قراءة نقدية :
“الومضة الشعرية والأوراق المتساقطة”
الشاعرة:الهام عيسى(سوريا)
الناقدة :جليلة المازني(تونس)
الومضة الشعرية:
مستور..
الشجرة عارية قدت من جذورها
أوراق هشّة خاوية تتساقط تباعا
مواقفها..تكشف عورات العلاقات
==================
القراءة النقدية :”الومضة الشعرية والأوراق المتساقطة”
استهلت الشاعرة ومضتها الشعرية بمفردة نكرة “مستور” في صيغة اسم المفعول من فعل ستر بمعنى خفي .
– فأي مستور تتحدث عنه الشاعرة؟
– هل ان الشاعرة تريد أن تكشف عن هذا المستور؟
استخدمت الشاعرة أسلوبا انزياحا دلاليا يقوم على الكناية فكنّت عن الأمة العربية بالشجرة والشجرة هي رمز الخصوبة والانتاج والحياة.
و الشجرة قد باركها الله في النص القرآني حين جعل أصلها ثابت في الأرض وفرعها في السماء.
بيد أن الشاعرة قد استخدمت مفارقة عجيبة بما تخفيه من تهكّم حين جعلت هذه الشجرة التي من المفروض أصلها ثابت في الأرض “عارية قدت من جذورها”.
وبالتالي هل ستكشف الشاعرة عن المستور وعن عراء جذورها؟
أي عراء ستكشفه الشاعرة للامة العربية؟
وهل أكثر من أن هذه الشجرة التي من المفروض أن فرعها في السماء يسقط على الارض.
لقد كنّت الشاعرة عن الدول العربية بالأوراق فتقول:
مستور.
الشجرة عارية قدت من جذورها
أوراق هشة خاوية تتساقط تباعا.
ان الشاعرة في أسلوب ساخر تتهكّم من الدول العربية لتصفها بالهشاشة والخواء:
والهشاشة هشاشتان:
1- الهشاشة النفسية:
“هي حالة تتميز بالضعف والانكسار العاطفي عند مواجهة التحديات والصعوبات في الحياة. الاشخاص الذين يعانون من الهشاشة النفسية يشعرون بالقلق والخوف والحزن والغضب بشكل مبالغ فيه ولا يستطيعون التعامل مع هذه المشاعر بطريقة صحية وايجابية”(1)
2- الهشاشة الاجتماعية:
الهشاشة الاجتماعية تعني “أن الحقوق للأقوياء فقط والضعيف لم يخلق إلا ليساعد الغني على ان يزداد ثراء وتعني ان الطبقات الاجتماعية تتلاشى حتى لا يبقى الا طبقتان(عليا وسفلى) وأهل الطبقة العليا لا يرتبطون مع الطبقة السفلى بشيء لان المصالح فيما بينهم قد تكون معدومة حيث لا تزاوج ولا تراحم”(2).
– هل ان هذه الهشاشة النفسية والهشاشة الاجتماعية هي من مواصفات الدول العربية الهشّة؟
+ هل ان الدول العربية تعاني من ضعف وانكسار عند مواجهة التحديات بالغرب؟
+ هل ان هذه الدول العربية الهشة هشاشة نفسية تشعر بالخوف والقلق والحزن والغضب؟
وهي بذلك في صراع على صعيدين:
* صراع بين الخوف والقلق مع الغرب :
– خوف من الغرب الذي يهدّد مصالحها في كل حين.
– قلق على سيادتها التي هي محل مساومة.
* صراع بين الحزن والغضب مع نفسها :
– حزن على ضعفها وعدم القدرة على التحدي.
– غضب لان قَدَرَهَا مع الغرْب شاءتْ أمْ أبَتْ.
+ هل ان هذه الهشاشة الاجتماعية تجعل الدول العربية مسلوبة الحقوق وبذلك يصبح العالم مقسم الى غرب قوي وغني وعالم عربي ضعيف وفقير؟
+ هل أن قدر الدول العربية ان تكون ضعيفة وفقيرة؟
وهل أكثر من أن هذه الدول العربية ليست هشة فحسب بل هي خاوية أيضا.
3- الخواء العربي :
والخواء هو الفراغ بين الارض والسماء والفراغ بين شيئين.
و”الشعور بالخواء عند الفرد هو الشعور بالحزن والخواء والفتور في أداء الانشطة اليومية.
ويواجه صعوبات في انجاز عمله وربما هو الشعور بعدم الثقة في النفس وهيمنة
مشاعر الفشل واليأس عليه “(3)
ان هذا الفراغ الذي تعيشه الدول العربية يتمظهر في :
أ- الخواء الروحي وهو ذاك “الشعور العميق في الاحتياج الشديد الى المال والشهرة والنفوذ”
ب- الخواء العاطفي هو تلك الفجوة التي يشعر بها الفرد عندما لا يجد من يفيض عليه حنانا ومشاعر.
ج- الخواء العقلي والفكري وهو خلو العقل والفكر مما ينفع ويُفيد.
د- الخواء القلبي حيث يعيش الانسان حياته وذلك الشعور بانقباض في قلبه
والخواء هي كلمة جوفاء فارغة لأنها تدل على الفراغ .
“والخواء اذا حل في أرض أقْفرها وتركها خاوية من عروشها وكذلك تفعل في القلوب تجعلها صحراء قاحلة وتستوطن الأرواح فتنتزع منها كل جميل وطيب
ويا ويح حالي عندما تستوطن العقول فتستنبط منها كل ما هو جميل ورائع”(4).
ان الدول العربية بهكذا هشاشة نفسية واجتماعية و بهكذا خواء روحي وعاطفي
ونفسي وقلبي وعقلي يجعلها تتساقط كأوراق الخريف اليابسة الميتة .
والمعنى محمول على المجاز .
ان موتها هو في فقدان حريتها وفي سلب سيادتها وفي فقدان حقوقها
وكل هذا العجز يحدّد مواقفها السلبية.
ولنا في مواقف الدول العربية ازاء القضية الفلسطينية أحسن مثال:
ان مواقف الدول العربية ازاء القضية الفلسطينية توزّعت بين متواطئ مع الكيان الصهيوني ومتخاذل وأكثر من ذلك مُطبّع معه.
وبذلك لا تكون العلاقات بين الدول العربية والغرب محدودة فحسب بل علاقة حاكم ومحكوم وعلاقة اليد العليا واليد السفلى وعلاقة القوي والضعيف وعلاقة العبد بسيده.
– هل هذه المواقف المشينة هي عورات العلاقات التي تريد الشاعرة ان تكشفها؟.
– هل هذه المواقف هي كشف المستور والمخفي الذي تريد الشاعرة تعريته؟
ان “كلمة عورة تعني سوأة الانسان وكل شيء يستحي منه وذلك كناية وأصلها من العار لما يلحق من ظهورها من العار أي المذمّة وفي الاسلام تعني كل ما على المسلم أن يستره”(5).
تقول الشاعرة : “مواقفها… تكشف عورات علاقاتها”
ان عورات العلاقات هي مجلبة للعار والمذمّة.
وكأني بالشاعرة وهي تكشف المستور تدعو الى ستر هذه العورات بمواقف جديدة لا بمُوَاراتها بل بمراجعة المواقف للدول العربية التي تحفظ كرامتها وتعيد اليها سيادتها وانسانيتها حتى لا تتساقط كأوراق الخريف الميتة.
سلم قلم الشاعرة الهام عيسى الذي تميّز مظهرا وجوهرا وايجازا لفظا وايحاء معنى.
بتاريخ 14 /11 /2024
المراجع:
https://ataabalsam.com>..(1)
الهشاشة النفسية- عطاء البلسم
https://www.okaz.com.sa>articles(2)
الهشاشة الاجتماعية.. تقيض للعلاقات وخسفة للتركيبة المجتمعية
https://wwww.mayoclini.oag>syc2.(3)
https://alnaba.news>…(4)
خواء – صحيفة النبأ الالكترونية
https://ar.wikipedia.org>wiki>(5)
عورة.