في مثل هذا اليوم 20 نوفمبر 1979م..
جهيمان العتيبي وأتباعه يقتحمون المسجد الحرام في مكة ويعلنون عن ظهور المهدي المنتظر.
حادثة الحرم المكي بدأت أحداثها فجر يوم 1 محرم 1400 الموافق 20 نوفمبر 1979، حين استولى أكثر من 200 مسلح على الحرم المكي وهو من مقدسات المسلمين، مدعين ظهور المهدي المنتظر، وذلك إبان عهد الملك خالد بن عبد العزيز. هزت العملية العالم الإسلامي برمته، فقد وقعت مع فجر أول يوم في القرن الهجري الجديد، وتسببت بسفك للدماء في باحة الحرم المكي، وأودت بحياة مصلين مدنيين، ورجال أمن، ومسلحين متحصنين داخل الحرم. الكثير من المسلمين شجبوها وأنكروها ووقفوا ضدها.
يؤمن أهل السنة والجماعة بقدوم مجددين للدين كل مئة عام مستندين في ذلك إلى الحديث الذي رواه أبو داود في سننه أن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم قال:
” إنَّ اللهَ يَبعثُ لهذِهِ الأُمَّةِ على رأْسِ كلِّ مِائةِ سنةٍ مَنْ يُجدِّدُ لها دِينَها “
وهو حديث صحيح كما يؤمن المسلمون بقدوم المهدي والذي ينتسب إلى آل بيت الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وأن اسمه محمد المهدي كما في إحدى الروايات. أطراف المعادلة أصبحت كاملة من وجهة نظر جهيمان العتيبي قائد العملية، القرن هجريّ الجديد قادم، وصهره ورفيقه يسمّى “محمد بن عبد الله”، و”الفساد” مستشر، و”البعد” عن الصراط المستقيم ظاهر، إذن، لم يبق إلا بيت الله الحرام ليلوذ إليه “المهدي المنتظر”، وتتحقق البشارة.
وفي سياق آخر كان نشاط التيارات الإسلامية في أوجه، بداية بحركة الإخوان المسلمين في مصر، وبدء تشكل التيارات الإسلامية في بعض المناطق السعودية والعالم العربي، والتحركات الإسلامية في سوريا، ومن جانب آخر إبرام معاهدة كامب ديفد، وما يبدو من أنه بدء الاعتراف العربي الرسمي بانتهاء عهد الحروب مع إسرائيل وبدء الاعتراف بوجودها الطبيعي، وأخيراً انتصار الثورة الإسلامية في إيران الذي ولّد لدى تيارات إسلامية أخرى تصور إمكانية تكرار مشابه لما فعله الخميني في إيران، وتخوف الحكومات العربية والعالمية في نفس الوقت من نجاح حركات إسلامية في السيطرة على بلدان أخرى في المنطقة، ونشوء دول أو جمهوريات إسلامية خارج نطاق السيطرة. ومن الجدير بالذكر أن أحداث الحرم بدأت بعد 16 يوماً على بدء أزمة الرهائن في السفارة الأمريكية في طهران.
مبررات الهجوم
جهيمان العتيبي
وقد برر جهيمان العتيبي قائد العملية هجومه باعتباره نصرة للمهدي المنتظر الذي سيملأ الأرض قسطًا وعدلا كما ملئت فجورًا وظلما والدعوة إلى مبايعة محمد عبد الله القحطاني، خليفة للمسلمين، وإماماً لهم على أنه المهدي المنتظر.
الأحداث
ساعة الصفر
بعد صلاة الفجر يوم 1 محرم 1400هـ الموافق 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1979م، وقف جهيمان العتيبي وبجانبه محمد عبد الله القحطاني، ليعلن أمام المصلين خروج المهدي، وطلب منهم مبايعة محمد القحطاني باعتباره المهدي الواجب اتباعه، وفي هذه الأثناء، قامت مجموعة من الرجال التابعين له “والذين تبين فيما بعد أنهم من 12 دولة مختلفة بينهم أمريكان وقاموا باستخراج أسلحة خفيفة من توابيت أدخلت قبل الصلاة باعتبارها تحوي على جثامين لموتى للصلاة عليهم في المسجد، ولكنها كانت معبأة بالأسلحة والذخيرة بدل من ذلك، وتمكن المسلحون من إغلاق الأبواب وسد المنافذ الحرم والتحصن بداخله، وتمكن عدد من المصلين الذين كانوا داخل الحرم لتأدية صلاة الفجر من الفرار أما الباقون و”يقدر عددهم بمائة ألف” فيبدو أن الكثير منهم اضطروا بشكل أو بآخر إلى مبايعة محمد عبد الله القحطاني باعتباره المهدي المنتظر.
وعلى الرغم من التخطيط المحكم للعملية، إلا أنها استهلت بمقتل أحد الحراس على يد أحد المسلحين المنفعلين، وهو أمر يمثل خرقاً واضحاً وعظيماً لحرمة البيت الحرام. حيث يحرم سفك الدماء. و من المؤكد أن جهيمان ألقى خطبة عبر مآذن الحرم أثناء الحصار، وقد بثتها الإذاعات العربية والعالمية وكانت تحوي على الكثير من الخطب والاتهامات للأسرة الحاكمة السعودية وبعض الاعتراضات على نمط الحياة العامة للناس وكيف استشرى الفساد وكان صداها يتردد بين جبال مكة وأحياءها في أوقات متفرقة، كما تم توجيه دعوات إلى أهل مكة والقوات السعودية الخاصة التي تحاصر الحرم للتوبة والانضمام إلى المسلحين ومبايعة المهدي.
إصدار فتوى تُبيح التدخّل
وجدت الحكومة السعودية نفسها محرجة ومكبلة في مواجهة العملية، وبدت كما لو أنها مصابة بالشلل. وتحدث بعض المحللين بأنها تعاملت مع حادثة الحرم على أنها محاولة انقلابية تستهدف الإطاحة بالنظام السعودي بأسره، الأمر الذي خلق جواً عاماً من الريبة في كل أنحاء المملكة. وكان لا بد قبل الشروع في أي عمل عسكري من استصدار فتوى تبيح التدخل بالقوة وإدخال الأسلحة إلى داخل الحرم المكي لإنهاء الحصار، وتمكنت السلطات، حسب بعض المصادر، من الحصول “على أصوات 32 من كبار العلماء لاستخدام القوة ضد حركة جهيمان.
بدء الهجوم
بعد إصدار فتوى تبيح اقتحام المسجد الحرام بالأسلحة تم الهجوم.
اقتحام المسجد والقضاء على المسلحين
الدخان يتصاعد من الحرم المكي خلال إقتحام رواق الصفا والمروة.
في العاشرة صباحًا (حسب بعض المصادر) من يوم الثلاثاء 14 محرم 1400هـ الموافق 4 ديسمبر/كانون الأول 1979م وبعد انقضاء أسبوعين على الحصار، بدأ الهجوم واستمر حتى حلول المساء حيث تمكنت قوة سعودية من الاستيلاء على الموقع وتحرير الرهائن في معركة تركت وراءها نحو 28 قتيلاً من الإرهابيين وقرابة 17 جريح من قوات الأمن والمصلين، وتم إخراج الباقيين أحياء ومنهم جهيمان العتيبي الذي أُعدم فيما بعد.
تم أسر من تبقى على قيد الحياة ومن بينهم جهيمان العتيبي، في حين كان محمد بن عبد الله القحطاني بين القتلى. ونفذ في الناجين حكم الإعدام يوم الأربعاء 21 صفر عام 1400هـ الموافق لـ 9 يناير/كانون الثاني 1980م بعد أن قسموا إلى أربع مجموعات أعدم أفرادها في ساحات أربع مدن رئيسية في البلاد.!!