فى مثل هذا اليوم 7نوفمبر1917م..
القوات البريطانية بقيادة الجنرال إدموند ألنبي تتمكن من الاستيلاء على قطاع غزة بفلسطين من القوات العثمانية.
إدموند ألنبي؛ جنرال بريطاني مخضرم وضابط عسكري كبير، استولى على القدس من يد العثمانيين بعد 4 قرون من سيطرتهم عليها، أثناء توليه قيادة قوة الاستطلاع المصرية التابعة للجيش الإمبراطوري خلال حملة سيناء وفلسطين في الحرب العالمية الأولى.
تولى مناصب عليا في الجيش البريطاني، كما شغل منصب المفوض السامي الخاص في مصر والسودان، تخرج في الكلية العسكرية الملكية ساندهيرست، وبسبب حدّته وضخامته لقّبه عساكره وزملاؤه بالثور. ولد عام 1861م في نوتنغهامشير وسط إنجلترا، وتوفي بعد نزيف دماغي في 1936م بلندن.
المولد والنشأة
ولد السير إدموند ألنبي في 23 أبريل/نيسان عام 1861م في نوتنغهامشير على الحدود مع مقاطعة جنوب يوركشاير لأبوين من عائلة ميسورة الحال، وتلقى تعليمه في مدرسة “هايلي بيري” (Haileybury) العامة شمال لندن.
وبالرغم من عدم رغبته مطالعَ شبابه في أن يكون جنديا، إلا أنه تخرج ملازما في الكلية الملكية العسكرية ساندهيرست بعد سنتين من التحاقه بها سنة 1880م.
كان إدموند ألنبي سريع الغضب تجاه أدنى تصرف لا يعجبه، وفضلا عن حدة مزاجه وسرعة ثورانه على جنوده ومرؤوسيه، كان ضخم الجثة طويلا، وقد أهلته هذه الصفات الجسمانية والخلقية لوصف أقرانه له بـ”الثور” (the bull).
غير أنه كان -كما يصفه بعض من رافقه- يكثر من سؤال أفراد كتيبته والمحيطين به عما إذا كان لديهم أفكار فاعلة للكسب والانتصار، مما يشي برغبة واضحة في الاستفادة من الإمكانات المحيطة به على قدر الوسع، وقد كان يقرأ كثيرا في مجالات مختلفة مثل عالم النبات والشعر والأدب.
وبالرغم من ثورانه السريع الذي عرف به، فقد كان صاحب عاطفة مشبوبة تجاه أحبابه، وكان كثير السؤال عن ابنه الذي التحق بالجيش صغيرا وقتل دون الـ20 من عمره في بلجيكا أثناء الحرب العظمى، وقد انهار حينما تلقى نبأ وفاته في برقية أرسلت بها زوجته إليه أثناء انهماكه الشديد في إعداده للمعركة مع العثمانيين في فلسطين.
كُلّف ألنبي بالعمل في فوج الفرسان السادس برتبة ملازم بعد تخرجه، وأرسل في بعثة إلى جنوب أفريقيا التي ظل يتردد إليها بين عامي 1882م و1889م. وكان قد حصل في هذه الأثناء على رتبة نقيب سنة 1888م.
وفي عام 1891م اجتاز ألنبي اختبار كلية الأركان في “كامبرلي” (Camberley)، وتمت ترقيته بعد ذلك إلى رتبة رائد في عام 1897م، مؤديا خدمته هذه المرة في أيرلندا.
التجربة العسكرية
شارك ألنبي في حرب جنوب أفريقيا بين عامي 1899 و1902م والمعروفة بحرب البوير الثانية، بين الإمبراطورية البريطانية آنذاك وجمهوريتي البوير والبرتقال الحرة، وانتهت بانتصار المحتل البريطاني، وكان ألنبي حينها مفتشا عاما لسلاح الفرسان.
وقد أكسبته هذه المعركة خبرة أهلته فيما بعد ليتسلم فرقة سلاح الفرسان في جبهة فرنسا إبان اندلاع الحرب العالمية الأولى، ومنها إلى قيادة الجيش الثالث في سنة 1915م.
وصفه المارشال هربرت كيتشنر، القائد الأعلى للجيش البريطاني (ت: 1916)، بأنه “عميد سلاح الفرسان” وأنه “يتمتع بشعبية وقدرة”.
ساهم ألنبي بفاعلية في معارك الحرب العالمية الأولى، ومن أبرزها معركة أراس الفرنسية، والتي كانت واحدة من المواجهات الطاحنة التي خاضها الحلفاء ضد الجيش الألماني، والتي كبدت الطرفين أكثر من 300 ألف قتيل، ولم تكن في الميزان العسكري نصرا لأي من الجانبين، بالرغم من سيطرة البريطانيين على مواقع مهمة فيها، لكن قائد الحملة كان قد هدد مسبقا بإلقاء اللوم على إدموند ألنبي في حال لم تحقق قوات الحلفاء النصر الحاسم في هذه المعركة.
غير أن العلامة الفارقة في تاريخ الجنرال كانت اختيار رئيس الوزراء لويد جورج (ت: 1945) له قائدا لقوات المشاة المصرية منتصف عام 1917م، وقد رأى ألنبي هذا التعيين تقليلا من مكانته العسكرية، وعقابا له على النتيجة التي باء بها الجيش في معركة أراس.
غير أن الجنرال شرع مباشرة بإعادة النظر في تنظيم هذه القوات ورفع كفاءتها وتحسين أدائها بعد الترهل الذي أصابها على يد سلفه الجنرال أرشيبالد موراي (ت: 1945)، الذي مُني بهزيمتين كبريين أمام القوات العثمانية في غزة في مارس/آذار وأبريل/نيسان من العام نفسه.
وفي إطار استعداداته للحرب على العثمانيين في فلسطين، نقل ألنبي قيادته من القاهرة إلى خان يونس ليكون قريبا من المعركة، وجلب عددا من الضباط ذوي الخبرة من الجبهات المشتعلة في أوروبا، كما أمّن زيادة كبيرة من القوة البشرية والأسلحة النارية المتطورة، وخاصة المدفعية، لدعم هجومه الذي عمل على دراسته دراسة متأنية.
وقد ضاعف جهوده لمد الأنابيب وجر مياه النيل في صحراء سيناء، ومد السكك الحديدية التي وصلت إلى دير البلح في غزة، واتخذ من مدينة القنطرة في بورسعيد مركزا لتموين جيشه بدلا من الإسكندرية.
استغل الجنرال الفوضى العارمة في صفوف الجيش التركي والناجمة عن الخلافات الداخلية والضربات المتلاحقة من قبل الحلفاء ليشن هجوما منسقا ومباغتا على القوات العثمانية في فلسطين، فاحتل مدينة بئر السبع في 31 أكتوبر/تشرين الأول 1917م، بعد أن أوهم العثمانيين بأنه سيهاجم غزة، ثم دفع بالجيش العثماني المرتبك إلى الشمال حتى تمكن من احتلال غزة في 17 نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه.
وظل يطارد بقواته -التي اكتسبت مزيدا من الثقة- الجيشَ العثماني، فاحتلّ يافا والرملة واللد، مما رسخ قناعة الجنرال بسهولة الزحف نحو القدس، ليرفع عن نفسه بهذا الانتصار ما علق به من عار الهزيمة في فرنسا.
عرف المتصرف التركي في القدس أن المدينة ساقطة لا محالة بأيدي البريطانيين، فاتفق مع وجهائها على الاستسلام حفاظا على الأماكن المقدسة فيها، شريطة احترام الإنجليز لها، وهو ما قبله الإنجليز.
وفي 11 ديسمبر/كانون الأول 1917م دخل الجنرال إدموند ألنبي القدس سيرا على الأقدام، بعد انسحاب العثمانيين الذين دامت سيطرتهم على هذه المدينة 400 سنة كاملة (1517-1917).
غمرت السعادة رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج بعد وصول أنباء سيطرة جيشه على القدس، فسارع إلى تقديم النصر بوصفه “هدية عيد الميلاد إلى الأمة البريطانية”، ثم كتب قائلا “إنه استطاع تحرير أقدس مدينة في العالم، وبهذا النصر تمكن العالم المسيحي من استرداد مقدساته فيها”.
كانت ذروة الأحداث التي رفعت ألنبي على قمة المجد في التاريخ الاستعماري، وحفرت اسمه عميقا في الذاكرة البريطانية حاضرا ومستقبلا، ومسحت عنه العار الذي التصق به بعد جولاته الخائبة في الجبهة الغربية قبل أعوام قليلة؛ معركة سهل نابلس والمعروفة كذلك بمعركة مجدو، والتي خاضها ضد جيش الدولة العثمانية.
ففي 19 سبتمبر/أيلول 1918م شنت قوات الاستطلاع المصرية بقيادة الجنرال ألنبي هجوما منسقا على العثمانيين في السهول الواقعة في محيط مدينة حيفا باستخدام سلاح الفرسان والمشاة والمدفعية والعربات المدرعة والطائرات، ثم قامت وحدات قوات الاستطلاع بتطويق الجنود العثمانيين فمنعتهم من الهروب وأسرت منهم الآلاف.
كسر هذا الانتصار الحاسم الحلقة الأخيرة في الوجود العثماني في بلاد الشام، وأنهى حملة الحلفاء في سيناء وفلسطين بنجاح كبير، فتابعت القوات البريطانية مطاردتها للقوات العثمانية محتلة جميع المدن الرئيسية في سوريا حتى وصلت حلب في 26 أكتوبر/تشرين الأول.
اضطرت القيادة في إسطنبول للتوقيع على هدنة مودروس المذلة، والتي سلم الأتراك بموجبها مواقعهم المتبقية خارج الأناضول، ووافقوا على سيطرة الحلفاء على مضيقي البوسفور والدردنيل، ووضع الموانئ والمواقع الإستراتيجية في الدولة العثمانية تحت هيمنة القوات المنتصرة، وتفكيك الجيش العثماني وتسريح كافة جنوده.
ولم تكن حملة ألنبي في فلسطين خالية من الإخفاقات، فقد انتهت محاولتان لمهاجمة عمان بغرض قطع سكة حديد الحجاز في أبريل/نيسان ومايو/أيار 1918 بالإخفاق، إلا أن انتصاراته التي أنهت الوجود العثماني ورجحت كفة الحلفاء في الحرب العظمى على كفة خصومهم غطت على إخفاقاته هذه.
المفوض السامي في مصر
بعد قضائه قرابة 20 عاما متنقلا في ميادين الحروب، كافأت القيادة السياسية الجنرال ألنبي بترقيته وتعيينه مفوضا ساميا في مصر والسودان بدءا من عام 1919م.
ولم تكن مهمته السياسية أسهل من مهمته الحربية، فقد واجه في مصر ثورة عام 1919، التي اندلعت احتجاجا على السياسات الاستعمارية البريطانية، كإلغاء الدستور وفرض الحماية وتقديم المصالح الأجنبية وإعلان الأحكام العرفية.
فكان شديد البأس في قمع المصريين الذين أسفرت مناوراتهم مع الجنرال عن إلغاء الحماية المفروضة عليهم منذ عام 1914م، كما صدر دستور 1923م عقب صدور تصريح 28 فبراير/شباط 1922م الذي اعترف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة.
وفي يونيو/حزيران 1925م غادر ألنبي مصر مخلفا وراءه إرثا استعماريا حافلا بالندوب السياسية والاجتماعية العميقة، غير أنه اتسم كذلك بالدهاء السياسي، ففي هذه السنوات الست كانت مساهمة الجنرال الرئيسية في التاريخ السياسي.
وفاته
توفي اللورد إدموند ألنبي في منزله بعد نزيف دماغي مفاجئ في 14 مايو/أيار 1936م عن عمر ناهز 75 عاما، ودفن رماد جثته بعد حرقها في كنيسة وستمنستر بلندن.!!!!!!!