في مثل هذا اليوم 20 اكتوبر1819م..
ميلادعلي محمد رضا الشيرازي، مؤسس الديانة البهائية ويعرف باسم «الباب».
علي محمد الشيرازي الملقب بـ الباب (20 تشرين الأول، 1819 – 9 تموز، 1850)، مؤسس البابية، ظهر في القرن التاسع عشر. أحصى أتباعًا عديدةً خلال السنوات الست من رسالته – وهو في عمرٍ يناهز 25 إلى 31 عامًا – من مختلف الطبقات والأعراق ونقابات الشرق. أطلق على نفسه اسم المهدي الموعود، النبي الجديد والمبشر لدينٍ عالميٍ سيظهر من بعده بواسطة «من يُظهره الله»، والذي ذكره مرارًا وتكرارًا في أعماله وكتاباته وأشار إلى ظهوره قريبًا. من أهم ما قام به الباب في دورته القصيرة هو الإعلان عن بداية دورٍ جديدٍ للبشرية وتكامل الظهور التدريجي للرسالة الإلهية واستمراريتها، والنهوض بدور المرأة، والاهتمام بالتربية والتعليم. بعد أن ذاع صيته وازداد عدد أتباعه، قامت حكومة القاجار بترحيل الباب إلى أبعد مناطق إيران في أذربيجان، وحرض رجال الدين على اضطهاد وتعذيب وقتل أتباع الباب في جميع أنحاء إيران. وأخيرًا، بعد ست سنواتٍ من بدء النهضة البابية، وفي سن 31، تم إعدام الباب رميًا بالرصاص مع أحد أتباعه في مدينة تبريز. بعد أكثر من عقدٍ بقليلٍ من إعدام الباب، وقتل العديد من البابيين في إيران، آمن الغالبية العظمى من أتباعه بـ بهاء الله كما وعد به الباب بأنه «من يُظهره الله» وأصبحوا بهائيين. بهاء الله هو رسول وشارع ومؤسس الدين البهائي.
طفولته
ولد علي محمد (بالفارسية: علیمحمد) في مدينة شيراز في العشرين من شهر أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1819م الموافق ليوم أوّل محرّم سنة 1235 هجريّة، من عائلةٍ معروفةٍ من التجار من الطبقة المتوسطة. كان والده السيد محمد رضا الشيرازي ووالدته فاطمة بگم (1800م–1881م)، وكان والدها أحد تجار شيراز المشهورين. توفي والده وهو طفلٌ صغيرٌ وتولّى أحد أخواله (الحاج ميرزا سيّد علي) رعايته وتربيته. وفي أثناء طفولته ذهب ولمدّةٍ قصيرةٍ إلى كتًاب (مدرسة) الشّيخ محمد المعروف أيضًا بالشيخ عابد وتعلّم لديه مبادئ الدين والقراءة والكتابة باللغة الفارسيّة. وكان في طفولته يقضي أوقاتًا طويلةً في الدعاء والتأمل. ولمّا بلغ سنّ الخامسة عشرة، اشتغل بالتّجارة أوّلاً مع وليّ أمره، ثمّ بعد ذلك مع خالٍ آخر له في مدينة بوشهر.
زواجه
في 1842م تزوج من خديجة بيكم (1822م–1882م) وكان عمره وقت ذلك 23 سنة وعمرها 20، وكانت بنت أحد تجار شيراز ومن أقربائه البعيدين. ولد لهما صبيٌ (أحمد) توفي في نفس سنة ولادته (1843).
إعلان الباب لدعوته
بيت الباب في شيراز حيث اعلن دعوته
في ليلة 5 جمادى الأولى في سنة 1260 هجرية (23 مايو- أيار 1844م ميلادية) أعلن علي محمد وهو شابٌ في الخامسة والعشرين من عمره بأنه جاء طبقًا للنبؤات والوعود السابقة، وبأن مهمته هي تمهيد الطريق والتبشير بمجيء من سماه بــ (منْ يُظْهِرُهُ الله) الذي سيكون مربي العالم في هذا الزمن. وحصل ذلك عندما أعلن لضيفه تلك الليلة، الملا حسين بشروئي، والذي كان من فرقة الشيخية ومن تلاميذ الشيخ أحمد الأحسائي ومن بعده السيد كاضم الرشتي، بأنه الموعود الذي كانا قد بشرا بوشوك قدومه، وبأن كل العلامات التي وصفاه بها تنطبق عليه. وبعد إجابة أسئلة الملا حسين وتقديم البراهين التي طلبها (ومن ضمنها – من دون أن يُطلَب منه- تفسير مسهب لسورة يوسف عرف بعدها بكتاب «قيوم الأسماء»)، آمن به الملا حسين، واتّخذ علي محمد لنفسه لقب «الباب» في خطابه له:
يا من هو أول من آمن بي حقًا إنني أنا باب الله وأنت باب الباب…
وكذلك تنبأ الباب في تلك الليلة الأولى بالمصاعب والأذى الذي كان لابدّ أن يلحقه نتيجة هذا الادعاء، وأعرب عن رضائه وتقبّله لذلك في مخاطبته لمن كان سيأتي بعده (منْ يُظْهِرُهُ الله):
يا بَقِيَّةَ اللّهِ قَدْ فَدَيتُ بِكُلّي لَكَ وَ رَضَيتُ السَّبَ في سَبيلِكَ وَ ما تَمَنَّيْتُ اِلّا اَلْقَتْلَ في مَحَبَّتِكَ وَ كَفي بِاللّهِ الْعَلِيِّ مُعْتَصِماً قَديماً
وطلب من الملا حسين أن لا يجهر ما حصل تلك الليلة إلى أن يؤمن به سبعة عشر شخصًا آخرون، بعد أن يجدوه بأنفسهم وبدون مساعدة الملا حسين.
حصل ذلك في بيت الباب في مدينة شيراز في بلاد فارس ومن بعدها كان ذلك البيت مزارًا للبهائيين، حتى تهديمه بعد الثورة الإسلامية في إيران.
بدايات الحركة البابية
عُرف تلاميذ الباب الثّمانية عشر الأولين بـ «حروف الحي» وهؤلاء هم الذّين أرسلهم الباب إلى جهاتٍ مختلفة من إيران والعراق وتركستان وصولاً إلى الهند لنشر خبر ظهوره، وكانت من ضمنهم امرأة باسم فاطمة زرين تاج البرغاني، والتي عُرفت فيما بعد بلقب الطاهرة. وسافر بنفسه في نفس الوقت للحج إلى مكّة والمدينة، فوصل مكة في ديسمبر (كانون الأول) سنة 1844م، وفيها أعلن بعثته جهارًا لشريفها وبعض طائفي الكعبة من الحجاج دون أن يجد بينهم من سامعٍ.
انتشار الحركة البابية
قلعة ماه كو حيث سجن الباب
أثارت سرعة انتشار الدين البابي مخاوف الحكومة الإيرانية والسلطات الدينية واعتبروه تحديًا لأساس النظام الديني وتهديدًا لأصول الإسلام فأمر الملك محمد شاه بإرسال الباب إلى العاصمة طهران تحت الحراسة للإستعلام عن طبيعة دعوته، ولكن رئيس الوزراء (الحاج ميرزا آقاسي) خشي أن يقع الشاه تحت تأثير الباب مثلما حصل ليحيى الدارابي مندوب الشاه الذي آمن بالباب بعد أن أرسله الشاه للتحقيق معه، فأمر رئيس الوزراء بأن ينقل الباب تحت الحراسة المشددة إلى قلعة ماه كو الواقعة في منطقة أذربيجان الشمالية على حدود روسيا، ظنًا منه بأنَّ سكان تلك المنطقة، وهم من الأكراد السنة، سوف لن يتجاوبوا أو يقبلوا دعوة الباب. وبرّر ميرزا آقاسي عمله هذا بأنَّ قدوم الباب للعاصمة قد يؤدي إلى وقوع صدامٍ بين أتباعه ورجال الدين، ولربما يتطور إلى هيجانٍ عامٍ.
لم تنجح محاولة رئيس الوزراء في إيقاف انتشار العقيدة البابية، بل زادت أعدادهم في منطقة أذربيجان، وحتى المأمورين من العاملين في السجن كانوا قد خففوا من خشونتهم في معاملة السجين وأظهروا تعاطفًا معه. وفي محاولةٍ أخيرةٍ للميرزا آقاسي لكي يحدّ من هذا الأمر الذي اعتبره تهديدًا متزايدًا له، أرسل الباب إلى قلعةٍ بعيدةٍ أخرى تدعي «چهريق» قرب حدود تركيا.
وكان الباب منذ بداية دعوته، وكذلك في سنوات حبسه، منهمكًا في كتابة ما يعتبره أتباعه البابيون (ومن بعدهم البهائيون) تنزيلًا سماويًا وكتبًا مقدسةً، وجاء بشرائع وأحكام وكـتابٍ سمي بـ البيان.
مؤتمر بدشت
في الوقت الذي أعلن فيه الباب دعوته العلنية في تبريز (سنة 1848م) اجتمع حوالي 80 من البابيين مع بعض أهم قادتهم ومنهم حسين علي نوري الذي لقب بعدها بـ بهاء الله (الذي أسس الديانة البهائية فيما بعد)، في قريةٍ اسمها بدشت في شمال إيران. ومن ضمن أهداف الاجتماع كان البحث في كيفية إنقاذ الباب من سجنه في قلعة چهريق ومناقشة وضع البابيين في البلاد وطبيعة عقيدتهم. وكان لذلك المؤتمر الأثر الكبير في تحديد طبيعة هذه الحركة، ويعتبر من أهم الوقائع في التاريخ البابي، حيث أدت أحداثه إلى إيضاح الفرق بين الديانة البابية والإسلام، فالبعض من البابيين كانوا قبلها قد اعتبروا دعوة الباب مجرد دعوةٍ تجديدية للدين، والبعض الآخر التبس عليهم معنى ولفظ كلمة «الباب»، فقامت أم سلمى زرين تاج «الطاهرة» بشرح وتوضيح رسالة ومهمة الباب بصورةٍ مسهبةٍ معلنةً استقلالية البابية عما سبقها. ومما يجدر بالذكر أيضًا أن الطاهرة قامت يومها بإلقاء خطبتها من دون الحجاب المألووف على الوجه، مما أدى إلى اضطرابٍ في نفوس بعض الحاضرين الذين تركوا المؤتمر بهلعٍ بما اعتبروا ذلك خرقًا لما كان متعارفٌ عليه، ولإدراكهم أن الدين البابي ليس حركةً إصلاحيةً للدين الإسلامي فحسب. بعد المؤتمر، تعرّض الكثير من الحضور إلى مهاجمة سكان تلك المنطقة، وقُتل بعضًا منهم في طريق العودة، وسُجن آخرون.
محاكمة وإعدام الباب
الميدان الذي أعدم فيه الباب
منذ بدايات الدعوة البابية تعرض أتباعها للقتل والأذى والتعذيب بتحريضٍ رجال الدين في كل أنحاء إيران، وقامت مناوشاتٌ عديدةٌ بين الحكومة والبابيين الذين قاموا للدفاع عن أنفسهم في عدة مواقع، ومنها زنجان، وقلعة الشيخ طبرسي، ونيريز، وغيرها. وفي السنوات الستة الأولى قُتل أكثر من عشرين ألفٍ من أتباع الباب في إيران، إما بعد إلقاء القبض عليهم في المدن وتعذيبهم حسب أوامر الحكومة ورجال الدين، وإما بعد معارك وحصاراتٍ دامت عدة أشهرٍ في بعض الأحيان، والتي انتهت بتعهداتٍ كاذبةٍ في الأمن والأمان من الحكومة في حين سلّم البابيون أنفسهم وامتنعوا عن القتال.
ورغبةً في إنهاء كل هذا، أمر ميرزا تقي خان (الأمير نظام) رئيس الوزراء الجديد في عهد ناصر الدين شاه بإرسال الباب إلى مدينة تبريز لكي يُحاكَم أمام مجموعةٍ من كبار رجال الدين هناك، وللحصول على حكمهم عليه بالإعدام. وقاموا بطرح الأسئلة عليه بخصوص طبيعة دعوته، فأجابهم فيها بترديده ثلاثة مراتٍ ما مضمونه:
إني أنا الموعود، وأنا الذي دعوتموه مدة ألف سنةٍ، وكنتم تشتاقون لقائه عند مجيئه، وتدعون الله بتعجيل ساعة ظهوره…..
وعند طلبهم منه البراهين والمعجزات أجابهم بأن دليله هو نفس دليل رسول الإسلام (أي كتابه). وتعرّض الباب للتهجم والتوبيخ والكلمات القاسية خلال التحقيق والمحاكمة، وطلبوا منه أيضًا إنكار دعوته والتراجع عنها، دون أن ينجحوا في ذلك.
و بعدها جلب مرةً ثانيةً للتحقيق، وكانت هذه المرة في بيتٍ، وكان شيخ الإسلام في تبريز الميرزا علي أصغر، وقام شيخ الإسلام بنفسه يومها بضرب الباب بالعصا على رجله (عقاب الفلقة) 11 مرةً، وقعت إحداها على وجهه ربما بقصدٍ أو دون قصدٍ، وأحدثت كدمًا كبيرًا استدعى العلاج، وطلب من أحد الأطباء الإنجليز، وهو الدكتور وليام كورمك الذي استقطن تبريز عدة سنواتٍ، أن يقوم بمعالجته. وترك الطبيب انطباعاته عن الباب في رسالةٍ منه إلى القس بنيامين لاباري من الإرسالية الأمريكية في أورومية، ترك فيها وصفًا نادرًا للباب من شخصٍ أجنبيٍ.
وفي النهاية قامت الحكومة وبإصرار الأمير نظام رئيس الوزراء بإعدام الباب، بعد أن أفتى ثلاثة من كبار علماء ومجتهدي تبريز بقتله، وكان ذلك في اليوم التاسع من تموز – يوليو سنة 1850م(28 شعبان 1266هـ) في ميدان الحكومة. وأُعدِم الباب رميًا بالرصاص مع أحد أتباعه (محمد علي الزنوزي) الذي أصرّ أن يُعدم معه. وقام بتنفيذ الإعدام فرقة الضابط آقا جان خمسة، بعد أن انسحبت الفرقة الأولى من الحرس الأرمني بقيادة سام خان، والتي حاولت تنفيذ الحكم مسبقًا في ذلك اليوم دون نجاحٍ.
ضريحه على جبل الكرمل
مرقد الباب في حيفا، فلسطين
وبعد إعدام الباب، نُقلت رفاته ورفات رفيقه محمد علي إلى حافّة الخندق خارج المدينة، وفي اللّيلة التّالية خلًص بعض البابيّين جسديهما في منتصف اللّيل. وبعد نقلهما وإخفاء الجسدين ما يزيد عن 60 سنة في أماكن سريّةٍ عديدةٍ في إيران، جيء بهما بصعوبةٍ وتحت الخطر إلى فلسطين، ودفنا يوم 21 آذار في سنة 1909م على سفح جبل الكرمل في مدينة حيفا في مقامٍ يُسمى الآن بضريح الباب، على مقربةٍ من كهف إيليّا النّبي.
يربط البهائيون بداية تاريخهم بوقت إعلان الدعوة البابية في مدينة شيراز، إيران سنة 1844م (1260 هـ). كانت البابية قد تأسست على يد علي-محمد بن محمد-رضا الشيرازي الذي أعلن أنه الباب لـ «مَن يُظهِرُه الله»، وأنه هو المهدي المنتظر. وكان قد سبق ذلك فترةً قصيرةً نمت فيها حركاتٌ كانت تترقب مجيء الموعود الذي بشرت به الكتب السماوية وأحاديث الأنبياء. وكانت المدرسة الشيخية التي أسسها أحمد بن زين الدين الأحسائي إحدى تلك المدراس الفكرية التي أكّدت على وشك قدوم الموعود المنتظر. وجديرٌ بالذكر أن أول من آمن بالباب، وهو الملا حسين بشروئي، قد درس عند أحمد الأحسائي، ثم عند كاظم الرشتي اللذان يعدان من أبرز رموز الشيخية.
وقد آمن بالباب بعد إيمان الملا حسين بشروئي أشخاصٌ آخرون بلغ عددهم 17 شخصًا، من ضمنهم امرأةً واحدةً تُعرف بالطاهرة، أو قرة العين. ومُنح هؤلاء الثمانية عشر شخصًا لقب «حروف الحي». ومن ضمن الذين أيّدوا دعوة الباب وكان لهم تأثيرٌ بالغٌ في تطورها هو حسين علي النوري الذي عُرف فيما بعد باسم بهاء الله، ونتيجةً لذلك فان هناك ارتباطٌ تاريخيٌ بين البهائية والبابية.
وبعد أن شاع أمر البابية، قامت السلطات الإيرانية، بإيعازٍ من رجال الدين، بتعذيب البابيين والقبض على الباب سنة 1847م وإيداعه السجن. وكانت إيران محكومةً انذاك من قبل أسرة القاجار التركمانية. وظل أتباع الباب رغم حبسه يترددون عليه في السجن، وأخذوا يُظهرون إيمانهم به وبرسالته على عامة الناس. وازداد عدد أتباع الباب رغم حبسه وذلك نتيجةً لجهود أتباعه وقياداتهم. وأدى ذلك إلى ازدياد وطأة تعذيب البابيين، الذي دوّن تفاصيله العديد من المؤرخين الشرقيين والغربيين. وفي نهاية المطاف أُعدم الباب في مدينة تبريز سنة 1850م رميًا بالرصاص أمام العامة.!!!!!