في مثل هذا اليوم 2 نوفمبر1921م..
استيلاء السلطان عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود على حائل وانتهاء إمارة آل رشيد الشمريين.
الدَّولةُ السَّعوديّة الثالثة هي وريثة الدولتين السعوديتين: الأولى والثانية، تأسَّست في (5 شوال 1319 هـ / 15 يناير 1902م)، على يد الملك عبد العزيز آل سعود الذي تمكن من استعادة مدينة الرياض؛ ليؤسس الدولة السعودية الحديثة والمعاصرة (المملكة العربية السعودية).
عُرفت الدولة السعودية الثالثة في بداية عهدها باسم إمارة الرياض، وبعد ضم الأحساء سمِّيت إمارة نجد والأحساء. وتمكَّنت الإمارة من التوسُّع حتى استطاعت عام 1921 من السيطرة على كامل أراضي نجد بعد اسقاط إمارة حائل المنافسة. واصبحت إمارة نجد والأحساء تُعرف باسم سلطنة نجد، ثم مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها، واستمرَّ هذا الاسم معتمدًا حتى إعلان قيام المملكة العربية السعودية عام 1932.
توجه الأمير عبد العزيز، من الكويت إلى (عوينة كنهر)، في طريقه إلى استرداد الرياض. 15 ربيع الآخر 1319هـ – يوليو 1901م. وتشير المصادر التاريخية إلى أن الأمير عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، كان قد استأذن من الشيخ مبارك ووالده عبد الرحمن، بالتوجه صوب الرياض، ومحاولة الاستيلاء عليها واستردادها، فأذن له الشيخ مبارك ووالده عبد الرحمن، فتوجه إلى الرياض مع بعض قواته، فدخلها بغتة، فلجأت حاميتها إلى الحصن وتحرزت به، فحاصرها عبد العزيز قرابة أربعة أشهر، وقرر إرغامها على التسليم بهدم جانب من الحصن، ولكن هزيمة الشيخ مبارك ومن معه في الصريف جعلت عبد العزيز ينسحب، ويخلي الرياض، ويعود إلى الكويت. وقد أكسبته هذه المحاولة خبرة جديدة، وزادت معرفته بالرياض وأهلها، وعرف مدى استجابتهم لعودة حكم آل سعود، وكرههم لسيطرة آل رشيد، فأحيت في نفسه الآمال، وقوت رجاءه بربه في إمكان استعادة ملك آل سعود.
لقد عاد الأمير عبد العزيز، مرة أخرى، إلى الكويت، ليعيش مع والده فيها، مستفيدا من تجربته الأولى، ونجاحه النسبي في دخول الرياض، فبدأ يخطط لإعادة المحاولة. يقول أمين الريحاني في كتابه «تاريخ نجد الحديث»: «إن عبد العزيز، استمر محاصراً لقصر المصمك، مدة أربعة أشهر»؛ لقد جدد بقاؤه في الرياض هذه المدة، معرفته بتلك البلدة، سكاناً وأرضاً وتحصيناً، كما أظهره أمام الآخرين بمظهر القائد الكفء، ومكنه من تعرف أوضاعها، ومواقف الناس فيها، خاصة من لهم تعاطف مع آل سعود. وهذا كان له أكبر الأثر في تشجيعه على تكرار المحاولة، مرة أخرى. ومن هنا، جاء إلحاحه الشديد على أبيه، والشيخ مبارك بن صباح، بعد عودته إلى الكويت، في السماح له بأن يبدأ بالخروج من الكويت، قائداً لغزوات، وقد عارضه والده، في بداية الأمر. ولعل معارضة الإمام عبد الرحمن لابنه، عبد العزيز، مردها إلى أن التجارب المرة، التي واجهها الأب، وبخاصة ما حدث في معركة الصريف، جعلته يقتنع أن أي عمل عسكري، في تلك الفترة، قد يؤدي إلى نتائج وخيمة، لابنه وأسرته. إلا أن الأمير عبد العزيز، كان ينظر إلى ما جرى في الرياض على يديه هو، ولا ينظر إلى ما دار في الصريف، التي لم يحضرها. أمّا موقف الشيخ مبارك بن صباح، فقد كان مغايراً لما يراه الإمام عبد الرحمن؛ إذ رحب بفكرة الأمير عبد العزيز، وإن كان غير مقتنع بنجاحها؛ فإن مثل هذه المحاولة، ستشغل أمير حائل، عبد العزيز بن متعب الرشيد، عن مضايقة الكويت وتهديدها، مما يخفف الضغط عليها، إن لم يزله كليةً.
الحشد للرياض
وسمحت الفرصة للأمير الشاب عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود، وهو في الكويت، أن يخوض أولى تجاربه العسكرية؛ ففي الأشهر الأولى من عام 1318هـ – يونيه 1900م، قام شيخ الكويت، الشيخ مبارك بن صباح بحشد قواته، في منطقة الجهراء، استعداداً لمحاربة ابن رشيد. وكان الإمام عبد الرحمن بن فيصل، ضمن جيش الشيخ مبارك، يرافقه ابنه، عبد العزيز، في هذه الحملة. ووصل الجيش إلى مكان في نجد، يسمى «الشوكي»، على بعد مئة وستين ميلاً من الرياض، إلى جهة الشمال الشرقي منها. وفي ذلك المكان، فارق عبد العزيز جيش الشيخ مبارك، وسار على رأس قوة صغيرة، متجهاً إلى الرياض، أملاً في انتزاعها من عبد الرحمن بن ضبعان، الأمير المعين عليها من قبل ابن رشيد. وقد تمكن عبد العزيز من الوصول إلى الرياض، بعد يومَين فقط، ودخل الرياض دون صعوبة، ثم بدأ بحصار أميرها، الذي اعتصم بقصر المصمك. وعلى إثر هزيمة الشيخ مبارك في معركة الصريف، التي حدثت في 17 مارس 1901م، فك عبد العزيز الحصار المضروب على قصر المصمك، وغادر الرياض، قافلاً إلى الكويت. بعد حصول الأمير عبد العزيز على موافقة والده، وتأييد الشيخ مبارك بن صباح، خرج من الكويت، غازياً، في النصف الأول من عام 1319هـ – 1901م، بعد أن جهزه شيخها ببعض الأسلحة والمؤن والركائب. وبدأ الأمير عبد العزيز رحلته إلى الرياض، ومعه عدد من أقربائه ومؤيديه، يرجح أنهم لا يزيدون على الأربعين.
في 29 كانون الأول (ديسمبر) 1906 قتل أمير حائل الجديد متعب الرشيد، (الذي حكم أقل من عام)، مع ثلاثة من إخوانه على أيدي سلطان وسعود وفيصل أبناء حمود الرشيد. ولم يتخلص من الموت إلا الصبي شقيق الأمير متعب الأصغر، الذي أنقذه خاله من آل سبهان، وأرسله إلى المدينة المنورة التي كانت تحت السيطرة العثمانية. وصارت المعونات التي يقدمها الباب العالي إلى آل الرشيد تصل إلى المدينة مباشرة، وكان ذلك دليلا على موقف الأتراك السلبي من مغتصبي السلطة في حائل.
أخذت إمارة آل الرشيد تزداد ضعفا، وراح شيخ قبيلة الرولة نوري الشعلان يدعي بإمارة الجوف، بعد أن وسع ديرة قبيلته في أراضي جنوب سورية، وشرقي الأردن حاليا. واستفاد السعوديون من القلاقل في جبل شمر ليجتذبوا إلى القصيم قوافل الحجاج القادمة من العراق وبلاد فارس. واشتد الصراع بين حكام حائل، وحدثت تبدلات سريعة بين الأشخاص الممسكين بزمام الأمور فيها. وحل محل سعود بن حمود سعود بن عبد العزيز الرشيد، الصغير السن، الذي أعاده إلى حائل في عام 1909 أخواله من أسرة آل سبهان القوية، وظل أبناء هذه الأسرة يمثلون السلطة الفعلية في الإمارة، وحتى سقوط إمارة جبل شمر في عام 1921، استلم زمام الحكم فيها حوالي عشرة من الأمراء أو الأوصياء.
ولم تتمكن إمارة جبل شمر التي غدت ضعيفة من الاستفادة من التوقف المؤقت في التوسع السعودي، مع أن القصيم كانت مضطربة، وانفصل عن أمير الرياض فيصل الدويش، وسائر زعماء مطير؛ إذ دخلوا في تحالف سري مع حاكم بريدة عبد الله أبا الخيل .
وفي نيسان – آيار (أبريل – مايو) 1907 نشبت قرب مدينة المجمعة في سدير معركة بين مطير وقوات ابن سعود، المكونة بالأساس من قبيلة عتيبة، واندحرت مطير، وأصيب فيصل الدويش بجراح في هذه المعركة، فطلب الصلح وأعرب عن خضوعه لابن سعود. كان كالسابق زعيما لقبيلة قوية، وفي تلك الأزمان العصيبة كان ابن سعود بحاجة إلى أصدقاء أحياء أكثر من حاجته إلى أعداء موتى، ولذا تقبل تأكيداته بالولاء.!!