قراءة نقدية: “القصيدة ومتعة الرّمزية”
الشاعرة: الهام عيسى (سوريا)
القصيدة :”عُرْيُ الفصول”
الناقدة : جليلة المازني (تونس)
اختارت الشاعرة الهام عيسى عنوانا لقصيدتها “عُرْي الفصول” وهو مركب اضافي فكان المضاف “عُرْي” والمضاف اليه “الفصول”
والعُرْي هو عدم ارتداء أي ملابس وأحيانا يستخدم للإشارة الى ارتداء ملابس أقل بكثير مما يتوقع من قبل ثقافة معينة وخاصة في فضح الأجزاء الحميمية من الجسم(ويكيبيديا).
والعرْي هنا محمول على المجاز باقترانه بلفظ الفصول.
فأيّ عُرْي للفصول؟
والفصول الاربعة” جزء من دورة الحياة التي نعيشها فالسنة تنقسم الى 12 شهرا او165يوما مقسمة الى الأربعة فصول مناخية يتمتع كل فصل فيها بخصائص معينة ومحددة تؤثر في سلوكيات الانسان وفي حياته وطريقة وأسلوب حياته”(1)
وفي هذا الاطار:
– هل للفصول الأربعة رمزية معينة؟
– عن أي عرْي طال الفصول الأربعة؟
استهلت الشاعرة الهام عيسى بجملة عامة تتحدث عن تغيّر الفصول وتأثيرها على حقول القمح التي جعلتها تستغيث وأرجعت السبب الى جداول النهرين التي لم تعد قادرة على محو الجفاف.
والشاعرة ذكرت النهرين ولعلها ترمز بذلك الى نهري دجلة والفرات:
و”يواجه نظام النهرين دجلة والفرات العديد من التحديات مثل انخفاض منسوب المياه وجودتها ويهدد انخفاض انتاجية المياه وتغير المناخ وبناء السدود”(2)
وما يصحّ على نهري دجلة والفرات يصحّ على بقية منابع المياه الأخرى في العالم العربي الذي أصبح يجتاحه الجفاف .
وانتشار الجفاف يعني اندثار الزراعة والفلاحة التي هي الاقتصاد الأخضر الذي به تحيا الشعوب.
وبالتالي فالعالم العربي مُهدّد بالمجاعة وبالموت.
وفي هذا الاطار من انتشار المجاعة بسبب تدهور الفلاحة هل من رمزية للفصول الأربع؟؟؟
لعل الشاعرة ترمز بالفصول الأربعة الى الدول العربية فالشاعرة اتخذت رمزا للدول العربية والمتمثل في دجلة والفرات.
ثم أوردت الفصول دون أن تخضعها الى ترتيبها الزمني الطبيعي (الشتاء /الربيع/ الصيف /الخريف).
والشاعرة ابتدأت بالربيع ثم الخريف وبعده الصيف وأنهت ترتيبها للفصول بالشتاء.
فهل اختيارها لهذا الترتيب من رمزية ودلالة ؟
استهلت حديثها عن الفصول بالربيع حيث تحوّلت ألوانه الزاهية بلون العطش
الذي يُضفي عليها القتامة والسّواد بما فيه من كآبة بسبب شح مياه النهرين.
تقول الشاعرة: “الربيع تعمّدت ألوانه بلون العطش”
ولعل الشاعرة هنا تشي لنا بثورات شعوب دول الربيع العربي التي تحولت ثوراته الى رماد لا حياة فيه.
وثورات الربيع العربي طالت عدّة بلدان :” كان فيها ثورات في تونس (14يناير) ومصر(25يناير )ونقل السلطة في اليمن والثورة المسلحة بليبيا(17 فبراير) وانتفاضة سوريا (15 آذار),احتجاجات كبرى في الجزائر, أرمينيا ,البحرين(14 فبراير), جيبوتي, العراق المغرب عمان وتركيا.
واحتجاجات صغيرة في أذرابيدجان, الكويت, لبنان , موريتانيا ,السعودية, السودان والصحراء الغربية”(3).
“وتعدّ الثورة السورية من أكثر الثورات دموية في الربيع العربي اذ انطلقت شرارتها الاولى في 15 آذار(مارس) 2011بعد الدعوات الى التظاهر السلمي”(4).
ولعل الخريف يرمز الى الدول العربية التي تضرّرت فيها الحكام والقبائل المنتشرة هنا وهناك في دول الربيع العربي على حد السواء.
وباستخدام أسلوب انزياحي دلالي قائم على الكناية كنّتْ عن حكام دول الربيع العربي الضعيفة بالمماليك.
والمماليك هم سلالة من الجنود (العبيد) حكمت مصر والشام والعراق وأجزاء من الجزيرة العربية أكثر من قرنين(1250/1517)
والعروش هم القبائل المنتشرة هنا وهناك.
فتقول الشاعرة: “الخريف تساقطت به عروش ومماليك”
ان الشاعرة بنبرة ساخرة جعلت حكام دول الربيع العربي التي طال حكمها كما المماليك تسقط كما تسقط أوراق الخريف الصفراء اليابسة التي نبذتها أشجارها تماما كما نبذت شعوب دول الربيع العرب حكامها الضعيفة وأسقطتها من حكمها
لذلك ثنّت الشاعرة بالخريف بعد الربيع لتعبّر بامتياز عن نهاية حكم حكام دول الربيع العربي الضعيفة تماما كما الخريف الذي يأتي آخر الفصول وفيه يتمّ حرث الأرض استعدادا لحياة جديدة وما اسقاط هؤلاء الحكام التي استبدّت بحكمها الا
ذاك الحرث وتقليب التربة لتنتعش الأرض من جديد.
بيد أن قلب الطاولة على الحكام العرب لن يمرّ بسلام بل جعل الشعوب العربية
تغلي احتجاجا على الوضع الاجتماعي والاقتصادي المزري من ناحية والوضع السياسي الضبابي من ناحية أخرى.
وفي هذا الاطار ثلّثتْ الشاعرة بالحديث عن فصل الصيف لتقول:
“الصيف تلهبه نيران الاستعار المكنون”.
وكأني بالشاعرة تجعل شعوب دول الربيع العربي باسقاط حكامها تخرج غضبها المكبوت طيلة حكمهم الطويل الذي سلبهم الحرية وأزرى بهم اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.
وفصل الصيف من أعنف الفصول في درجات الحرارة ويؤثر على سلوكيات البشر لذلك جعلته الشاعرة اطارا زمانيا لغضب الشعوب العربية وانفجارها.
وفي هذا الاطار من ثورات(الربيع) وسقوط للحكام (الخريف) وغليان الشعوب(الصيف) يمكن ان نتساءل:
– هل ان شعوب دول الربيع العربي ستعيش انفراجا أم ستدخل أزمة جديدة؟
– ماذا بعد الربيع العربي؟
“وفقا للعلماء في جامعة وارسو انتقل الربيع العربي تماما الى “الشتاء العربي” يتميز الشتاء العربي بظهور العديد من الحروب الأهلية الاقليمية وعدم الاستقرار
الاقليمي والتدهور الاقتصادي والديمغرافية للبلدان العربية والفتنة الطائفية العرقية والدينية”(5).
وفي هذا السياق بدا مصطلح الشتاء العربي في وسائل الاعلام في أواخر2012. ويحظى بشعبية منذ ذلك الحين في إشارة الى تدهور العديد من صراعات الربيع العربي الى أحداث مطوّلة ومتصاعدة من الصراع الطائفي والعنف المسلح.
وفي هذا الاطار قد عبرت الشاعرة بامتياز عن الشتاء العربي حين تحدثت عن فصل الشتاء فقالت: “الشتاء يتوجّس خيفة من تظاهر الغيوم” .
والشاعرة استخدمت أسلوبا انزياحيا دلاليا قائما على الكناية فقد كنّت عن غضب الشعوب وتظاهرهم ب” تظاهر الغيوم”
وبالتالي فالشاعرة الهام عيسى قد قلبتْ موازين النظام الطبيعي للفصول وأخضعته لسياق سياسي موضوعي فبدأت بالربيع العربي وثنت بالخريف العربي
وثلّثت بالصيف العربي لتختم بالشتاء العربي والشاعرة خلال كل هذه الفصول تُسرُّ الوجع.
وهل هناك وجَعٌ أكثر من المفارقة التي ختمت بها الشاعرة قصيدتها فجمعت بين متناقضين بين ما تنتظره شعوب دول الربيع العربي من طموحات من خلال هذه الثورات وبين ما تعيشه من ولادة عسيرة لهذه الانتطارات قد لا تتحقق فتقول باستخدام أسلوب انزياحي دلالي قائم على المقابلة:
السماء حبلى تتعثر بمخاض ولادتها
الطرقات تصفّق خلوّ جنباتها
انها مقابلة معنوية قائمة على طباق لفظي(السماء /الطرقات(الأرض) ) لابراز الهوّة الكبيرة بين الواقع المرّ والطموحات شبه المستحيلة لشعوب دول الربيع العربي.
وكأني بالشاعرة ترثي حال هذه الشعوب العربية التي تتأرجح بين السماء والأرض. تتأرجح بين واقعها وانتظاراتها.
وهذا التأرجح لم تأمن فيه من الخطر الذي عبرت عنه الشاعرة بمرارة الرثاء وهي تقول:
هنا بقايا..تلفظ أنفاسها الأخيرة.
وخلاصة القول فان الشاعرة الهام عيسى و باستخدام رمزية للفصول وفق
أسلوب انزياحي دلالي استطاعت وبامتياز أن تفضح ثورات الربيع العربي وهو ما عبرت عنه ب”عُرْي الفصول”.
سلم قلمها الثائر والمتمرّد أسلوبا ودلالة.
بتاريخ:06 / 11 /2024
المراجع:
https://www.edarabia.com>…(1)
4 فصول في السنة وترتيبهم
https://water.fanack.com>the-tigri..(2)
نهرا دجلة والفرات في العراق: بلاد الرافدين عرضة للخطر
https://arz.wikipedia.org>wiki>..(3)
الربيع العربي- ويكيبيديا.
https://www.aljazeera.net>(4)
الربيع العربي.. عندما اراد الشعب اسقاط النظام
https://ar.wikipedia.org>wiki>(5)
الاحداث ما بعد الربيع العربي- ويكيبيديا
القصيدة:”عري الفصول”(د.الهام عيسى).
الفصول تغيرت وحقول القمح تستغيث
جداول النهرين لم تعد قادرة على محو الجفاف
الربيع تعمدت ألوانه بلون العطش
الخريف تساقطت به عروش ومماليك
الصيف تلهبه نيران الاستعار المكنون
الشتاء يتوجس خيفة من تظاهر الغيوم
السماء حبلى تتعثر بمخاض ولادتها
الطرقات تصفق خلو جنباتها
هنا بقايا .. تلفظ انفاسها الأخيرة