**غربة وحنين**
أحياناً تكون الغربة كقبر للأحياء، وأحياناً أخرى ملاذاً لمن اضطرتهم الحياة للسعي وراء العيش الكريم. وفي انشغال كل إنسان بهمومه وأعبائه، تتسع الفجوات بيننا، وتسرقنا الأيام لنجِدَ أنفسنا ضائعين. كم هي مبعثرة تلك الأماني والأحلام الجميلة! لكن يبقى القلم صديقاً وفيّاً لا يفارقنا أبداً؛ فهو الذي ينصت إلينا ويعبر عنّا، ويتواصل مع أقراننا، فيخفف من همومنا ويبوح بما نعجز عن قوله في لحظة خجل أو خوف. إنه يملك من الجرأة الكثير مما تخفيه أعماقنا، لكنه حرٌّ فيما يقول، حين تُعجزنا إرادتنا عن البوح.
وفي خضم تلك الرحلة الطويلة من الغربة والتجارب القاسية، ينشغل كلّ منا في دوامة حياته، ليبدو أن الأيام تتكفّل بزيادة المسافة بيننا وبين من نحب. وتصبح الأماني كأوراق متناثرة تائهة، تعصف بها الرياح إلى حيث لا عودة. لكننا، وسط ذلك البعد والتبعثر، نجد في القلم ملاذاً آمناً يظل بقربنا، لا يتخلّى عنّا مهما بلغت العزلة، فهو رفيق بوحنا، ومرآة أفكارنا، وصوت قلوبنا الذي لا يعرف الخجل أو الخوف.
وهكذا، حينما نخوض في دهاليز الغربة ونشعر بثقل الوحدة، يبقى القلم رمزاً للصمود والتواصل، ذلك الرفيق الصامت الصدوق الذي لا يتغير. نستودعه أسرارنا وهمومنا، ونجد فيه ملاذاً آمناً يخفف عنا أوجاع الغربة ويعطينا حرية البوح التي نفتقدها. فما أجمل أن يمتلك الإنسان قلماً يعينه على التعبير، ويمدّه بجرأة ترفع عنه قيود الصمت، وتجعل من كلماته جسراً يصل به إلى قلوب الآخرين، مهما باعدت بينه وبينهم المسافات.
عائشة ساكري – تونس_3_11_2024