقاها أحد رجاله مما تسبّبَ في تمزّقِ سترته الواقية من الرصاص؛ فَجلس على الأرض في حالة ذهول وصدمة وهو ينزف من جروحهِ ثمّ لوح أحد الموالين له بعمامة بيضاء في إشارةٍ إلى استسلام الهاربين بمن فيهم معمّر.
تصوير القذافي كجرذ على أحد الجدران بمدينة طرابلس
قُتل القذافي بعد ذلك بوقت قصير؛ ولم يُعرف كيف فارق الحياة على وجهِ التحديد حيثُ صدرت تقارير مختلفة بل ومتضاربة في بعضِ الأحيان. وفقًا لأحدِ التقارير؛ فإنّ القذافي قالَ لحظة القبض عليه: «من فضلك لا تطلق النار!». وعندَ استجوابه من قبل ثوار مصراتة حول الأضرار التي لحقت بالمدينة من قِبل قواته؛ أنكرَ معمّر أي تورط له وطلبَ من الثوار عدم ضربه أو قتله؛ فيما طلبَ منهُ أحد الثوار الوقوف فكافحَ من أجل ذلك. في الفيديو الذي صوّره أحد الثوار بعدَ دقائق من القبضِ على معمّر؛ كان يُسمع صوت العقيد وهو يقول: «حَرَامٌ عَلَيْكُمْ.» وفي شريط فيديو آخر؛ ظهرَ القذافي فوقَ غطاء محرك السيارة والثوار يُحيطون بهِ من كل جنبٍ مرددين عبارات وصيحات تُشير للقبض عليهِ فيما أطلقَ آخرون الرّصاص في الجو. وقالَ مسؤولٌ كبيرٌ في المجلس الوطني الانتقالي إنه لم يتم إصدار أمرٍ بإعدام القذافي، ووفقًا لمصدر آخر من المجلس: «لقد قبضوا عليه حيًا وحينما تم نقله؛ قاموا بضربه ثم قتلوه.» فيمَا أعطى محمود جبريل رواية بديلة حيثُ قال: «عِندما كانت السيارة تتحرك؛ وقع تبادل لإطلاق النار بين الثوار وقوات القذافي فأُصيب برصاصة في رأسه.»
تم بث العديد من مقاطع الفيديو التي تُصوّر لحظة القبض على معمر وما جرى بعد ذلك؛ ويُظهر فيديو بوضوح أنّ القذافي كان على قيد الحياة حينما أمسكَ به الثوار حيثُ كان وجهه وقميصه ملطخان بالدماء فيما يقومُ الثوار بجرّه باتجاه سيارة إسعاف وهم يُكّبرون. يُظهر فيديو آخر القذافي وهو ينزفُ من رأسهِ جرّاء طلقة نارية فيما يُحيط الثوار بهِ وهم مبتهجين بالقبضِ عليه، فيما يُظهر مقطع فيديو ثالث نُشر على موقع يوتيوب المقاتلين وهم يحومون حول «جسده الهزيل» ويلتقطون الصور ممسكينه من شعره الطويل. بينما يُظهر مقطع فيديو آخر كيف جُرّد من بعضِ ملابسه و«المعامَلة المُهينة» التي تلقّاها كردٍ فعلٍ على ما قامَ بهِ من أفعالٍ حينما كانت السلطة في يده.
قال وزير النفط في المجلس الوطني الانتقالي علي الترهوني: «قررت السلطات الليبية المؤقتة الاحتفاظ بجثة القذافي لبضعة أيام حتى التأكد من أن الجميع على علمٍ بأنه قد مات.» نُقلت الجثة فيما بعد إلى مُجمِّد صناعي حيث سُمح للجمهور بمشاهدتها حتى يوم الرابع والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر. في فيديو نُشر على يوتيوب وتمّ تداوله بشكلٍ كبيرٍ على مواقع التواصل؛ تَظهر جثة القذافي معروضة في وسط أحدِ المجمّدات في مصراتة. لقد سافرَ بعض الناس مئات الكيلومترات للتأكّد من أن القذافي قد مات؛ وقد قال أحدهم: «لقد جعل الله الفرعون كمثالًا للآخرين. لو كان رجلاً طيباً لتمّ دفنه؛ لكنه اختار هذا القدر لنفسه»، فيما شاهد أحد المراسلين بقايا أعيرة نارية في جسدِ القذافي ما يُشير بشكلٍ ضمنيّ إلى أنّه تعرض لطلقات من مسافة قريبة.
عُرضت جثة القذافي بجانب جثة ابنه المعتصم الذي قُتل على يدِ ثوار مصراتة بعد أسرهِ في سرت في 20 تشرين الأول/أكتوبر وقد أُزيلت جثة هذا الأخير من الثلاجة لدفنها مع جثة والده يوم 24 تشرين الأول/أكتوبر من عام 2011. وعلى الرغم من أن متحدثًا باسم المجلس الوطني الانتقالي قال إن جثة القذافي ستتم إعادتها إلى عائلته لإبقاء موقع دفنه سريًا بعد التشريح الذي سيحدّد سببَ الوفاة، إلّا أن المجلس في مصراتة قالَ إنه سيتم دفنه بسرعة بدلاً من ذلك؛ مبديًا اعتراضه على فكرة التشريح. فيما دعت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش إلى تشريح جثة مستقل وإجراء تحقيق في كيفية وفاة القذافي. وبحلول 25 تشرين الأول/أكتوبر؛ أعلنَ ممثلو المجلس الوطني الانتقالي أن جثة القذافي قد دُفنت في مكانٍ مجهولٍ في الصحراء في وقت مبكر من صباح ذلك اليوم جنبًا إلى جنب مع نجله المعتصم ووزير الدفاع أبو بكر يونس. وكانت قناة الآن – التي تتخذ من دبي مقرًا لها – قد عرضت لقطات مصوّرة من قِبل كاميرا هواة تُظهر جنازة أُقيمت في مكانٍ مجهولٍ، فيمَا قال وزير الإعلام الليبي محمود شمام نقلًا عن عدّة فتاوى صدرت في الموضوع: «إنّه لا يجب دفن القذافي في المقابر الإسلامية ولا يجب دفنه في مكان معروف لتجنب أيّ فتنة.»