قراءة نقدية مزدوجة :
“القصيدة بين التهمة والبراءة.”
فقرة جمع بصيغة المفرد (مبدع /مشاكس / ناقدة)
الشاعر حمد حاجي (تونس)
القصيدة:”ولو برّأك الوحي…”
المشاكس عمر دغرير (تونس)
القصيدة :”قد ينقذك الحرف والورق”
الناقدة جليلة المازني (تونس)
القراءة النقدية المزدوجة :
“القصيدة بين التهمة والبراءة.”
أ- المشترك بين الابداع والمشاكسة:
– التناص المعجمي.
– الشكّ في العلاقة والورطة.
– التبرئة من التهمة.
ب- الاختلاف بين الابداع والمشاكسة:
1- المبدع حمد حاجي بين التهمة والبراءة:
ورد عنوان القصيدة (ولو برأك الوحي …) في شكل جملة شرطية بأداة الشرط لو وينقصها جواب الشرط.
ولو أداة شرط تفيد التمني وهو طلب المستحيل .
وجملة الشرط(برّأك الوحي) ربط فيها المبدع التبرئة بالوحي
والوحي هو رمز النبوة وهل يمكن للنبوة أن تبرئ المبدع؟
ان جملة الشرط تشي بأن التهمة خطيرة والتبرئة منها صعبة.
ويمكن تبديل العنوان ب”ولو كنت نبيّا…”
– ترى ما هي التهمة الخطيرة التي تصعب معها التبرئة؟
– ترى ما يمكن ان يكون جواب الشرط؟
استهل المبدع قصيدته بتحديد الزمان والمكان كأنه سيسرد علينا قصة.
وتمثل المكان في وسيلة نقل حيث يكثر الزحام وعند النزول علق بمعطفه شعر الصبايا من شدة الزحام فيقول:
وذات خميس
تسلقت زحمة قاطرة فاح عطر النسيم بمدخلها..
واتخذت مكانا به كنت علقان من طرف..
وحان وصولي لباب النزول
وانا لست أدري
تنازع شعر الصبايا على كتفي..
وفي هذه الحالة انتاب المبدع شعوران:
– شعور بالخوف من الشكّ الذي قد ينتاب حبيبته.
– شعور بالمتعة وقد اعتبر الشعر العالق بمعطفه بمثابة بتلات وَرْد تنوُّعا ورائحة وعطرا وجمالا.
بيد أن تفقده لثوبه يُدينه وكأني به عليم بما حدث له.
والمعطف شاهد صادق عليه يثبت إدانته رغم أن تنوّع الشعر العالق بمعطفه واختلافه قد يبرّئه.فيقول:
تفقدت ثوبي
فشعرة أنثى..صباغ وشيب..وعطر..
على كل لون..تحاكي حشايا من السعف.
وحاولت أنزعها
بتلة بتلة..
انما ورطة المرء في صادق المعطف..
هناك ثلاثة عوامل تجعله في ورطة :
– انه يتهم نفسه بتفقد ثوبه.
– شهادة المعطف الصادقة التي تثبت تلبّسه بالتهمة
– شدة غيرتها التي يقول فيها:
ترى ما انا فاعل ..وتغار من الضوء في مقلتي..
من ملائكة الغيب..
حين قراءة حظي على الصحف…
ان هذه الغيرة المفرطة جعلت ظنونها وشكوكها بلا حدود وكأني بها تتلقى تعليمة من الجاحظ الذي يقول في كتاب الحيوان “تعلّم الشكّ في المشكوك فيه تعلّما” و”الشكّ طريق لليقين”. فيقول:
كوت يا صحابي حشاشة قلبي
فظن على الظن
والشك ما له مثل ولا نسق..
كأني بالمبدع يرى أن شكّها في سلوكه مشروع حين استخدم أسلوب المقابلة المعنوية بين تقديرها الذاتي الايجابي لنفسها والتقدير السلبي الذي تحمله له فيقول:
هي الصدق والفجر والنسمة الروح بين الثنايا
وطيلة عمري
انا الليل والغسق..
هي الطير أم الحمائم ناعمة
وأنا النسر أفرك جنحي زهوان
والباشق النزق..
ان المبدع يقابل بلسان حبيبته أو زوجته بين صدقها ووضوحها ووداعتها ونعومتها وبين غموضه وظلمه وغروره وزهوه .
وهي المتعقلة الرصينة الوقورة وهو النزق حادّ الطبع وسريع الغضب
انها مقابلة بين تقدير الذات الايجابي الذي تحمله الزوجة الحبيبة عن نفسها وبين تقدير الذات السلبي الذي تحمله الزوجة عن زوجها حبيبها.
ان التقدير الذاتي الايجابي الذي تحمله عن نفسها يجعلها لا تثق الا في نفسها وتكذّب الطرف الآخر ولو كان نبيّا. والمبدع بذلك يجيب عن جملة الشرط
الواردة بالعنوان فيقول:
ولو أن ربك أنزل وحيه برأني, كذبته..
وظلت تسائل:
بالله قل لي بمن أثق؟
إنها بين أمرين, بين شك ويقين:
– هل تثق بما راته عيناها وما تحمله عليه من تقدير سلبي وتكذّبه ؟
– هل تثق بحبه وهو المتسامح معها وقد دعم تسامحه بتلك الصورة المصاحبة للقصيدة والتي تمثل صورة الباشق وهويحمل بمنقاره غصن زيتون رمزا لتسامحه وطلب التصالح معها رغم قوّته وسطوته.
هل ستسامح وهل ستصالح وتثق به؟
ان المبدع قد ختم بذاك السؤال (بالله قل لي بمن أثق؟) ليحكّم القارئ ويُقحمه في مساعدتها على اتخاذ الحل المناسب بالاجابة عن السؤال.
وفي هذا الاطار ما رأي المشاكس في هكذا اشكال؟؟؟
=== يتبع ===
=== يتبع ===
2- المشاكس عمر دغرير بين التهمة والبراءة :
اختار عمر دغرير لقصيدته عنوان “قد ينقذك الحرف والورق”.
من خلال هذا العنوان يحتمل المشاكس خلاصا للمبدع من ورطته بواسطة الحرف والورق.
فاي ذنب اقترفه المبدع ؟
استهل المشاكس قصيدته بتحديد الاطار الزمكاني تماما كما المبدع .
بيد ان المشاكس لعب على المكان فغيره وحوّله الى سور الحديقة ليجعل المبدع يتسلقه ليطلب الصلح من سعدى التي أذنب في حقها .
ولئن كشف المبدع عمّا اتهمته به الحبيبة وهو الخيانة فان المشاكس أبقى على الذنب مبهما دون التصريح به وتكتّم عنه لذلك حاول مصالحة سعدى بزيارتها فيقول:
وذات مساء
تسلقت سور حديقتها وأهل البيت كانوا نياما
وقلبك كاد يطير من الوجف..
فقط سعدى كانت على علم
وكانت تتابع المشهد من شباك غرفتها
المضاءة دون كل الغرف..
وكلبها الشرس اسود كالظلام
ينتظر اشارة منها لينقضّ عليك
ويدميك من كعب قدميك الى الكتف..
وكنت رايت عيونا تشتعل في الدجى
ان المشاكس جعل سعدى تعيش موقفين:
– موقف القبول بقدومه حين جعلها وحدها على علم بقدومه بغرفتها المضاءة دون غيرها ثم جعلها تتحكّم في كلبها ولم تعطه الاشارة للانقضاض عليه.
– موقف الرفض حين تجاهلت قدومه وقفز هاربا الى الشارع
يقول المشاكس:
وحين أطلت من الشباك
كنت قفزت الى الشارع
هربا من كلبها ومن صنيعك المقرف..
ومن خلال هذ الفجوة النصية قد يتدخل القارئ متسائلا :
– اي صنيع مقرف ارتكبه المبدع في حق سعدى جعله يزورها ثم يفرّ هاربا بمجرد ان رآها تطلّ من النافذة ؟
ان هذا الصنيع المقرف جعل المشاكس يذلّ المبدع وهو يحاول بعدة طرق ايجاد صلح مع سعدى :
بعد فشل زيارته لها حاول مهاتفتها مرات ثم ترصّد مجيئها الى الكلية او محطة الحافلات لكن دون جدوى فيقول:
وهاتفتها مرات علك تسمع صوتها.
لكنها ابدا ما ردّت عليك
وهاتفها دائما مغلق..
وكم حاولت ان تلتقي معها
أمام الكلية وفي محطة الحافلات
وفي كل مرة يصيبك الشك والقلق..
وازاء هروب سعدى منه وتجاهله التجا الى العودة الى رسائله التي كتبها اليها ولم يبعثها اليها علها تريح قلقه وتزيح شكّه وتملأ قلبه بدل الشكّ باليقين فيقول:
وكنت تعود الى البيت مهموما
وفي رسائلك الكثيرة التي كتبتها ولم ترسلها
كنت بين سطورها تغرق…
وفي هذا الاطار وازاء هذه الورطة لئن جعل المبدعُ الحبيبَ المشكوك فيه يشكو
وكأنه مظلوم دون سعي منه لمصالحتها فان المشاكس قد جعل المبدعَ ظالما يبحث عن الصلح بشتى الطرق(الزيارة /المهاتفة /ترصد مجيئها الى الكلية ومحطة الحافلات/ قراءة الرسائل)
ان المشاكس حوّل المبدع من مظلوم الى ظالم اذلالا له.
وهل أكثر من ان المشاكس خاطب المبدع بلهجة التشفي والتهكّم حين اعتبر سعدى تتجاهله وتتعمد الهروب منه بسبب ذنب مقرف اقترفه في حقها فجعلها لا تسامح ولا تصالح. يقول:
كأنها تعاقبك على ذنب كنت اقترفته
ويختم المشاكس بقفلة مدهشة أباح فيها لنفسه الكلام بدلا عن سعدى قائلا:
وقد تسامحك سعدى
ما دام بينكما الحرف والورق…
وفي هذا الاطار كل من المبدع والمشاكس قد جعل القفلة مفتوحة ليُتيح تدخّل القارئ
فالمبدع ختم بسؤال ترك الاجابة عنه للقارئ والمشاكس قدم احتمالا قد يتفق معه القارئ وقد يعارضه .
وهنا قد يتساءل القارئ:
هل ان الحرف والورق كفيلان لمسامحة المبدع؟ قد ..وقد..
في هذا الاطار فان كلّا من المبدع والمشاكس قد نقل لنا مشهدا سائدا بين الحبيبين باستخدام الصور الشعرية والأسلوب الإنزياحي الدلالي وقد استطاع كل منهما ان يجمّل القبيح لتندرج القصيدة فيما اصطلح عليه ب” أدب القُبْح” أو ما يُعبّر عنه بجمالية القبح التي تقتضي أساسين اثنين :
– النفور من الموضوع: فالخيانة التي تحدّث عنها المبدع قبْحٌ والذنب المقرف الذي تكتّم عنه المشاكس قبْح ويقتضي كل قبْح منهما النفور منه.
– القبول او الاعجاب او الاندهاش بالتعبير عن القبح أدبيا :
فطريقة التعبير عن كل قبح في أسلوب أدبي انزياحي دلالي وصور شعرية تتيح القبول به والاعجاب والاندهاش برسمه وتصويره.
سلم القلمان ابداعا ومشاكسة شكا ويقينا تهمة وتبرئة قبحا وجمالا.
بتاريخ 13/11/2024 “ولو برّأك الوحيُ… !”
وذات خميس،
تسلّقتُ زحمة قاطرةٍ فاح عطر النسيم بمدخلها…
واتخذت مكانا به كنتُ علقان من طرفِ..
***********************************
وحان وصولي لباب النزول،
وأنا لستُ أدري
تنازع شعر الصبايا على كتفي..
************************************
تفقّدتُ ثوبي،
فشعرة أنثى… صباغ وشيب.. وعطر ..
على كل لونٍ… تحاكي حشايا من السَّعَفِ.
*********************************
وحاولتُ أنزعها كلّها
بتلةً بتلَةً…
إنما ورطة المرء في صادق المعطف…
*********************************
ترى ما أنا فاعلٌ!… وتغارُ من الضوء في مقلتي..
من ملائكة الغيب…
حين قراءة حظي على الصُّحُفِ..
************************************
كوت، يا صُحابي، حشاشة قلبي
فظنٌّ على الظّنّ،
والشّكُ ماله مثلٌ ولا نَسَقُ ..
*********************************
هي الصدق والفجر والنسمة الروح بين الثنايا
وطيلة عمري
أنا الليلُ والغَسَقُ..
**********************************
هي الطير أم الحمائم ناعمة
وأنا النسرُ أفركُ جَنْحَيّ زهوانَ
والباشقُ النزقُ..
************************************
ولو أن ربّك أنزل وحيه برّأني؛ كذّبَتْهُ…
وظلت تسائل:
بالله! قل لي بمن أثقُ؟
( أ. حمد حاجي)
“””””””””””””””””””””””””””””””
“قدْ ينقذكَ الحرفُ والورقُ “قصيدة المشاكس عمر دغرير
وذاتَ مساءٍ ,
تسلّقتَ سُورَ حديقتها ,وأهلُ البيتِ كانوا نيامًا ,
وقلبكَ كاد يطيرُ منَ الوَجفِ …
“”””””””””””””””””””””””””””
فقطْ سُعدى كانتْ على علْمٍ ,
وكانتْ تتابعُ المشهدَ منْ شباكِ غرفتها
المُضاءةِ دونَ كلّ الغُرفِ …
“””””””””””””””””””””””””
وكلبُها الشرسُ ,أسودٌ كالظلام ,
ينتظرُ إشارة منْها لينقضّ عليكَ
ويُدميكَ منْ كعْب قدميكَ إلى الكتفِ …
“””””””””””””””””””””””””””
وكنتَ رأيتَ عيونا تشتعلُ في الدجى,
و على جميع الجدران
بانتْ تحفٌ منَ الخزفِ …
“””””””””””””””””””””””””
وحين أطلتْ منَ الشباكِ
كنتَ قفزتَ إلى الشارع
هربًا منْ كلبها ومنْ صنيعكَ المقرفِ …
“””””””””””””””””””””””
وهاتفتَها مراتٍ علّكَ تسمعُ صوتها
لكنّها أبدا ما ردتْ عليكَ
وهاتفُها دائمًا مغلقُ …
“”””””””””””””””””””””
وكمْ حاولتَ أنْ تلتقي معَها
أمامَ الكلية ,و في مَحطة الحافلاتِ,
وفي كلّ مرّة يصيبكَ الشكّ والقلقُ …
“””””””””””””””””””””””””
وكنتَ تعودُ إلى البيتِ مهْمومًا,
وفي رسائلكَ الكثيرة التي كتبتَها ولمْ ترْسِلها
كنتَ بينَ سطورها تغرقُ …
“””””””””””””””””””””””
كأنّها تعاقبكَ على ذنبٍ كنتَ اقترفتهُ,
وقدْ تُسامحكَ سُعدى ,
مادامَ بينكمَا الحرفُ و الورقُ …