*ماهو المعادل الموضوعي لفقدان الألم بين غابات الندم؟
هل هو أن تولد الأنثى ذكراً…
*أم تتناسى أنوثتها تلك في رحلة بحثها عن السعادة والتي من غير المسموح لها بارتشافها!
قراءة على طريقة المقاربة بين أدبين لرواية
“عن غابات الندم”
للكاتبة السورية مي عساف
Mai Assaf
………………………………………………………………………
“عن غابات الندم”، هي رواية اجتماعية نفسية تتكلم عن ألم الأنثى وتستنطق أحزانها وآلامها في سراديب الحياة القاسية، وضياعها في مجتمعها عن طريق ظلم تعرضت له، أو قهر أو قسوة أدت بها لتغليف مشاعرها بلبوس القسوة لتنتهي في غابات الندم.
رواية تقع في 286 صفحة تتكلم عن سيرة حياة ثلاثة صديقات جمعتهما مقاعد الدراسة في الفترة التي تلت امتحانات الثانوية وحتى سن الخمسين ضمناً
السارد كُنّ ثلاثتهن، كل واحدة منهن حكت قصتها بكل اقتدار
“نهى/دان/مدى”
الرواية مقسمة لثلاثة أقسام وتتكلم عن الألم المرافق لحياتهن ثلاثتهن منذ أن كنّ في ربيع العمر وما تعرضن له من محن وهزات أدمت قلوبهن الفتية وانعكست سلباً على مستقبلهن…
★الساردة الأولى “نهى”
—————————-
والتي تم إنهاء حياة أختها على يد شقيقها القاصر، “جريمة شرف”بالتواطؤ مع الجدة والأب والأم، ورحلة العذاب النفسي الذي تتعرض له هذه الفتاة بعد مقتل أختها المظلومة، ليصار إلى تزويجها هي مكرهة لابن عمها القاسي، فتبدأ رحلة الشقاء والتي تستمر حتى الكهولة ولن تنتهي إلا بالطلاق، وضمناً قصّت لنا حكاية أخرى، فقد صادفت نهى”الساردة” أثناء عملها في دار المسنين “حكاية الخالة صباح” التي تمثل حالة مجتمعية أخرى للقسوة ضد المرأة والتي تفضي بها إلى غابات الندم، فصباح التي كانت ضحية القرار المتسرع بالزواج، خسرت على إثره عائلتها فنبذها الأقربون قبل غيرهم، ورفضها المجتمع وخسرت لاحقاً زوجها وأولادها “بالموت” ونُبذت، “الزواج خارج إطار الدين”.
★الساردة الثانية “دان”
—————————-
التي تربت في وسط أسري فاسد، متفكك، وانتهت بالوحدة، وضمناً عرّفتنا على ضحيّة أخرى زوجة أخيها والتي أحرقت نفسها بعد أن تجرعت كأس الندم إثر قرار فاشل بالارتباط.
★الساردة الثالثة : “مدى”
——————————
التي كانت متوهّمة بالاستقرار والمحبة التي تكتنف عائلتها، ففوجئت عند تلقيها خبر وفاة والدها بزواجه سراً منذ سنوات وإنجابه لذكرين، ومن ثم حرمانها وأمها من الميراث والمنزل والاستقرار وكل شيء، شكّلت هذه الحادثة عقدة بالنسبة لها جعلتها لاتثق بالرجال وتخافهم وعلى الرغم من ذلك تتزوج وتُغدر ولكنها لا تسامح…
سيرة حياة للألم تبتدأ مع نهى وتنتهي مع مدى لتختصر أزمات نفسية ومجتمعية وأخلاقية وتربوية ودينية عانين منهم جميعهن.
كل هذا الألم الذي يحمل في طريقه المزيد من الندم، يذكرني بأدب “سيمون دو بوفوار” وخاصة عن ثلاثيتها الروائية “قلوب محطمة” والتي تكلّمت ضمناً عن ثلاث حالاتٍ مجتمعيّة أنثوية قد تعرضت للظلم عندهم والسؤال هنا…
★ماوجه الشبه بين أزماتهم في الغرب وأزماتنا هنا؟
★هل التحرر هناك قد حرّر المرأة وأعطاها حقوقها كاملة؟
★هل تفرق الدموع عند “مي “عن طريق بطلاتها المقهورات هنا عن الدموع عند” سيمون دو بوفوار” وبطلاتها هناك؟
الانثى هي الأنثى شرقاً وغرباً بمشاعرها الهشة والتي تعتبر هدفاً سهلاً، ونقطة ضعف شعوري تقاسي لأجله وتتعذب ومن ثم تندم.
المرأة عند “مي”
…………………
هي” نهى” التي فقدت الثقة بأهلها وكرهتهم، وبمجتمعها القاسي ونبذته، والذي عاقب المظلوم الأنثى الصغيرة” جنى” البريئة ونسي الرجل الظالم المعتدي.
هي” مدى” التي حُرمت من الميراث لأنها فتاة.
وهي” دان” التي تربت في عائلة مفككة، فظُلمت وضُربت وقُهرت وقُصّت ضفائرها، فظَلمت وندمت وبكت،…
هي “صباح” التي ضحت بأجمل سنين عمرها لأنها تزوجت من خارج دينها ففقدت أمن عائلتها ولم تتقبلها عائلة زوجها، فتشردت في النهاية وندمت وبكت وظُلمت وماتت…
المرأة عند سيمون دو بوفوار
………………………………………
هي الوالدة المحبة التي وضعت كل شعورها بابنها، فكانت مشاعرها هشة آلمتها عندما اقتسمت انثى أخرى محبته واهتمامه”زوجة الابن” فظُلمت وبكت وظلمت بعدها…
هي الزوجة المظلومة المقهورة والتي يستبدلها زوجها بعشيقة بكل بساطة وبمعرفتها ويطلب منها القبول والرضا…
وهي الابنة الضحية المنتحرة لأم تكمل حياتها بكاء وقهراً وألماً …
إذن الألم الاجتماعي النفسي القهري للأنثى هو ذاته في كل المجتمعات وإن كان له خصوصيته عندنا بشكل أكبر كوننا مجتمعات مغلقة ومحافظة…
وما هذه المقاربة بين أدبين إلا لتبيان نقاط التشابه والاختلاف بين معاناة المرأة هنا وهناك …
رواية “عن غابات الندم” سيرة حياة مؤلمة، جامعة بين طياتها كمٌّ كبير من الدموع والمعاناة، لفتيات كنّ في مقتبل العمر فظُلمن وتألّمن وندمن على رحيل السنوات.
تهانينا أستاذة مي
عمل جميل، بليغ بأسلوب أدبي مميز وكأنها رسائل أو مذكّرات حيّة، بقفلة بديعة أخّرت الموعد ولم تلغه.
رواية تستحق الإشادة والتنويه.
ريم محمد