قراءة نقدية : “القصيدة ومُتْعة أسلوب الكناية”
التفريغ النصّي:” المرأة الحبيبة الإنسان”
الشاعر محمد عبد العزيز شميس (مصر)
القصيدة:”حوّاء”
الناقدة :جليلة المازني (تونس)
القراءة النقدية :”القصيدة ومتعة الكناية”
اختار الشاعر عنوانا لقصيدته “حواء”
وحواء كناية عن اسم لامرأة بما في اسم حواء من دلالة ذات مرجعية دينية.
حوّاء هي زوجة النبي آدم التي خُلقت منه فقد قال تعالى :”هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن اليها” سورة الاعراف الآية(189).
وفي حديث الرسول: “استوصوا بالنساء فان المرأة خُلقتْ من ضلع..”
وفي هذا السياق ” سئل حكيم : لماذا خلقت حواء من ضلع آدم ولم تخلق من مكان آخر؟ فقال : لم تخلق من رأس آدم حتى لا تترأسه ولم تخلق من قدمه حتى لا تكون جارية له..
بل خُلقتْ من ضلعه لتكون تحت كتفه ومن جهة قلبه لتكون محبوبته..”(1)
وقد اتصفت حواء بالذكاء والحكمة ورجاحة العقل:
“جمال حوّاء ليس في شكلها وجسمها بل في عقلها وحتى تحصل على لقب المرأة الميثالية ..من أهم الصفات التي يجب أن تتحلى بها الذكاء والحكمة ورجاجة العقل فاذا استطاعت حواء أن تستخدم ذكاءها سوف تظهر بمظهر وشكل جميل”(2)
وبالتالي هل أن حواء التي يتحدث عنها الشاعر بهذه المواصفات تعظيما لها أم هي مجرّد رمز للأنثى في المطلق؟
يتوجه الشاعر بنداء قريب(يا) مستخدما مرة أخرى الكناية فكنّى عن المرأة بزهرة الثلج ونحلة الضوء فما دلالة النداء في الشعر و مادلالة هذه الكناية؟
– النداء في الشعر “يتم النداء من خلال تجارب الشاعر ويعني أحيانا التأكيد وأحيانا الانكار فضلا عن القلق والمفاجأة والفرح والحزن والندم”(3).
وكناية زهرة الثلج تتناصّ مع عنوان لمسلسل كوري جنوبي بطلته “زهرة الثلج”
وزهرة الثلج هي زهرة بتلاتها بيضاء متجهة الى الاسفل نحو الارض وساقها طويلة خضراء .
و”ترمز هذه الزهرة الرقيقة اليوم الى الأمل و الجمال. .يمثل اللون الأبيض النقي
النقاء والبراءة والتعاطف ولأن زهور الثلج هي بصيلات تتفتح مبكرا وتخرج غالبا من خلال طبقة من الثلج فانها تبدو ممثلة بشكل خاص للتجديد والولادة الجديدة”(4).
اما كناية “نحلة الضوء” فقد توصلت دراسة بريطانية الى ان النحل الطنان يستطيع رؤية العالم بسرعة فائقة تقرب من نحو خمسة أضعاف سرعة البصر
عند البشر وتركزت الدراسة التي نشرت في مجلة “العلوم العصبية” حول سرعة
المعالجة التي تجريها الخلايا المستقبلة للضوء لدى النحل للمشاهد في حالتي الالوان وعمى الالوان”(5)
وتتميز النحلة بحاستي البصر والشمّ. وهي ترمز الى قوة الحكمة.
ولعل هذا ما يدعم تلك اللوحة الفنية المصاحبة للقصيدة التي جسّدت فيها الفنانة المصرية العالمية أمل أحمد مصطفى حواس البصر والشمّ والذوق دلالة على صدق المشاعر في الحبّ.
ان الشاعر يخاطب هذه المكناة بحواء وبزهرة الثلج ونحلة الضوء ليعترف لها وباستخدام جملة اسمية تفيد حقيقة ان كل شيء تساوى لديه فاستوت لديه كل المتناقضات فيقول الشاعر:
يا زهرة الثلج
يا نحلة الضوء
أنا فرد تساوى
عنده كل شيء
وكأني بالشاعر “الحبيب” يناديها وهي رمز الأمل والنقاء والبراءة والتعاطف(زهرة الثلج) وهي رمز النور والضوء و حلاوة العسل (نحلة الضوء) مستعطفا اياها أن تمْنحه ما يحتاج اليه وأن تعيد إليه طعم الأ شياء وبالتالي طعم الحياة الذي افتقده بدونها.
ولعله بهذا النداء يعبّر عن قلقه وضعفه وهو في ذلك يُسرُّ الحزن.
والشاعر “الحبيب “كذّب نفسه ليتجاوز هذا الاحساس بمرارة طعم الحياة لكن نفسه كذّبته بلا معجزة من السماء.
كأني بالشاعر الحبيب وصل الى درجة من اليأس لاستعادة طعم الأشياء لا ينفع معه الا معجزة من السماء فيقول:
كذّبت نفسي
فكذّبتني
بلا معجزة من السماء
وهل أكثر من أنه لم يجد مسارا ينقذه مما هو فيه من يأس وقنوط فيقول:
فهل وجدت مسارا
قيل فيه عاقل
أصاب ساقا البقاء
وأي نبيّ يا حواء
صادق
أو مدّع النبوة بالإيحاء
وكل آلهة البحر
تصرخ
من أحداقها الخضراء.
وكأني به يؤكد أن كل الاشياء استوت عنده ويضرب في ذلك مثل النبي الصادق في الحب او المدعي فيه بل كل الآلهة تصرخ يأسا وحزنا عما انتابه من قلق ازاء حبّ يتفتت على جمر اللقاء بل ويرْثي هذا الحب المستحيل المفقود على مرّ الزمان فيقول:
يا شفقا مذاب
تفتّت
على خدّيه جمر اللقاء
وكل الزمان في باطني
بحيرة من البكاء.
ان الشاعر تدرّج في معاناته من النداء وما فيه من استغاثة الى البكاء وما يعنيه من رثاء.
ان الشاعر استغاث باستخدام النداء بحواء وبزهرة الثلج وبنحلة الضوء لأنه لم ينل مبتغاه فعمد الى البكاء الغزير وكأني به يرثي الحب و يرثي نفسه في نفس الوقت.
وفي هذا السياق أيّ حب يتوق اليه الشاعر؟
لعله يتوق الى حب في رجاحة عقل حواء وقَدَاسَتها وفي نقاوة وبراءة زهرة الثلج وفي ضوء نحلة الضوء.
ان الشاعر بهذه القصيدة وباستخدام أسلوب انزياحي دلالي قائم على الكناية قد خرج عن النظرة التقليدية التي تجعل الشاعر يتغزّل بحبيبته جسدا مثيرا وهي نظرة دونية الى المرأة الشهوة والمرأة الجسد واذا بالشاعر محمد عبد العزيز شميس يرتقي بالحبيبة في قصيدته الى المرأة الحبيبة الانسان بقداسة حواء وبنقاوة زهرة الثلج وبضياء نحلة الضوء وهو في ذلك يرثي هذا الحب الانساني المفقود للمرأة وبكل مرارة.
سلم قلم الشاعر محمد عبد العزيز شميس المتفرّد الذي لا يشبه الا نفسه.
بتاريخ:08/11/ 2024
المراجع:
https://twitter.com>status(1)
القاضي د.أحمد عطية”سئل حكيم: لماذا خلقت حواء من ضلع آدم…X on
https://www.alwatanvoice.com>news(2)
صفات حواء الميثالية التي تريد كل امرأة التحلّي بها؟- دنيا الوطن
https://api.scienceweb.uz>storage(3)
أسلوب الاستنباط في الشعر- ساينس ويب.
https://extention.psu.edu>news>j..(4)
زهرة مواليد شهر يناير:زهرة الثلج- مقاطعة لوزيرن- خبير البستنة
https://www.aljazeera.net>misc>..(5)
النحل يبصر كل الالوان بسرعة عاليةّ ا أخبار منوعات- الجزيرة نت
القصيدة:( الشاعر عبد العزيز شميس)
حوّاء
يا زهرة الثلج
يا نحلة الضوء
أنا فرد تساوى
عنده كل شيء
كذّبت نفسي
فكذّبتني
بلا معجزة من السماء
فهل وجدت مسارا
قيل فيه عاقل
أصاب ساقا البقاء
ةأي نبيّ يا حواء
صادق
او مدّع النبوّة بالايحاء
وكل آلهة البحر
تصرخ
من أحداقها الخضراء
يا شفقا مذاب
تفتت
على خدّيه جمر اللقاء
وكل الزمان في باطني
بحيرة من البكاء.