دراسة نقدية لديوان ” عند عينيها علائم زوبعة”
الجنس الأدبي: متتاليات شعرية متقاربة.
الشاعر:حمد حاجي (تونس)
الدراسة النقدية:” الديوان وجدلية طريفي ومُتْلدي”
الناقدة : جليلة المازني (تونس)
1- التقديم المادي للديوان:
لقد ضمّ ديوان الشاعر حمد حاجي”عند عينيها علائم زوبعة” ثمان وثلاثين قصيدة
(38) توزعت بين تسع وعشرين(29) قصيدة مطوّلة وتسع قصائد رباعية منفردة وهي من الجنس الأدبي ل:” متتاليات شعرية متقاربة”.
صدر الديوان عن دار النشر للأدب الوجيز تونس 2024
أول ما يطالعك من الديوان صورة للغلاف متشحة بثلاثة ألوان (الأزرق الداكن و الأصفر والرمادي) وصورة عينين جميلتين لامرأة يتبعثر بينهما اللون الرمادي.
2- في قراءة لرمزية الألوان ودلالتها(بغلاف الديوان):
إن الألوان التي تضمّنها غلاف الديوان فيها من الإيحاءات ما قد يكشف مكنوناتها ولو بدرجة بسيطة.
*اللون الأزرق في علم النفس هو “واحد من ألوان الطيف الأساسية وبشكل عام يبعث على الطمأنينة والهدوء والسلام والراحة النفسية عند النظر اليه.
إلاّ أنه قد يدلّ أيضا على البُرُود العاطفي والحزن والعزلة وهو أيضا واحد من الألوان المفضلة لدى الكثير من الناس فيذكّرُ اللون الأزرق الناس بالبحر والسماء”(1)
*اللون الأصفر يرمز في الحب إلى العديد من المشاعر بعضها:
– إيجابي: “يرتبط اللون الأصفر بشكل مباشر بأشعة الشمس ولذلك فهو يرمز إلى
السعادة والدفء في الحبّ”.
– سلبي:” في بعض الثقافات يرمز اللون الأصفر الى الغيرة والحسد ممّا يدل على مشاعر عدم الأمان أو الخوف من فقدان الشريك.”(2)
* اللون الرمادي: “يعتبر من منظور علم النفس لونا محايدا لأنه ليس أبيض وليس أسود ولكنه ناتج عن دمجهما مع بعض .
واللون الرمادي الغامق يرمز الى الغموض بينما الرمادي الفاتح يرمز للحيوية والنور” (3).
3- في قراءة للعنوان “عند عينيها علائم زوبعة”:
اختار الشاعر حمد حاجي عنوانا لديوانه “عند عينيها علائم زوبعة”.
ورد العنوان جملة اسمية تقدم فيه الخبر على المبتدإ باعتبارأن الخبر شبه جملة وقد تعمّد الشاعر على التركيز على حاسة البصر(عند عينيها) التي وسمها بعلائم زوبعة.
والزوبعة مع قرينة العينين محمولة على المجاز فتعني في معجم المعاني الجامع-معجم عربي عربي “هيجان ضعيف الأثر, ثوران لا يدوم طويلا”.
ومفردة علائم التي أضيفت لها مفردة زوبعة تدل على ضعف الزوبعة.
ان هذه المرأة التي “عند عينيها علائم زوبعة” :
– هل يمكن اعتبارها المرأة المتمرّدة العنيدة حادة الطبع من جهة ومرهفة الإحساس وراقية وطيبة القلب؟
انها تجمع بين الحدّة واللين تماما كما الزوبعة التي تعني الهيجان الموسوم بالضعف أو بالثوران الذي لا يدوم طويلا.
– هل هي المرأة التي تملك عطاء الحب لمن يستحقّه؟
– هل هي المرأة التي لا تدع من يتلاعب بعواطفها كأنثى؟
– هل هي المرأة التي تشبه البحر ولا تخرج كنوزها إلا لمن تورّط بأعماقها؟
أما من يكتفي بالمشاهدة فلن يرى منها إلا رمل البحر وصدفه .
وفي هذا الاطار هل من علاقة بين ألوان وصورة الغلاف وعنوان الديوان؟
4- الديوان وجدلية “طريفي ومُتْلدي”
انها جدلية القديم والحديث:
والعلاقة الجدلية هي “علاقة تتأثر فيها ظاهرتان أو فكرتان ببعضهما البعض
ممّا يؤدي الى التطور والنفي :
– يشير التطور الى تغيير حركة الظواهر والأفكار من الأقل تقدّما الى الأكثر تقدّما أو من الأقل اكتمالا الى الأكثر اكتمالا.
– يشير النفي الجدلي الى مرحلة من مراحل التطور حيث يؤدي التناقض بين
موضوعين سابقين الى ظهور موضوع جديد. (جدلية – ويكيبيديا)
والشاعر حمد حاجي أين يتموقع بين طريفه ومُتْلده أو بين القديم والحديث أو بين الأصل والحداثة أوبين الثابت والمتحوّل؟؟؟
– هل أن المرأة التي “عند عينيها علائم زوبعة” قد ألهمته زوبعة في إبداعه؟
– هل أن جدلية القديم والحديث قد أحدثت في إبداعه زوبعة التوق الى تجْديد مطبوع ببصماته؟
4-1- القديم في ديوان الشاعر حمد حاجي (مُتلدي):
ان الشاعر حمد حاجي في ديوانه الشعري “عند عينيها علائم زوبعة” لم يكن مُنبتّا عن الأصول.
وفي هذا الاطار فقد تجلّى تجذّر الشاعر في أصوله وفي موروثه الأدبي من خلال:
أ- أغراض الشعر:
لقد تضمّن ديوان الشاعر غرض الغزل والمدح والرثاء:
+ الغزل: لقد كان الغزل قاسما مشتركا بين كل قصائد ديوانه.
وقد تضمّن غرض الغزل في ديوانه عنصر الرقيب الذي تواتر حضوره في الأدب القديم:
من القصائد التي ورد فيها الرقيب بديوان الشاعر حمد حاجي:
– قصيدة تجريب في أدب الحرب ص(73)
– قصيدة وغلقت الروح ص(48)
– قصيدة حبّ بمغسل الصوف(32)
– قصيدة ومن الحب ما رفع ص(39)
+ المدح :مدح الأمّ قصيد رباعيات “سوناتات عنكبوت قلبي”ص(43)
مدح المعلم : قصيدة ” إهداء ” ص (78)
+ الرثاء: قصيدة رسالة الى ندى ص (81)
كما تضمّن أصنافا من الأدب:
+ أدب الحرب: قصيدة تجريب في قصيدة أدب الحرب ص (73)
+ أدب السجون: قصيدة سجون الاحتلال ص(69)
ب- المرجعية الدينية :
استخدم الشاعر معجما لغويا يشي بمرجعيته الدينية(الجنة /النار/ الحطب/النبي/الكافرون/ اللوح/ المتصوّفة/المريد/الحجب/ تُميتُ وتُحْيي/ /أرض مقدسة…) أسماء لأنبياء(داود/ سليمان/ عيسى /موسى/ النبيّ وصحبه)….
ومقابل هذا التجذر في موروثه الأدبي والثقافي فإن عنوان الديوان “لدى عينيها علائم زوبعة “يلخص زوبعة الشاعر التي طبعت قصائده بالتجديد:
4-2- الحديث في ديوان الشاعر حمد حاجي (طريفي):
أ- المرأة الحبيبة الجديدة:
إن غرض الغزل الذي غطّى ديوانه جعل الحبيبة مزدوجة الملامح فلم تعد تلك الحبيبة السلبية المنتظرة والمتلقية والمطيعة ..انها المرأة الجديدة :
– انها المرأة المتمردة ولطيفة الاحساس في نفس الوقت .
– انها المرأة الجريئة والمتحدية للشاعر وللمجتمع .
– انها المرأة الحقوقية التي تؤمن بحقها في الحب.
ووفق ملامح هذه المرأة الجديدة في ديوانه وردت العديد من القصائد منها:
– قصيدة “أهذا الهوى لعب؟ “ص(12)
– “قصيدة “كأنها أوتار كمان “ص(12)
– رباعية “وحبك يركض في ملعب القلب”ص (24)
– قصيدة” أثر الفراش “ص(84).
– قصيدة “هي قيثارة وأنا المايسترو”ص(45)
– قصيدة “وغلقت الروح” ص(49)
ب- نظرية التناص الحديثة:
* مفهوم التناصّ:
التناص”هو مصطلح صاغته جوليا كريستيفا للاشارة الى العلاقات المتبادلة بين
نصّ معيّن ونصوص أخرى وهي لا تعني تأثير نصّ في آخر أو تتبع المصادر التي استقى منها نصّ تضميناته من نصوص سابقة بل تعني تفاعل أنظمة أسلوبية
وتشمل العلاقات التناصية إعادة الترتيب والإيماء والتلميح المتعلق بالموضوع أو
البنية والتحويل والمحاكاة “(4) .
بعد كريتستيفا جاء الناقد رولان بارت فجعل” من التناص آلية تشمل كل نص
وبهذا ألْغَى رولان بارت أبوّة النص وقتل مفهوم المبْدع الأوْحَد حين انتقل بعملية
انتاج المعنى من المؤلف الى القارئ فجعل تأويل النصوص متعدّدا بتعدد القرّاء”.
ويقول ريفاتير” إن كل نص رَحمٌ لنص آخر في عملية الخلق الشعري لأن كل قصيدة لدى الشاعر انفتاح جديد لانفتاح وامتداد قديم وفق رؤية الشاعر واستثماره لطاقته الثقافية المخزونة التي تسهم في إغناء النص وشحنه بدفق إيحائي ودلالي عميق”(5).
*الغرض من التناص:
و”الغرض من التناص (الاقتباس والتضمين) المفارقة فقد برّر “إليوت” تناصّه مع “دانتي” مثلا في الجزء الأول (دفن الموتى)من قصيدة الأرض الخراب بقوله:” استعرْتُ أبياتا من دانتي في محاولة لإعادة إنتاج أو قل لإثارة ذكرى المنظر الذي صوّره دانتي للجحيم في ذهن القارئ لكي أقيمَ مقارنة بين جحيم
العصور الوسطى وجحيم الحياة المعاصرة”(6) .
كما لا يفُوتنا مجال التناص بين الكوميديا الإلاهية لدانتي مع رسالة الغفران للمعري وجدلية المقارنة بينهما.
*آليات وتقنيات ومظاهر التناصّ:
– آليات التناص(ثلاثة جوانب):- استدعاء الشخصية.
– استدعاء الوظيفة.
– استدعاء النص.
– تقنيات التناص:- الجلاء والخفاء.
– الكلية والجزئية.
– التوافقية والضدّية.
– المحورية والثانوية.
– مظاهر التناصّ: – التناص الديني.
– التناص الادبي.
– التناص الاجتماعي الأسطوري.
ان ماطبع قصائد الشاعر من بصمة المُتلد القديم لا ينفي الابداع فنجد التناص الأدبي والتناص الديني والتناص الأسطوري مطبوعا ببصمات الشاعر حمد حاجي:
1- التناص الأدبي:
أ- التناص الخارجي:
وهو التشابه أو التماثل بين نصوص مختلفة لا تعود لنفس الكاتب.
* التناص مع الشاعر كعب بن زهير
– قصيدة “بانت سعاد”:
يطالعنا الشاعر حمد حاجي بقصيدة “بانت سعاد” وهي أول قصيدة بالديوان.
والقصيدة تتناص مع قصيدة “بانت سعاد” للشاعر كعب بن زهير في مدح الرسول(صلى الله عليه وسلم) ويطلق عليها اسم “البردة”.
لئن قال كعب بن زهير قصيدته “بانت سعاد” كمقدمة طللية لقصيدة في مدح للرسول وهو تقليد أدبي دأب عليه الشعراء قديما لتقديم قصائدهم بذكر الحبيبة.
فان المفارقة التي هي الغرض من التناص جعلت الشاعر حمد حاجي يستخدم
آلية من آليات التناص بـأن استدعى الشخصية (سعاد) و النص (بانت من البيْن)
وجعل القصيدة تجسّد تجربة مع حبيبته سعاد الأسطورة التي استمتع بحبّها منذ عهد الصبا .انها مفارقة بين عصرين لشخصية سعاد الحبيبة(عصر الشاعر كعب بن زهير وعصر الشاعر حمد حاجي) فيقول:
وبرعم زهر على صدرها وهي بعد صغيرة.
وسعدى التي داعبتني عريسا وكانت أميره
تعشقتها في صبايا وقلت لها كلماتي الأخيره
ان فضل الشاعر حمد حاجي أن هذا التناص لا ينفي الابداع الذي تجلّى في:
+ الميتاشعرية حيث أن الشاعر حمد حاجي هدم مفهوما ليبني مفهوما آخر:
– هدم مفهوم المقدمة الطللية في القصيدة المدحية التي وردت فيها قصيدة
“بانت سعاد” للشاعر كعب بن زهير.هذه المقدمة التي لا تعْدو إلا أن تكون من المتخيل لدى الشاعر كعب بن زهير.
– بناء القصيدة وفق غرض الغزل الصرف والذي يجسد “تجربة” عاشها الشاعر
مع سعدى أيقونة حبّه وواقعا لعشقه لها منذ صباه الى أن تزوّجها وقد تكون متخيّلا.
+ المراوحة في الروي:
لئن استخدم الشاعر كعب بن زهير حرف اللام في الروي الدال على الوصف
فان الشاعر حمد حاجي قد راوح بين استخدام حرف الراء الذي له دلالته في الغزل مع الهاء الساكنة وهي حسنة في الطويل لانها تقوم مقام الاطلاق وفيها من الفخامة ما ليس في الاطلاق وحرف الهاء الساكنة هوحرف مهمُوس وكأني بالشاعر استخدمه لانه لا يريد أن يجهر ما بداخله( وهي بعد صغيره/ كلماتي الأخيره / وتمسح عيني القريره/ وأنسى الجريره).
واستخدم الشاعر أيضا حرف الحاء في الرويّ الدال على معنيين :
فهو يجمع بين الشعور بالمتعة والشعور بالألم والشاعر قد عاش مع حبيبته الشعور بالمتعة والشعور بالألم من خلال القصيدة:
– الشعور بالمتعة: أحطّ على ثغرها
مثلما النبع
فاض بماء وساح
– الشعور بالألم عند الفراق : هنا رهبة
وهناك صليل رماح
هنا ساحة للوغى
وهناك جنود مدججة بالسلاح.
* التناص مع عمر الخيام:
ان الديوان تضمّن تناصّا في شكل القصيدة مع رباعيات الخيام:
– قصيدة سابحة في صهيل الحروف ص(9):
وردت القصيدة في شكل مقاطع رباعية وتضمّنت سبع رباعيات.
– قصيدة”سوناتات عنكبوت قلبي”ص(43) وقد تضمّنت أربع رباعيات
وهذا الشكل من القصيدة يتناص مع رباعيات الخيام .
وللرباعيات رسالة يضمنها الشاعر فيها:
إن الشاعر حمد حاجي قد استخدم تقنية من تقنيات التناص المتمثلة في ثنائية
“التوافقية والضدية”:
– التوافقية:
يتفق الشاعر حمد حاجي مع الشاعر عمرالخيام في شكل القصيدة التي تتكوّن من مجموعة رباعيات مشحونة برسالة.
– الضدّية: لقد اختلفت مرجعية الرسالة لدى كل منهما:
لئن ضمّن عمر الخيام في رباعياته رسالة ذات مرجعية فلسفية روحية تتعلّق ب:” الأسئلة النهائية المتعلقة بالحياة والموت مع تقديم فلسفة على الطراز الأبيقوري تتلخص في عدم أخذ الأمور على محمل الجدّ مع التركيز على نوع التعالي الروحي الذي نجده عادة في الأدب الصوفي” (7)
فإن الشاعر حمد حاجي ضمّن رباعياته في قصيدة “سابحة في صهيل الحروف”
وقصيدة ” سوناتات عنكبوت قلبي” رسالة ذات مرجعية واقعية تتعلق بمفهومه الواقعي للعلاقات البشرية للمرأة التي يريدها كحبيبة أو كأمّ :
– قصيدة :”سابحة في صهيل الحروف”
لقد استهلّها بقوله: “أريدك امرأة بيقين النبي الرسول”
وقد جعل اللازمة (أريدك امرأة) ترديدة تتكرّر في مطلع كل رباعية تأكيدا على
الرسالة التي يريدها من المرأة الحبيبة .
– قصيدة سوناتات عنكبوت قلبي ص(43)
لقد ضمنها رسالة قيمة حبّ الأمّ وقد لخصها في المقطع الأخير للرباعيات بقوله:
فحبّك منه الجبال الرواسي تزول…ووحده حبّك ليس يزول.
والشاعر في رسالته لا يخفي عنا مرجعيته الدينية سواء مع الحبيبة التي يريدها
بيقين النبي الرسول او الأمّ التي كرّمها الله.
والشاعر يكرم المرأة حبيبة كانت أو أمّا لأن الله كرّم المرأة بأن خصّها بسورة
النساء التي تعتبر من المطوّلات وهي السورة الثالثة في الترتيب بالنصّ القرآني.
وبالتالي فلئن استخدم الشاعر حمد حاجي التناص الشكلي في الرباعيات فان ابداعه يكمن في ارتقائه بهذه الرباعيات الى العالمية في علاقته بالمرأة الحبيبة
أو الأمّ.
– رباعيات ” بورتري لها ” سوناتات صغرى ” ص(41/42) وهي مزاوجة بين الشعري والتشكيلي.
– الرباعات المنفردة على غرار الهايكو الياباني :وردت في الديوان تسع رباعيات
منفردة ص(24/25) ص (84/85)
* التناص مع المتنبي:
ان الشاعر يستدعي نصّ المتنبي الذي يقول:
ودع كل شعر غير شعري فإنني// أنا الطائر المحكي والآخر الصدى.
يقول الشاعر حمد حاجي في قصيدته “حب بمغسل الصوف” ص(32):
“أهيْل الهوى من ترى مبلغا.. أنني الصوت والآخرون الصدى”
لئن كان بيت المتنبي يحكي علاقة الذات الشاعرة بالآخر حيث يضعها في فضاءات العلوّ فان الشاعر حمد حاجي ببيته يضع نفسه في فضاءات العلوّ في الهوى والحب.
ان فضل الشاعر حمد حاجي أنه يتعالى عن “غرور” المتنبي في أفضلية شعره
عن أي شعر ليجعل تجربته في الهوى هي الأفضل لأنه جعل حبه تجربة اليومي من الحياة في الريف وفي الحضر.
ب- التناص الداخلي:
التناص الداخلي هو تناص الكاتب مع نفسه في ذات النص أو في نصوص أخرى من نصوصه فتصبح بمثابة كلمة مفتاحية يُعرف بها.
استخدم الشاعر اللازمة الشعرية التي تتردد في بداية كل مقطع من مقاطع القصيدة:
– قصيدة سابحة في صهيل الحروف(أريد امرأة..)تتكرر في كل مقطع من الرباعيات الداخلية ص (9).
– قصيدة” حب بمغسل الصوف” ص(32) (أهيْل الهوى)
– قصيدة “هنا مطر وهناك مطر”(أيا مطر…أيا مطر..) ص (56).
– قصيدة “كأنها أوتار كمان” (تقول تعال) ص (14)
2- التناص الديني:
يستخدم الشاعر آلية من آليات التناص تتمثل في:
* استدعاء الشخصية الدينية:
– النبي موسى (قصيدة “حب بالحصيدة “ص 37)).
– النبي عيسى (قصيدة “امرأة باكية “ص(63) ).
– النبي داوود(قصيدة “بانت سعاد” ص(5)).
– مريم العذراء قصيدة ” على عربة الكاليس” ص(76) (وجاءت وقلت طهورا…أيا مريمي ..)
* استدعاء النص الديني:
– الصلاة على النبي محمد( قصيدة “وغلقت الروح” ص(48))
– نار نمرود( قصيدة “وغلقت الروح”ص(48).
– الجنة والنار(قصيدة “ماذا لو أنت بالجنة وأنا بالنار؟ “ص(82))
ان استدعاء النص الديني للجنة والنار قد استوحى وصف الجنة والنار من النصّ القرآني.
ان هذا التناص الديني يشي بمرجعية الشاعر الدينية .
ومن خلال هذه المرجعية الدينية يجسد الشاعر جدلية الأصل والحداثة والثابت والمتحول فالشاعر متجذّر في الأصل والثابت من انتمائه الديني الاسلامي لكنه يرى هذا الأصل وهذا الثابت بعين الحداثة وإمكانية المتحوّل .
فاستدعاؤه للشخصية الدينية أو للنص الديني إنما ليضفي القدسية وشيءا من الروحانية على تجارب الحب التي يعيشها الشاعر في الواقع أو في المتخيّل لاثارة فضول القارئ للتأويل.
3- التناص الأسطوري:
لقد استخدم الشاعر تقنية من تقنيات التناص وفق ثنائية “المحورية والثانوية”
فاكتفى بذكر الأسطورة بطريقة ثانوية في كل من القصيدتين :
– قصيدة “بانت سعاد” ص(8) ذكر أسطورة “معابد فضة”.
– قصيدة “وغلقت الروح”ص (49) ذكر الشاعر أسطورة ” ثعابين هرمس”
من الجدير بالذكر “أن التناص في النقد الحديث لم يعد نقطة ضعف في النص
بل هو شيء حتمي لا بد من وقوعه بالاضافة الى ذلك أصبح يُعدّ إشارة الى سعة اطلاع الشاعر ومعرفته الثقافية وقراءاته المتعدّدة بل إن الشاعر المتمكن هو الذي يستطيع استحضار النصوص السابقة لنصّه بالشكل الذي يخدم نصّه”(8)
ج- نظرية التلقي الحديثة:
يندرج ديوان الشاعر حمد حاجي ضمن نظرية التلقي الحديثة لياوس وآيزر من خلال:
+ الفجوات النصية:
لقد تضمن الديوان 383 فجوة نصية بمعدل عشرة فجوات بكل قصيدة(10)
+ زاوية النظر:- انعدام التصديرات.
– التساؤلات التي تتضمنها القصائد ومنها:
– قصيدة “أهذا الهوى لعب؟”ص(12)
– قصيدة “أغنية الارجوحة” ص (30).
– قصيدة ” ومن الحب ما رفع “ص (40)
– قصيدة “ماذا لو أنت بالجنة وأنا بالنار؟”.
– ان تواتر هذه الفجوات النصية تفتح أمام القارئ باب التأويل بما في التأويل من نسبية تجعل القصيدة الواحدة قابلة لعدة تأويلات على عدد القراء.
– ان الشاعر لم يُصدّرْ قصائده بأيّ تصدير حتى لايحدّ من زوايا النظر لدى القارئ.
– كما أن القصائد المذكورة أعلاه قد قامت على التساؤل وطرح السؤال ل”توريط” القارئ في التأويل .
وصناعة الأسئلة هي من أدوات الشعر الحديث.
د – تنافذ الحقول الأدبية والفنية في الديوان:
لم يعد ايقاع القصيدة الوزن والقافية والتفعيلة بل أصبح الحديث حول انفتاح النص
على الحقول الأدبية الأخرى وعلى الأجناس الأدبية والفنية الأخرى .
لقد أصبح الحديث عن كسر القطيعة بين جنس وجنس وانتهاك حرمة أفضلية
جنس أدبي على جنس أدبي آخر أو فني آخر:
+ التنافذ بين الشعر وأجناس السرد : تسريد الشعر:
أصبحت القصيدة سردا بما فيه من مقومات السرد(اطار زمكاني/شخصيات /أحداث) وأركانه (حوار/ وصف) ومن القصائد السردية:
قصيدة:” كأن خطاها الكمنجة والمشي أوتار”ص(18).
قصيدة::”وغلقت الروح”ص(48).
قصيدة :”رسالة من أ بي عبيدة الى ممرضته” ص(65).
وتسريد القصيدة قد انفتح على العديد من أدب السرد:
*أدب السيرة الذاتية (قصيدة رسالة من أبي عبيدة الى ممرضته ص(65))
*أدب المذكرات: قصيدة” بانت سعاد” ص(5)/ قصيدة “حب بالحصيدة “ص(37)
* أدب الرسائل:( قصيدة “رسالة من أبي عبيدة الى ممرضته “/ قصيدة رسالة الى ندى”).
أدب التحليل النفسي :قصيدة “العلاج بالرسم” ص (58)
*أدب الحرب قصيدة “هنا مطر.. وهناك مطر” ص(56)
“قصيدة “تجريب في أدب الحرب” ص (73))
*أدب السجون قصيدة “سجون الاحتلال” ص(69).
*أدب الحلم قصيدة “حب بمغسل الصوف “ص(32)
قصيدة “خطبة الوداع “ص(54).
*أدب الكوميديا الساخرة أو المحاكاة الساخرة باستخدام السخرية والمقارنة والقياس والتورية..
والكتابة الساخرة تنقل رسالة أخلاقية تجعل القارئ يفكر ويحثّ على التغيير
ومن قصائد الكوميديا الساخرة بالديوان :
– قصيدة “تجريب في الباروديا”ص(51) والقارئ هنا قد يحث على حسن توظيف وسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصال.
– قصيدة “خطبة الوداع” ص(54) والقارئ هنا قد يدعو الى تكافؤ سن الزواج بين الزوج والزوجة.
+ التنافذ بين الشعر والفنون:
* المزاوجة بين الشعر و فن الموسيقى:
– قصيدة “كأن خطاها الكمنجة والمشي أوتار” فكل شيء في الحبيبة موقع فيها.
*المزاوجة بين الشعر وفن المسرح:
– قصيدة” حبّ بالحصيدة “ص (37) فالقصيدة جمعت بين الشعر وفن المناظرة الشعرية” فمنْتَجَها” الشاعر وجعل لها ركحا مسرحيا يقف فوقه الحبيبان ويتقابلان في مناظرة شعرية يبوح كل واحد منهما بما يُخالجُ قلبه وخلف الستار الراوي الذي يقدم لهذه المناظرة الشعرية.
وقلت :
أحبك يا بنت قلبي
نبيّ ومعجزة
له نهي وأمر…
فقالت:
كأنك موسى
وجوفي عصاه
وهذي الصبابة بحر..
وتنتهي القصيدة بين “قلت”/”قالت” لتنفتح القصيدة على أدب الحلم وهو مشهد يكسر أفق انتظار القارئ وينتهك حرمة واقعية المسرحية ليجعلها تندرج في الحلم والمتخيل.
* المزاوجة بين الشعري والتشكيلي:
لقد زاوج الشاعر بين الشعري والتشكيلي في قصيدة “لو أنت بالجنة وأنا بالنار..”
ان الشاعر قد شكل بالكلمة لوحتين تشكيليتين:
– لوحة بالنار :
هبي أنني في هباب جهنم
محشورة أضلعي وأنادي وأنتحب…
– لوحة بالجنة:
وأنت بجنات ربك…
تحتك أنهار خمر وسكناك قصر وما كتبوا..
وفوقك فاكهة متدلية وثمار…
وفي معصميك الأساور والذهب…
لقد زاوج أيضا بين الشعري والتشكيلي في قصيدة:
“بورتري لها “سوناتات صغرى”ص(41)
وفي هذا الاطار فان الشاعر قد أخذ من من كل جنس أدبي ومن كل جنس فنّي بطرف. وهذا من الطريف الممتع في ديوانه.
ه – الميتاشعرية:
و يُعنى بمصطلح “الميتاشعري” كل قصيدة أيّا ما كانت طبيعتها ترتكز على الشعر من داخل الشعر نفسه أي ما نجده في القصيدة العربية الحديثة من وصف الشاعر لحالات قصيدته من الداخل بحيث يصبح الشعر موضوعا من موضوعات الشعر ويتولى الشاعر بلغته الواصفة الخاصة الكلام عن الشعر وما يتعلق بمفهوماته وحدوده ولغته ورؤيته للعالم “(9).
في هذا الاطار تحدّث الشاعر عن هاجس القصيدة في قصيدته :
“امرأة باكية” ص(63).
لقد تجسد هاجس القصيدة في كتابة الشعر الملتزم بالقضية الفلسطينية.
وقد أهداها الى الشاعرة فوز الفلسطينية : يقول الشاعر:
سأمشي بنهر الحروف الى باسقات المعاني ويسقط رطب علينا
ونخل
أظل أقمطك كالرضيع وأن ليس يرعى الطفولة الا حنون وكهلُ
كأن دواتي ومحبرتي لجّة والقصيدة درٌّ وغاص اليها شعور وعقلُ
فهذي القصيدة تأتي بتولا كما أمّ عيسى ..فنسلٌ وما مسّها قطّ بعْلُ
لقد جسّد الشاعر حمد حاجي هاجس القصيدة الملتزم بالقضية الفلسطينية في
القصائد التالية من ديوانه:
– قصيدة: “هنا مطر…وهناك مطر”ص(56)
– قصيدة :”رسالة من أبي عبيدة لممرضته”ص(65)
– قصيدة :”فلسطين” رباعية منفردة ص(85)
الخاتمة:
لئن كان الشاعر حمد حاجي متجذّرا في موروثه الأدبي فان ديوانه “لدى عينيها علائم زوبعة” قد جسّد جدلية “متلدي وطريفي ” وجدلية القديم والحديث والأصل والحداثة والثابت والمتحوّل.فكان ديوانه بمثابة زوبعة بين القديم والحديث قد أنتجت تجديدا بديوانه على العديد من المستويات شكلا ومضمونا. .
شكرا للشاعر حمد حاجي على قلمه المجدّد.
بتاريخ 16/10/ 2024
المراجع:
https://www.arab48.com>(1)
الالوان ودلالتها في علم النفس- عرب 48
https://www.edarabia.com>…(2)
اللون الاصفر دلالاته ومعانيه وابعاده
https://www.facebook.com>videos(3)
اللون الرمادي. واللون الرمادي يعتبر من منظور علم النفس لونا محايدا
https://ar.wikipedia.org>wiki>(4)
تناصّ- ويكيبيديا
https://www.iraqi-res.com>..(5)
التناص مفهومه وماهيته
https://arrafid.ae>article-Preview(6)
التناص..في البلاغة العربية والنقد الحداثي- مجلة الرافد
https://medium.com>the- east-berry(7)
رباعيات عمر الخيام الكلاسيكية الخالدة
https://mawdoo3.com>..(8)
مفهوم التناص في اللغة العربية
https://www.alquds.co.uk>…(9)
الميتاشعري بوصفه خطابا(1-2):عندما تفكر القصيدة في نفسها ومآلاتها- القس العربي.
الفهرس:
1- التقديم المادي للديوان
2- في قراءة لرمزية الألوان ودلالتها(بغلاف الديوان)
3- في قراءة للعنوان “عند عينيها علائم زوبعة”
4- الديوان وجدلية “طريفي ومتلدي”.
4-1- القديم في ديوان الشاعر حمد حاجي( مُتلدي).
أ- أغراض الشعر بالديوان
ب- المرجعية الدينية
4- 2- الحديث في ديوان الشاعرحمد حاجي(طريفي)
أ- المرأة الحبيبة الجديدة.
ب – نظرية التناص الحديثة.
1- التناص الأدبي:
+ التناص الخارجي.
+ التناص الداخلي.
2- التناص الديني.
3- التناص الأسطوري.
ج- نظرية التلقي الحديثة.
د- تنافذ الحقول الأدبية والفنية:
+ التنافد بين الشعر وأجناس السرد: تسريد الشعر.
+ التنافذ بين الشعر والفنون.
ه – الميتاشعرية.
الخاتمة: