قراءة نقدية مزدوجة:
“القصيدة بين الخصم والحكم”
فقرة جمع بصيغة المفرد(مبدع / مشاكس /ناقدة )
المبدع حمد حاجي (تونس)
القصيدة ” مولاي.. الهارب بالجبة”
المشاكس عمر دغرير (تونس)
القصيدة: “شيخ بمسبحة وتهوى جمع النساء”
الناقدة جليلة المازني (تونس)
أ- المشترك بين الابداع والمشاكسة:
– التناص المعجمي.
– تسريد الشعر.
– الكوميديا الساخرة
– المزاوجة بين الشعري والتشكيلي.
ب- المختلف بين الابداع والمشاكسة:
1- المبدع حمد حاجي بين الخصم والحكم:
أسند المبدع عنوانا لقصيدته “مولاي.. الهارب بالجبة” يحمل مفارقة بين وقار “مولاي “وخوف “الهارب بالجبة”.
عادة الوقار يجعل صاحبه ثابتا وواثق الخطوة .
– من يكون “مولاي”؟
– لماذا مولاي هارب بالجبة؟
استهل المبدع قصيدته بتشبيه نفسه بالكهف في عزلته ووحشته ووحدته وجموده
لأنه لم يَرَ أنثى يستمتع بالحديث معها أو يُواعدها كما عهدناه فيقول:
كما الكهف…أجثم وحدي..
أسابيع …ما شفت أنثى تمرّ ولا بالمدينة رائحة أو غوادي
كأنه شحت شوارع منهن.. أوّاه ..جارت عليّ بنات بلادي.
لعل القارئ يتدخل هنا متسائلا:
– كيف يزعم المبدع شحّ شوارع المدينة من البنات والمدينة تزخر بالجميلات؟
– لماذا هذه المرّة لم تتهافت عليه البنات وهو النرجسي المعشوق من طرف
الحبيبة دائما؟
– هل يُخفي عنّا المبدع سبب ما هو عليه من قلق؟
وكأني بالمبدع جنّد نفسه ليبحث عن مبتغاه وسط الزحام بالمدينة وهو في ذلك يشي لنا بالشابّ المراهق أو زير النساء الذي يترصّدهن أينما كنّ سبيله الشهوة والاشتهاء.
والقدَرُ جعله يلمح بنتين واحدة تعشقها والأخرى صديقتها فاقتفى أثرهما وبذلك كشف لهفته وفضح جنونه لهما فيقول:
لمحتهما في الزحام
– الصديقة سمراء سحلية
– والتي قد تعشقت خضرا الضفيرة لابسة بالرمادي…
تبعتهما كالرصيف
وكلتاهما رأتا بالدليل
جنون فؤادي ورقّ الصبابة وقت انقيادي…
ان هذا الجنون والانقياد ينفيان عنه ما وصفناه به من وقار انطلاقا من العنوان.
انه سيدخل في حوار معهما والحوار يكشف المواقف ويفضح النوايا. فيقول:
وقلت :أنا حسب الله..
أملك فيلا على البحر..الحال جيدة
والحلال مرادي..
انه يكشف موقفه بانه يُراهن على غناه ويُسْر حاله لاغراء من تعشقها بل هويبغي الحلال وهو الزواج.
وها هو يُوسّع الحوار متغزلا بمن تعشقها ليعرف اسمها.
واذا بها تكشف لنا تقدّمه في السن هذا التقدم في السن الذي افترضناه منذ العنوان وهو السبب في نفور البنات من حوله وهو ما كان يخفيه في البداية عن القارئ.
والمعشوقة تؤكده لنا حين ردّت عنه:
– أسماء قالت..
بما شئت يا شيخ ادع وناد…
وكأني بهذه المعشوقة تردّ عن تساؤلات القارئ في البداية :
ان البنات لم تتهافت عليه لأنه كبير في السنّ لذلك كان قلقا لانه لم ير أنثى لأسابيع.
واذا بها وفي نبرة ساخرة ومتهكمة تبدي اشمئزازها منه فيقول:
فمالت تلوم رفيقتها..
ويح شيبته…
ما بمدائنكم من يردّ العجوز لنهج الرشاد؟
وكأني بها تعيّره لا بكبر سنه فحسب بل بقلة عقله.
ان هذا” المُتصابي” يدهشنا مرتين:
– حين اكتشف أن معشوقته هي سعاد التي يشتهي استبدالها ببنت من شارع المدينة.
– حين انهالت عليه سعاد بالحجارة اقتصاصا منه واذلالا له. فيقول:
وكنت بطول الطريق أرنّ كما علكة في اللهاة
ولمّا أشاحت على غرة شالها..
فاذا هي شبه سعاد…سعادي
وفي لحظة تفتفت..
ورمت بالحجارة صوبي
فشمّرت عن جبتي هاربا.مثل مهر الجياد..
ان هذا العاشق المتصابي حين تفطن انها سعاد تظاهر بمعرفتها وتربج بها (سعادي) لعله يمتصّ غضبها لكنها رجمته بالحجارة كأنه شيطان بخداعه وخيانته لها.
يبدو أن سعاد قد تقمّصت دور المعشوقة لتكشف خيانة زوجها باتفاق مع صديقتها
فوقع في فخ سعاد الداهية وكان ضحية اشتهائه النساء.
واذا بها تخلع عنه جبّة الوقار أربع مرات:
– حين عيّرته بشيْبته وقلة عقله.
– حين صدمتْه بهوّيتها أنها سعاد فارتجف وتظاهر بمعرفتها.
– حين رجمته بالحجارة كما يُرجم الشيطان الذي عصا ربّه.
– حين فرّ هاربا خوفا وجُبْنا .
ازاء قوة سعاد وسيطرتها على الموقف وانتقامها منه هل سينشرح صدر المشاكس ويصفق لسعاد باعتبارها أخذت حقها بيدها وانتهى الامر أم ان المبدع لن يسلم من مشاكسته كما دوما؟؟؟
=== يتبع ===
=== يتبع ===
2- المشاكس عمر دغرير بين الخصم والحكم:
عَمَد المشاكس بعنوان قصيدته (شيخ بمسبحة وتهوى جمع النساء)الى مفارقة جعل فيها المبدع يجمع بين ذكر الله وهواية جمع النساء.
منذ العنوان يبدأ المشاكس في تهكّمه من المبدع الذي جعله باستخدام أسلوب انزياحي تركيبي قائم على الاستفهام ساخر يجني على نفسه بالوحدة بسبب اجرامه في حق النساء والغدر بهن رغم تظاهره بالورع فيقول:
ألم تسأل نفسك لماذا صرت وحيدا؟
والكلّ يعلم أنك أجرمت في حق الرائحات والغاديات
من نساء البلاد..
أتذكر يوم كنت بالكاد تمشي بعكازة في يد
وفي اليد الأخرى مسبحة؟
وكم كثرت المسابح في الايادي..؟
وباستخدام أسلوب بديعي قائم على التورية يواصل المشاكس التهكّم منه حين يذكر أسماء معشوقة المبدع ولكنه لا يقصدها بل يقصد معنى آخر وهو الجمع لاسم (أسماء) ساخرا من المبدع بسبب كثرة أسماء النساء التي يعشقها فيقول :
هي بالفعل (أسماء)
وفي كنش كنت تحفظها
وكل اسم أمامه عدد حتى كدت تجنّ بالأعداد
ولئن جعل المبدع سعدى تُوقعُه في الفخ حين نصبت له فخ المعشوقة مُتنكّرة فان المشاكس هو الآخر جعل سعدى تكتشف كنش أسماء معشوقاته لتحرقها ولن يعرف اسمًا بعدها فيقول:
وصادف أن عثرت سعدى على الكنش
في جيب جبتك
وعرفت كم امرأة تحفظ اسمها فضّلتها على سعاد
ومن حسن حظك تركتك سعدى في نومك
وألقت بالكنش في التنور..
وانتظرت قدوم أولادك والأحفاد..
لقد اشتكت سعدى أمر هذا العاشق المتصابي الى أولادها وأحفادها الذين استغربوا من تصرفه وكأني بها اتخذت موقفين:
– موقف التحريض عليه فكان استغرابهم من تصرفه وغضبهم عنه.
– موقف تحكيم الابناء والاحفاد للقيام بدور الحاكم واصدار الحكم عليه .
ولئن جعل المبدع سعدى تأخد حقها بنفسها من زوجها المتصابي الخائن لتشرح صدرها بنفسها وتطفئ غيظها بنفسها فتكشف خيانته وترْجُمُه بالحجارة.
فان المشاكس جعل سعدى ذات الصفتين:
– صفة المغتاظة التي تحرق كنّش خياناته.
– صفة المُتعقّلة التي نصّبت لنفسها مُحَامين من الاولاد والاحفاد وحاكمًا منهم فيدافعوا عنها ويحكموا عليه فيقول:
وللجميع حكت في المساء
قصة شيخ يهوى جمع النساء
وصاح الاطفال: أيحدث هذا مع الأحفاد؟..
وحين عدت من المسجد :(بابا.جدي)
ماذا تقول في شيخ يجمع النساء
كما طوابع البريد ؟,هكذا فاجأك أحد الاحفاد..
وكأني بأحد الاحفاد مُعلّم بارع خبيرلا يعْمد الى طريقة التلقين التقليدية بل وبأسلوب ساخر حين قارن بين جمع النساء بجمع الطوابع البريدية تعريضا به جعله يتعلّم الدرس تعلما لن يمحوه الحدثان.
ويبدو ان المبدع استوعب هذه المقارنة والتعريض به ففهم الدرس وتعلّمه فكان في نفس الوقت الخصم والحكم ليحكم على نفسه .يقول المشاكس:
وكم وددت أن تبتلعك الأرض
فابتلعت لسانك, فقط عيناك قالتا:.
عيب..هذا كلام شوارع..لا أسمح به لأولادي..
وفي هذا السياق لئن جعل المبدع سعدى هي الخصم والحكم حين جعلها تأخذ حقها بيدها فان المشاكسَ قد جعل المبدعَ هو الخصم والحكم .
وهل أكثر من أن هذا الشيخ المتصابي يحكم على ما فعله بالعيب الذي لا يرضاه لأولاده ؟؟؟
ان القصيدتين قد تنافذتا على أجناس من السرد وتزاوجت مع التشكيلي:
1- تسريد الشعر :
* كل من المبدع والمشاكس قد عمد الى تسريد القصيدة بتوظيف مقومات السرد(اطار زمكاني/ شخصيات /احداث) وأركان السرد (الوصف والحوار).
* انفتاح القصيدتين على جنس آخر من السرد وهو أدب الكوميديا الساخرة
فالمحاكاة الساخرة باستخدام السخرية والقياس والمقارنة والتورية.. تنقل لنا رسالة أخلاقية:
– سعدى التي لم تعد تعجبه بالمنزل تراءت له “غزالة “بشوارع المدينة.
– سعدى التي كانت خصْما له أصبحت هي الحكم لتحكم عليه بالرّجْم بالحجارة.
– سعدى التي استضعفها قد اقتصّت منه شرّ اقتصاص.
– سعدى التي استضعفها كانت أعقل منه بان قلبتْ الطاولة عليه فجعلته الخصم والحكم بتحكيم أولادها وأحفادها.
والرسالة الاخلاقية قد اختزلها:
– المبدع في هروب المتصابي ندما عمّا اقترفه في حق سعدى.
– المشاكس حين جعل الشيخ المتصابي ينطق بالحكمة قائلا:
“عيب ..هذا كلام شوارع.. لا أسمح به لأولادي..”
2- المزاوجة بين الشعري والتشكيلي:
كل من القصيدتين تنْحتُ لنا لوحات تشكيلية بدْءا من العنوان ومرورا بمقاطع القصيدتين ووصولا الى القفلة.
– ان القصيدتين قد أخذت كذلك بعين الاعتبار نظرية التلقي بتواتر الفجوات النصية:
+ الفجوات النصية عند المبدع بلغت عشرين فجوة نصية(20) وكأني بالمبدع يستعطف القارئ ويحكّمه شعورا منه بالذنب.
+ الفجوات النصية بلغت عند المشاكس عشرة فجوات(10) وكأني به قلّص من تدخل القارئ وتحكيمه لفائدة تحكيم الأولاد والأحفاد.
وخلاصة القول فان كلّا من المبدع والمشاكس قدجعل قصيدته تنفتح على السرد
خاصة على الكوميديا الساخرة وتتزاوج مع التشكيلي وتأخذ بعين الاعتبار نظرية التلقي .
بيد ان كلّا منهما قد وقف موقفا من سعدى .فلئن جعلها المبدع الخصم والحكم فالمشاكس “أوحى” لسعدى أن تقلب الموازين أمام المبدع لتجعله الخصم والحكم.
سلم القلمان ابداعا ومشاكسة خصْما وحكما.
بتاريخ 20/11/2024
مَوْلَايَ… الهارِبُ بالجُبَّةِ”( المبدع حمد حاجي)”
كما الكهف… أجثُمُ وحدي…
أسابيع… ما شفت أنثى تمرّ ولا بالمدينة رائحة أو غوادي
كأنّه شحّت شوارع منهنّ… أوّاهُ… جارت عليّ بناتُ بلادي..
*****************************************
لمحتُهُما في الزحام،
– الصديقة سمراءُ سحلية
– والتي قد تعشقتُ خضرا الضفيرة لابسة بالرمادي…
*************************************
تَـــبِعْتُهُـــمَـــا كالرصيف،
وكلتاهما رأتا بالدليل
جنون فؤادي ورِقّ الصبابة وقتَ انقيادي…
************************************
وقلت: أنا حَسَبَ الله…
أملك فيلا على البحر… الحال جيّدةٌ
والحلال مرادي…
**************************************
وبادَرتُها: ما اسم هذي الغزالةِ؟
– أسماءُ، قالت…
بما شئت يا شيخ ادعُ..ونادِ…..
********************************
فمالت تلومُ رفيقتها…
ويح شيبته …!
ما بمدائنكم من يَرُدُّ العجوزَ لنهج الرشاد؟…!
***********************************
وكنتُ بطول الطريق أرنُّ كما علكة في اللّهاةِ
ولما أشاحت على غرّةٍ شالها …
فإذا هي شبه سعادٍ… سعادي
**********************************
وفي لفتةٍ، تَفْــــــتَـــــفَتْ…
وَرَمَتْ بالحجارة صوبي،
فشمّرتُ عن جبّتي هاربا… مثل مهر الجياد…
( ا.حمد حاجي)
“””””””””””””””””””””””””””””””
(المشاكس عمر دغرير)”شيخ بمسبحة وتهوى جمْع النساء”
ألمْ تسألْ نفسكَ لماذا صرتَ وحيدا ,
والكلّ يعلمُ أنكَ أجرمْتَ في حقّ الرائحاتِ والغادياتِ
منْ نساءِ البلادِ …
“””””””””””””””””””””””””””
أتذكرُ يومَ كنتَ بالكاد تمْشي بعكّازة في يدٍ,
وفي اليَدِ الأخرى مِسْبحَة ,
وكمْ كثرتْ المسابحُ في الأيادي …
“”””””””””””””””””””””””””
هيّ بالفعل (أسماءٌ)
وفي كنّشٍ كنت تحفظها ,
وكلّ إسْم أمامهُ عَددٌ, حتى كدْتَ تُجنّ بالأعْدادِ …
“”””””””””””””””””””””””””
وصادفَ أنْ عثرتْ سُعدى على الكنشِ,
في جيب جبتكَ
وعَرفتْ كمْ إمرأة ,تحفظَ إسْمها, فضلتها عنْ سعادِ …
“”””””””””””””””””””””””””””
ومنْ حُسْن حظكَ, تركتكَ سعدى في نومكَ,
وألقتْ بالكنش في التنورِ ,
وانتظرتْ قدومَ أولادكَ والأحْفادِ …
“””””””””””””””””””””””””””””
وللجميعِ حكتْ في المساء ,
قصّة شيخ يهوى جمع النساءِ,
وصاح الأطفال : أ يحْدثُ هذا مع الأجْدادِ ؟…
“””””””””””””””””””””””
وحينَ عُدتَ منَ المسجد :(بابا..جدي)
ماذا تقولُ في شيخ يجمع النساءَ
كمَا طوابع البريدِ , هكذا فاجأكَ أحدُ الأحفادِ ….
“”””””””””””””””””””””””””
وكمْ ودَدتَ أنْ تبْتلعكَ الأرضُ ,
فابتلعتَ لسانكَ , فقطْ عيْناكَ قاَلتا: :
عيبْ ..هذا كلامْ شوارعْ ..لا أسْمحُ بهِ لأوْلادي