في مثل هذا اليوم25اكتوبر1977م..
نجاة وزير الخارجية السوري عبد الحليم خدام من محاولة اغتيال في مطار أبو ظبي في ختام زيارة للإمارات العربية المتحدة، بينما أصيب نظيره الإماراتي سيف غباش بعدة رصاصات وتوفي لاحقاً متأثراً بإصابته.
جا السيد عبدالحليم خدام نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية السوري من محاولة لاغتياله وقعت هنا قبل ظهر أمس، لكن المرحوم سيف بن غباش وزير الدولة للشؤون الخارجية في دولة الإمارات قضى بثلاث رصاصات غادرة. تردد ان الجناة ثلاثة، فر اثنان، وقبض على الثالث، وهو فلسطيني من مواليد بغداد، عمره 19 سنة، كان يرتدي عند ارتكابه الحادث «دشداشة». اجتمع مجلس الوزراء الاتحادي مساء أمس. وقرر اتخاذ إجراءات أمنية، بينها إبعاد العناصر المشبوهة والمتسللة التي تستغل حُسن الضيافة في دولة الإمارات. وسينقل جثمان الفقيد سيف بن غباش بطائرة هليكوبتر اليوم إلى رأس الخيمة، حيث يوارى الثرى. وكان السيد خدام قد عاد إلى دمشق واتهم العراق بتدبير محاولة الاغتيال.
كيف وقعت المحاولة الفاشلة؟ وكالات الأنباء اعطت على لسان مراسليها في أبوظبي التفاصيل التالية:
بعد ان أنهى السيد خدام محادثاته مع المسؤولين في أبوظبي، توجه وبرفقته المرحوم سيف بن غباش إلى المطار ليستقل الطائرة السورية الخاصة إلى الدوحة في المرحلة الرابعة من جولته الخليجية.
ولدى وصولهما إلى الباب الخارجي أنهال الرصاص من الشرفة العلوية على الوزيرين، فجرى خدام بسرعة إلى قاعة كبار الزوار ودخلها قبل ان ينال منه الرصاص، بينما أصابت ثلاث طلقات وزير الدولة للشؤون الخارجية. واحدة في كتفه، واثنتان في بطنه، وسقط مضرجاً بدمه.
لم يعرف للوهلة الأولى عدد المهاجمين، لكن رجال الأمن بادروا فور سماعهم الطلقات إلى صالة الاستقبال، في حين اندفع مطلق النار إلى غرفة الطعام في الصالة، ومنها إلى صالة الترانزيت، وبعد ان أطلق زخة من رشاشه باتجاه رجال الأمن اندفع مسرعاً إلي ممرات المطار، واستطاع تحت تهديد السلاح احتجاز سبعة عمال اقتادهم إلى الطائرات الجاثمة بالمطار، حيث طلب طائرة للإقلاع بها إلى جهة لم يحددها، وكان قد حضر إلى المطار الشيخ حمدان بن محمد نائب رئيس الوزراء، والشيخ محمد بن راشد وزير الدفاع، والسيد أحمد خليفة السويدي وزير الخارجية، كما وصلت إلى المطار مجموعة من الدوريات المسلحة، تمركزت في ممرات المطار، في حين أحاط رجال الأمن بالمطار من الخارج، ومنع الدخول إليه أو الخروج منه، كما منع الصحافيون والمصورون الذين كانوا في المطار لتغطية سفر خدام من التحرك من أماكنهم، وأغلق المطار أمام حركة الطيران.
ومع وصول دوريات الأمن وصلت عربة إسعاف قامت بنقل السيد بن غباش إلى المستشفى العسكري وهو في حالة غيبوبة تامة، وادخل فوراً إلى غرفة العمليات حيث لفظ أنفاسه.
استسلم الجاني وأبلغ خدام بهويته
رفض المسؤولون طلب الجاني، واستمروا يفاوضونه لمدة ساعة ونصف الساعة، أعلن بعدها انه استسلم، وبعد ذلك بربع ساعة، تسلم السيد خدام ورقة صغيرة يعتقد انها تحدد اسم الجاني وهويته. وكان الوزير السوري قد أجرى فور الحادث اتصالات مع عدد من كبار المسؤولين في دولة الإمارات، معرباً عن أسفه لوقوع مثل هذا الحادث في دولة الإمارات «المضيفة لكل أبناء العالم العربي»
وطالب بضرورة كشف الجناة، ثم بقي في المطار تحت حراسة مشددة، وأجرى اتصالين بسفيري سوريا في الدوحة والبحرين، يعتذر فيهما عن متابعة جولته، كما طلب من السفير السوري في أبوظبي إبلاغ دمشق بقراره وقطع جولته والعودة إلى العاصمة السورية، وانتظر في المطار حتى وصلت طائرة خاصة تابعة لدولة الإمارات استقلها إلى دمشق، في حين غادرت طائرته الخاصة التي وصل بها من الكويت خالية إلى العاصمة السورية، وبعد سفره غادر المطار كبار المسؤولين في الدولة، في حين توجه كبار رجال الأمن والقوات المسلحة إلى حيث كان الجاني معتقلاً، وأُعيد فتح المطار في وجه الملاحة الدولية.
وقال مراسل وكالة الأنباء القطرية في أبوظبي إن الجاني وصل إلى المطار كشخص عادي، واتجاه إلى الصالة، أطلق النار باتجاههما من الشرفة العلوية، التي يقف عليها المستقبلون والمودعون عادة، وهؤلاء لا يخضعون للتفتيش.
وفور دخول الوزيرين خدام وبن غباش إلى الصالة، أطلق النار باتجاههما من الشرفة العلوية وعلى بعد خمسة أمتار منهما، فأسرع خدام بالجري إلى صالة كبار الزوار، ولم يُصب، في حين سقط زميله صريعاً، وكان قد تردد ان الجناة ثلاثة، وان اثنين منهما تمكنا من الفرار.
غباش يشيع اليوم إلى رأس الخيمة
وكان راديو أبوظبي قد قطع برامجه في الساعة الواحدة إلا ربعاً بعد ظهر أمس، وبدأ في إذاعة القرآن الكريم. وبعد عشر دقائق قطعت إذاعتا دبي والشارقة برامجهما تمهيداً لإعلان النبأ الحزين.
وفي الثانية والنصف نعى الشيخ زايد بن سلطان رئيس الدولة والمجلس الأعلى للاتحاد ومجلس الوزراء ووزارة الخارجية الفقيد الكبير، وقال بيان النعي: «اننا في دولة الإمارات العربية المتحدة، إذ ننعي إلى شعب الإمارات والأمة العربية والعالم الإسلامي، أحد رجالاتها البارزين الذين أفنوا حياتهم في خدمة قضايا الأمة العربية في مختلف المحافل، وقدموا لهذه القضايا كل ما لديهم من طاقات وعلم وتفان واخلاص، نسأل الله تعالى ان يتغمد الفقيد بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ويلهم أسرته ويلهمنا جميعاً الصبر والسلوان، «إنا لله وإنا إليه راجعون».
كما عقد مجلس الوزراء في الإمارات اجتماعاً طارئاً في السابعة مساء أمس، بحث فيه محاولة الاغتيال ومصرع المرحوم سيف بن غباش، وتقرير تشييع الفقيد من المسجد الكبير في العاصمة إلى مثواه الأخير في رأس الخيمة.
خدام: الجناة قدموا من بغداد
ولدى عودته إلى دمشق، نقلت عنه وكالة أنباء الشرق الأوسط قوله إن «المجموعة التي قامت بمحاولة الاغتيال قدمت من بغداد». وان الجاني أطلق نحوه 27 طلقة من مدفع رشاش كندي الصنع، وأعرب عن أسفه الشديد لمصرع الفقيد سيف بن غباش، وقالت وكالة أنباء «رويترز» إن السيد خدام اتهم «عاصمة عربية» بتدبير محاولة الاغتيال، ونقلت عنه قوله «ان الزمرة التي أوفدتها هذه العاصمة لاغتياله تدرك جيداً ان هذا العمل يخدم العدو الإسرائيلي أولاً».
«وان الذي ارتكب محاولة الاغتيال قدم من بغداد إلى أبوظبي واستخدم مسدساً رشاشاً من صنع بولندي، وأطلق 36 طلقة ادت إلى مقتل وزير الدولة للشؤون الخارجية في دولة الإمارات».
وقال السيد خدام: «انه أمر طبيعي ان تقوم بعض الجهات التي لم تستطع ان تثني موقف سوريا من متابعة مسيرتها النضالية وموافقها القومية الواضحة لمحاولة كهذه المحاولة. ولا شك ان أولئك الذين يشنون حملة مسمومة ضد سوريا تحت عنوان الشعارات يعملون عكس الأهداف التي يطرحونها عادة، وبالتأكيد فإن العاصمة العربية التي أوفدت هذه الزمرة، تدرك جيداً ان هذا العمل الاجرامي يخدم العدو الإسرائيلي أولاً».
وأعرب السيد خدام عن أسفه وحزنه الشديدين لمقتل السيد بن غباش، وقال: «ان استشهاد الصديق بن غباش، وهو أحد خيرة القوميين في العالم العربي، ليس خسارة لدولة الإمارات وحدها بقدر ما هو خسارة للأمة العربية، لا سيما أن الكثيرين يعرفون ما قدمه الفقيد من أعمال جليلة للقضية العربية والقومية».
وتحدث السيد خدام عن مهمته في دول الخليج العربي، فقال: «لقد حملت إلى رؤساء هذه الدول الشقيقة رسائل من الرئيس حافظ الأسد حول الأوضاع الراهنة وما تستلزمه من تضامن بين الأقطار العربية، والعمل على تعزيز وحدة الموقف العربي لمواجهة الظروف الصعبة التي تجابهها الأمة العربية».
وذكر أن رؤساء هذه الأقطار حملوه رسائل جوابية إلى الرئيس الأسد يشاركونه فيها وجهات نظر سوريا حول أهمية العمل على توحيد الموقف العربي وحشد الطاقات في مواجهة المرحلة المقبلة!!