قد نتساءل عن وضعنا الحالي و تباعد الواقع قد نتساءل عن وضعنا الحالي و تباعد الواقع المعاش عن الافتراضي الذي نرنو إليه ونطمح إلى معانقته والاتصاق به في أقرب الاجال الممكنة، وقد نستغرب من الأيام والاقدار وغيرها التي خيبت آمالنا وجعلتنا نعاني الويلات ،حتى أننا أمسينا نلومها عامة والسنوات خاصة.
فقد سرقت الأيام صحتنا وعافيتنا،ابتسامتنا وطموحنا،شموخنا وكبرياءنا،أنفتنا وشخصياتنا الصلبة والقوية التي كان يرتعد منها القريب والبعيد فصح علينا القول” كل قوة إلى الضعف ترجع “….
وجردتنا من معظم أحلامنا وأمانينا تماشيا و “ما كل ما يتمناه المرء يدركه “،انتظاراتنا ومخططاتنا،أهدافنا ومرامينا،استقلاليتنا وحريتنا التي آمنا بها واعتقدنا أنها مكسب لا يمكن لأحد أن يجادلنا فيه أو يحرمنا منه وفقا ل” متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا “….
ثم نالت منا ومن طموحاتنا ورؤانا المستقبلية تصديقا لقوله” وما تشاؤون إلا أن يشاء الله “،هدمت قصورنا الورقية وأفرغت جعابنا من كل سهام كانت ستصيب أهدافها (وفق ما كنا نعتقد) وتحقق مبتغياتها،أسدلت علينا ستار السراب والحلم والتمني وتركتنا في مواجهة الواقع الذي لا يرحم….
فلم تترك شيئا لم تفعله بنا إلى أن بتنا عبيدا لها ،مستسلمين،خانعين،طائعين،أذلة وتوابعا لها ولإرادتها وقدراتها وهداياها التي تسير عكس توقعاتنا “تجري الرياح بما لا تشتهي السفن”…..
لكن، هل فكرنا يوما لماذا فعلت بنا كذلك ولا تزال ؟ لماذا لم ترحمنا ولم تعطنا ولو نزرا قليلا من توقعاتنا؟ لماذا رضخت للبعض وأدارت ظهرها للأغلبية ؟لماذا أضحكت بعضا وأبكت كثيرا ؟….
ففي الحقيقة ،هناك العديد من الأسئلة المماثلة التي يجب الوقوف عندها ومحاولة البحث فيها عسانا نهتدي إلى حلول جذرية أو جزئية للبعض من الإشكاليات التي تعرضنا لها سلفا (لأن الكلية ليست بشرية بطبيعة الحال و “الكمال لله ” وحده سبحانه وتعالى ).
فمن خلال بحثنا (الشخصي المتواضع الذي يلزمني دون غيري بما فيه من هنات واخلالات ونقائص كما يراها البعض) يبدو أن الأسباب عديدة ومتعددة على جميع الأصعدة كما سنرى لاحقا:
فعلى الصعيد الديني ،فإننا ابتعدنا عن الدين وجانبنا ما جاء به من قواعد وقوانين وقيم حتى ضعف الوازع واهترئ وأمسينا “مسلمين بلا إسلام” نعتنق الديانة الإسلامية ولا نعمل بها إلا في المناسبات الكبرى كرمضان والعيدين (وحرب الصهاينة ضد إخواننا في غزة ولبنان وغيرها خير دليل على عدم غيرتنا وذودنا على مقدساتنا الدينية وعلى مكتسباتنا وعاداتنا وتقاليدنا السمحة المستمدة من هذا الدين النبيل)
أما على الصعيد الإجتماعي ،فإن اندثار الطبقة الوسطى خلف شرخا كبيرا في كل المجتمعات وزاد في تعميق الهوة بين الطبقتين الباقيتين مما زاد في نمو الجريمة والسرقة والتحايل وغيرها، وباعد بين الأب والإبن والاخ والأخت وسنوهما في بقية العائلات والمجتمعات،تغلغل الوسائل الإجتماعية في أجساد وأرواح وعقول الجميع وتأثيرها السلبي عليهم (بنسب متفاوتة) وجعل العالم قرية صغيرة مكشوفة للجميع على جميع الأصعدة والميادين ، الشيء الذي زاد من حقد وكراهية البعض حتى لأنفسهم ووضعياتهم ومحاولتهم الهجرة غير النظامية لتحسين أوضاعهم وتحقيق أحلامهم ولو ركبوا البحر وابتلعتهم الحيتان (بما أنهم أموات وهم أحياء كما يقولون)…
أما اقتصاديا ،فإن الحوكمة المعاصرة والسياسة الإقتصادية العالمية المنتهجة أثبتت إفلاسها وانتجت أزمة إقتصادية عالمية غذت بقية الأصعدة والقطاعات وزادت في تفقير دول وأمم وحضارات مقارنة مع دول وأمم وحضارات أخرى متقدمة ومتطورة وثرية وما إليه…
تعليميا (يخص الدول العربية والإسلامية خاصة) فإن المنظومات المعتمدة تقليدية وعقيمة لا يمكنها أن تنتج غير الرداءة والتأخر والتقهقر الكلي في جميع الميادين والقطاعات ،زد على ذلك عدم قدرة المسؤولين على تدارك الوضعية الهشة والسعي إلى تحسينها (تنفيذا لتوصيات “السادة” و “قادة العالم” الذين لا يريدون الخير لأمة التوحيد والناطقين بالضاد).
صحيا كذلك ،فإن هذا القطاع بقي مجمدا وراكدا ركود مياه الأوحال في الأودية والمجاري، بل إنه أضحى ضحلا ومتهالكا مما أدى بنخبة وفطاحلة الميدان (الأطباء والاطارات شبه الطبية خاصة) إلى الهجرة دون تفكير أو تردد إلى دول “الأورو” و “الدولار”….
إلى جانب عدم توافق أحلامنا وطموحاتنا وأمانينا وغيرها مع مؤهلاتنا الأكاديمية والعلمية وقدراتنا وتجاربنا وغيرها،فسقف انتظاراتنا عال جدا ولا يخضع لأي ضوابط وقوانين ،بل إننا نريد ونريد ونريد ولا نقوم بأي عمل أو محاولة….
دون أن ننسى بطبيعة الحال عدم احترامنا للوقت وايلائه ما يستحقه من تبجيل وعناية، عدم اكتراثنا بالأعمال المنجزة من ناحية الجودة والحرفية والإتقان (في أغلب الأحيان)،وعدم تحمل مسؤوليتنا في أقوالنا وأفعالنا وخاصة عند الخطأ…
فنحن (العرب والمسلمون) أمم مستهلكة، موردة،متواكلة،خانعة،تابعة،منبهرة بالغير وحاسدة لها ،نسعى إلى اللحاق والإطاحة بها ونحن في أماكننا وأسرّتنا التي نتوق إليها ونعشقها إلى درجة الهيام (بما أنها مصدر راحتنا ونومنا المتواصل )…..
وغيرها من الأسباب التي تجعل الأيام تقف ضدنا وتصدنا عن ارتكاب مزيد من الأخطاء والشرور والمعاصي،تصفعنا وتلكمنا وتركلنا وتجبرنا على الاستفاقة ونقد ما نقوم به عسانا نتحرك وننقذ ما يمكن انقاذه ونعدّل ما يمكن تعديله…
فنحن -نهاية – نستحق ما يحصل لنا و نعانيه رجوعا لما سبق ذكره وعرضه في هذا المقال المختصر ما دمنا لم نوازن بين العرض والطلب ولم نطلب الذي نقدر على تحقيقه لاحقا “إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع”، ما لم ننتقل من مرحلة الاستهلاك الخالصة إلى مرحلة الإنتاج والإبداع والخلق وغيرها من سمات النجاح والفلاح،ولا ننسى أنه” لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”….
” العرض والطلب ”
بقلم: ماهر اللطيف
” العرض والطلب”
بقلم: ماهر اللطيف