قراءة نقدية مزدوجة:
“القصيدة بين الحقوقية والاخلاقية الدينية”
فقرة جمع بصيغة المفرد(مبدع / مشاكس/ ناقدة )
المبدع حمد حاجي(تونس)
القصيدة:” يد على الخاصرة”( الخيلاء/ بكاء الديوك)
المشاكس عمر دغرير(تونس)
القصيدة: “لولا عكازك”(كابوس/ ألا تشعر بالخجل؟)
الناقدة:جليلة المازني (تونس)
أ- المشترك بين الابداع والمشاكسة:
– التناص المعجمي.
– الشباب والكبر
– كبر السن والحبّ
ب- المختلف بين الابداع والمشاكسة:
1- المبدع حمد حاجي ووجهة نظره الحقوقية (ازاء الحب وكبر السنّ)
اختار المبدع لقصيدته الثنائية ذات الرباعيتين عنوانا عاما “يد على الخاصرة” وهو يوحي بالرقص.
هذا العنوان العام تفرّع الى عنوانين فرعيين وفق الثنائيتين “خيلاء” و”بكاء الديوك”.
استهل المبدع الرباعية الاولى باستخدام فعل في الماضي في صيغة المتكلم المفرد متصلا بضمير الغائبة المتقدم على اسم متأخر(شاركتها رقصة الفالس ).
ورقصة الفالس هي رقصة المانية نمساوية ثم انتشرت في أنحاء العالم لتصل الى هذا المسن ليُمارسها ويتحدى بها كبر سنّه وعلل جسمه.
واذا عرس الجارة قد حرّك فيه شهوة الرقص ليتحدّى كبر سنّه وعلله فجعله المبدع يلبي شهوته وحقّه في التعبير الجسدي. فيقول:
وشاركتها رقصة( الفالس) في عرس جارتنا حين ألقيتُ عكازة
الشيب والعلل.
هذا الراقص المسنّ :
– هل يمكن أن نصفه” بذي سنّ تفتّى” على حدّ قول ابن حزم الاندلسي في طوق الحمامة ؟
– هل يمكن أن نعتبره ممّن يعتبر العمر شعورا قبل أن يكون زمنا على حدّ قول الشابي :عش بالشعور وللشعور فانما// دنياك كون عواطف وشعور
ولعل الراقص المسن قد جمع بين وصف ابن حزم وقول الشابي.
ان المبدع أسند عنوانا فرعيا للرباعية الاولى”خيلاء” لان هذا الراقص المسنّ ذو خيلاء ومعجب بنفسه لذلك تحّدى العمر ليُوهم نفسه بالشباب تعاظما وتكبّرا. فيقول:
ولم أحسب العمر يمشي على عوج حين طاوعني الظهر في أول
الرقص والميل..
بيد ان هذا الراقص المسن لم يتطلّع للفتوة والشباب فحسب بل تطلع الى الحب.
انه يريد ان يسعد بلحظته مستمتعا بالرقص ومتوهما انه مازال شابا ليعيش
وقتا سعيدا مع حبيبته ضمّا وتقبيلا لكن صحته وشبابه قد خاناه. فيقول المبدع :
وحين هممتُ أقبلها طقطق الضلع قال: أيا شيبة النحس يكفي من الضمّ والقبل..
انه مشهد ساخر من مسنّ لم يشبع بعد من الحياة ويريد أن يغنم من الحاضر برْد السعادة.
ان المبدع جعله يسخر من نفسه ويثوب الى رشده ليقتنع بعجزه عن الرقص وعن ممارسة حبّه بالضم والقبل وكأني بالشاعر قد جعله يخلع عن نفسه معطف الخيلاء و جبّة العجب بنفسه.
وهنا قد يتدخل القارئ بفضوله المعهود متعاطفا مع هذا المسن مستحضرا ما قال المتخصص في علم النفس فيصل الطهاري الطيب في حديث الى العربي “ان الحب هو الحب ولا يتغير بين سن الشباب وسن الشيخوخة .”
وقد يستحضر القارئ ما قالته الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي بان الشيخوخة لا تحمي من الحب ولكن الحب يحمي الشيخوخة “لا توجد مفردة تحت مسمّى شيخوخة في منطق الحب فهو وحده كفيل ببث روح الشباب الدائم في القلوب واضفاء المزيد من السكينة في الأرواح فالذي زرعه في القلوب جعله ينمو”(1)
وقد سئل غابريا ل غارسيا ماركيز اثناء حوار في “نيويورك تايمز ريفيو:
“انت تقول بانك بصدد كتابة قصة حب سعيدة وهي قصة عن رجل وامرأة في سن الشيخوخة فقال:
الرجل والمرأة أدركا سن الشيخوخة الا انهما سعيدان ويرقصان على جسر السفينة.
اما سيمون دي بوفوار فتقول في دراسة لها :”لماذا ننظر بشيء من النفور والاشمئزاز للحياة الجنسية للمسنين؟ (2).
وفي هذا الاطار فان الراقص المسن رغم تحرك شهوته في الرقص والحب فهو يصطدم بحقيقة عجزه فيُسرّ الوجيعة لان عمره لم يسعفه ليستمتع لا بالرقص ولا بالحب .
ان المبدع قد صور لنا هذا الراقص المسن منكسرا وقد ثاب الى رشده حين لم يسعفه العمر فحُرمَ من الرقص ومن متعة الحب فيقول:
وطول الطريق أخبئ عنها وجيعة خصري فيا ويح من لم يقدر
مشيبا يجيء على عجل.
ان هذا الراقص والمحب المسن قد اصطدم بهذه الحقيقة المُرّة لم يَعُدْ قادرا على اخفائها فكانت الرباعية الثانية “بكاء الديوك” تجسّد ضعفه وعجزه .
لعل المبدع استخدم الكناية فكنّى عن الرجال بالديوك لما تتصف به الديوك من خيلاء في جمالها ومشيتها وتعاليها ورمز للضعف بالبكاء .يقول:
وجئت أولول أمسك خصري كأن مسامير مدقوقة في ضلوعي..
ما أتعس السقم بالرجل.
ولعل العنوان العام “يد على الخاصرة “قد جمع بين متعة الرقص وهو يحرك خاصرته في الرباعية الاولى “خيلاء” وحدّة الألم وهو يمسك خصره من الالم
بيْد انه يتحدّى هذا الألم ليرتمي بين يدي قاتلته في الحب ضاربا مثل الفراش الذي
لا يهاب اللهيب والعبد الذي يأبى أن يمتثل ولو نهرته.
=== يتبع ===
=== يتبع ===
ان المبدع على لسان هذا الراقص والمحب المسن يحرك مشاعر القارئ لاقناعه باصرار هذا الراقص المحب على ان يعيش لحظات السعادة متحديا السن والعلل
فيقول: تبهنست أرمي بجسمي لقاتلتي..أرأيت فراشا يهاب اللهيب؟أم
العبد يأبى اذا ما نهرته يمتثل.
واذا به يستمتع بالحب وهي تمسده فيقول:
تمددت فوق سرير أصابعها أغرف الريق من كفها ويديها..
فبسملة وصلاة على سيد الرسل..
وهل اكثر من أنه يُشفى على يديها ويُشبهها بالنبي عيسى ابن مريم الذي يحيي ويشفي من العلل فيقول:
وأرجع كالجن أعتب اجحاف أجرتها هازئا:لا أخالك عيسى ابن
مريم تحيي وتشفي من العلل ..
انها قفلة متفائلة جدّا في حق هذا الراقص المحب المسن ايمانا من المبدع بان الحب لا يعترف بمسمى الشيخوخة وهو بذلك يتناص تماما بما استحضره القارئ اعلاه حول آراء الادباء من ان الحب يحمي الشيخوخة.
انها وجهة نظر حقوقية جعلت المبدع يمنح حقه في الحب رغم كبر سنّه.
وفي هذا الاطار ماذا يمكن ان يكون ردّ المشاكس؟
2- المشاكس عمر دغرير ووجهة نظره الاخلاقية الدينية( ازاء الحب وكبرالسنّ):
اختار المشاكس عمردغرير عنوانا لقصيدته” لولا عكازك” وهي جملة شرطية بأداة الشرط “لو” التي تفيد التمني وهو طلب المستحيل .
وجملة الشرط تنقصها جملة جواب الشرط لعلنا نقف عليها في غضون التحليل .
لقد فرّع المشاكس العنوان العام الى “كابوس” للرباعية الاولى و” ألا تشعر بالخجل؟” للرباعية الثانية.
يتوجه المشاكس بخطابه في الرباعية الاولى (كابوس) الى المبدع ليذكره بتناوله الدواء علّه يشفى او يعود له الشباب بعد ان غزا شعره الشيب وغابت عنه فتوّة الرجل.
ان المشاكس لا يخفي عنا تهكّمه بالمبدع الذي عيّره بالشيب رغم ان البعض قد يعتبر الشيب وقارا.
لكنه حرمه من فتوّة الرجل بما في ذلك من عجز فيقول:
تناولت قبل ان تلقي بجسدك المنهك فوق السرير حبوب الدواء
علك تشفى من العلل
فهل سيعود لك الشباب وقد غزا شعرك الشيب وهدّك
الكبر وغابت عنك فتوّة الرجل
وكم حاولت ان تنام في الليل مرتاحا ولكن ارقك السهاد ولم
يأتك الرقاد على عجل.
واكثر من ذلك فقد جعله مع الكوابيس دون ان ينسى ما حدث مع راقصة النزل. فيقول: وبتّ في حرب مع الكوابيس ولن تنسى ما حدث مع راقصة النزل..
ولئن ختم المبدع رباعيته الاولى (خيلاء) بتحمل الراقص المحب المسن ما اصابه من وجيعة بسبب الرقص فان المشاكس ختم رباعيته الاولى (كابوس) بان جعل المبدع يعيش كابوسا وهو يهذي مستمتعا براقصة النزل.
لئن ختم المبدع الرباعية الاولى بقفلة جعلت الراقص المسن يتوجع فان المشاكس جعل المبدع يهذي والوجيعة في الواقع او الهذيان مع الكوابيس هي حالة غير صحية يتفق عليها كل من المبدع والمشاكس.
ان هذا الهذيان مع الكابوس جعل المشاكس يتهكم مرة أخرى مخاطبا اياه في الرباعية الثانية (الا تشعر بالخجل؟) مستغربا من اللامبالاته وعدم خجله مما
يفعل .
ان المشاكس يُطلق عليه لسان سعدى التي انهالت عليه وهي المغتاظة لتوبخه وتعيّره بكبر سنه وبعدم احترام وضعه الاجتماعي .
والمشاكس هنا يثير قضية الحبيبة التي تقبل بزوجها وترضى بكبر سنه ولكن اذا تمرّد عليها بالخيانة فهي لا تبقي ولا تذر لتسمعه ما يكره. فيقول:
وفي الصباح راتك سعدى بالكاد تفتح عينيك وسمعتك تولول
وتئن من الفشل..
وقالت وهي تزيل عنك الغطاء (الشيب والعيب) أبعكازك ولا
تشعر بالخجل..
واكثر من ذلك فهي تذكره باحفاده الذين بلغوا من العمر ما يقتضي احترامهم وفي المقابل هو في ضلاله فيقول:
لك اليوم في المدارس والكليات احفاد متفوقون وانت في غيك
غارقا لم تزل…
وهل اكثر من ان تحرك شعوره الديني ليهتمّ بصلواته طالبا من الله الصحة والوقاية من الهبل فيقول:
فمثلك حريص على صلواته ويدعو الله ان يمنحه الصحة و
يقيه من الهبل…
ان هذه الفجوات والمقاطع النصية التي نبعت من خطاب سعدى قد تثير فضول
القارئ وقد يتعاطف مع سعدى التي تبدو صابرة ومتمردة في نفس الوقت:
– صابرة على كبر سنّه/ على استهتاره مع راقصة النزل /
– متمردة على عدم احترامه لوضعه الاجتماعي كجدّ متصابي / على تنكّره لعبادته في هكذا عمر متقدم.
انها وجهة نظر أخلاقية دينية.
وخلاصة القول فلئن كان طرح المبدع لثنائية الحب مع تقدم السن من وجهة نظرحقوقية فان المشاكس نظر لنفس الثنائية من وجهة نظر اخلاقية دينية.
سلم القلمان ابداعا ومشاكسة من وجهة نظرحقوقية او من وجهة نظرأخلاقية دينية.
بتاريخ 15 /11/ 2024
المراجع:
(1) احلام مستغانمي-قول للتاما-“الشيخوخة لا تحمي من الحب ولكن الحب يحمي من الشيخوخة”
https://elaph.com>culture>(2)
غابريال غارسيا ماركيز: عن الحب والشيخوخة والموت
يدٌ على الخاصر(المبدع حمد حاجي)”
(1- خُيلاء)
وشاركتُها رقصة (الفَالْسِ) في عرس جارتنا حين ألقيتُ عكازة الشيب والعللِ
ولم أحسب العمر يمشي على عرج حين طاوعني الظهر في أوّل الرقص والميل ..
وحين هممتُ أقبلها طقطق الضلع قال: أيا شيبة النحس يكفي من الضم والقبل..
وطول الطريق، أخبئ عنها وجيعة خصري فيا ويح من لم يقدر مشيبا يجيءُ على عجلِ
(2- بكاء الديوك)
وجئتُ أولولُ، أمْسِكُ خصري كأن مسامير مدقوقة في ضلوعيَ… ما أتعسَ السقمَ بالرّجلِ.
تبهنستُ أرمي بجسمي لقاتلتي… أرأيت فَراشًا يهاب اللهيب؟ أم العبدَ يأبى، اذا ما نهرتَهُ يَمْتَثِلِ ..؟
تمددتُ فوق سرير أصابعها أغْرفُ الريق من كفها ويديها… فبسملة وصلاة على سيد الرسل! ..
وأرجع كالجن أعتب إجحاف أُجرَتَهَا هازئا: لا أخالك عيسى ابن مَريَمَ تحيي وتشفي من العِلَلِ..!
( أ. حمد حاجي )
“”””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””
(المشاكس عمر دغرير)”لو لا عكازكَ”
(1ـ كابوس)
تناولتَ ,قبل أنْ تلقي بجسمكَ المنْهكِ فوقَ السرير,حبوبَ الدواء علّكَ تُشفى منَ العللِ
فهلْ سيعودُ لكَ الشباب وقدْ غزا شعركَ الشيبُ وهدّكَ الكبرُ,وغابتْ عنكَ فتوّة الرجلِ
وكمْ حاولتَ أنْ تنام في الليلِ مرتاحًا ,ولكنْ أرّقكَ السُهادُ ولمْ يأتكَ الرقادُ على عجلِ
وبتّ في حربٍ مع الكوابيس ,ولنْ تنسى ما حدث وأنتَ سكران مع راقصة النُزلِ …
(2ـ ألا تشعر بالخجل؟)
وفي الصباح رأتكَ سُعدى بالكاد تفتحُ عينيكَ, وسمِعتكَ تولول وتئن من الفشلِ …
وقالتْ وهي تزيلُ عنكَ الغطاء : (الشيب والعيب) أبعكازكَ ولا تشعر بالخجلِ…
لكَ اليومَ في المدارسِ والكلياتِ أحفادٌ متفوّقونَ وأنتَ في غيّكَ غارِقا لمْ تزلِ …
فمثلكَ حريصً على صلواتهِ , ويدْعو الله أنْ يمْنحهُ الصحّة و يقيهِ منَ الهبلِ …